المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأول في عمارته صلى الله عليه وسلم له وذرعه في زمنه وما يتميز به - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ٢

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع في عمارة مسجدها الأعظم النبوي ومتعلقاته والحجرات المنيفات

- ‌الأول في عمارته صلى الله عليه وسلم له وذرعه في زمنه وما يتميز به

- ‌ الفصل الثاني " في مقامه صلى الله عليه وسلم للصلاة قبل تحويل القبلة

- ‌ الفصل الثالث " في خبر الجذع والمنبر وما يتعلق بهما وبالأساطين

- ‌ الفصل الرابع " في حجره صلى الله عليه وسلم وحجرة أبنته فاطمة رضي الله

- ‌ الفصل الخامس " في الأمر بسدّ الأبواب وما أستثنى منها

- ‌ الفصل السادس " في زيادة عمر رضي الله عنه في المسجد واتخاذه البطيحاء

- ‌ الفصل السابع " في زيادة عثمان رضي الله عنه واتخاذه المقصورة

- ‌ الفصل الثامن " في زيادة الوليد واتخاذه المحراب والشرفات والمنارات

- ‌ الفصل التاسع " في زيادة المهدي

- ‌ الفصل العاشر " فيما يتعلق بالحجرة المنيفة الحاوية للقبور الشريفة

- ‌ الفصل الحادي عشر " فيما جعل علامة لتمييز جهتي الرأس والوجه الشريفين

- ‌ الفصل الثاني عشر " في العمارة المتجدّدة بالحجرة الشريفة وإبدال سقفها

- ‌ الفصل الثالث عشر ". في الحريق الأوّل المستولي على ما سبق وعلى سقف

- ‌ الفصل الرابع عشر " فيما احتوى عليه المسجد من الأروقة والأساطين

- ‌ الفصل الخامس عشر " في أبواب المسجد وخوخاته وما يميزها من الدور

- ‌ الفصل السادس عشر " في البلاط المجعول حول المسجد وما أطاف به من الدور

- ‌الباب الخامس في مصلى الأعياد ومساجدها النبوية ومقابرها وفضل أحد الشهداء به وفيه ستة فصول

- ‌ الأول " في مصلى الأعياد

- ‌ الفصل الثاني " في مسجد قباء وخبر مسجد الضرار

- ‌ الفصل الثالث " في بقية المساجد المعلومة العين في زماننا " مسجد

- ‌ الفصل الرابع " فيما علمت جهته ولم تعلم عينه من مساجدها

- ‌ الفصل الخامس " في فضل مقابرها وتعيين بعض من دفن بالبقيع من الصحابة

- ‌ الفصل السادس في فضل أحد والشهداء به

- ‌الباب السادس في آبارها المباركات والعين والغراس والصدقات التي هي للنبي صلى الله عليه وسلم منسوبات

- ‌ الأول " في الآبار المباركات على ترتيب الحروف

- ‌ الفصل الثاني في صدقاته صلى الله عليه وسلم وما غرسه بيده الشريفة

- ‌الباب السابع فيما يعزى إليه صلى الله عليه وسلم من المساجد التي صلى

- ‌الأول في مساجد الطريق التي كان يسلكها صلى الله عليه وسلم إلى مكة في الحج وغيره

