الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الثاني عشر " في العمارة المتجدّدة بالحجرة الشريفة وإبدال سقفها
بقبة لطيفة تحت سقف المسجد ومشاهدة وضعها وتصوير ما أستقر عليه أمرها
لما أنهى لسلطان زماننا الأشرف قايتباي احتياج المسجد النبوي إلى العمارة وفوّض للشمس بن الزمن النظر في ذلك عام أحد وثمانين وثمانمائة قبل الحريق الثاني اقتضى رأيه تجديد رخام الحجرة الشريفة وقد ذكرناه فيما سبق فأصلح أصل أسطوان الصندوق بعد نزع ست حرزات منه كانت متشققة وأبدلها بست خرزات نقضوها من أسطوان بمسجد قباء ثم لما قلعوا رخام الصفحة الآخذة من زاوية حائز عمر بن عبد العزيز الشمالية إلى الصفحة الشرقية مع ما يليها من صفحة المشرق وكان هناك انشقاق قديم كان يظهر في الحائز المذكور عند رفع الكسوة وقد سدّ الأقدمون خلله بالآجر وأفرغوا فيه الجص وبيضوه بالقصة ثم أنشق البياض من رأس الوزرة الرخام إلى رأس الجدار فقشروا عنه البياض وأخرجوا ما في خلله من الجص والآجر فظهر من خلله بناء الحجرة المربع جوف الحائز المذكور من عند ملتقى حائطه الشامي مع المشرقي وظهر فيه شق أيضا عند ملتقى الجدارين المذكورين تدخل اليد فيه قديم أيضا سدّه الأقدمون ثم أتسع فعقد متولي العمارة مجلسا جوف المقصورة عند الجدار المذكور في ثالث عشر شعبان ونصب أساقيل هناك واستحضرني فحضرت بعد الاستخارة فوجدت الأمر قد أتفق عليه وتحرّر أنّ
سبب انشقاق الجدار الظاهر انشقاق الجدار الداخل وميله نحوه واد عام الأقدمين الداخل بأخشاب بين الداخل والخارج عند رأسهما من المشرق فمال الجدار الظاهر لذلك فرجح عندي رأي أبن عباس في الكعبة حيث أشار بترميمها ورأيت أن ما يطلب هنا من الأدب أوجب فحاولت إدعام البناء المذكور وقلت إنه لا يفعل هنا إلا ما دعته الضرورة إليه في الحال فلم أوافق عليه وقال الزكوي قاضي الشافعية سامحه الله تعالى لمتولي العمارة سرح العمال من الغد للهدم ثم بلغني إنهم ألقوا في ذهن متولي العمارة أني حريص على تفويته كون المنقبة في هذه العمارة تكون له فشرعوا في صبيحة رابع عشر شعبان في هدم الموضع السابق من الحائز الظاهر فهدموا من ملتقى الصفحتين الشرقية والشمالية التي تليها خمسة أذرع على نحو أربعة أذرع من الأرض إلى أعلى الحائز فظهر هدم الحريق الكائن بين الجدارين وظهر فيه أطراف خشب كثيرة سلمت من الحريق ثم نظف ذلك وكان أمرا مهولا نحو القامة لم يتأت إزالته إلا بالعتل والمساحي فبلغوا في تنظيفه الأرض الأصلية وبها حصباء حمراء ثم ظهر إنها مبنية بحجارة مجدولة بها والبيت الداخل مربع بأحجار سود على ما سبق في وصفه ولا باب فيه وخلف جداره الشامي أسطوان في صف مربعة القبر بعضها داخل فيه ثم عزم متولي العمارة على هدم هذا الجدار الشامي من البناء الداخل فبدأ برفع سقف الحجرة ثم أفاض في عقد قبة بدل سقف الحجرة على جدرانها فكرهت ذلك لعلمي بأنه يجر إلى هدم
غالب جدران الحجرة وفيه الاتساع فيما ينبغي الاقتصار فيه على قدر الضرورة فأجمع أمره على عمل القبة فهدم الجدار الشامي والشرقي إلى الأرض وكذا نحو أربعة أذرع من القبلي مما يلي المشرق وكذا من الغربي مما يلي الشام وهدموا من علو ما بقى منهما نحو خمسة أذرع ووجدوا في الغربي وما يليه من القبلي والشامي دون الشرقي وما يليه منهما بعد هدم السترة المبنية على سقف الحجرة المجدّد بعد الحريق وسترة السقف المحترق بين فصوص الأحجار وأعلاها مع رأس الجدر المذكورة لبنا غير مشوي طول اللبنة منه أرجح من ذراع وعرضها نصف ذراع وسمكها ربع ذراع وطول بعضه وعرضه وسمكه واحد وهو نصف ذراع والظاهر إنه لما بنيت الحجرة بالأحجار المنقوشة لقصد الأحكام وأرادوا أن لا يخلو بناؤهم من بركة اللبن الذي كان في بنائها الأوّل فوضعوه بين الأحجار المبنية بالقصة ولم يحصل الخلل إلا في الناحية الخالية منه وهي الشرقي وما يليه من القبلي والشامي وشاهد الحال في هذه الناحية يقتضي تجدّدها على ما قدمناه في العاشر ولما بلغوا بهدم الجدار الشامي نحو الأرض شرعوا في تنظيم الردم السائر للقبور الشريفة فمكثوا فيه يوما كاملا مع كثرتهم حتى ملؤا الحجرة فيما بلغني وتجنبت حضور ذلك خوفا من الوقوع في سوء الأدب ووضعوا هذا الردم بزاوية المسقف الغربي مما يلي طرف المسقف الشامي المسمى بالدكاك وبنى عليه متولي العمارة دكة بارزة هناك وفي صبيحة اليوم الثاني بعث إليّ متولي العمارة ألا تشرف بمشاهدة وضع الحجرة
