الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أراد بهذا دفع تدافع بين قول المناطقة يشترط في الحد المساواة للمحدود وقولهم لا يصح كونه مساوياً فالمراد بالمساواة في الأول مساواة الصدق وفي الثاني المساواة في الجهالة (وقوله وكان الخسروشاهي يجيب عن تلك الحدود فيقول هي صحيحة الخ) الوجه أن يقول إنها قد تكون صحيحة لا أنها دائماً صحيحة بدليل تعليله بقوله فجاز أن يكون السامع يعرف معنى المعلوم إلا أن يريد أن جميعها صحيح لإمكان الجواب في جميعها بدعوى أن الأشياء الداخلة في التعريف التي لا تعرف إلا بعد معرفة المعرف قد عرفها السامع من جهة أخرى كالبداهة والاشتهار ونحوهما.
ترجمة الخسروشاهي
والخسروشاهي هذا شيخ المصنف وهو شمس الدين عبد الحميد بن عيسى بن عمويه بن يونس بن خليل الشافعي ولد في خسروشاه. بضم الخاء وسكون السين وفتح الراء بعدها واو ساكنة ثم شين معجمة قرية من قرى تبريز تبعد عن تبريز بستة فراسخ. سنة 580 ثمانين وخمسمائة وتوفي في دمشق سنة 652 اثنين وخمسين وستمائة لازم الإمام فخر الدين الرازي وحصل عليه العقليات وبرع
فيها وقدم الشام ثم الكرك ثم رجع إلى الشام واختصر المهذب في الفقه وتمم الآيات البينات للإمام الرازي كذا في طبقات السبكي ووافي الصفدي ومعجم ياقوت. والظاهر أنه دخل مصر وفيها لقيه شهاب الدين القرافي ويوجد في باب الدلالة من شرح المصنف على المحصول أنه حفيد الإمام الرازي وهو تحريف صوابه تلميذ (قوله إذا كان معروفاً بالقرائن الخ) أي معروفاً المراد منه بالقرائن المعينة أما المانعة فهي لازمة للمجاز فلا تكون هي المشروطة (قوله واتفقوا على أن الكنايات لا تجوز في الحدود الخ) وجه ذلك أن التعريف بها من قبيل التعريف باللازم غير البين ودلالته غير معتبرة عند أهل الميزان ولذا قال المصنف فلا يجوز أن يريد معنى لا يدل عليه لفظه أي دلالة معتبرة ولأن الكناية تجوز معها إرادة المعنى الأصلي فتوقع في الحيرة ولذا قال المصنف لأنها أمر باطن لا يطلع عليه السائل: فإن قلت فكيف جاز وقوعها في الكلام. إذا كانت بهذه المثابة من الإبهام. قلت لأن مقاصد البلغاء مختلفة بخلاف مقصد المعرف فقصده الإيضاح. ولأنها في الكلام تحمل على الموصوف حملاً كحمل الاشتقاق فإذا قلت هو كثير الرماد بمعنى كريم فكأنك حكمت بأنه قام به الاتصاف بكثرة الرماد لأجل كرمه قياماً اتفاقياً كقيام المشتقات بموصوفاتها. وأما في التعاريف فحمل التعريف على المعرف حمل مواطاة فإذا عرفت الكريم بأنه كثير الرماد بطل التعريف طرداً وعكساً لصدق الكريم بلا كثرة رماد وصدق كثرة الرماد بلا كرم: فإن قلت ما الفرق بينها وبين المجاز. ولماذا امتنعت في التعاريف وجاز. قلت
