الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
وَهُوَ: حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْضِهِ وَيُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ وَيُبَاحُ عِنْدَهَا وَيُسَنُّ لِتَضَرُّرِهَا نِكَاحٍ ولِتَرْكِهَا صَلَاةً، وَعِفَّةً وَنَحْوَهُمَا
كتاب الطلاق
الطلاق والطلقة: مصدرُ طلقت المرأة بفتح اللام وضمِّها: بانت من زوجها، والجمعُ طَلَقاتٌ بفتح اللام، فهي طالقٌ، وطلَّقها زوجها فهي مطلقة، وأصله في اللغة: التخلية، يقال: طَلَقتِ الناقةُ: إذا سرحت حيث شاءت، وحُبس فلان في السجن طلقًا بغير قيدٍ، والإطلاق: الإرسال.
وشرعًا: ما ذكره المصنِّف بقوله: (حل
…
إلخ).
قوله: (حلُّ قيد النكاح) أي: بإيقاع نهاية عددِه. قوله: (أو بعضِهِ) أي: أو هو، أي: الطلاق: حل بعض القيد بإيقاع ما دون النهاية. قوله: (ويكره بلا حاجةٍ) أي: بأن كانت حالُ الزوجين مستقيمةً. قوله: (ويباح عندها) أي: عند الحاجة، كسوء خلق المرأة، والتضرُّر بها من غير حصول الغرض بها. قوله:(ويسن لتضررها) أي: الزوجة ببقاء النكاح لبغضه أو غيرِهِ. قوله: (ولتركِها صلاةً) أي: بتأخيرها عن وقتها. قوله: (وعفَّةً) أي: ولتركِها عِفَّة بزناها ونحوهما، كتفريطها في حقوق الله تعالى، إذا لم يمكنه
وَهِيَ كَهُوَ فَيُسَنُّ أَنْ تَخْتَلِعَ إنْ تَرَكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجِبُ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ عَدْلَيْنِ فِي طَلَاقِ أَوْ مَنْعٍ مِنْ تَزْوِيجٍ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ فَيَصِحُّ وحَاكِمٍ عَلَى مُولٍ، وَيُعْتَبَرُ إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ لِفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ وحَاكٍ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا نَائِمٍ وَلَا زَائِلٍ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ بَرْسَامٍ أَوْ نَشَّافٍ وَلَوْ بِضَرْبِهِ نَفْسَهُ
إجبارها، وقال الشيخ تقي الدين: يجب فراقها إذن. واعلم: أن الطلاق تعتريه الأحكام الخمسة، ذكر المصنِّف منها هنا ثلاثةً، ويأتي أنه يحرم في الحيض، أو طهرٍ أصابها فيه، ويجب على مولٍ أبي الفيئة، أي: الوطء بعد الأربعة أشهرٍ.
قوله: (في طلاق أو منعٍ من تزويجٍ) أي: لأنهما ليسا من البر، وكذا لا تجب طاعتهما في بيع سرية أو ترك شرائِها. قوله:(ولو مميزًا يعقله) أي: بأن يعلم: أنَّ زوجته تبين من وتحرم عليه إذا طلقها، وعلم منه: صحَّة طلاق السفيه، والعبد، ومن لم تبلغه الدعوة. قوله:(وتعتبر إرادة لفظه لمعناه) أي: يشترط لوقوعِ الطلاق، أن يقصد بلفظ الطلاق معناه الموضوع
وَكَذَا آكِلِ بَنْجٍ وَنَحْوِهِ ومَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ وَيَقَعُ مِمَّنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ
له؛ بأن يعرفه ولا يريد غيره.
قوله: (وكذا آكل بنج) آكل بمدِّ الهمزة وكسر الكاف اسم فاعل، والبنج، كفلس: نبات له حب، يخلط بالعقل ويورث الخبال، أي: الفساد والجنون، وربما أسكر إذا شربه الإنسانُ بعد ذوبه، ويقال: أنه يورث السُّبات. قاله في "المصباح". أي: وكذا لا يقع طلاق آكل البنج لتداو، أو غيره. قوله: (حتَّى أغمي
…
إلخ) الإغماء: امتلاء بطون الدماغ من بلغمٍ بارد غليظ، أو سهو يلحق الإنسان مع فتور الأعضاء لعلة.
والغشي بفتح الغين المعجمة -وضمُّها لغة- تعطُّل القوى المتحركة؛ لضعف القلب بوجع شديد أو برد أو جوع مفرطٍ، وقيل: الغشي: الإغماء. قوله: (فذكر أنَّه طلق) أي: لأنه إذا ذكر الطلاق وعلم به، دل ذلك على أنه كان عاقلا حال صدوره منه، فلزمه. قال الموفق: هذا -والله أعلم- فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكليَّة، وبطلان حواسه، فأما من كان جنونُه لنشافٍ، أو كان مبرسمًا، فإن ذلك يُسقط حكم تصرُّفه، مع أن معرفته غيرُ ذاهبة بالكلية، فلا يضره ذكره للطلاق، إن شاء الله تعالى.
