الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن في خطاب الكفار
أي في تحقيق توجه الخطاب الشرعي إليهم وقد نبه المص في متفرق كلامه على أن المراد الخطاب بغير الإيمان للإجماع على أنهم مدعوون إليه وبغير الجهاد فغنه للمؤمنين خاصة ولا يخاطب به أهل الذمة والمراد أيضاً إخراج أصول الشريعة وهي أصول حفظ نظام العالم المعبر عنها بالكليات كحفظ النفوس ومنع الفساد والإهلاك وإن كانت أديان بعضهم تجيزها فقد منع عمرو بن العاص رضي الله عنه قبط مصر من قربان بناتهم للنيل بإغراق أحداهن فيه كل سنة. أما ذرائع هذه الأمور التي لا يتحق إفضاؤها للمقصود كشرب الخمر ما لم يصل بهم إلى الهرج وكذا تفاريع الأحكام المخالفة لأديانهم فهي محل الخلاف إلا إذا تحاكموا فيها إلينا وإلا ما تعلق من أفعالهم فيها بواحد من المسلمين. وقد حكى المص عن الباجي أن مذهب مالك رحمه الله القول بخطابهم بالفروع وكذلك ينقل كثير من المالكية عن المذهب وجعله المقري في قواعده ظاهر المذهب في القاعدة الخامسة قبل الجنائز واحتج له ابن عرفة في تفسيره بقوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم من سورة الأنفال ويظهر من كلام ابن رشد في عقائد مقدماته أن القولين في مذهب مالك لأنه قال ف يعرض كلامه وفي ذلك خلاف بين أهل العلم. والذي صرح به الإمام المازري في شرحه على البرهان واختاره الابياري ومال إليه المقري فيما نقله حلولو في شرح جمع الجوامع أن ظاهر مذهب مالك عدم خطابهم بالفرع وجعل غير ذلك قولة شاذة. وقال المازري هو غير
المشهور. وهو الذي ينثلج إليه الصدر وتساعده فروع مذهب مالك فلو كان يرى خطابهم بالفروع لا وجب حد الشرب على من سكر منهم ولوجب عند تحكامهم إلينا أن نحكم بينهم مع أن مذهبنا تخيير الحاكم في قبولهم ورفضهم لنص قوله تعالى فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ولا جرينا عليهم أحكام الزنا في أنكحتهم المجمع على فسادها في ديننا مثل نكاح الأخت عند المجوس والخالة والخال عند اليهود ولوجب إرثهم وموارثتهم وقد قال مالك في المدونة وصرح به ابن الحاجب في المختصر الفقهي أن أنحكتهم فاسدة وإنما يقررها الإسلام وهذا يؤخذ منه عدم مخاطبتهم من جهتين أولاهما أنهم لو خوطبوا بالتكاليف لكانت أنكحتهم منظوراً فيها لحالتها من صورة الصحة والفساد فلا يطلق القول بفساد كميها. ثانيتهما أن تقريرها بعد الإسلام دليل على عدم الخطاب لأنها اعتبرت كعقد جديد قارن الإسلام فلذلك اشترط في تقريرها أن تكون على صفة لو ابتدؤوها عليها لصحت كما صرح به ابن الحاجب في المختصر الفقهي من غير نظر إلى ما سبقها قبل من اختلال شروط أو طريان موانع وقد قال مالك أيضاً بعدم اعتبار طلاقهم الواقع مدة الكفر بسائر أنواعه ولا يمنع وقوعه من تقرير أنكحتهم بعد إسلامهم إذا لم يتفارق الزوج والزوجة وهذا ينافي الخطاب بالفروع وقول مالك بتخيير الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة من غير اعتبار أسبقية بعضهم على بعض دليل على أن الأولى والسادسة وغيرهما سواء ولو كانوا مخاطبين لوجب اختيار الأوائل كما قال أبو حنيفة رحمه الله لأنه يرى خطابهم. فالحاصل أن فروع المذهب متوفرة على ما يقتضي عدم خطابهم بالفروع ولا أدري من
أين أخذ من نسب إليه عكسه ولعلهم لم ينظروا إلا لإجراء أحكام الجنايات والإتلاف وما يتعلق بالمسلمين فراراً من إطلاقهم وشأنهم ففرضوها مسألة عامة وقد احتج مثبتو خطابهم بالفروع بأدلة كثيرة لا تفيد حجة من ظواهر الآيات مثل قالوا لم نك من المصلين الذي المراد منه لم نك من أهل هذا الشأن أو أرادا جعل جميع الصفات سبباً الذي منه وكنا نكذب بيوم الدين وإلا للزم أن من لا يطعم المسكين يكون في سقر مخلداً. ومثل أهلكناهم بذنوبهم المراد منه ذنوب الكفر والفساد في الأرض. ومثل وطعامكم حل لهم المقصود منه المشاكلة والإخبار عن أصل شرائعهم. نعم قد يشهد لهؤلاء في بادي الرأي قليل من آثار صحيحة وردت في اعتبار نفع دنيوي أو ضرر أخروي على أفعال من الكفار مثل حديث عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه حاتم فيما