الشريفة فحثني داعي الشوق إلى الإجابة وبلغ الوجد مني
مبلغا أتم نصابه ولله در القائل أتم نصابه ولله در القائل
ولو قيل للمجنون أرض أصابها
…
غبار ثرى لبلى لجدّ وأسرعا
فتوجهت مستحضرا عظيم ما توجهت إليه ومتوقع المثول ببيت أوسع الخلق كرما وعفوا وذلك هو المعوّل عليه ولله در القائل
عصيت فقالوا كيف تلقى محمدا
…
ووجهي بأثواب المعاصي مبرقع
عسى الله من أجل الحبيب وقربه
…
يداركني بالعفو فالعفو أوسع
وسألت الله تعالى أن يمنحني حسن الأدب في ذلك المحل العظيم ويلهمني ما يستحقه من الإجلال والتعظيم وأن يرزقني منه القبول والرضا ولتجاوز عما سلف ومضى فاستأذنت ودخلت من مؤخر الحجرة ولم أتجاوزه فشممت رائحة عطرة ما شممت مثلها قط فلما قضيت من السلام والتشفع والتوسل الوطر متعت عيني من تلك الساحة بالنظر لا تحف بوصفها المشتاقين وأنشر من طيب أخبارها في المحبين فإذا هي أرض مستوية ولا أثر للقبور الشريفة بها وبوسطها موضع فيه ارتفاع يسير توهموا إنه القبر النبوي فأخذوا من ترابه للتبرك فيما زعموا لجهلهم بأخبار الحجرة الشريفة فقد قال الشافعيّ ردّا على من قال إن النبيّ صلى الله عليه وسلم أدخل قبره معترضا هذا من فحش الكلام في الأخبار لأن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قريبا من الجدار وكان للحد تحت الجدار أي جدار القبلة فكيف توضع الجنازة على عرض القبر حتى صار معترضا انتهى
وفي تحفة أبن عساكر عن جابر رضي الله عنه رش قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان الذي رش على قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتى انتهى إلى رجليه ثم ضرجه بالماء إلى الجدار ولم يقدر على أن يدور من الجدار لأنهم جعلوا بين قبره وبين حائط القبلة نحوا من سوط وفي طبقات أبن سعد عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال سقط حائط قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم في زمن عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ على المدينة في ولاية الوليد فكنت في أوّل من نهض فنظرت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ليس بينه وبين حائط عائشة إلا نحو من شبر فعرفت إنهم لم يدخلوه من قبل القبلة وفي خبر عبد الله بن عقيل في قصة سقوط الجدار عند أبن زبالة ويحيى إن عمر بن عبد العزيز قال لمزاحم لما دخل كيف ترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال متطأطأ قال فكيف ترى قبر الرجلين قال مرتفعين قال أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا ما شاهدناه من وصف الحجرة وذرعها في العاشر والتفاوت بين داخل أرض الحجرة وما حول الحائز الظاهر من أرض المسجد نحو ثلاثة أذرع وآثار الردم الذي أخرج في الجدران نحو ثلاثة أذرع في بعض المواضع وفي بعضها نحو ذراعين ثم شرعوا في إعادة بناء الحجرة في سابع عشري شعبان فاقتضى رأيهم إدخال الأسطوانة الملاصقة لجدار الحجرة الشامي خلفه في عرض ذلك الجدار فزادوا في عرضه من الرحبة التي هناك وجعلوه
متفاوت العرض فأسسوا عرض ما يلي المشرق منه إلى نهاية محاذاة الأسطوانة التي أدخلوها نحو ثلاثة أذرع وما يلي المغرب منه دون ذلك بنحو نصف ذراع فصارت الجهة الأولى بارزة على الثانية في الرحبة التي هناك كما سيأتي تصويره وعقدوا قبوا على نحو ثلث الحجرة الذي يلي المشرق والأرجل الشريفة ليتأتى لهم تربيع محل القبة المتخذة على بقية الحجرة من المغرب لأن الحجرة مستطيلة بين المشرق والمغرب كما يعلم مما سبق في ذرعها وأدخلوا ما كان بين الجدار الداخل والخارج من المشرق في عرض حائط القبو المذكور إلى نهاية ارتفاعه وكذا فعلوا فيما كان بين الجدار القبلي الداخل والخارج سدوه أيضا حتى لم يبق حول البناء الداخل فضاء إلا من جهة الشام وصار علو القبو المذكور أعني سطحه وما أتصل به مما كان بين الجدارين في المشرق فضاء أيضا بين القبة وبين الجدار الظاهر في المشرق والجدار الظاهر في القبلة واتخذوا له سترة من الشام وعقدوا القبة على جهة الرؤوس الشريفة بأحجار منحوتة من الأسود وكملت من الحجر الأبيض وارتفاع القبة من أرض الحجرة إلى محل هلال القبة ثمانية عشر ذراعا وربع ذراع ومن أرض الحجرة إلى رأس القبو الذي بنى عليه جانب القبة الشرقي نحو أثنى عشر ذراعا وجعلوا على رأس جدار القبة الشامي بناء يسيرا مما بقى من اللبن الذي تقدّم وجوده فيما هدم من الحجرة وكان كثيرا فأخذ أكثره وذكر لي متولي العمارة إنه جعل الميزاب الذي وجد بالحجرة من عرعر