ومِمَّنْ شَرِبَ طَوْعًا مُسْكِرًا أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلَوْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ أَوْ سَقَطَ تَمَيُّزُهُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَيُؤَاخَذُ بِسَائِرِ أَقْوَالِهِ وكُلِّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ كَإِقْرَارٍ، وَقَذْفٍ، وَظِهَارٍ، وَإِيلَاءٍ، وَقَتْلٍ، وَسَرِقَةٍ، وَزِنًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا مِنْ مُكْرَهٍ لَمْ يَأْثَمْ وَلَا مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ ظُلْمًا
قوله: (وممن شرب طوعاً) أي: مختارًا، (مسكرا أو نحوه)، كالحشيشة المسكرة. قاله المصنف في "شرحه" تبعًا للشيخ تقي الدين، فإنَّ حكمها عنده حكم الشراب المسكر، حتى في إيجاب الحد، خلافاً لما قدمه في "الإقناع" تبعًا للزركشي من أنها كالبنج. وفرق الشيخ بينهما، بأنها تشتهي وتطلب، فهي كالخمر بخلاف البنج، فالحكم عنده منوط باشتهاء النفس وطلبها. قوله:(بين الأعيان) أي: كأن صار لا يعرف ثوبه من ثوب غيره. قوله: (ونحو ذلك) كوقفٍ وعارية. قوله: (لا من مكره لم يأثم) بأن لم يتجاوز ما أكره عليه. قوله: (ولا ممن أكره ظلمًا) أي: لا يقعُ طلاقُهُ، بخلاف مول أكرهه حاكم على الطلاق، وبخلاف اثنين زوَّجهما وليان ولم يعلم السابق منهما. فأكرههما الحاكم على الطلاق فيقع؛ لأنه إكراه بحق.
بِعُقُوبَةٍ أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ أَوْ وَلَدِهِ مِنْ قَادِرٍ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ وَنَحْوِهِ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ َخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ كَثِيرًا وَظَنَّ فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ
قوله: (بعقوبة) ظاهره كـ "التنقيح": أن العقوبة بما ذكره إكراهٌ، ولو لم تقترن بوعيدٍ، خلافاً لـ "الإقناع". قوله:(أو تهديد) أي: تخويفٍ، فالوعيد المذكور إكراه، لا يقال: لو كان الوعيد إكراهًا لكنا مكرهين على العبادات، فلا ثواب؛ لأن أصحابنا قالوا: يجوز أن يقال: إننا مكرهون عليها، والثواب بفضله لا مستحقا عليه عندنا، ثم العبادات تفعل للرغبة أيضا. قوله:(بسلطنة) متعلق بـ (قادر)، أي: قادرٍ بسبب كونِهِ سلطاناً، الحكَّام، أو بسبب تغلُّب، كلصٍّ، وقاطع طريقٍ. قوله: (بقتلٍ
…
إلخ) متعلِّق بـ (تهديدٍ). قوله: (أو ضربٍ) أي: شديد، كما في "الإقناع"، لا يسير في حقِّ من لا يبالي به، أما في حقِّ ذوي المروءات، على وجه يكون إخراقًا لصاحبه وغضا له وشهرة، فهو كالضرب الكثير. قاله الموفق، والشارح. قوله:(أو حبس) أي: طويل. قوله: (أو أخذ مالٍ
…
إلخ) أي: وإخراج من ديار، ونحوه، كما في "الإقناع".
وَكَمُكْرَهٍ مَنْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ لَا مَنْ شُتِمَ أَوْ أُخْرِقَ بِهِ وَمَنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ فَطَلَّقَ غَيْرَهَا أَوْ طَلْقَةٍ فَطَلَّقَ أَكْثَرَ وَقَعَ طَلَاقُهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ وَلَا إنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً أَوْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى عِتْقٍ ويَمِينٍ، وَنَحْوِهِمَا كعَلَى طَلَاقٍ
قوله: (أو أخرق به) الإخراق بالخاء المعجمة، أي: أهين بقول موجع من سب، ونحوه. قوله:(أو طلقة فطلق أكثر) قال منصور البهوتي. فظاهره: أنه لو أكره على أن يطلق، فطلق ثلاثاً، لم تقع. انتهى. وكأن وجهه: أن المكره على أن يطلق، مكره فطلق ثلاثاً، لم تقع. انتهى. وكأن وجهه: أن المكره على أن يطلق، مكره على الماهية الصادقة بالواحدة والثلاث، فإذا طلق ثلاثاً، فهي مما أكره عليه فلم تقع، وهذا نظير ما ذكروه في المريض: أنه إذا طلبت زوجته أن يطلقها بعوضٍ، فطلقها ثلاثًا، لا يكون فاراً من الميراث، أي: لصدق سؤالها بالثلاث، والله أعلم.