- ‌الفصل الثاني فيما كان من ذلك بالطريق التي يسلكها الحاج في زماننا إلى

- ‌الفصل الثالث في بقية المساجد المتعلقة بغزواته صلى الله عليه وسلم وعمره

- ‌الباب الثامن في أوديتها وأحمائها وبقاعها وأطامها وبعض أعمالها وجبالها

- ‌الأول في وادي العقيق وعرصته وحدوده وشيء من قصوره

- ‌الفصل الثاني في بقية أودية المدينة

- ‌الفصل الثالث في الأحماء ومن حماها وشرح حال حمى النبي صلى الله عليه

- ‌الفصل الرابع في بقاعها وآطامها وبعض أعمالها وأعراصها وجبالها وضبط

الفصل: ‌الأول في عمارته صلى الله عليه وسلم له وذرعه في زمنه وما يتميز به

‌الأول في عمارته صلى الله عليه وسلم له وذرعه في زمنه وما يتميز به

وقد تلخص لنا من كلام أهل السير أن ناقته صلى الله عليه وسلم بركت عند باب عند باب مسجده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنزل إن شاء الله ثم أخذ في النزول فقال رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين وكان مربدا أي يجفف فيه التمر لغلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين في مسجدا يتناه به أسعد بن زرارة وكان يجمع بهم فيه وفي صحيح البخاري في باب الهجرة بعد ذكر تأسيس مسجد قباء ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربد للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت راحلته هذا إن شاء الله تعالى المنزل ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجد أو طفق

ص: 5

رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه ويقول وهو ينقل اللبن

هذا الحمال لا حمال خيبر

هذا أبرّ ربنا وأطهر

ويقول اللهم أنّ الأجر أجر الآخرة فأرحم الأنصار والمهاجره اه وفي رواية للبخاري أيضا إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ملا بني النجار بسبب موضع المسجد فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله وهذا يوافق ما في رواية لغيره إن الغلامين أعطياه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل كانا في حجر أبي أيوب وأنه أرضاهما ودفعه للنبيّ صلى الله عليه وسلم

ص: 6

وقيل بل في حجر معاذ بن عفراء وأنه أرضاهما عنه وقيل كانا في حجرا بني عفراء وقيل أن أسعد بن زرارة عوّضهما عنه نخلا له في بني بياضة فيجمع بأنهما كانا في حجر كل من المذكورين وإنهما بذلاه مجانا فامتنع صلى الله عليه وسلم من ذلك وأخذه بثمنه ثم أن كلا من المذكورين لرغبته في الخير بذل لهما أشأ عنه فنسب ذلك إليه لكن قال الوافدي إنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من أبني عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه فلعله رغب في الخير أيضا فدفع العشرة مع دفع أولئك أو إنه صلى الله عليه وسلم أخذ أوّلا بعض المربد في بنائه الأوّل سنة قدومه ثم أخذ بعضا آخر لما سيأتي من أنه بناه ثانيا وزاد فيه فكان إلا داء من مال أبي بكر في أحدهما ودفع الآخرين في الأخرى وفي الصحيحين إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أخذه كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت وبالخرب

ص: 7

فسوّيت فصفوا النخل قبله له وجعلوا عضادتيه حجارة فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقولون اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة ويذكر أن هذا البيت لأبن رواحة قلت وكان معنى صف النخل قبلة له جعلها سواري لسقف القبلة ففي الصحيح كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل ولأبن زبالة في خبر عن ابن شهاب قال بعد ذكر أخذ المربد فبناه مسجدا وضرب لبنة من بقيع الخجنبة بئر أبي أيوب

ص: 8

بالمناصع والخجنبة شجرة كانت تنبت هناك وليحيي عن خارجه بن زيد بن ثابت بني رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده سبعين في ستين ذراعا أو يزيد ولبن لبنه من بقيع الخجنبة وجعله جدار وجعل سوارية شقة شقة وجعل وسطه رحبة وبنى بيتين لزوجته قال زيد بن السائب وبقيع الخجنبة بين بئر أبي أيوب وتلك الناحية وهذا بقيع الغرقد لبقيع المقبرة وقال عبد العزيز بن عمر الخجنبة يسار بقيع الغرقد حين تقطع الطريق ةتلقاها عند مسجد يحيي بن طلحة بن عبيد الله قلت والذي تاخص لنا أن الراجح أن بئر أبي أيوب هذه هي المعروفة اليوم ببئر أبي أيوب على يسار الخارج من درب البقيع إذا وصل إلى مشهد سيدنا إبراهيم كان على يساره الطريق يمرّ بطرق الكومة التي هناك يتوصل منها إلى حديقة تعرف بأولاد الصفي بها البئر المذكورة ينزل إليها بدرج فتلك ناحية الخجنبة وما ذكره من الذرع محمول على البناء الأول ففي كتاب رزين ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسميط لبنة على لبنة ثم السعيدة لبنة ونصف أخرى ثم كثروا فقالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل فبنى بالذكر والأنثى وهو لبنتان مختلفتان وكانوا رفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة

