الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وكان من التوفيق قتل ابن هاشم" وذلك أن معاوية كانت في نفسه إحن على هاشم بن عتبة وابنه عبد الله من يوم صفين فكان بعد مقتل علي رضي الله عنه أن عبد الله بن هاشم بن عتبة حمل لمعاوية مغلولاً فاستشار عمراً في شأنه فأشار بقتله فعفا عنه معاوية فقال عمرو:
أمرتك أمراً جازماً فعصيتني
…
وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
أليس أبوه يا معاوية الذي
…
أعان علينا يوم حز الغلاصم
فلم ينثن حتى جرت من دمائنا
…
بصفين أمثال البحور الخضارم
وهذا ابنه والمرء يشبه أصله
…
ويوشك أن تقرع به سن نادم
وهي قصة أظهر فهيا عبد الله بن هشام من بديه أجوبته وبلاغة قوله ما هو جدير بالمطالعة لكل متأدب وليس هذا محله وفيه ما يظهر به غلط من ظن أن عمراً يريد بابن هشام سيدنا علياً رضي الله عنه (انظر تمام خبره في كامل المبرد)(قوله وثانيها إرادة المأمور به الخ) لأن المعتزلة يرون الإرادة مشروطة بالميل والمحبة ونحن لا نساعد على ذلك كما في المواقف وعليه فيأمر الله بما لا يريد وقوعه لأن الأمر يستلزم الرضا والمحبة ولا يستلزم الإرادة والإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة فلا يرضى لعباده الكفر ولو شاء ربك ما ما فعلوه وعند المعتزلة كلها متلازمة.
الفصل الثاني إذا ورد بعد الحظر
تتبعوا ما استطاعوا كل ما يمكن أن يعترف منه حال الخطاب تفادياً من الوقوف في مواقف الإجمال فلما استعانوا بمسألة الاستعلاء الراجعة
إلى كفية ورود الأمر استعانوا أيضاً في هذا الفصل بسوابق الأمر وأنه إذا سبقه الحظر هل يدل على الإباحة أم يبقى على حكمه عند الإطلاق فذهب مالك رحمه الله وجماعة إلى الأول وذهب الأكثر إلى الثاني وفصل القاضي عبد الوهاب ذلك التفصيل تحريراً لمحل النزاع لأن الأمر الوارد بعد انتهاء توقيت الحظر يشبه الإيذان بالانتهاء فليس له حكم صيغة الأمر الأصلية. والأدلة التي ذكرها الفريقان لا تعد والتمسك بمقتضيات أوامر شرعية وردت في الكتاب والسنة بعد الحظر ولا تتم بها الحجة لما سيأتي. أو التمسك باستصحاب الأصل في صيغة الأمر وكلها مسالك جدلية لا تصلح حجة شرعية. وقد لاح لي في الحجة لمذهب مالك رحمه الله وترجحه أن التحريم يعتمد اشتمال الفعل على المفسدة كما هو مقرر من قبل ومراد الله تعالى من لاشرع للناس واحد ولكنه قد يقدم لمراده ما هو رحمة ورفق بعباده فقد يسبق التحريم الإذن لقطع توغل الناس في استعمال المأذون فيه أو غلوهم في فيه مثل مسألة لحوم الأضاحي وزيارة القبور قد يجيء الإذن قبل التحريم لإيناس المكلفين بقطع أمر اعتادوه والفوه حتى لا يشتد عليهم مفاجأة الفطام عنه كما في سبق تحريم الخمر بإباحته في بعض الأوقات وكراهته هذا مقصد معلوم من استقراء الشريعة في تصرفاتها فإذا تقرر هذا فمتى حرم الله تعالى شيئاً فقد نبهنا على مرتبته من المفسدة فهل يظن إذا ورد الأمر به بعد ذلك أن مفسدته صارت مصلحة راجحة مع أن ما بالذات لا يتخلف ولا يختلف بل نعلم أن الأمر به لمجرد الإباحة إما لخفة المفسدة بعد أن شدد الله تحريمها وإما لشدة الحاجة إليه فاغتفرت مفسدته وذلك المسمى بالرخصة كما تقدم وبهذا يظهر لك أن ما حكاه المص عمن طرد أصله فسوى بين ورود