تنبيه: مثل ما إذا أكره على طلقةٍ، فطلق أكثر في وقوع الطلاق، لو أكره على صريح، فأتى بكناية، أو على تعليقه.
وَيَقَعُ بَائِنًا وَلَا يُسْتَحَقُّ عِوَضٌ سُئِلَ عَلَيْهِ فِي نِكَاحٍ قِيلَ: بِصِحَّتِهِ وَلَا يَرَاهَا مُطَلِّقٌ
تتمة: لو ادعى أنه طلق وهو زائلُ العقلِ، فكما لو أقرَّ، ثم ادعى أنه كان مجنونًا، وفيه أقوال: ثالثها: يقبل إن كان ممن غلب وقوعه منه. ذكره في "المبدع". قال ابن قندس في "حواشي المحرر": المقدَّم: عدم القبول إلا ببينة.
قوله: (ويقع بائنا
…
إلخ) أي: يقع الطلاق في النكاح الفاسد، حالة كونه بائناً، فمقتضى وقوع الطلاق: أنه لو نكحها بعد، كانت معه على بقية عددهِ، وأنه لو أوقع في الفاسد الثلاث، لو تحل، إلا بعد زوجٍ، كما ذكره ابن نصر الله. قوله:(ولا يراها مطلق) هذه الجملة حالٌ من الصحة، والتقدير: قيل بصحته، والحال أنها غير أنها غير مرئية للمطلق، أي: لا يعتقد المطلِّق في النكاح الفاسد صحَّة ذلك النكاح. كالنكاح بولاية فاسقٍ أو شهادته، أو نكاح أخت معتدَّته، أو نكاح الشِّغار، أو المحلِّل، أو بلا شهودٍ، أو بلا وليٍّ. قال في "شرحه": كما لو حكم به من يرى صحته، أي: فإنه يقع
وَلَا يَكُونُ بِدْعِيًّا فِي حَيْضٍ لَا خُلْعٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ وَلَا فِي بَاطِلٍ إجْمَاعًا
الطلاق بعد الحكم بلا إشكال، لا أنه يكون بائناً بلا عوض، كما يوهمه التشبيه؛ لأنه إذا حكم بالصحة من يراها كالصحيح المتفق عليه، كما صرح به في "الإقناع" و"شرحه"، فمقتضاه: حلُّ الزوجة في النكاح الفاسد للزوج الذي يعتقدُ الفساد، حيث حكم بصحته حاكمٌ يراها، لكن قال الشيخ تقي الدين: اختلفت الرواية عن أحمد، لو حكم الحاكم بما يرى المحكوم له تحريمه، فهل يباح بالحكم؟ على روايتين. قال: والتحقيق في هذا: أنه ليس للرجل أن يطلب من الإمام أن يحكم له بما يرى أنه حرام عليه؛ لأنه جمع بين طلب شيء، واعتقاد تحريمه، ومن فعل هذا، فقد فعل ما يعتقد تحريمه، وهذا لا يجوز، لكن لو كان الطالب غيره، أو ابتدأه الإمام بحكم، أو قسم ميراث مثلا، فهنا يتوجَّه القول بالحل؛ لأنه لم يصدر منه فعل محرم. انتهى بمعناه.
قوله: (ولا يكون) أي: الطلاق في النكاح الفاسد قبل الحكم بصحته بدعياً في حيض؛ لأن استدامته غيرُ جائزة. قوله: (لا خلع) بالرَّفع، عطفا على فاعل (يقع) المستتر؛ لوجود الفاصل، أي: لايقع خلع في النكاح الفاسد
وَلَا فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ وَلَوْ نَفَذَ بِهَا وَكَذَا عِتْقٌ فِي شِرَاءِ فَاسِدٍ
قبل الحكم بصحته، أي: لا يصحُّ الخلع لما ذكره المصنف من خلوه من العوض، لكن حيث نوى به الطلاق كان طلاقاً، كما تقدم.
قوله: (ولا في نكاح فضولي قبل إجازته ولو نفذ بها) ببناء نفذ للمجهول، أي: ولو قلنا ينفذ نكاح الفضولي بالإجازة، وحاصله: أن نكاح الفضولي، له ثلاث حالات:
أحدهما: قبل الإجازة، فلا يقعُ فيها طلاق، كما في المجمع على بطلانه، كالخامسة.
الثانيةُ: بعد الإجازة قبل الحكم بصحَّته، حيث لا يراها زوجٌ، فيقع الطلاق فيها بائناً كالفاسد.