صنع من الخير في الجاهلية أنه يخفف به عنه من العذاب ومثل حديث الحميرية التي تعذب لأجل هرة حبستها ونظير ذلك. وأما قوله للذي سأله عن أشياء كان يتحنث بها في الجاهلية" أسلمت على ما أسلمت عليه من خير أو شر" وكذلك قوله لعمر رضي الله عنه في حديث البخاري لما سأله أني ندرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له "أوف بنذرك" فذلك لأن الإسلام يأتي على الأعمال فيجب سيئها ويقرر حسنها لأن خير الأعمال لا يزيده الإسلام إلا ثبوتاً إذا الإسلام إنما جاء بطلب مثل ذلك من الناس. والجواب الإجمالي عن هذا كله أن أصول فعل الخير والشر قد أعلنت الشرائع أحكامها منذ النشأة حتى تقرر
في الفطرة ملائماتها أو منافرتها ووصف أصحابها لذلك بالكمال أو النقص فما ورد من الجزاء أو العقاب عنها فإنما هو للأفعال التي ليست لها صورة مخصوصة وليس هي المراد من فروع الإسلام لأن فروع الإسلام هي العبادات والواجبات والمندوبات المعينة المبينة والله أعلم (قوله في خطاب الكفار بالفروع ثلاثة أقوال الخ) سيذكر في آخر المبحث قولاً بالفرق
بين المرتد وغيره وأنه رأى في بعض الكتب أن الجهاد خاص بالمؤمنين وكذلك عده ابن عرفة في تفسيره عند قوله تعالى كدأب آل فرعون قولاً رابعاً والمص هنا جعله تحريراً لمحل النزاع وهو أولى (قوله يحتمل أن يكون عند من منع أن التقرب بالفعل الخ) أي عند من منع خطابهم بالفروع فمفعول منع محذوف للقرينة وقوله أن التقرب هو خبر يكون وعند ظرف فصل به بين يكون وخبرها (قوله تعذر عليه أن يتقرب الخ) أي استحال منه استحالة لعارض كونه غير مصدق فرجعت لمسألة التكليف بالمحال لكن بالمحال لغيره لا لذاته (قوله لأجل كفرهم الخ) أي فالمانع عنده عدم التعقل لا التعذر أي عدم ظهور الفائدة كما قيل في التكيف بما لا يطاق (قوله ومنه يظهر سر الفرق بين الأوامر والنواهي الخ) أي من ظاهر احتجاجات العلماء المرجح للاحتمال الأول في دليل من منع خطاب الكفار لأن النواهي لا يتوقف تحقق مقتضاها على الامتثال لأن مقتضاها العدم بخلاف الأوامر (قوله وهذا أيضاً سر إلزام القائل بعدم التكليف الخ) أي كون ذلك دليلهم هو سبب إلزام المعارضين لهم بأن كلامهم يقتضي تعذر تكليف الدهري بالإيمان فقوله بعدم التكليف هو مقول القول وقوله
أن الدهري هو المفعول الثاني لإلزام (قوله وإن المحدث مكلف الخ) هذا غير وارد لأن تعليل المنع هو تعذر امتثال المكذب وليس المصلي بمكذب بالطهارة بل هو مصدق بالأمرين واجب عليه المشروط وشرطه الذي لا يتم إلا به (قوله وإذا كان هذا هو المدرك فهو مشكل الخ) أي فإطلاقه مشكل لوجوب تقيده بتعذره من الكافر الذي لا اعتقاد له بالصدق (قوله لأن الكفار أربعة أقسام الخ) مرجعها إلى أن الكفر هو الإنكار والمكابرة ويقابل ذلك الإيمان والإسلام فالإيمان هو اعتقاد القلب والإسلام هو الانقياد والإذعان وهذا هو التحقيق من الخلاف الشديد في مسماها ولا تقع النجاة من العذاب أو يخرج المرء عن وصف الكفر إلا بالأمرين (قوله هو عام فيتناول الكافر الخ) يخصص بما دل على عدم إدارة الكفار منه (قوله وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة الخ) لا حجة فيه لأنه وصفهم بالإشراك وه المومي إلى وجه بناء الخبر وهو إثبات الويل لهم ثم أعقبه بما هو من خصائصهم ومذماتهم زيادة في التنكيل وخص منها الزكاة لأن ذلك أشد أنحاء عليهم بين العرب الذين حب الكرم وفعل الخير طبع من طباعهم وهذا مثل الآية الأخرى هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون
فإن الهدى ثابت لمن لا ينفق ولكن أريد الثناء على المتقين بأخص أوصافهم حثاً على المداومة عليها (قوله يتناول جميع التقدم الخ) أما على وجه الجمع بدليل قوله ويخلد فيها مهاناً فلا حجة فيه وأما على وجه الكلية أي من يفعل كل واحد من ذلك فلا شك أن المعاقبة على الزنا لا تستلزم خطاب الكافر بله فلا حجة فيه أيضاً فقوله وإلا لما انتظم هذا الكلام جوابه أنه لا ينتظم إلا بترك هذا التقدير (قوله وحجة عدم الخطاب الخ) أي من جهة النقل زيادة على الحجتين المتقدمتين في طالعة الفصل من جهة العقل.