الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان العذر الذي يجوز الانتقال من العزيمة إلى الرخصة وتعرض له في الفرق الرابع عشر بين المشقة المسقطة للعبادة والتي لا تسقطها وضابط ما يؤخذ من طوله أن تكون المشقة منفكة عن العبادة غير سهلة مكافئة المفسدة التي تحصل عنها للمصلحة الحاصلة من العزيمة أو زائدة عليها وتعيين هذين القيدين الأخيرين يحتاج إلى تدقيق فقهي وعرض على قواعد الشريعة.
الفصل السابع عشر في الحسن والقبيح
بحث الأصولي عن هاته المسألة من جهة تعلقها بالتشريع لأن الحسن والقبح لأصل للتشريع عند مثبتهما وإن كانت في الأصل مسألة كلامية فرضوها في بيان وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول لأنه لو أبى المخاطبون بدعوة الرسول من النظر في المعجزة للزم إفحام الرسول إ لا تمكن معرفة
وجود الله ووجوب امتثاله والإصغاء لدعوة رسله إلا بعد علم صدق الرسول المخبر عن ذلك وهي متوقفة على التأمل فلولا القول بأن وجوب النظر وطاعة الخالق والعلم به عقلي للزم الإفحام كذا أجاب المعتزلة وقد مر لنا الجواب عن ذلك ثم تفرعت عن هاته المسألة مسائل أخرى منها مسألة تعذيب أهل الفترة ولي الاختلاف بين الفريقين إلا في طريق الإيجاب لا في وجود حسن وقبيح للأفعال كما قاله المص وغيره وهي مسألة ترجع إلى أصل أكبر منها وهو رعي الصلاح والأصلح وعنه أيضاً شعبت مسألة الخلاف في قدرة العبد (قوله أن الإحسان ملائم الخ) أي إحسان غيرك إليك أما إحسانه إلى غيرك أوإحسانك للغير فربما اختلفت الآراء فيه (قوله وعندهم تدرك الأحكام الخ) أي فيما لم ينص الشرع
فيه بشيء ولذلك أثبتوا تعذيب أهل الفترة وقد ذهب المحققون من أصحابنا إلى إثبات أحكام للأفعال التي لم ينص الشرع فيها بشيء باعتبار ما تشتمل عليه من المضار والمنافع فتحاشوا عن عبارة الحسن والقبح ووافقوا في الغاية (قوله ونحن نقول معنى كونه تعالى حكيماً كونه متصفاً الخ) لا نعرف من فسر الحكمة بما ذكره المص ولا نعرف خلافاً بيننا فعين المعتزلة في تفسير الحكمة إلا في زيادة قيد يدل على أنها فينا من مواهب الله على أصولنا ومن الطابع على أصولهم فنحن نعرفها بأنها العلوم النظرية الموهوبة وهم يقولون قوة الفهم ووضع الدلائل كما صرح به الإمام الرازي في المسألة الثالثة من تفسير قوله تعالى "يؤتي الحكمة من يشاء" وكما قال ابن العربي في العواصم قال الفخر عند قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء "المراد من الحكمة أما العلم وأما فعل الصواب قد فسرت بأنها التخلف بأخلاق الله بقدر الطاقة البشرية وكمال الإنسان في شيئين أن يعلم الحق لذاته والخير للعمل به فمرجع الأول العلم والثاني فعل الصواب والعدل" وقد أفصح القاضي أبو بكر ابن العربي عن هذا إذ قال في العواصم وليس للحكمة معنى إلا العلم إلا أن في الحكمة إشارة إلى
ثمرة العلم وفائدته وهي العمل بموجبه والتصرف بحكمته والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال فإن بناء ح كم يقتضي أن تجري الأفعال والأقوال على قانون كما بيناه في أصول الفقه اهـ" فتبين أن الخلاف بيننا في حقيقة الحكمة والعلم اللذين هما من صفاتنا هل هما موهوبان من الله أم هما من كسبنا وصنعنا بناء على مسألة قدرة العبد. أما صفة الله فلا خلاف أنها نفس العلم وظهور آثار كماله وانتظامه كما أشار له الإمامان المذكوران قال في معارج النور "الحكيم ذو الحكمة وهي العلم وإتقان الصنع وهو الإيجاد بالنسبة غليه تعالى ووضع كل شيء في وضعه اللائق به والاطلاع على حقائق الأمور اهـ" فليس الخلاف بيننا في هذا الموضع إلا في إيجاب مقتضى الحكمة له أو في كونه فضلاً منه (قوله فعندنا لا يثبت حكم قبل الشرع ولا يجب شكر المنعم إلا بالشرع الخ) هاتان مسألتان احتج بهما المعتزلة على ثبوت الحسن والقبح إما ضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار وإما نظراً كحسن الكذب النافع وقبح لاصدق الضار وكأفعال الناس قبل الشرع في القسمين ومن ذلك ما جهلت صفته كصوم آخر يوم من رمضان وفطر أول يوم من شوال والحكم فيه الإباحة على التحقيق من أقوال لهم ثلاثة ولهذا ترجم ابن الحاجب في مختصره هاتين المسألتين بقوله "مسألتان عن التنزل" (قوله لنا إن العلم حادث فقد أخر الله المصالح دهوراً الخ) إيراد على أصل إثبات الحكمة بالمعنى الذي
ذكره المعتزلة بلسان حالهم ولازم مذهبهم المقتضي للإيجاب. ويجاب عنه بأن المصالح في العالم إضافية اقتضاها احتياج الناس إليها وهي قبل خلق العالم وأهله لا تسمى مصالح فلا يدل تأخيرها على تأخير المصلحة هذا إذا حملت عبارة المصنف على ظاهرها بدون تقدير مضاف في قوله "فيه مصالح وقوله بعد ذلك "ليس فيه مصالح" فإن اراد المص بقوله فيه مصالح وقوله بعده "ليس فيه مصالح" تقدير مضاف أي في إيجاد العالم حتى يكون الاستدلال بحدوثه بعد عدمه على أنه لو كان صلاحاً ما تأخر ولو كان فساداً لما وجد كان حينئذ الجاء للمعتزلة وهو مأخوذ من كلام الإمام في معالم أصول الدين حيث قال" الحجة الثانية أن العالم محدث فكان حدوثه مختصاً بوقت معين لا محالة فإن كان ذلك الوقت مساوياً لسائر الأوقات من جميع الوجوه بطل توقيف فعل الله على الحسن والقبح وإن اختص ذلك الوقت بخاصية لأجلها وقع الإحداث فيه دون غيره فإن حصلت بتخصيص الله تعالى فلا احسن فيها ولا قبح وإن كانت لذاته بطل الاستدلال بحدوث العالم على وجود الصانع لجواز احتمال تأثير الوقت والخاصية آهـ" ويجاب عنه بما أجاب به شرف الدين التلمساني في شرحه بجواز التزام اختصاص الوقت بمصلحة علمها الله تتبع وجود العالم فهي ليست في ذات الوقت بل بإضافة الفعل للوقت فلا يبطل الاستدلال بحدوث العالم قال" وغرضنا من إيراد هذا بيان ضعف ما تمسك به لا تصحيح مذهب المعتزلة". والحاصل أن المصلحة قد تكون ذاتية لكنها طارئة في وقت دون آخر ولا تصلح بأن تكون مخصصاً بالوجود حتى يبطل الاستدلال بحدوث العالم على الصناع لأنها وصف اعتبر باعثاً على الإيجاد لا قوة موجودة