الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندنا بأمر جديد ولو كان الإجزاء إسقاطاً للقضاء لكان عدم الإجزاء موجباً للقضاء فلا يحتاج القضاء لأمر جديد اهـ" وتركه المصنف فيما يظهر لضعفه إذ يمكن الجواب عنه بأن النص الدال على عدم الإجزاء هو الدال على أمر الله بالقضاء ولا مشاحة في العبارة ولأنه قد يمنع كون القضاء بأمر جديد لدفع الإلزام لاسيما وقد عري للفقهاء أن القضاء بالأمر الأول كما في شرح المعالم للفهري. أما اللذان اقتصر عليهما المصنف فأولهما لا مدفع له لظهور الانفكاك بين سقوط القضاء والإجزاء إذ الميت في الوقت لم يأت بعبادة أصلاً ولم يجب عليه قضاء أو أتى بها ناقصة. وأما ثانيها المشار له بقوله "ولأنا نعلل سقوط القضاء الخ" فهو راجع إلى الاستدلال بالاصطلاح وعليه منع ظاهر عند من لا يرى الملازمة إذ تعليل أحدهما بالآخر مبني على الملازمة وفي واحد من الدليلين كفاية.
الفصل الخامس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام
يريد منه التكلم على خطاب الوضع وهو ما يعرفنا الله تعالى به وقت التكليف أو حالة المكلف به التي لا يصح إلا بها وذلك السبب والشرط والمانع وهي غير تكليف لأن الله لم يكلفنا بتحصيلها غالباً وقد تكون تكليفاً باعتبار كما سيأتي (قوله وسميت الأحكام الخمسة خطاب تكليف توسعاً الخ) لما كان مقصد الشريعة من أحكامها ضبط تصرفات المكلفين والمحافظة على الغاية التي خلقوا لأجلها بإخراجهم عن الهمجية إلى المدنية كان المقصد الأول من تكليفها أمر المكلف بما قد يتركه ونهيه عما قد يفعله من
المصالح والمفاسد وذانكم مرتبة الوجوب ومرتبة التحريم أما المندوبات والمكروهات فمتممات للتشريع وترغيبات لمقاصد أخرى فساغ هذا التغليب للأهم وإن كان أقل وهو ما سماه المصنف توسعاً. هذا إذا كان المراد الكلفة الأخروية ولو فسر التكليف بما فيه كلفة دنيوية وهي مخالفة ميل النفس غالباً لم يخرج عنه إلا الإباحة لأن المندوب يتكلف لفعله كالمكروه لتركه فه إذاً من تغليب الأكثر. هذا والمراد عند الجمهور من الكلفة التي في التكليف الكلفة الدنيوية التي هي تكلف فعل الواجب وترك المحرم كما أشار له ابن راشد في مقدمة اللباب والمصنف جعلها توقع العقاب فجعلها في ترك الواجب وفعل المحرم (قوله ويدل على اشتراط العلم في التكليف قوله تعالى وما كنا معذبين الخ) إن فضل الله تعالى قضى أن لا يؤاخذ الخلق إلا بعد تعريفهم بما أراد منهم على ألسنة الرسل عليهم السلام فإذا بعث رسول يدعو أمة فمن عداها من الأمم لا يلزمها الاتباع لجواز التفاوت في الاحتياج إلى التشريع واختلاف مقتضى التشريع فإن اتبع قوم رسول آخرين جاز لهم إن لم يكن لهم شرع صحيح. أما معرفة الله تعالى بما دل عليه صنعه من الوجود وصفات الكمال فهي مخاطب بها جميع الأمم سواء جاءهم رسول بشريعة أم لا لما دلت عليه النصوص الكثيرة من مؤاخذة أهل الفترة على الشرك كما صححه علماؤنا ولكنهم اختلفوا في توجيه ذلك فرات طائفة منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن الإيمان بالله وصفاته واجب عقلاً لأنه لا يحتاج إلى تنبيه الشرائع بل كل من نظر علم وجود الخالق وقدرته ولا عذر لمن جهل ذلك وتناول أصحابه الرسول في الآية بما يشمل العقل وكيفما
