الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحال لغيره والخلاف في الأول لا في الثاني والمص هنا فرق بين المحال العقلي والمحال العادي والمركب منهما فجعل الخلاف في الثاني والثالث دون الأول وهو اصطلاح لم يسبقه إليه أحد ممن رأينا وأراد بالمحال في العقل فقط ما هو جائز في العادة وإنما كانت احالته لدليل عقلي وبعد الاتفاق على عدم وقوعه فلا طائل تحت التطويل في الأدلة (قوله خلافاً للمعتزلة والمغزلي الخ) وإمام الحرمين وأبي حامد الاسفرائيني والتلمساني وابن دقيق العيد.
الفصل الخامس فيما ليس من مقتضاه
أي في بيان ما ظن أنه من مقتضى الأمر وليس منه أو ما قد يتوهم أنه كذلك (قوله لا يوجب القضاء عند اختلاف المأمور به عملاً بالأصل بل القضاء بأمر جديد الخل) يرجحه قوله تعالى ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر فلو كان الأمر في لسان العرب يقتضي القضاء عند الاختلال لما وقع التنبيه على استبدال أيام أخر للمريض والمسافر هذا إذا نظرنا إلى صيغة الأمر. وأما أن رجعنا إلى الحكمة من العبادات فقد بينا ضابط
ما يقضى وما لا يقضى باعتبار ذلك في الفصل الرابع عشر من الباب الأول فارجع إليه وما نسبه المص إلى أبي بكر الرازي من الحنفيةهو مذهب جمهورهم كما في صدر الشريعة وأبو بكر الرازي هو أحمد بن محمد بن علي الجصاص الحنفي الرازي ولد سنة 305 وتوفي سنة 370 له أحكام القرآن (قوله ولا تشترط مقارنته للمامور به بل يجوز تعلقه في الأزل بالشخص الحادث الخ) أي لا يشترط في تحقيق الأمرية أي كونه أمرا مقارنته فقوله والحاصل قبل ذلك إعلام أي تعلق إعلام لا أنه إعلام غير أمر بدليل قوله ولا تشترط مقارنته وسيأتي بيانه عند كلام القاضي عبد الوهاب. وهذه مسألة كلامية التزمها الشيخ أبو الحسن الأشعري بعد أن أثبت الكلام النفسي وقسمه إلى أنواعه فألزمه المعتزلة أن يوجد أمر بلا مأمور وذلك محال فالتزم ذلك وبين أنه متعلق بالمأمور تعلقاً معنوياً معلقاً على وجوده المعلوم لله تعالى فنقلها أهل الوصول إلى هذا العلم لأنهم فرعوا عنها ما يأتي. وحاصل هذا المبحث الذي ذكره المصنف يشتمل على ثلاث مسائل مبنية على تعلق الأمر في الأزل بالشخص الحادث. المسألة الأولى في كيفية تعلق الأمر في الأزل بالمأمور. والمسألة الثانية في مقتضى التعلق. والمسألة الثالثة في وقته. فأما المسألة الأولى وهي كيفية تعلق الأمر في الأزل بالمأمور فقد
اتفق الأشاعرة على أن الأمر متعلق في الأزل بالمأمور المعدوم حينئذ تعلقاً معنوياً وأن له تعلقاً آخر تنجيزياً حادثاً عند بلوغه إلينا ونزوله ويسمى الأول بالتعلق بالمعنوي وهو صلوحي. وهذا خارج عن غرض الأصولي وإنما ذكرت هنا لأنها أصل المسألتين بعدها. وأما المسألة الثانية فهي كيفية التعلق بالتنجيزي فهو عند الأشاعرة تعلقان تعلق إلزام بالمخاطب المكلف بالحكم المستجمع لشرائط التكليف بعد دخول وقت التكليف، وتعلق اعلام لمن سيأتي بعد ممن يراد شمول الحكم له أو لمن لم يستجمع الشرائط أو للمستجمع قبل دخول وقت التكليف. وهذان التعلقان تنجيزيان وهي متفرعة عن تعلق الأمر بالمعدوم لأن التعلق الإعلامي يشتمل في أحد أحواله الثلاثة على تعلق بالمعدوم إلا أن لهاته المسألة فيما أرى نفعاً في علم أصول الفقه فهي به أعلق من الأخرى السابقة لأن بهاته المسألة تتبين كيفية تعلق الأوامر بالمكلفين مع تجددهم جيلاً بعد جيل وكيفية تعلقه بالموجودين قبل حصول الأسباب أو عند