الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصححه بأنه مذهب الإمام. فإن قلت كيف تستقيم نسبة هذا للإمام وقد تقدم أنه رد إيراد المعتزلة بمنع دخول خطاب الوضع في الحكم قلت: يمكن أن يعتذر عنه بأنه أورده على وجه المنع في الجواب ولا يلزم أن يكون المنع موافقاً لمذهب المانع كما تقرر في آداب البحث وعلى تسليمه فهو آئل إلى خطاب التكليف كما أشار له الإمام في التعريف.
الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادة
هي خمسة اثنان منهما يعرضان للعبادة من حيث وقوعها في وقتها المعين لها شرعاً فتسمى أداءً وبعده فتسمى قضاءً واثنان يعرضان من حيث اشتمالها على ما شرط فيها فتسمى مجزئة والوصف الأجزاء أولاً وتسمى باطلة وينشأ عن البطلان طلب الإعادة فذلك الوصف الخامس. أم الإتيان بها قبل وقتها فهو إتيان بما لم يجب فلا يسقط الواجب فلذلك لا يسمى أداؤها مرة ثانية بعده إعادة وقد أجيز في بعض الأشياء وقوعه قبل وقته إذا سبقه سببه أو سبب سببه كالكفارة قبل الحنث لأن سببها الأولى اليمين وأذان الصبح في السدس الأخير من الليل للإيقاظ (قوله لمصلحة الخ) متعلق بالمعين وهو زيادة على الحد ولا تصلح أن تكون فصلاً من فصول الحد للإخراج كما قصد المصنف لأن الوقت لا يكون معيناً شرعاً إلا وفيه مصلحة فوجود المصلحة مساو للتوقيت فلا يصح أن يكون أخص منه حتى يكون فصلاً للإخراج وستعلم عدم الاحتياج لذلك. ثم تعين الوقت إما بتحديده كوقت الصلاة ووقت الحج: وإما بتعليقه على وصف أو حالة كوقت العدة ووقت قضاء القاضي عند نهوض الحجة. وأما بإيكاله إلى
تعيين المكلف كوقت النذر ووقت النافلة غير الراتبة لأنها تجب عند شروع المكلف فيها على المذهب. ثم المصلحة التي في الوقت إما ظاهرة كالحصاد لزكاة الحبوب فإن مصلحته هي شدة احتياج الفقير عند مرور الحول الزراعي لنفاد ما عسى أن يكون إدخره في عامه. وإما خفية مستنبطة كالحول لزكاة النقدين وهي مواساة الفقير. وإما تعبدية وهي ما لم يظهر تمام حكمته كوقت الظهر ووقت الصوم. وهذا القسم مقول عليه بالتشكيك وليس هنا محل بسطه. إذا تقرر هذا فالمأمورات على الفور وقتها هو زمن الخطاب بها فإيقاعها فيه أداء وبعده قضاء لا محالة ودعوى المص أنها لا توصف بأداء ولا قضاء غريب ولعله اصطلاح لم نطلع عليه ونخن نلتزم وصفها بالأداء والقضاء فيندفع نصف الإيراد. ثم الوقت لاشتماله على المصلحة كما قررنا لابد أن يكون مضبوطاً معيناً لأن معرفة المصلحة يعين على ضبط الوقت في كثير من الأوقات المنوطة بأوصاف وأحوال كما قدمنا ولذلك كانت الأوقات مقصودة مع المأمورات المظروفة لها حتى لم