الفرق أن لفظ المجاز بعد نصب القرينة صار دالاً على المعنى المجازي بالمطابقة ولذلك يقال إنه استعمل فيه بوضع ثان وضعه المتكلم ونصب عليه قرينة. والكناية دلالتها على لازم معناها بالالتزام غير البين كما قدمنا فتفاوتاً لذلك (قوله قال الغزالي الخلل يقع في الحدود من ثلاثة أوجه الخ) هذا الكلام مأخوذ من نص كلام ابن سينا في آخر قسم المنطق من كتاب النجاة. وكأن المراد بالخلل ما يشمل الاشتباه فإن كثيراً مما ذكر في الأوجه الثلاثة لا يوجب فساد الحد بل إنما يوجب شبهة كجعل الفصل في موضع الجنس ويدل لهذا قوله "فالإفراط هو الفصل ينبغي أن يؤخر" وكذا تعريف الرماد بخشب محترق فإن جعل الخشب جنساً للرماد غريب لأن معنى الخشبية قد زال عنه أقول والغرض من هذا كله حفظ الأذهان من الشبهة فإنها قد تضلل الفكر عن فهم ما يلحق من أواخر الكلام لتبيين المراد فإن العقل إذا أخذ في مسالك الوهم والاشتباه تمر عليه المنبهات فلا يشعر بها لأنه حينئذ يتطلب الخلاص لنفسه فلا يشعر بما يخلصه. أما نحو الاقتصار على بعض الفصول وأخذ المضاف في تعريف المضاف إليه والعلة في تعريف المعلول فإنه موجب للفساد. وأكثر ما ذكره يرجع إما إلى استعمال المجاز في الحد أو ما هو أخفى
أو ما لا يعرف إلا بعد معرفة المحدود فتتبعها تجدها (قوله والمعرفات خمسة الخ) عبر أولاً في طالعة الفصل بالحد وعدل هنا إلى المعرفات لئلا يوهم تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره فإما صنيعة أو لا فقد جاء على مصطلح الأصوليين الذين لا يفرقون بين الحد والرسم والكل عندهم حد. وأما صنيعه هنا فعلى مصطلح المناطقة لأنه أراد التقسيم إلى حد ورسم وذلك من خصائص المنطق. أما أهل الأصول فسموا الجميع حداً نظراً إلى حصول الجمع والمنع في الجميع ولا طائل عندهم تحت هذا التقسيم على أن اسم الحد مأخوذ من المنع كما في الأساس والرسم فيه منع. وأما المناطقة فلأن بحثهم عن الحقائق والمعرف في الحقيقة هو الفصل ثم الخاصة لأنها أثر للفصل فسموا التعريف بها رسماً والرسم الأثر وجعلوا ما يصحب أحدهم سببأً للتمام والنقصان. ثم إن عد المعرفات خمسة مبني على جعل التعريف اللفظي منها وفيه خلاف والمحققون على أنه من قبيل التصديق (قوله والثالث التعريف بالجنس والخاصة الخ) أي الجنس القريب كما يشير إليه المثال لأن التعريف بالخاصة والجنس البعيد رسم ناقص وقوله والرابع
بالخاصة وحدها أي ومع الجنس البعيد كما يعلم من المنطق (قوله أن المراد بالضاحك الخ) والمراد بالضحك التكشر الناشئ عن التعجب فلا يسمى تكشر الحيوان ضحكاً. وأما إطلاق الضحك عليه في قول الفرزدق يخاطب ذئباً.