وقد أحترق بعضه في حرق هذا البناء وتركوا في نحو وسط هذا الجدار خوخة فلما لم يبق إلا هي أدخلوا منها شيئا كثيرا من حصباء عرصة العقيق التي يفرش بها المسجد بعد أن غسلوها لتوضع على محل القبور الشريفة وكنت قد ذكرت لهم إن القبر الشريف يلي جدار القبلة كما سبق وإنه يستنبط مما سبق في كون المسمار من الجدار الظاهر في محاذاة الوجه الشريف إن ابتداء القبر الشريف من المغرب
على نحو ذراعين من الجدار القبليّ الداخل لأنا إذا أسقطنا عرض الجدار بين الغربيين أعني الداخل منهما والخارج وهو نحو ثلاثة أذرع كان الباقي مما بين المسمار وطرف الصفحة الغربية نحو الذراعين فاستحسنوا ذلك وتولى الدخول ووضع الحصباء على القبور الشريفة أبن أخي متولي العمارة وصهره زوج أخته فوضعوا الحصباء على المحل المذكور وأخذوا بالصفة المشهورة في كيفية القبور الشريفة من كون رأس أبي بكر خلف منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر خلف منكب أبي بكر رضي الله عنه فوضعوا الحصباء لهما كذلك وكان صهر متولي العمارة حنفيا فجعلها مسنمة وأكثروا في ذلك المحل من البخور بالعود والعنبر وغيرهما من أنواع الروائح وعرف المحل الشريف على ذلك كله راجح فائح ولله در القائللى نحو ذراعين من الجدار القبليّ الداخل لأنا إذا أسقطنا عرض الجدار بين الغربيين أعني الداخل منهما والخارج وهو نحو ثلاثة أذرع كان الباقي مما بين المسمار وطرف الصفحة الغربية نحو الذراعين فاستحسنوا ذلك وتولى الدخول ووضع الحصباء على القبور الشريفة أبن أخي متولي العمارة وصهره زوج أخته فوضعوا الحصباء على المحل المذكور وأخذوا بالصفة المشهورة في كيفية القبور الشريفة من كون رأس أبي بكر خلف منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر خلف منكب أبي بكر رضي الله عنه فوضعوا الحصباء لهما كذلك وكان صهر متولي العمارة حنفيا فجعلها مسنمة وأكثروا في ذلك المحل من البخور بالعود والعنبر وغيرهما من أنواع الروائح وعرف المحل الشريف على ذلك كله راجح فائح ولله در القائل
بطيب رسول الله طاب نسيمها
…
فما المسك ما الكافور ما المندل الرطب
وألقى جماعة من الناس أوراقا كتبوا فيها التشفع بالحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم ومآرب سألوها ثم سدّوا الخوخة المذكورة ونصبوا بأعلى القبة هلالا من نحاس أصفر
يقرب من سقف المسجد فإن القبة المذكورة تحته ثم سدوا ما هدموه من الجدار الظاهر وأنا حاضر وحضرت في بعض بناء الحجرة متبركا بالعمل فيه ولم أحضر غير ذلك طلبا للسلامة وأنشدت في ذلك المحل الشريف قصيدتي التي تطفلت بها على واسع كرم الجناب الرفيع الحبيب الشفيع الحال بهذا الحمى المنيع التي أوّلها
قف بالديار لحيّ في ذرى الحرم
…
وحيّ هذا المحيا من ذوي أضم
وكان ختم هذا البناء في يوم الخميس سابع شوّال عام أحد وثمانين وثمانمائة وصرفوا في ذلك وفي غيره من عمارة المسجد وترخيم الحجرة الشريفة وإعادة منارة مسجد قباء بعد سقوطها وبعض سقفه وإحكام مصرف مياه الأمطار التي كانت تجتمع حول المسجد وتسييرها إلى سروب وسنح عين الأزرق مالا جزيلا وقد صوّرنا ما استقرّ عليه الأمر في هيئة الحجرة المنيفة والقبور الشريفة بها وجعلنا صورة الحائز الظاهر بالأحمر والبناء الداخل بالأسود وجعلنا خطا لرأس القبر وخطوطا لما جعل عليه وعلى ما يحاذيه من الجدارات لأركان القبة فلا يتوهم إن ذلك بأرض الحجرة الشريفة