كان فالجمع بين المتعارضات يقتضي تأويل الآية بما يشمل العقل أو تخصيصها بغير الإيمان. ورأى الجمهور أن لا شيء من الأحكام بثابت بالعقل وصحة استنتاج النظر الصحيح للعلم لا يوجب المؤاخذة على الترك لأنه قد يفوت الشيء المهم وهو صرف النظر إليه والتنبه للاندراج والإلجاز إدراك كثير من أحكام الشريعة بالعقل وها هنا افترقوا فمنهم من منع تكليف أهل الفترة بالإيمان وهم الأقل من المتكلمين. ومنهم من أثبته للنصوص الدالة الكثيرة وبيانه: أن الحكمة في إرسال الرسل بيان الأحكام المجهولة فإن كانت مما يختلف باختلاف العصور والأمم فلابد من تجديد الرسول ولذلك لا يؤاخذ أهل الفترة على العصيان وإن كانت تلك الأحكام مما لا يختلف كالإيمان كفى فيها الخطاب الشائع على السنة الرسل من مبدأ الخليقة فيكون قوله تعالى حتى نبعث رسولاً غير مخصوص ولا مقيد ففي الأحكام العملية بحسب بيان الرسول. وفي التوحيد بالخطاب من الرسل الأولين الشامل لجميع البشر لأن المقصود إيقاظ الفطرة وإلى هذا مال القاضي أبو بكر ابن العربي وغيره وسيأتي زيادة تحقيق وبيان لوجه الاستدلال بالآية في الفصل السابع عشر في الحسن والقبح (قوله نحو التوريث بالأنساب الخ) وكذلك أوقات الصلوات فإنها يترتب بدخولها الوجوب وإن لم يعلم بدخولها المكلف ولذلك متى علم وجب عليه القضاء وإن كان بعد خروج الوقت لأن القضاء بالأمر الأول ولأن القضاء يقتضي سبق الوجوب على ما تقدم وإلا لوجب القضاء على الصبي يبلغ بعد الوقت والمرأة تطهر بعد خروجه (قوله وبعض الأسباب يشترط فيه العلم والقدرة الخ) هذا ما يشير إليه قوله في المتن "وليس ذلك عاماً فيها" وبه لا يتم الفرق بين الخطابين ويوقع في لبس عظيم فالتحقيق أن بين العلمين فرقاً
لأن العلم المشترط في خطاب التكليف هو العلم بنفس الحكم للفعل المطلوب أي علم المكلف بأنه مطالب بالأمر المكلف به وذلك يحصل بعد حصول السبب. وأما خطاب الوضع فغالبه لا نظر للعلم فيه وأما ما يعتبر فيه العلم منه فإنما جعل العلم فيه هو نفس السبب أو جزاه لا أنه شرط بعد حصول السبب لأن ذلك يقتضي وجود السببية قبل العلم ووجود السبب يقتضي وجود المسبب. مثال ما كان العلم فيه نفس السبب صيغ العقود فإن انتقال الملك أثر للعزم والقصد وذلك معنى العلم وبدونه لا تكون صيغاً إذ لا تلزم العقود من غافل أو جاهل أو هازل إلا في مواضع قليلة سداً للذريعة. ومثال ما كان العلم فيه جزء سبب العمد مع القتل سبب للقصاص والعمد مع الوطئي سبب للحد. وينبني على ذلك أن العلم في خطاب التكيلف هو العلم بتعلق الخطاب بخلاف العلم في خطاب الوضع حيث اشرط فإن المراد به علم بمعنى القصد لا علم بترتب السببية أو الشرطية أو المانعية ألا ترى أنه لو جهل أن الزنا يوجب الحد ولكنه علم أنه يقرب أجنبية لترتب عليه الحد ففي التحقيق أن العلم الذي هو معنى التعمد هو السبب لا أنه شرط للسبب فالعلم المشترط في توجه خطاب التكليف هو العلم بالخطاب أما العلم الموجود في بعض خطاب الوضع فهو نفس خطاب الوضع لا شرط فيه فصح أن خطاب الوضع مطاعاً لا يشترط فيه علم المكلف أي علمه بأنه خطاب وضع بهذا ينجلي الفرق بين البابين، ويظهر حال العلم في الخطابين (قوله فائدة قد يجتمع خطاب التكليف الخ) أي لكون متعلقها واحداً بأن يكلف بفعله ويجعل خطاب وضع سبباً أو