يصح تقديمها عليها وحتى عوقب على تأخيرها عنها بلا عذر غالباً. أما فروض الكفايات فإنها ليست لها أوقات معينة مقصودة بل إن لها أزماناً لا زمة لإيقاعها لاستحالة وقوع فعل في غير زمان. وبهذا اندفع النصف الثاني من الأشكال الذي أورده المصنف هنا وبسطه في الفرق السادس والستين وسلمه له ابن الشاط وتوهم هنا وهناك أن زيادة قيد لمصلحة يدفع ذلك كله قد رأيت أنه مستغني عنه. كما يندفع ما أورده المص آخر ذلك الفرق من خروج النوافل والحج من التعريفين لما عرفته
مما قدمناه في تحرير معنى الوقت وتقسيمه فانتبه إليه (قوله احتراز من العرف الخ) أي فيما لو تعلق بتعيين عبادة كعرف تونس بإخراج الزكاة في عاشوراء وكتعيين صلاة ركعتين بقراءة ودعاء في الأربعاء الأخيرة من صفر ونحو هذا مما لا أصل له في الشرع وكثير من هذا النوع مبسوط في كتاب الاعتصام في الفصل السادس عشر من الباب الخامس (قوله والجواب أن القضاء في اللغة نفس الفعل الخ) المسرودة الدرع والسرد حلق الدرع. وداود هو النبي داود بن يسي من سبط يهوذا عليه السلام وكان إليه ملك بني إسرائيل بعد موت شاؤل ملكهم الذي قاتل الكنعانيين في فلسطين وهو الذي يسميه العرب طالوت وذلك سنة 1676 قبل الهجرة وكان
طالوت قد زوج سيدنا داوود ابنته لما قتل داوود ملك الفلسطينيين المسمى جالوت وجعل قصبة ملكه أورشليم وتوفي سنة 1649 قبل الهجرة عليه السلام واشتهر بصنع الدروع السوابغ وهي جمع سابغة التي تستر غالب الجسم لطولها. ولفظ صنع في البيت بوزن فعل أحد أمثلة المبالغة أي كثير الصنع. وتبع على وزن سكر والجمع تبابعة فعاعلة مثل المهالبة والبرامكة وهو لقب ملك اليمن من حمير ولقب تبعاً لأنه يتبعه الملوك والأقيال الذين على جهات اليمن ومخالفه ولا يطلق هذا اللقب إلا على من ملك اليمن والشحر وحضر موت وإلا فهو قيل أو ملك وإنما جعل الشاعر تبعاً صانعاً للسوابغ لأمره بذلك على وجه المجاز العقلي وتبع المراد هنا هو الذي اشتهر أخيراً عند العرب وورد ذكره في القرآن وهو أسعد أبو كرب الذي غزا في بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وكسا الكعبة وهو أول من كساها وتدين باليهودية وهو آخر من اشتهر من تبابعة مملكة اليمن الكبرى ثم انحلت عراها بعد موته لما أشرف سد مأرب على الخراب وابتدأ انجلاء قبائل العرب ونزوحهم منها إلى جهات الجزيرة وبقي في أبنائه ملك مملكة اليمن الصغرى الناشئة بعد هجوم سيل العرم وتفرق قبائل سبأ وقد ورد في الحديث النهي عن سبه وكانت وفاته في السدس الثاني من القرن السادس قبل الهجرة على التقريب (قوله تنبيه لا يشترط في القضاء تقدم الوجوب الخ).