ص: 9

وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وكذا في العرض وكان مربعا اه فهذا الذرع في البناء الثاني وكذا ما روى يحيى في خبر عن أسامة بن زيد عن أبيه قال وكان الذين أسسوا المسجد جعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وفي الجانبين الآخرين مثل ذلك فهو مربع ويقال إنه كان أقل من مائة ذراع وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخره إلى جهة القبلة اليوم وباب عاتكة الذي يدعى باب عاتكة ويقال باب الرحمة والباب الذي كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم وهو باب آل عثمان اليوم أي المعروف اليوم بباب جبريل وهذان البابان لم يغيرا بعد صرف القبلة ولما صرفت سدّ الباب الذي كان خلفه وفتح هذا الباب حذاءه أي في محاذاة المسدود خلف المسجد أي تجاهه كما قال المجد فكان المسجد له ثلاثة أبواب باب خلفه وباب عن يمين المصلى وباب

ص: 10

عن يسار المصلى اه وقد صرح أبن زبالة فيما رواه من طريق أبن جريج عن جعفر بن عمرو بأن النبيّ صلى

الله عليه وسلم بنى مسجده مرتين وقال بناه حين قدم أقل من مائة في مائة أي في أقل من مائة أيضا فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد عليه مثله في الدور اه وهذه الرواية ليس فيها تحرير الذرع فليحمل على ما سبق من استقراره على المائة ويستفاد من قوله في الدورانه زاد فيه من الجهات كلها خلاف ما رواه أبن زبالة أيضا من أنه زاد فيه من المشرق والمغرب دون القبلة والشام

ص: 11

ومما يؤيد تعدّد بنانه صلى الله عليه وسلم لمسجده وزيادته فيه ما رواه الطبرانيّ عن أبي المليح عن أبيه قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لصاحب البقعة التي زيدت في مسجد المدينة وكان من الأنصار لك بها بيت في الجنة فقال لا فجاء عثمان فقال له لك بها عشرة آلاف درهم فاشتراها منه ثم جاء عثمان للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اشتر مني البقعة التي اشتريتها من الأنصاري فاشتراها منه ببيت في الجنة فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم لبنة ثم دعا أبا بكر رضي الله عنه فوضع لبنة ثم دعا عمر رضي الله عنه فوضع لبنة ثم جاء عثمان فوضع لبنة ثم قال للناس ضعوا فوضعوا ويشهد له ما رواه الترمذيّ وحسنه عن ثمامة بن حزن في حديث أشراف عثمان رضي الله عنه على الناس يوم الدار من قوله أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون إن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي الحديث وأخرجه أحمد والدارقطني بنحوه وأخرجا أيضا عن الأحنف بن قيس نحوه ولأحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه كانوا يحملون الذين إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ثم قال فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عارض لبنة على

ص: 12

لبنة فظننت إنها أثقلت عليه فقلت ناولنيها يا رسول الله فقال خذ غيرها يا أبا هريرة فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة وهذا في البناء الثاني لأن إسلام أبي هريرة متأخر وكذا ما في الصحيح في ذكر بناء المسجد كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار لأن البيهقيّ روى في الدلائل عن عبد الرحمن السلميّ إنه سمع