شرطاً أو مانعاً وقد ينفرد خطاب الوضع بأن يكون الشيء المجعول سبباً مثلاً غير مكلف بفعله كالزوال. أما خطاب التكليف فزعم المص أنه لا يتصور انفراده وعلله بقوله "إذ لا تكليف الأوله سبب أو شرط الخ" وهي عبارة في التعليل فاسدة لأنه ليس المراد من الاجتماع بين الخطابين المقارنة بينهما في الوجود في وقت بل المراد اتحاد المتعلق كما علمت وإلا لما صح مثال انفراد خطاب الوضع عن خطاب التكليف إذ الزوال الذي هو سبب له مسبب وهو وجوب الصلاة وهما مقترنان فما صح كونه مثالاً لانفراد خطاب الوضع إلا لاعتبار الانفراد والاجتماع في متعلق الخطابين أما كون التكليف لابد له من سبب فليس بمقتضى اجتماع التكليف والوضع لأن متعلق كل من الخطابين غير متعلق الآخر. فلعل صواب العبارة هكذا "إذ لا تكليف ألا وهو سبب أو شرط الخ" أي لا يخلو متعلق خطاب التكيف عن أن يكون سبباً لشيء ما أو شرطاً أو مانعاً ويلاقي هذا الاصلاح حينئذ فقوله "وأبعد الأمور عن ذلك الإيمان بالله الخ" أي فإن ابعد الأمور عن أن يكون سبباً في الظاهر وبادئي الرأي هو الإيمان بالله
ومع ذلك إذا فحصنا نجده سبباً في شيء وهو عصمة الدم. وعليه فيكون الدليل على عدم انفراد التكليف عن الوضع هو الاستقراء والعهدة فيه على المص. ولهذا فينبغي إصلاح قوله "ولا يتصور انفراد التكليف" بأن يقال "ولا يلفي أو لا يتقرر" أو نحو ذلك فتدبر فإن كلامه بدون هذا التقرير لا يكاد يستقيم (قوله والشرط ما يلزم من عدمه العدم لذاته الخ) زاد في الفرق الثالث من كتاب الفروق قيداً آخر وهو قوله "ولا يشتمل على شيء من المناسبة في ذاته بل في غيره" وقصده بذبلك الاحتراز عن جزء العلة المركبة كالقتل العمد العدوان علة للقصاص فإن أحد الأجزاء يلزم من عدمه العدم لكن لأنه مناسب وفي هذا الكلام تأمل وإن كانت الرسوم الاصطلاحية مبنية على المسامحة. وزيادة قيد لذاته في تعريف الشريط والمانع لإجراء بقية التعاريف على مثال تعريف السبب وإن كانت في الأخيرين لا فائدة لذكرها لأنها إنما ذكرت في تعريف السبب للاحتراز عن حالة وجوده مع فقدان شرط أو قيام مانع لأن تأثير السبب بطرفي الوجود والعدم أما
الشرط المانع فلما كان تأثيرهما بطرف واحد ولم يكن في الطرف الآخر تأثير كما هو صريح قولهم في تعريفهما "ولا يلزم" لم يكن معنى لزيادة لذاته لأن فقدان الشرط ووجود المانع مانعان من الحكم ووجود الشرط عدم المانع لا يقتضيان وجود الحكم ولا عدمه. فقد بين المصنف في الفرق العاشر أن عدم المانع ليس شرطاً واعترض على الفقهاء في ذلك فلا فائدة في زيادة قيد لذاته إلا أن يكون بياناً لما يقتضيه قوله "من عدمه" من التأثير الذاتي كما هو ظاهر بالتأمل. هذا وشروط الصحة بتمامها الوجه فيها أن ترجع إلى خطاب التكليف لأن المكلف مخاطب فيها فهي أجزاء اعتبارية للعبادة المشروطة بها لأنها وإن كانت خارجة عنها فهي مشروطة لها ومقترنة بها إنما الذي يجعل خطاب وضع شروط الوجوب لأنها كالأسباب والموانع تعريف على خطاب الله وغير مطلوب تحصيلها من المكلف ومتوقف عليها توجه خطاب التكليف كما سيشير إليه كلام المصنف في الفصل السابع من الباب الرابع في الأوامر بخلاف شروط الصحة في الجميع وفي هذا إشارة إلى الفروق بين شرط الوجوب وشرط الصحة وقول بعض الفقهاء في التفرقة بينهما أن الأول ليس في طوق المكلف والثاني بعكسه تفرقة أغلبية (قوله الجواب يعلم بأن السبب مناسب في ذاته الخ) معنى مناسبته في ذاته أن بينه وبين مسببه مناسبة لأنه معرف للحكم وهو والعلة والحكمة مختلفة المفهوم متحدة الذات فمن حيث أن الشيء مؤثر شرعاً لحكم ما ومناسب له فهو علة. ومن حيث أنه مظهر المصلحة فهو حكمة. ومن حيث أنه وقت لوجود حكم ما فهو السبب. فالسبب إذاً هو المناسب بخلاف الشرط فإنه وإن كان مناسباً إذ لا يشترط