وجد الوجوب لا محالة من غير نظر إلى ما يخف به من تخلف شرط أو وجود مانع ولو وقف الوجوب على ذلك لما وجب فعل من الأفعال المشروطة حتى يأتي المكلف بالشرط وهذا باطل والتحقيق أن الوجوب نوعان وجوب بمعنى تعلق طلب الفعل من المكلف على هيئته المطلوبة شرعاً باستكمال ما يتوقف عليه وهو الذي ينشأ عنه القضاء وهو الذي يحصل بحصول السبب ووجوب أداء ذلك الفعل وهو الذي لا يحصل إلا بعد استكمال ما يتوقف عليه ويكون موسعاً وغير موسع وقد يكون ممنوعاً عند حصول المانع فالمنع من الأداء إنما ينافي الوجوب بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول. والأول هو مراد القاضي عبد الوهاب وأما دعوى الوجوب الموسع فيرد عليها أنه لا ينافي الفعل أول الوقت والحايض ممنوعة من الصوم كما أشار له المصنف فيما يأتي إلا أن يريدوا بالتوسعة إن ما كان ضيقاً عليها قد اتسع فيشاركها المريض وكلام المصنف هنا مقتضب من كلامه في الفرق 68 (قوله والجواب عن الأول أن ظواهر النصوص معارضة بأدلة العقل الخ) قد وضح من اختلاف الوجوبين ما يكفي لدفعه (قوله فلم يبق له معين إلا إضافته لرمضان الخ) قضيته أنها لو نوت غير رمضان لصح وهو باطل على أنه لا معنى لتمييز عبادة عن غيرها بإضافتها لعبادة أخرى فلابد من الاعتراف بأن لرمضان اختصاصاً زائداً بصومها وهذا الجواب تكلف (قوله وعن الثالث أن التعذر في رمضان جعله الشارع سبباً لوجوب ما هو قدره الخ) يريد أن الشرع
أوجب صوماً لشهر هو مقدار رمضان فمن تيسر له رمضان وجب عليه وإن تعذر عليه فعليه مثله وقدره من تلك السنة فيكون ذلك المشار إليه بقوله تعالى "فعدة من أيام أخر" ويرد عليه أن التقدير برمضان هو معنى كون الوجوب متعلقاً به على أنه سبب ولولا ذلك لكان التقدير بمطلق شهر إذ ليست لرمضان مزية في العدد على بقية الأشهر حتى يناط التقدير به ولوجب الصوم على من أغمي عليه يوماً كاملاً من رمضان لأنه مطالب بيوم لا بعينه واللازم باطل ولوجب الصوم على من بلغ بعد رمضان وهو أيضاً باطل. اللهم إلا أن يقال أن معنى جعل رمضان سبباً أنه مبتدأ أوقات تعلق وجوب الصوم بالمكلفين فيندفع بهذا بحثنا الثالث وهو استلزامه وجوب الصوم على من بلغ بعد رمضان لأن رمضان مبدأ سنة الصوم ويندفع بحثنا الأول وهو أن ليست لرمضان مزية على بقية الأشهر لأن مزيته ح هو كونه مبدأ السنة وأول وقت تعلق فيه الوجوب فالمناسب أن يكون التقدير على قدره إن كان تسعة وعشرين أو ثلاثين كما يكون الإخراج من الحبوب في الزكاة معتبراً فيه مقدارها يوم حصادها فإن نقصت بعد ذلك أو سرقت وجب الأداء على ما كانت عليه وقت وجوبها إلا أن سياق آية الصوم يأبى هذا (قوله ويحتمل تخريجه على الصلاة في الدار المغصوبة الخ) بينهما فارق يمنع القياس وهو أن الصلاة في الدار المغصوبة ليست الصلاة هي جهة التحريم إذ الغصب حاصل بدونها بخلاف هذا الصوم فالهلاك بسببه فهو أولى بحكم الحرمة للمناسبة (قوله فائدة العبادة قد توصف بالأداء والقضاء الخ) اعلم أنه إذا كان مقصد الشريعة من العبادة فعل فاعلها