ص: 13

عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأبيه عمر وقد قتلنا هذا الرجل وقد قال صلى الله عليه وسلم فيه ما قال أيّ رجل قال عمار بن ياسر أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين فمرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحو رواية الصحيح ثم قال فدخل عمرو على معاوية فقال قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال فقال أسكت فوالله ما تزال ندحض في بولك أنحن قتلناه إنما قتله عليّ وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا وإسلام عمر رضي الله عنه كان في السنة الخامسة فلم يحضر إلا البناء الثاني ولابن زبالة ويحيى عن شهر بن حوشب لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحجر بناء المسجد قيل له عرّش كعريش أخيك موسى عليه

ص: 14

السلام سبع أذرع أي في السماء لما في الأحياء عن الحسن لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال ابنه سبعة أذرع طولا في السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه وفي الدلائل للبيهقي من طريق بعلي بن شداد عن عبادة إن الأنصار جمعوا مالا فأتوا به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله أبن هذا المسجد وزينه إلى متى نصلي تحت هذا الجريد فقال ما بي رغبة عن أخي موسى عريش كعريش موسى وروى البيهقيّ عقبه عن الحسن في بيان عريش موسى عليه السلام قال إذا رفع يده بلغ العريش يعني السقف ولأبن زبالة عن أبن شهاب كانت سواري المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذوعا من جذوع النخل وكان سقفه جريدا وخوصا ليس على السقف كثير طين إذا كان المطر سال المسجد طينا إنما هو كهيئة العريش

ص: 15

وروى يحيى عن محمد بن يحيى صاحب مالك رضي الله عنه إنه قال فيما كان انتهى إلينا من ذرع مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم من القبلة إلى حدّه الشامي أربعة وخمسون ذراعا وثلثا ذراع وحدّه من المشرق إلى المغرب ثلاث وستون ذراعا قلت وهو محمول على ذرعه قبل أن يزيد فيه صلى الله عليه وسلم ثم أستقر الأمر فيه على

رواية المائة في مائة كما سنوضحه وقد اقتضى كلام ابن النجار ومن تبعه من المتأخرين التعويل في ذرعه على رواية السبعين أي من القبلة إلى الشام وفي السير أي من المشرق إلى المغرب ولم يعّولوا على ذكر ما زيد فيه فقال ابن النجار أن حدود مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمنه من القبلة الدرابزينات التي بين الأساطين التي في قبلة الروضة ومن الشام الخشبتان المغروزتان في صحن المسجد وأما من المشرق إلى المغرب فهو من حجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأسطوان الذي بعد المنبر وهو آخر البلاط اه والخشبتان غير معروفتين اليوم والمعروف اليوم حجران في صحن المسجد عند بالوعة هناك

ص: 16

قال المطري يذكرانهما حدّ المسجد من الشام والمغرب وقد أوضحنا معنى هذه العبارة في الأصل وقد عبر بهما العز بن جماعة بدل الخشبتين في كلام ابن النجار وعبر في حدّ المغرب وبقوله إلى الأسطوانة السابعة من المنبر أي بعد المنبر في المغرب وقد أدخل ابن النجار في الذرع من حدّ القبلة عرض جدار المسجد النبوي الذي كان بينه وبين المنبر النبوي قدر ممرّ الشاة لأن جدار المسجد من المسجد فهو داخل في الذرع المتقدم فأندفع استشكال المطري بأن الدرابزينات المذكورة بينها وبين المنبر مقدار أربعة أذرع وربع ذراع فكيف يكون الحدّ من جهة القبلة بل هي متقدمة على الحائط القبلي إذ المنبر لم يغير من جهة القبلة اه قلت لكن قد غير المنبر بعد المطري من جهة القبلة أيضا كما أوضحنا في الأصل وصار بين المنبر وفي زماننا وبين الدرابزينات المذكورة ثلاث أذرع ونصف فقط وبني المطري على ذلك أن الحجرين المذكورين ليساعد على ذرعة المسجد الأول يعني السبعين لتقدّمها إلى جهة القبلة بنحو أربع أذرع ولو أعتبر الذرع من الدرابزينات المذكورة لم يقل ذلك فقد اختبرته بالذراع الذي قدمنا وصفه في حدود الحرم فكان ذلك سبعين ذراعا والذي في كتاب ابن زبالة من أصحاب مالك رحمه الله وكتاب يحيي من أصحاب أصحابه عن