انتفاء الشروط مثلاً فالتعلق الإعلامي هو الذي يدفع الحيرة في هذا المقام ومعناه يؤل إلى تنبيه الشخص بأنه سيصير مكلفاً في حالة أو وقت يأتي. وأما المسألة الثالثة وهي وقت تعلقه فقد اختلف فيها الأشاعرة فقال الشيخ والجمهور وكافة المعتزلة هو متعلق بالفعل قبل المباشرة والتكليف واقع قبل الاستطاعة عنده كما قال الغزالي سواء في ذلك الإعلام والالزام، أما الإعلامي فظاهر وأما الإلزامي فللتفادي من لزوم انتفاء العصيان عند ترك المباشرة فتكون المباشرة نفسها مأموراً بها لأنها وسيلة للمأمور به وتغاضوا عن إلزام أورده المعتزلة بأن المكلف مأمور بما ليس من فعله لأن جوابه
هو الجواب عن أصل مسألة قدرة العبد وهو الرجوع إلى أن الله لا يسأل عما يفعل على رأي الجمهور وإلى إثبات جواز التكليف بما لا يطاق وقد جعل الغزالي هاته المسألة أحد سببين للقول بجواز التكليف بالمحال. وذهب فريق من الأشاعرة إلى أن تعلق الأمر بالفعل يكون عند المباشرة المعبر عنها عندهم أيضاً بالاستطاعة وإليه مال المصنف تبعاً للإمام وكثير من المتأخرين لأنه أنسب بقواعد الأشعري في الكسب ولأنه التزامه كون التكليف قبل الاستطاعة لا يخلو من مخالفة لأصوله وجعلوا الحاصل قبل ذلك إعلاماً وأجابوا عن إلزام عدم تحقق العصيان بأن العصيان نشأن من التلبس بالكف عن الفعل وهو أي الكف منهي عنه لأن الأمر بالفعل نهي عن ضده وهو كلام لا طائف تحته وإن زعمه البعض تحقيقاً لأنه على صورة التحقيق في إيراد عدة نقوض وأجوبة عنها ولكن بما لا يتم إذ الأمر الإلزامي الذي حاولوا التفصي من فرض عدم امتثاله هو الذي اقتضى النهي عن ضد المأمور به وكلاهما لا يحصل إلا عند المباشرة ولذلك قال التفتازاني أن هذا القول مشكل وأوشك المص أن يعترف بعدم جدواه إذ قال "ومقصودنا بهذا بيان صفة التعلق" كما سيأتي بيان كلامه. أما المعتزلة فإنهم أثبتوا قدرة كاملة للعبد على أفعاله فالمسألة عندهم هينة لأن التكليف عندهم خطاب للعبد بأن يفعل ما هو قادر على تحصيله فإن لم يمتثل كان عاصياً. إذا تقرر هذا يظهر أن المص مزج المسألتين الثانية والثالثة فصيرهما مسألة واحدة غذ جعل الحاصل قبل الملابسة أو المباشرة إعلاماً فجعل الإعلامي من الأزل إلى وقت المباشرة وحينئذ يبتدئ الإلزامي فيصدق الإعلامي على التعلق المعنوي الذي هو قبل وجود المكلف
ويكون أعم منه. والتحقيق خلاف ذلك لأنه لو سمي التعلق المعنوي إعلاماً لورد عليه ما ورد على أصل تقسيم الكلام في الأزل إلى أمر وغيره إذ لا فرق بين أمر بلا مأمور أو إعلام بلا معلم فيلزم في الجواب إثبات إعلام بالإعلام ويتسلل وهم قد جعلوا الإعلام من التعلق التنجيزي فلا يمكن أن يصدق على مقابله المعنوي بحال ولعل المص رأى التسوية بينهما من أجل أنه رأي الغاية من عدم وجود أحد في العالم صالح للخطاب ومن عدم وجود البعض المراد دخوله غاية واحدة وهما سواء بالنسبة لغير الموجود وماذا يفيد وجود غيره ولكن هذا لو سلمت صحته وموافقته لأصول الأشعري التي بنيت عليها المسألة فهو ينافي التقسيم الذي ذكره وتبعهم المص فما كان من حقه أن يتبعهم فيه ثم يأتي بما ينافيه على أن وجود فريق ممن يصح خطابهم يكفي لإيجاد التعلق التنجيزي للأمر الذي جعل الإعلامي نوعاً منه والدين يأتون بعدهم كأنهم صورة الفريق الماضي لأنهم خلفهم نظير ما قيل في قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم أي خلقنا أباكم آدم فكان خلق الأصل خلقاً لخلفه