لحكمة تنفع الفاعل ظاهراً أو باطناً عاجلاً أو آجلاً وجب قضاؤها وإن كان القصد منها وقوعها فقط لسبب ما يقتضيها فهي لا تقضي إذا زال السبب إما بفعل البعض لها وحصول المراد منها شرعاً كفروض الكفايات وإما لانقضاء سببها كالجمعة لأن حكمتها وسببها الاجتماع الخاص مع الإمام فلا فائدة في إعادتها وقد تأخذ العبادة شبهين كصلاة العيدين فلها شبه بالجمعة من جهة الاجتماع وهو يفوت ولها شبهة بالصلوات ذوات الأسباب لأن فيها شكر الله على تمام الصوم أو الحج فأشبهت الصلوات الخمس فتقضي عند الشافعي ولا تقضي عندنا (قوله وعلى الجمعة أشكال من جهة أن العرب لا تصف الخ) قصد الإشارة إلى ما تقرر في الفلسفة من عدم صحة إطلاق اسم العدمي إلا على قابل ملكته بنفسه أو بنوعه أو بجنسه القريب أو البعيد كالكوسج اسم عدمي لأن العدم داخل في مفهومه وهو عدم اللحية يطلق على الرجل وعلى المرأة لقبولها إياه بنوعها وكالعمي للعقرب لأن جنسها القريب وهو الحيوان قابل للبصر وكالسكون للجبل فإن جنسه البعيد أعني الجسم قابل للحركة. والعرب كغيرهم من الأمم لا تسوغ إطلاق اسم العدم إلا على قابل ملكته بنفسه ولذلك يسمى هذا القسم العدم والملكة بالمعنى المشهور لأنه المشهور في الاستعمال بخلاف الأقسام الأخرى فالعدم والملكة فيها بالمعنى الحقيقي أي الراجع للحقيقة والواقع. فأطلق المصنف على الملكة اسم الضد على اصطلاح المتكلمين الذين لا يثبتون تقابل العدم والملكة ويدرجونه في التضاد ولكن كان عليه التفصيل إذ ليس كل ضد يشترط في إطلاقه
قبول محله للضد الآخر وإن أراد مذهب الحكماء فعليه التفصيل أيضاً لاختصاصه بالعدم والملكة بالمعنى المشهور دون الحقيقي فأمثلة المصنف هي الدالة على مراده دون عبارته. على أن المشروط هو إطلاق اسم العدم ووصف الجمعة بالأداء من إطلاق اسم الملكة وهو ليس مشروطاً فإن الله تعالى يوصف بالعلم وإنما يرد الأشكال لو أطلق عليها وصف القضاء إن فسرنا القضاء بأنه عدم الأداء على أن التحقيق أن القضاء والأداء كليهما من أسماء الملكات إذ لم يأخذ في مفهوم أحدهما عدم الآخر (قوله الرابع الصحة وهي عند المتكلمين ما وافق الأمر الخ) تعريف المتكلمين يناسب كون الصحة توصف بها الفرائض والنوافل وقول الفقهاء ما أسقط القضاء لا يشمل إلا الفرائض وتعريف الفقهاء يناسب بعض أنواع الصحة الواقعة مع النهي كصوم المريض الذي يخاف الهلاك ومعنى ما وافق الأمر ما لم يتضمن مخالفة في ذاته ولا في لوازمه التي هي أشدها تعلقاً به فالصلاة المنهي عنها كالتي فقدت شرطاً أو اشتملت على مانع غير صحيحة وكذا الصلاة في الأوقات المحرمة والمكروهة غير صحيحة لأن الأمر الذي للندب لا يتناولها فهي غير مثاب عليها كما نقله حلو لو في شرح جمع الجوامع عن ابن رشد عند قول السبكي "مسئلة مطلق الأمر لا يتناول المكروه" وإذا كانت غير مثاب عليها لم تكن صحيحة لأن الصحة والثواب متلازمان في النوافل إذ لا معنى لصحتها إلا الثواب أما الفوائت فتقع في كل وقت وتصح للنص عليها بخصوصها. وأما الصلاة في المكان المغصوب أو بثوب حرير فتصح لأن النهي لم يتعلق