ص: 17

جماعة من أهل العلم أن علامة حدّ المسجد النبوي من جهة القبلة وحروف المرمر أي الرخام الذي المنبر وسطه ذكرا ابن زبالة في وصفه هذا الرخام أنه كان ثلاث أذرع في قبلة المنبر من غربي المنبر مثل ذلك ومن شرقيه مثل ذلك وقد أنكشف لن الرخام المذكور عند خفض أرض المسجد وحفرها لتكون مستوية مع أرض المصلى الشريف فظهرت حروفه من جهة القبلة متأخرة عن الدرابزينات المذكورة متقدّمة عن حدّ المسجد في القبلة بهذا المقدار فقط وهذا الرخام موجود اليوم تحت الحصباء والتراب الذي هناك فعلن أن من حدّ بذلك أدخل عرض جدار المسجد النبوي في التحديد لما رواه يحيى من أن عمر بن عبد العزيز أحضر رجالا من قريش فأروه المسجد الأوّل فعلمه عمر فكان جدار القبلة من وراء المنبر ذراعا وأكثر من ذراع اه فما زاد على ذلك من الثلاث الأذرع الرخام في قبلة المنبر إنما هو عرض الجدار وأما ما نقله أبن زبالة ويحيى في حدّ المسجد من جهة الشام فقد قالا عقب ما سبق وعلامته من الشام أربعة طبقان من ناحية المشرق والمغرب وعلامة الطيقان الأربع إنهن مخضرات الأجواف بالفسيفساء كلهن أي بالفصوص

ص: 18

الخضر المذهبة التي كان المسجد مزخرفا بها قبل الحريق الأول وهي الفسيفساء قلت يوضح محل ذلك ما نقله المرجاني عن الحرث المحاسبي إنه قال ومنتهى طوله أي المسجد النبوي من قبلته إلى مؤخره حدّ إتمام الرابع من طيقان المسجد اليوم وما زاد على ذلك فهو خارج عن المسجد الأوّل قال يعني المحاسبي وقدوري عن مالك إنه قال مؤخرا المسجد بحذاء عضادة الباب الثاني من الباب الذي يقال له باب عثمان رضي الله عنه أعني العضادة الآخرة السفلي وهو أربعة طيقان من المسجد أهو باب عثمان هو المعروف اليوم بباب جبريل عليه السلام والثاني منه هو المعروف اليوم بباب النساء وقد كان باب النساء هو الرابع من أبواب المسجد مما يلي القبلة في جهة المشرق ومن مالك والمحاسبي كما إن باب الرحمة كان هو الرابع من أبوابه مما يلي القبلة في المغرب كما يؤخذ مما سيأتي فأتضح إن المراد من الطيقان أبواب المسجد وقد رأيت بعض الأقدمين عبر بذلك عن أبواب المسجد الحرام فأتضح ردّ ما عليه المتأخرون في تحديد المسجد النبوس وأن المعتمد رواية المائة في ذرعه دون غيرها لأن مقدار ذلك يقرب من المائة ويزيد هذا وضوحا أنّ في كتاب

إبن زبالة ويحيى في بيان حدّه من المشرق والمغرب ما لفظه وقال جمهور الناس من أهل العلم وغيرهم هو الفرضتين اللتين في الاسطوانتين اللتين دون المربعتين الغربية والتي في القبر وقد ألخص لنا من كلامه في مواضع إن مربعة القبر هي اللاصقة بجدار الحجرة الشريفة عندها مقام جبريل كما سيأتي وكانت ركن رحبة المسجد في المشرق عند نهاية السقف القبلي قبل زيادة الرواقين الآتي ذكرهما في مؤخره وإن المربعة الغربية هي التي كانت