قال الغزالي "نحن الآن بطاعتنا ممتثلون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدوم على عالمنا هذا فلم يكن وجود الأمر شرطاً لكون المأمور مطيعاً ولا وجود المأمور شرطاً لكون الآمر آمراً" فما ذكره القوم في غاية المناسبة ولا ينبغي الخروج عن تحقيقهم فيه (قوله لأن كلام الله تعالى قديم الخ) تعليل لقوله بل يجوز تعلقه في الأزل بالشخص الحادث وقوله والأمر بالشيء حالة عدمه محال تعليل لقوله ولكنه لا يصير مأموراً إلا عند الملابسة لأن الكلامين متصلان في المتن وفصل بينهما الشرح (قوله في زمن ليس فيه عدمه الخ) دليل سفسطائي
لأن الجمع بين النقيضين إنما يظهر لو طلب من المخاطب إيقاع الفعل وعدمه في زمن واحد أعني الزمن الذي يقع فيه المأمور به والمخالف إنما يتكلم على الزمن الذي يقع فيه الأمر فإذا كان الزمن الواقع فيه الأمر مشغولاً بعدم المأمور به وكان الزمن الذي يقع فيه المأمور به مشغولاً بوجود المأمور به اختلف الزمان وانفكت جهة التناقض فلا استحالة كما يظهر بالتأمل (قوله ومقصودنا بهذا بيان صفة التعلق لا أن الملابسة شرط الخ) أي المقصود شرح حقيقة معنى التعلق الإلزامي. ويرد عليه أن المباشرة سواء كانت شرطاً أو لم تكنه لا يتحقق العصيان إلا معها لتوقف الإلزام على وجودها فإن أجاب بأن التعلق الإلزامي لا أثر له في التكليف بل محل التكليف هو الإعلامي قلنا فهو إذاً لا فائدة في إثباته مع عدم ترتب الآثار عليه إلا أن يفسر بأنه تعلق إلزام بالإتمام فهو مبدأ وجوب الاستمرار (قوله وهو عاص إذا ترك لأنه أمر أن يعمر زماناً مستقبلاً الخ) هذا الكلام لا يلاقي مذهب من يرى أن تعلق الأمر بالفعل عند وهو المباشرة الذي درج عليه المص فيما تقدم فكأنه نقض غزله هنا إذ جعل المأمور بالفعل مأموراً بتعمير زمن مستقبل بإيقاع الفعل وهذا عين مذهب من قال أن تعلق الأمر بالفعل قبل المباشرة فتأمل (قوله ونحن نقول لهم تعلقه بإيقاع الفعل حالة العدم يلزم منه اجتماع النقيض الخ) اختزل هذا الجواب من أجوبة الأشاعرة في نفي قدرة العبد على إيجاد فعله وهو لا يطابق ما هنا لأن الكلام في تعلق أمر بمأمور به فإذا كان التعلق عند عدمه لم يلزم شيء وهو الشأن إذ الانشاآت كلها للمستقبل كما هو مقرر في النحو والأصول إلا
صيغ العقود بخلاف تعلق القدرة بالمقدور فإذا لم يوجد معها لم تؤثر (قوله لأن تحصيل الحاصل يشترط فيه تعدد الزمان الخ) قد قرر المص اعتراض المعتزلة بما لا يلاقي هذا الجواب لأنهم أوردوا لزوم تحصيل الحاصل على تعلق الأمر بأول أزمنة الوجود حتى فيما لو كان الفعل يتقضى شيئاً ولا شك أن ذلك الجزء مأمور به لأنه جزء المأمور به فيكون مأموراً به عند إيجاده وهو تحصيل حاصل أما شرط تعدد الزمان لتحصيل الحاصل فمسلم ولكن تعلق الأمر بأول آونة المباشرة أن كان قبلها فهو ما نفاه هذا الفريق من الأشاعرة الذين فيهم المص وأن كان عند الشروع أي المباشرة فهو تحصيل الحاصل بلا شك سواء نظر إلى جملة الفعل أم إلى كل جزء من أجزائه وإن حصلا معاً وهو الذي يشير له المص في المتن امتنع تأثير أحدهما في الآخر لاستحالة الدور وهذا لا مناص عنه وهو بعينه يفرض في استمرار التعلق مع كل آن من تلك الآونة ويفرض ذلك في كل جزء من أجزاء الفعل مقارن لآن من آونة إيجاده إن كان الفعل مما يتقضى شيئاً فشيئاً أما ما يحصل دفعة واحدة كالإيمان وطلاق من أسلم عن زوجة هي أخته من الرضاع وصيغ العقود الصادرة عن أمر بإيقاعها فتحصيل الحاصل فيها أظهر. وجواب المص عنه سفسطة لأن المؤثر لا يؤثر في فعله حالة حدوثه بل قبلها بقليل على أن الكلام في تعلق الأمر لا في تعلق القدرة المنظر به وتعلق القدرة أمكن للتضييق فيه لأن أثره يحصل عقبه بدون تجزئة بخلاف تعلق الأمر فلا بد له من زمن التلقي والاستعداد وإرادة الامتثال وهذه التعسفات كافية في ترجيح قول الأشعري رحمه الله. والجمهوران تعلق الأمر بالفعل قبل المباشرة