بشيء من لوازمها بل متعلقة لبس الحرير من حيث هو والتصرف في المغصوب من حيث هو فلم يكن للصلاة بهما اختصاص والصحة أعم من الثواب فإن صوم المريض الذي يخاف الهلاك حرام عليه لكنه صحيح أي مجزئ ولا يثاب عليه فلا تلازم بين الصحة والثواب (قوله وعلى الصحة عند الحنفية الخ) أجمل المصنف في نقل مذهب الحنفية إجمالاً يوهم فساد المراد لأن الحنفية فصلوا في النهي فإن كان عن العين الشيء اقتضى البطلان لأن المنهي عن عينه غير مشروع فهو باطل كبيع الميتة والبيع المختل منه ركن كبيع السفيه وحكمه أنه لا يملك ولا تترتب عليه الآثار بحال وإن كان النهي لعارض في وصف شيء دون أصله أي في مقارن له فهذا قال فيه المتقدمون منهم عبارة نصها "أنه يقتضي المشروعية بأصله لا بوصفه" فنقلت عنهم ومرادهم بها أن تعلق النهي بالوصف العارض يشير إلى اعتبار وجود الماهية الموصوفة وهي ماهية شرعية فوجودها الشرعي هو الاعتداد بها وإلا لما غلق الشرع النهي على وصف من عوارضها دون آخر ويلقبون هذا النوع بالفاسد لأن الفساد عندهم غير البطلان كبيع عبد بخمسين أعطاه قيمتها خمراً فإنه تام الأركان إلا أن بدل الثمن لا يصح الانتفاع به مع أنه مال وحكمه أنه يفسخ قبل القبض لأن الدفع أسهل من الرفع فإن قبضه المشتري صح ملكه له ولكن إن بقي في يده وجب
فسخه عند الظهور عليه أو عند طلب أحدهما فسخه وإن فات بنقل ملك أو هلك رد المشتري مثله أو قيمته ورد البائع الثمن في الصورتين ويجب على المتبايعين فسخ الفاسد ما دام في يد المشتري فمعنى قولهم بالصحة في الصورة الثانية ترتب الآثار عليه إذا وقعت الآثار قبل الفسخ كبيعه واستيلاده وبهذا يعلم أنه لا يجوز للمشتري قربان الأمة المشتراة شراء فاسداً لأنه لا خلاف في الحرمة وإنما الخلاف في ترتب آثار العقود نعم إذا قاربها جاهلاً فلا إثم عليه فلا فرق بيننا وبين الحنفية إلا في بعض الصور التي قد يزول فيها موجب النهي فعندهم إذا فارقها الوصف المنهي عنه صح العقد وعندنا يفسد أبداً وذلك في مثل الشروط المفسدة خاصة وظاهر كلام المصنف يقتضي أن الخلاف بيننا بعيد وإن مذهب الحنفية يقتضي عدم الفسخ. وأما إن كان النهي في مقارن غير داخل في الماهية بل خرج عنها كالشرط مع البيع وكالدرهم الثاني في بيع درهم بدرهمين فهذا قالوا أنه يقتضي صحة العقد وإنما يزال الزائد فيبطل الشرط ويرد الدرهم ونحن نقول في هذه بمثل ما قلنا به في الأولى لأن المدار على الفساد الذي يقتضيه النهي فلا يقرر إلا في مسألة لعلمائنا وهي الضمان بجعل فقد قال الفقهاء هو فاسد وإذا وقع بدون علم رب الدين يبطل الجعل فقط ولا يبطل الضمان ووجهه والله أعلم أن رب الدين قد يهمل الاحتياط لنفسه اعتماداً على ذلك الضمان فإذا أبطلناه لأجل الجعل جررنا عليه ضرراً. هذا وإنما قلنا بفساد العقد كله إذا قارنه موجب النهي لأمرين أولهما لزجر الناس عن الاجتراء على هذه العقود المنهي عنها لأنهم