ص: 19

ركن رحبة المسجد في المغرب مقابلة لمربعة القبر كما يصرح به ما ذكروه في بيان الحاجز الذي عمل لمنع ماء المطر من الرحبة أن يغشى المسقف القبلي والمربعة الغربية اليوم مثمنة كما ثمنوا ما ظهر من مربعة القبر بالرخام وما يلي الحجرة منها في الحائز باق على تربيعه فالاسطوانة التي دون المربعة الغربية هي الخامسة من الأساطين التي في غربي المنبر لأن السادسة من المنبر في محاذاة صف المربعة المذكورة فالخامسة من القبر هي المشار إليها بالتحديد كما سيأتي إيضاحه والأسطوانة التي دون مربعة القبر هي اللاصقة اليوم بالشباك الدائر على الحجرة وهي بين أسطوان الوفود ومربعة القبر وهي الخامسة من الأساطين التي في شرق المنبر فجدار الحجرة الأوّل كان فيما بين مربعة القبر والتي في عربيها ولذا قال أبن زبالة عقب ما سبق وكان مالك بن أنس رحمه الله يقول الجدار من المشرق في حدّ القناديل التي بين الأساطين التي في صفها أسطوانة التوبة وبين الأساطين التي تلي القبر وأروقة عمر بن عبد العزيز من ورائها في الأسطوانة التي تلي القبر انتهى يوضحه ما نقله المرجاني عن الحرث المحاسبي لأنه ذكر في تحديد المسجد ستة أساطين شرقي المنبر وإن الجدار إلى القناديل ثم قال والروضة ما بين القبر والمنبر فما كان منها في الأسطوانة السادسة التي جددت هنالك عن يمين المنبر فليس من المسجد الأوّل إنما كان من حجرة عائشة رضي الله عنها فوسع به المسجد وهو من الروضة انتهى

ص: 20

فيؤخذ منه إن الجدار كان في محاذاة القناديل الآخذة من القبلة إلى الشام في الرواق الذي بين مربعة القبر وبين الأسطوانة اللاصقة بالشباك اليوم فعمر بن عبد العزيز هو الذي أخره إلى الأسطوانة اللاصقة بالقبر وقد أسند أبن زبالة أيضا عن غير واحد من أهل العلم إن مسجده صلى الله عليه وسلم كان ثلاث أساطين عن يمين المنبر من الشق الأخرى الشرقي إلى أسطوانة التوبة أي فأسطوانة التوبة وهي الرابعة من المنبر في المشرق كانت موضع الجدار فتكون الأساطين كانت ثلاثة في المشرق أيضا ويكون جدار المغرب كان في موضع الأسطوانة الرابعة من المنبر في المغرب وقد صرح في موضع آخر بأنه كان ثلاث أساطين مما يلي المشرق وثلاث أساطين مما يلي المغرب وهذا كله في البناء الأوّل لأنه ذكر عقبه علامات المسجد الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه من مكة ثم قال وعلامة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بناه مصدمة من خيبر قالوا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد من القبلة في تلك البنية على حدة الأوّل وزاد فيه من ناحية المشرق إلى الأسطوانة التي دون المربعة التي عند القبر وعلامة تلك الأسطوانة أنّ لها نجافا طالعا في الرحبة من بين الأساطين ومن المغرب إلى الأسطوانة التي تلي المربعة أي لكونها دون المربعة المذكورة في المغرب التي لها نجاف أيضا من بين الأساطين وشهر ذلك بحجارة تحت الحصباء منها أزقة عند الأسطوانة التي بين أسطوانة التوبة وبين القبر في صف الأساطين التي لها نجاف ومن المغرب مثل ذلك بأزقة من حجارة في الأرض اه