" خاتمة فيما نقل من عمل خندق مملوء من الرصاص حول الحجرة الشريفة وما ناسب سببه " قال الجمال الأسنوي في رسالة له في منع الولاة من استعمال النصارى إن الملك العادل نور الدين الشهيد رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في نومه في ليلة ثلاث مرات وهو يشير إلى رجلين أشقر بن ويقول أنجدني أنقذني من هذين فأرسل إلى وزيره وتجهزا في بقية ليلتهما على رواحل خفيفة في عشرين نفرا وصحب مالا كثيرا وقدم المدينة في ستة عشر يوما فزارا ثم أمر بإحضار أهل المدينة بعد كتابتهم وصار يتصدّق عليهم ويتأمل تلك الصفة إلى أن انفضت الناس فقال هل بقى أحد قالوا لم يبق سوى رجلين صالحين عفيفين مغربيين يكثران الصدقة فطلبهما فرآهما فإذا هما الرجلان اللذان أشار إليهما النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأل عن منزلهما فأخبرانهما في رباط بقرب الحجرة فأمسكهما ومضى إلى منزلهما فلم ير إلا خيمتين وكتبا في الرقائق ومالا كثيرا فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير فرفع السلطان حصيرا في البيت فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة فارتاعت الناس لذلك وقال لهما السلطان أصدقاني وضربهما ضربا شديدا فاعترفا إنهما نصرانيان بعثهما سلطان النصارى في زي حجاج المغاربة وأمالهما بأموال عظيمة ليتحيلا في الوصول إلى الجناب الشريف ونقله وما يترتب عليه فنزلا بأقرب رباط وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد والذي يجتمع من التراب يخرجانه في محفظتيهما إلى البقيع بعلة الزيارة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت
وحصل رجيف عظيم فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة فلما ظهر حالهما بكى السلطان بكاء شديدا وأمر بضرب رقابهما فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذيب ذلك الرصاص ومليء به الخندق فصار حول الحجرة الشريفة كلها سورا رصاصا إلى الماء انتهى وأشار المطري لذلك مع مخالفة في بعضه ولم يذكر أمر الرصاص فقال ووصل السلطان نور الدين محمود زنكي بن آقسنقر في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة بسبب رؤيا رآها ذكرها بعض الناس وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عمن حدثه من أكابر من أدرك إن السلطان المذكور رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة وهو يقول في كل مرة يا محمود أنقذني من هذين لشخصين أشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر ذلك له فقال هذا أمر حدث بالمدينة النبوية ليس له غيرك فتجهز على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها حتى دخل المدينة على حين غفلة من أهلها ثم ذكر قصة الصدقة وإنه لم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبي صلى الله عليه وسلم عند دار آل عمر المعروفة بدار العشرة فجدّ في طلبهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان فسألهما عن حالهما فقالا جئنا للمجاورة فقال أصدقاني وعاقبهما فأقرا إنهما من النصارى وإنهما وصلا لكي ينقلا من
بالحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي وهما قاصدان لجهة الحجرة يجعلان التراب في بئر عندهما في البيت فضرب أعناقهما عند الشباك الذي شرقي الحجرة خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب السلطان متوجها إلى الشام انتهى ونقل أبن النجار في تاريخ بغداد وقوع ما يقرب من ذلك وهو إن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر وقال متى تم لك ذلك شدّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر وكان منقبة لسكانها فأجتهد الحاكم في مدّة وبنى بمصر
حائزا وبعث أبا الفتوح إلى نبش الموضع الشريف فلما وصل إلى المدينة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه وحضر معهم قارئ يعرف بالزلباني فقرأ في المجلس وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم إلى قوله إن كنتم مؤمنين فماج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه وما منعهم من السرعة إلى ذلك إلا أن البلاد كانت لهم فلما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم الله أحق أن يخشى والله لو كان على من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه وكيف نهض في هذه المخزية فما أنصرف النهار حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها حتى درجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة وهلك أكثرها وخلق من الناس فأنشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره وفي الرياض النضرة للمحب الطبريّ أخبرني هارون أبن الشيخ عمر بن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال قال لي شمس الدين صواب اللمطي شيخ خدام النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء أخبرك بعجيبة كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال أمر عظيم حدث اليوم جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا ليمكنهم من فتح الحجرة الشريفة وإخراج أبي بكر وعمر رضي الله عنه منها فاجأتهم لذلك فلم ألبث إن جاء رسول الأمير يدعوني فأجبته فقال يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعترض عليهم فقلت سمعا وطاعة ولم أزل خلف الحجرة أبكي حتى صليت العشاء وغلقت الأبواب فلم أنشب إن دق عليّ الباب الذي حذاء باب الأمير أي وهو باب السلام ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم فاستبطأ الأمير خبرهم فدعاني وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن أتفق لهم كيت وكيت قال أنظر ما تقول قلت هو ذاك وقم فأنظر هل ترى لهم أثرا فقال هذا موضع هذا الحديث وإن ظهر منك كان يقطع رأسك قال المطري فحكيتها لمن أثق بحديثه فقال وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي له هذه الحكاية سمعتها من فيه انتهى وقد ذكرها مختصرة أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي محمد المرجاني في تاريخ المدينة له وقال سمعتها من والدي يعني الإمام الجليل أبا عبد الله المرجاني قال سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة سمعتها أنا من خادم الحجرة وذكر نحو ما تقدّم إلا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا فما مشوا إلا خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الأرض. ئزا وبعث أبا الفتوح إلى نبش الموضع الشريف فلما وصل إلى المدينة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه وحضر معهم قارئ يعرف بالزلباني فقرأ في المجلس وإن نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم إلى قوله إن كنتم مؤمنين فماج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه وما منعهم من السرعة إلى ذلك إلا أن البلاد كانت لهم فلما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم الله أحق أن يخشى والله لو كان على من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه وكيف نهض في هذه المخزية فما أنصرف النهار حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها حتى درجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما
تدحرج الكرة وهلك أكثرها وخلق من الناس فأنشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره وفي الرياض النضرة للمحب الطبريّ أخبرني هارون أبن الشيخ عمر بن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال قال لي شمس الدين صواب اللمطي شيخ خدام النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء أخبرك بعجيبة كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال أمر عظيم حدث اليوم جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا ليمكنهم من فتح الحجرة الشريفة وإخراج أبي بكر وعمر رضي الله عنه منها فاجأتهم لذلك فلم ألبث إن جاء رسول الأمير يدعوني فأجبته فقال يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعترض عليهم فقلت سمعا وطاعة ولم أزل خلف الحجرة أبكي حتى صليت العشاء وغلقت الأبواب فلم أنشب إن دق عليّ الباب الذي حذاء باب الأمير أي وهو باب السلام ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم فاستبطأ الأمير خبرهم فدعاني وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن أتفق لهم كيت وكيت قال أنظر ما تقول قلت
هو ذاك وقم فأنظر هل ترى لهم أثرا فقال هذا موضع هذا الحديث وإن ظهر منك كان يقطع رأسك قال المطري فحكيتها لمن أثق بحديثه فقال وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي له هذه الحكاية سمعتها من فيه انتهى وقد ذكرها مختصرة أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي محمد المرجاني في تاريخ المدينة له وقال سمعتها من والدي يعني الإمام الجليل أبا عبد الله المرجاني قال سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة سمعتها أنا من خادم الحجرة وذكر نحو ما تقدّم إلا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا فما مشوا إلا خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الأرض.