إن فتح لهم باب تصحيحها أقدموا عليها غير محترزين فإن غفل عنها تمت لهم وإلا قنعوا بتصحيحها وإبطال سبب النهي كما في بيوع الربا. ثانيهما أن بعض العقود يكون لما يقارنها من أسباب النهي كالشروط حظ من الثمن كما في بيع الثنايا فلو قررناها مع إبطال الشرط مثلاً أضعنا على باذل ماله ما لو علم ببطلانه لم يبذله ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس (قوله ونحن خالفنا أصلنا الخ)(1) مخالفة الأصل هي عدم العمل به عند وجود مقتضيه وانتفاء معارضه وهي المعبر عنها بالنقض في القياس. والأصل عندنا هنا مقيد بما لم يجر إلى ضرر فهو إذا عارضته قاعدة لا ضرر ولا ضرار وجب حمله عليها والبيوع الفاسدة منها معلوم الفساد للمشتري والبائع ولا خلاف في رده عندنا كما ذكروا في بيع الحبس وفي بيوع الربا. ومنها ما فيه شبهة لأحدهما وهذا إذا قضي فيه بالرد وقد تغير سوقه أو تلف أو نقص أو تعلق حق الغير به أو وقع فيه فوات شيء على غير عامد انجر ضرر على أحد المتعاقدين فقرر بالقيمة جمعاً بين القاعدتين وإنما قرر بالقيمة دون الثمن لأن الثمن يتبع الرغبات في منافع المبيع المأخوذ لمن هو بيده لأن الرجوع إلى القيمة كإبطال لما تعاقد عليه من الثمن وليس فيه مراعاة الخلاف. على أن مراعاة الخلاف التي يذكرونها لا يعمل بها المجتهد إلا في القضاء بالفساد الصريح أو بالشبهة أو في الخلاف الذي بين السلف من الصحابة والتابعين مثلاً فيما طريقه النقل وفهم مقصد الشارع لأنهم أقرب لزمن التشريع وأقرب لفهم مراد الشارع بقرائن الأحوال المشاهدة وفي غير هذا
(1) هاته الحاشية ترتبط بقوله ونحن خالفنا أصلنا في صفحة 88 المارة في الشرح.
تكومن التقليد المحرم على المجتهد وقد قال الإمام المازري في شرح البرهان عند الكلام على حقيقة المكروه ما نصه "وليس في مسائل الفقه مسألة أصعب من القول بالكراهة لأجل مخالفة الخصم لاسيما إذا كان المجتهد يرى الحل وغيره يرى التحريم فإذا ذهب إلى الكراهة فقد خالف الدليلين جميعاً والذي يتأتى في هذا المكان التوقف عن الفعل وإن كان يغلب على ظنه الحل لاحتمال التحريم أما حمل غيره له على الفتوى بالكراهة فلا وجه له عندي اهـ"(قوله والجواب أن العقود توصف بالصحة ولا توصف بالإجزاء الخ) لأن معنى الإجزاء موافقة المطلوب ولا شيء من العقوب بمطلوب فلا توصف بالإجزاء وإنما يوصف به المطلوب ولو مندوباً على التحقيق ولذلك أطلق الإجزاء على الضحية أما الصحة فهي الموافقة لشروط الشرع فتوصف بها العقود (قوله لأبي بردة اهـ).
اسمه هاني وقيل مالك واسم أبيه نيار بكسر النون وتخفيف الياء التحتية وقبل عمرو وقيل هبيرة وهو من بلى (بوزن علي) حليف الأنصار شهد بدراً والمشدها كلها وتوفي سنة الفتح رضي الله عنه (قوله فحينئذ الصحة أعم من الإجزاء الخ) باعتبار عموم متعلقها في شرح المحصول للمصنف جعل الإجزاء أعم ثم صرح بأن العموم والخصوص بينهما وجهي فلا تنافي بين كلاميه واقتصر هنا على أحد جهتي العموم لحصول الفرق بها (قوله وليس كذلك بل من مات الخ) ذكر سندين لمنع الملازمة بين سقوط القضاء ووجود الإجزاء أخذاً من كلام المحصول وزاد في المحصول سنداً ثالثاً وهو "أن القضاء