ص: 21

ولم أفهم معنى قوله أزقة وقد صرح في موضع آخر ببنيان ما استقرّ عليه الأمر في المسجد النبوي فقال إنه عن شرقي المنبر أربع أساطين وعن غربيه أربع أساطين اه فتلخص إن جداره كان في موضع الأسطوانة الخامسة من الجهتين كما قدمناه إلا أنه يزيد على الأسطوانة الخامسة في المشرق شيئاً مما بينها وبين الأساطين اللاصقة بجدار القبر على ما سبق عن مالك وغيره في كونه كان في موازاة القناديل هناك قلت ويؤيد ذلك إنه قد ظهر عند تأسيس دعائم القبة الآتي ذكرها درج عند باب مقصورة الحجرة الشامي في موازاة الحدّ المذكور يقابل الباب المعروف اليوم بباب جبريل عليه السلام فالظاهر أنه كان هناك قبل نقله إلى محله اليوم وبهذا كله يظهر

ردّ ما عليه المتأخرون في حدود المسجد النبوي وغلط من توهم منهم أنّ عمر بن عبد العزيز بنى حائزة على الحجرة من جهة المغرب في طرف الروضة الشريفة من المسجد وأنقصها به لأجل المصلحة فلم يبنه إلا في أرض الحجرة والظاهر أنّ الجدار الداخل الذي عليه الحائز هو جدار الصفة وقد ذرعت من جدار الحائز المذكور إلى الأسطوانة الخامسة من المنبر في المغرب فكان نحو مائة ذراع إنما ينقص عنها نحو أربع أذرع أو خمس وقد كان في جدار القبلة تجاه الأسطوانة الخامسة من غربي المنبر التي كان أسفلها مربعا طراز آخذ من سقف المسجد إلى العصابة السفلى الظاهرية ذهب في حريق زماننا وبقى موضعه أصباغ ملونة في الجدار من صناعة الأقدمين لم تذهب إلا عند هدم الجدار فقد كان علامة لما يحاذي نهاية المسجد النبوي من هذه الجهة خلاف ما زعمه المطري من إنه علامة لنهاية زيادة عثمان رضي الله عنه وهو مردود بلا شك لما سيأتي من أن عمر رضي الله عنه زاد من جهة المغرب دون المشرق وأنه جعل عرض المسجد مائة وعشرين ذراعا فيكون زاد على المسجد الأصلي عشرين ذراعا في هذه الجهة وهي أسطوانتان كما يعلم مما ذكر في ذرع ما بين كل أسطوانتين ولما سيأتي من أن عثمان رضي الله عنه زاد بعده في المغرب أسطوانة فقط وأن الوليد زاد بعده أسطوانتين وعليه استقر أمر الزيادة في المغرب ولا شك إن من الأسطوانة الخامسة المحاذية للطراز المذكور إلى جدار المسجد الغربي اليوم خمس أساطين فقط فثلاث منها لعمر وعثمان رضي الله عنه وثنتان للوليد فلو كان الطراز لمذكور نهاية زيادة عثمان رضي الله عنه لكان بعده أسطوانتان للوليد فتبقى ثلاث أساطين زيدت بعد الوليد ولا قائل به إنما أوقع المطري في ذلك اعتماده لأن نهاية المسجد النبوي في المغرب الأسطوانة التي بعد المنبر وهو عجيب لأنه جازم بأن موضع المنبر لم يغير باتفاق فكيف يجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم منبره الذي يقف عليه لمخاطبة أصحابه في طرف مسجده ر يتوسطهم وإنما الصواب ما قدمناه وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما تقدّم من التوهم ولما تصح ما أسلفناه للمقر الشجاعي شاهين الجمالي ناظر الحرم النبوي اتخذ لأعالي الأسطوانة الخامسة من المنبر من صف الأساطين التي في قبلة المنبر طرازا متصلا بالسقف بدلا عن الطراز الذي كان تجاهها في جدار القبلة ونقش فيه ما حاصله إن ذلك هو الذي استقر عليه الأمر في نهاية المسجد النبوي وحدّه وفقنا الله وإياه لحفظ الحدود وألحقنا بالمقرّبين الشهود ويتقرع على ذلك ما قيل في اختصاص المضاعفة بالمسجد النبوي دون ما زيد فيه وقد حققنا المسألة في الأصل فراجعهليه المتأخرون في حدود المسجد النبوي وغلط من توهم منهم أنّ عمر بن عبد العزيز بنى حائزة على الحجرة من جهة المغرب في طرف الروضة الشريفة من المسجد وأنقصها به لأجل المصلحة فلم يبنه إلا في أرض الحجرة والظاهر أنّ الجدار الداخل الذي عليه الحائز هو جدار الصفة وقد ذرعت من جدار الحائز المذكور إلى الأسطوانة الخامسة من المنبر في المغرب فكان نحو مائة ذراع إنما ينقص عنها نحو أربع أذرع أو خمس وقد كان في جدار القبلة تجاه الأسطوانة الخامسة من غربي المنبر التي كان أسفلها مربعا طراز آخذ من سقف المسجد إلى العصابة السفلى الظاهرية ذهب في حريق زماننا وبقى موضعه أصباغ ملونة في الجدار من صناعة الأقدمين لم تذهب إلا عند هدم الجدار فقد كان علامة لما يحاذي نهاية المسجد النبوي من هذه الجهة خلاف ما زعمه المطري من إنه علامة لنهاية زيادة عثمان رضي الله عنه وهو مردود بلا شك لما سيأتي