ومظهرة لسبب تفرقهم بين تعلق القدرة بالمقدور وتعلق الأمر بالمأمور فالكسب عندهم لا يتعلق إلا عند المباشرة بخلاف الأمر. وإنما يصلح أن يكون هذا جواباً عن قول إمام الحرمين والغزالي بانقطاع توجه الأمر للمأمور عند المباشرة للفعل والإلزام تحصيل الحاصل بإيجاد الموجود وكذلك صنع التفتازاني إذا أجاب بعين ما ذكره المص فرد به كلام إمام الحرمين. هذا والظاهر أن المص توهم من تحصيل الحاصل هنا تحصيل الحاصل الذي هو من جملة المحالات وليس كذلك إذ لا ينطبق على ما هنا بل المراد من تحصيل الحاصل أن الأمر يكون عبثاً إذ المراد من الأمر الامتثال أو الابتلاء وكلاهما حاصل على تقدير المباشرة والملابسة فالأمر به حينئذ عبث وعليه فالجواب ينبغي أن يكون ببيان حكمة ما أو بمنع التزام الحكمة بل الله يفعل ما يشاء (قوله فقال كثير أن الأمر في الحقيقة إنما هو المقارن الخ) أي المقارن لوجود المكلف والوقت المطلوب وحاصل كلام القاضي عبد الوهاب أن الأمر السابق على وجود المكلف هل يسمى أمراً أم يسمى إعلاماً فقط وهذا الكلام خارج عن مسألة كون التعلق قبل المباشرة أو بعدها كما يتبين من قوله آخر كلامه "وقد أجمع المسلمون الخ" وقوله القول بالإعلام باطل لا يريد به بطلان ثبوت التعلق الإعلامي بل إنما يريد بطلان سلب الأمرية عنه واعتباره إعلاماً فقط بدليل قوله ولأنه لا يحتاج لأمر آخر فقول المص في المتن والحاصل قبل ذلك إعلام يريدانه تعلق إعلام بدليل قوله قبل "ولا تشترط مقارنته للمأمور به" أي لا يشترط في كونه أمراً وبدليل كونه أخذ كلامه من كلام القاضي عبد الوهاب المقتضي إبطال كونه إعلاماً مجرداً عن
الأمرية (قوله والأمر بالأمر بالشيء لا يكون أمراً بذلك الشيء الخ) هكذا فرض هاته المسألة الغزالي في المستصفى وغيره مثلما حكى المس أي أن الأمر لاحد بأن يأمر غيره بالشيء لا يعد أمراً لذلك الغير وكأنها مسألة لا طائل تحتها في الأصول إذ لا شبهة في أن الأوامر الشرعية على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لنا فإذا عصيناها فقد عصينا الله تعالى فكيف يقول الجمهور أن الأمر بالأمر لا يعد أمراً مع شيوع التعبير بطاعة الله وعصيانه في الشرع. نعم بنوا عليها مسألة ثبوت الأجر للصبيان على الصلاة مع أن الخطاب توجه لأوليائهم ولهذا كان مذهب المالكية أن الأمر بالأمر أمر كما حكاه عنهم البناني في حواشي المحلي والمص جعل وجوب امتثال من أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بأمر للقرينة الدالة على أنه تبليغ إجماعاً اللهم إلا أن يكون المراد منها غير الأوامر الشرعية لأن العصيان قد يتفاوت كما في عصيان أمر قضاه النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يعلم أنهم أمروا بتبليغ ما بلغوه. وليتهم فرضوا هاته المسألة بوجه آخر وهو هل الأمر بالأمر بالشيء أمر للمامار بالأمر بذلك الشيء ليظهر أثرها في أن الأصل شمول الأوامر الشرعية النبي صلى الله عليه وسلم حتى يدل دليل على التخصيص.