فقلت له لما تكشر ضاحكاً
…
وقائم سيفي من يدي بمكان
فمجاز لتنزيله منزلة العاقل عند مخاطبته (قوله وهذا مقام قد أشكل على جمع من الفضلاء الخ) قد زاد المصنف هذا المبحث أشكالاً فأما القول بأن الناطق والضاحك سيان فهو فاسد لأن أهل المنطق مجمعون على أن التعريف بالناطق حد وبالضاحك رسم وجعلوا الأول فصلاً والثاني خاصة وكونه مجرد اصطلاح لا يصح في العلوم العقلية وكذا القول بأن الفرق بينهما ضروري لأنه لو كان كذلك لما احتاج العقلاء إلى تدوين علم المنطق لعصمة الأذهان ولعل صاحب هذا القول قد كان له عقل سديد. ولسان مكبل في حديد. فإنه أدرك الفرق بينهما ولم يستطع الإفصاح عنه فجعل سبق فهمه لذلك من قبيل الضرورة وأما ما ذهب إليه المصنف فإنه لا يخرج عن دعوى أن الفرق بينهما مجرد اصطلاح أما من الواضع وذلك في المواهي الحقيقية التي لها أفراد خارجية بأن يضع لفظاً لوصفين ابتداء ويترك غير
ذينك من الصفات كما وضع الإنسان للحيوانية والناطقية ولو فهم عن الواضع أنه وضعه للحيوانية والضاحكية لكان الضاحك داخلاً والناطق خارجاً. وأما من الفارض والمعتبر وذلك في المواهي الاعتبارية كالحقائق الاصطلاحية فيكون الداخل ما اعتبره المعتبر داخلاً والخارج ما لم يعتبره فالمعتبر هنا كالواضع هناك وذلك باطل. لأنه بعد كونه تفريقاً بالاصطلاح وهو ينافي جعله من المنطق الموضوع للعقليات لا للوضعيات يرد عليه أن وضع الواضع اللفظ للماهية ناشئ عن تمييزها في الخارج عما سواها ولا شك أنها إنما امتازت بفصلها. فالواضع نفسه مطالب بمعرفة الفصل الذي لأجله خص الماهية بلفظ ولم يجعلها مشمولة للفظ ماهية أخرى تشاركها في جنسها على أن دعوى علمنا بوضع الواضع اللفظ للماهية باعتبار بعض صفاتها دون بعض يحتاج إلى وحي ينبئ عنه. ويرد على طريقه الثاني الخاص بالمواهي الاصطلاحية كما أشرنا إليه أولاً كالسكنجبين أنه لا حاجة إليه حينئذ لأن تعاريفها كلها رسوم على التحقيق عند السيد الشريف. فإذن لابد من فرق بين الداخل والخارج والذاتي والعرضي وتحقيقه متوقف على معرفة المراد من الدخول والخروج هنا وذلك أنهم يريدون من الداخل ما كان مقوماً للماهية ومميزاً لها عما عداها في الأذهان حتى تعرف ما هي من بين سائر المواهي المشاركة لها وذلك هو الجنس والفصل لأن الجنس هو مميز الماهية عما عداها من المواهي المغايرة لها تمام المغايره حتى لا يشتبه بعض ببعض كالحيوانية فإنها تميز جنسها عن النبات والمعدن. والغرض من ذكره في التعريف تشخيص ما هو محل للصفات والأعراض من الماهية. والفصل هو المميز للماهية عما يشابهها لمشاركته إياها في جنسها كالنطق مثلاً المميز للإنسان عما يشاركه في الحيوانية ويشبهه فيها أتم مشابهة وهو شيء معلوم ملازم للماهية في
جميع الأذهان فكان مقوماً لها وداخلاً فيها إذ لا تستحضرها الأذهان إلا به بخلاف الضحك فإنه خارج عنها فإن الذهن يتعقل ماهية الإنسان ولا يخطر فيه معنى الضحك ومثله في ذلك بدو البشرة هذا إذا كان المراد من النطق والضحك ما هو المشهور منهما وهو ما سنؤيده فإن أريد بهما التفكر بالقوة والتعجب كما يقول المصنف وبعض المتأخرين فالفرق بينهما حينئذ واضح لأن الضحك ناشئ عن النطق. وأياً ما كان فالفرق بين الفصل والخاصة بالسبق إلى الأذهان وذلك السبق هو جعل الفصل مقوماً ومكوناً للماهية حتى تمتاز عن غيرها عند جميع المخاطبين في كل حال. واعلم أن الفصل والخاصة كليهما من لوازم المواهي ولكن امتاز الفصل بالسبق إذ الماهية في الحقيقة هي مجموع الجنس والهيئة والطبيعة والشكل المخصوص ولكن لما عسر التعبير عنها بعبارة جامعة أخذوا أقرب اللوازم للماهية وأشدها اختصاصاً بها فجعلوها تعريفاً. كما قالوا الحوت هو حيوان سابح. هذا تمام تحقيق هاته المسألة التي زلت فيها أقدام. وضلت فيها إفهام. وبه تصير على طرف الثمام (وقوله أن الناطق عندهم معناه المحصل للعلوم بقوة الفكر الخ) هكذا يقول كثير من الناس وفيه فساد من وجوه: أولها