الثالثة: بعد الإجازة والحكم بالصحة، فكالصَّحيح المتَّفق عليه. قوله:(وكذا عتق في شراء فاسد) أي: فينفذ العتق، ويضمنه معتقه لبائعه بقيمته يوم عتقه، مع ضمان نقصه، وأجرتِه إلى حين العتق. هذا مقتضى تصريحهم: بأن المقبوض بعقدٍ فاسدٍ، ضمانه كالغصب، وإن لم يتعرَّضوا له هنا. فلو قال لمن اشتراها بعقد فاسد: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقَك، فهل يصح العتق، ولا تباح له لحرمتها في الشراء الفاسد، فكذا في النكاح المرتب عليه بالأولى؛ ولئلا يتخذ ذريعةً إلى الوطء بشراءٍ فاسدٍ، أو لا يصح العتق أيضا؛ لعدم حصول ما اشترطه، وهو النكاح؟ فيه تأمل!
فصل
ومن صح طلاقه صح تَوَكُّلُهُ وَلِوَكِيلٍ لَمْ يُحِدَّ لَهُ حَدًّا أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ لَا وَقْتَ بِدْعَةٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ
قوله: (ومن صحَّ طلاقُه) أي: وهو العاقلُ المختارُ، ولو مميزا يعقله، كما تقدم. قوله:(ولوكيل لم يحد له حدًا) أي: لم يعين له الموكل وقتًا يطلق فيه، فإن عيَّن، كأن يقول: طلقها اليوم، لم يملكه في غيره، أي: فلا يقع؛ لأنه إذن أجنبيٌّ. قوله: (لا وقت بدعةٍ) أي: لا يجوز للوكيل أن يطلق وقت بدعة، كالموكل، فإن فعل لم يقع، كما ذكره في "شرحه". وفي "الإقناع": فإن فعل وقع كالموكل. فإن أراد حيث أذن له وقت البدعةِ، فظاهرٌ، وإلا فلا يتمُّ التشبيهُ. قوله:(ولا أكثر من واحدةٍ) أي: ليس للوكيل المطلِّق أن يطلق أكثر من تطليقة واحدةٍ؛ لأن الأمر المطلق يتناول أقلَّ ما يقع عليه الاسم، أي:
وَلَا يَمْلِكُ بِإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ وُكِّلَا فِي ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ مُتَرَاخِيًا كَوَكِيلِ وَيَبْطُلُ بِرُجُوعِ وَلَا تَمْلِكُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا إنْ جَعَلَهُ لَهَا
وما زاد مشكوك فيه، والأصل عدم الإذن، وعليه: فلا يقع أكثر من واحدةٍ، وإن تردَّدَ فيه بعضُهم. قوله:(إلا أن يجعله له) أي: بلفظه، أو نيَّته، ويقبل قوله فيها. قوله:(ولا يملك بإطلاق) أي: لا يملك الوكيل مع إطلاق الوكالة تعليقًا للطلاق على شرطٍ؛ لأنه لم يؤذن فيه لفظاً، ولا عُرفًا، فلا يقع الطلاق ولو وُجد المعلَّق عليه. قوله:(وقع ما اجتمعا عليه) فلو وكَّلهما في ثلاث، فطلق أحدهما واحدة، والآخر أكثر، فواحدة، أو طلق أحدهما ثنتين، والآخر ثلاثًا، فثنتان. قوله: (وإن قال: طلِّقي نفسك
…
إلخ) هذا توكيلٌ لها في طلاقها، وهو صحيح. كما يصح توكيلها في طلاق غيرها.
وَتَمْلِكُ الثَّلَاثَ فِي طَلَاقُكِ بِيَدِكِ وفِي وَكَّلْتُكِ فِيهِ وَإِنْ خَيَّرَ وَكِيلَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ مِنْ ثَلَاثٍ مَلَكَا اثْنَتَيْنِ فَأَقَلَّ، وَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَخْيِيرُ نِسَائِهِ
قوله: (وتملك الثلاث في: طلاقك بيدك)، (طلاقُك): متبدأ مضاف، والكاف المكسورة مضافٌ إليه، و (بيدك): جار ومجرور خبرٌ، و (في): جارة لقول محذوف، والتقدير: وتملك الزوجة الطلاق الثلاث في قول زوجها لها: (طلاقك بيدك) وذلك لأنه مفرد مضاف فيعمُّ. قوله: (ووكلتك فيه) أي: في الطلاق، أي: فتملك الثلاث أيضًا، إذا قال لها: وكلتك في الطلاق؛ لأنه معرف بـ"اللام" الصالحة للاستغراق، فيعم. وفيه أنها تحتمل أن تكون للجنس، وكزوجة فيما تقدَّم كلِّه وكيل غيرها. قوله:(من ثلاث) أي: بأن قال لأحدهما: اختر ما شئت من ثلاث.