ص: 22

من أن عمر رضي الله عنه زاد من جهة المغرب دون المشرق وأنه جعل عرض المسجد مائة وعشرين ذراعا فيكون زاد على المسجد الأصلي عشرين ذراعا في هذه الجهة وهي أسطوانتان كما يعلم مما ذكر في ذرع ما بين كل أسطوانتين ولما سيأتي من أن عثمان رضي الله عنه زاد بعده في المغرب أسطوانة فقط وأن الوليد زاد بعده أسطوانتين وعليه استقر أمر الزيادة في المغرب ولا شك إن من الأسطوانة الخامسة المحاذية للطراز المذكور إلى جدار المسجد الغربي اليوم خمس أساطين فقط فثلاث منها لعمر وعثمان رضي الله عنه وثنتان للوليد فلو كان الطراز لمذكور نهاية زيادة عثمان رضي الله عنه لكان بعده أسطوانتان للوليد فتبقى ثلاث أساطين زيدت بعد الوليد ولا قائل به إنما أوقع المطري في ذلك اعتماده لأن نهاية المسجد النبوي في المغرب الأسطوانة التي بعد المنبر وهو عجيب لأنه جازم بأن موضع المنبر لم يغير باتفاق فكيف يجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم منبره الذي يقف عليه لمخاطبة أصحابه في طرف مسجده ر يتوسطهم وإنما الصواب ما قدمناه وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما تقدّم من التوهم ولما تصح ما أسلفناه للمقر الشجاعي شاهين الجمالي ناظر الحرم النبوي اتخذ لأعالي الأسطوانة الخامسة من المنبر من صف الأساطين التي في قبلة المنبر طرازا متصلا بالسقف بدلا عن الطراز الذي كان تجاهها في جدار القبلة ونقش فيه ما حاصله إن ذلك هو الذي استقر عليه الأمر في نهاية المسجد النبوي وحدّه

ص: 23

وفقنا الله وإياه لحفظ الحدود وألحقنا بالمقرّبين الشهود ويتقرع على ذلك ما قيل في اختصاص المضاعفة بالمسجد النبوي دون ما زيد فيه وقد حققنا المسألة في الأصل فراجعه

ص: 25