الأمر بعد الحظر وورود النهي بعد الوجوب قد غفل عن هذا الاعتبار. واعلم أن هذا الخلاف كله في الأمر بعد حظر مستأنف أما الأمر بعد الحظر المسبوق بحكم ثابت للمحظور ونسخه الحظر فالذي اختاره البلقيني أنه لا خلاف في إرجاع الأمر إياه إلى ما كان عليه قبل الحظر ولذلك كان قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين مقتضياً وجوب القتال لأنه الحكم السابق قبل الحظر في مدة الأشهر الحرم كذا ذكره عنه الشيخ حلولو في شرح جمع الجوامع وهو وجيه ويمكن أن نرتقي فنأخذ من هذا أن ما اشتبه حكمه بعد نسخ الحظر ولم يعرف له حكم سابق نرده إلى حكم الأشياء التي لا نص فيها ولا قياس بأن نثبت للمضار التحريم وللمنافع الحل وللمصالح الراجحة الوجوب وقد يعضد هذا ما أشار له نقل القاضي عبد الوهاب في دلالة الأمر بالكتابة على الإباحة كما سيأتي تقريره (قوله كقوله عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم الخ) هذا ركبه المص من حديثين أحدهما كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم خرجه مسلم من طريق أبي سنان والثاني قول عائشة رضي الله عنها أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا رواه مسلم. والدافة بالدال المهملة القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد والقوم من البادية يردون المصر كما في النهاية والمعنيان يستلزم ثانيهما الأول والإشارة في الحديث إلى أن أبياتاً من أهل البادية حضروا يوم الأضحى بالمدينة في عام جهد فأمر النبي. صلى الله عليه وسلم بعدم الادخار في لحوم الأضاحي الجاء لأهل المدينة أن يتصدقوا
بأكثرها. وفي بعض النسخ كتبت الرافة بالراء المهملة وهو غير مروي وإن كان معناه صحيحاً أي من أجل الرأفة بالذين أصابهم الجهد. وهذا الحديث معلل بقوله من أجل الدافة والآية المذكورة في الأصل من المغيا بغاية والمذكورة في الشرح من المشروط بشرط (قوله ولذلك احتج على عدم لزوم الكتابة بقوله إنما ذلك توسعة الخ) احتجاج مشكل إذ لم يسبق حكم للكتابة بالحظر حتى يكون الأمر بها بعد للإباحة فلعله يشير إلى ما ذكره ابن الفرس في أحكام القرآن عن بعض المالكية أنه احتج على إباحة الكتابة دون ندبها بأن القياس على أصول الشريعة يقتضي منعها لأنها غرر فالأصل فيها الحظر فلما ورد الأمر بها كان كالأمر الوارد بعد حظر فيحمل على الإباحة قال ابن الفرس وفي هذا القول ضعف آهـ وأقول سواء كان ضعيفاً أم قوياً أم قوياً فقول مالك "إنما ذلك توسعة" لا يحمل الأعلى الرخصة وهي تقتضي سبق الحظر ولا شك أنه ينظر إلى ما يقتضيه القياس وأصول الشريعة على أنه لا ضعف فيه لأن حمل الأمر الوارد بعد الحظر على الإباحة ليس ناشئاً عن تأثير لفظ الحظر السابق فيه تضعيفاً حتى يكون عدم سبق حظر ملفوظ به مخالفاً له في الحكم بل هو كما قدمنا راجع إلى أن الحظر يقتضي المفسدة وسواء في ذلك الحظر المستفاد من النص أو من القياس واستقراء الشريعة كما أطلقوا اسم الرخصة على ما