الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الخامس " في الأمر بسدّ الأبواب وما أستثنى منها
بوّب البخاري بقول النبي صلى الله عليه وسلم سدّوا الأبواب إلا باب أبي بكر وقال قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصله في الصلاة بلفظ سدوا عني كل خوخة فذكره هنا بالمعنى ثم أسند في الباب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فأختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر رضي الله عنه فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوّة الإسلام مودته لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر
وفي رواية مسلم عند خوخة إلا خوخة أبي بكر والخوخة طاقة تفتح في الجدار للضوء حيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها وهو المراد هنا ولذا أطلق عليها باب وقيل لا يطلق عليها باب إلا إذا كانت تغلق وبين ابن عباس رضي الله عنه في روايته أن ذلك كان في مرضه صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس ليال فذكره وفي طبقات ابن سعد عن معاوية بن صالح أن ناسا قالوا أغلق أبوابنا وترك باب خليله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغني الذي قلتم في باب أبي بكر وإني أرى على باب أبي بكر نورا وأرى على أبوابكم ظلمة وعن أبي الحويرث لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواب تسدّ إلا باب أبي بكر قال عمر يا رسول الله دعني أفتح كوة أنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قيل كنى بالباب عن الخلافة وبالأمر بالسدّ عن طلبها أي لا يطلبها إلا هو وإليه جنح ابن حبان وأيد بأن منزل أبي بكر رضي الله عنه بالسخ من العوالي فلا تكون له خوخة إلى المسجد ورد بأن السخ منزل زوجته الأنصارية وكانت أسماء بنت عميس معه وأم رمان وقد قال ابن شبة أن الدار التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة له ولم تزل في يد أبي بكر رضي الله عنه حتى باعها وقال أيضا أتخذ أبو بكر دارا في زقاق البقيع قبالة دار عثمان الصغري وأتخذ منزلا آخر عند المسجد وهو الذي جاء فيه حديث سدّوا عني هذه الأبواب إلا باب أبي بكر قال أبو غسان أخبرني إسماعيل بن أبي فديك أن عمه أخبره أن الخوخة الشارعة في دار القضاء في غربي المسجد خوخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي قال فيها رسول اله صلى الله عليه وسلم سدّوا عني هذه الأبواب إلا ما كان من خوخة أبي بكر وأتخذ أبو بكر رضي الله عنه أيضا بيتا بالسخ انتهى
ودار القضاء هي رحبة القضاء كانت فيما بين باب السلام وباب الرحمة والخوخة الشارعة فيها سيأتي ذكرها في أبواب المسجد المراد أن خوخة أبي بكر رضي الله عنه كانت في موازاتها فلما زادوا في المسجد حولوها عن يمينها كما حولوا باب عثمان إلى موضعه اليوم وكذا قال ابن زبالة حدّثني محمد بن إسماعيل عن إسحاق بن مسلم أن الخوخة التي إلى جنب باب زياد في غربي المسجد الشارعة في رحبة القضاء هي يمين خوخة أبي بكر لما زيد في المسجد نحيت فجعلت يمناها أي محاذية لها من جهة اليمين ولما سدّت مع ما سدّ من أبواب المسجد جعلت بابا الحاصل في المسجد ولما ابتنيت المدرسة الأشرفية فيما بين باب السلام وباب الرحمة جعل متولي للحاصل المذكور ثلاثة أبواب نافذة للمسجد تلي باب السلام ومحل الخوخة منها الباب الثالث على يسار الداخل من باب السلام قال الحافظ ابن حجر وفي أحاديث سدّ الأبواب ما يخالف ظاهر عما سبق كحديث سعد بن أبي وقاص أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب عليّ أخرجه أحمد والنسائي وسنده قوي زاد الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات فقالوا يا رسول الله سدّيت أبوابنا فقال ما أنا سددتها ولكن الله تعالى سدّها
وعن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سدّو هذه الأبواب إلا باب عليّ فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فأتبعته أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات وعن ابن
عباس رضي الله عنه أمر رسول اله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدّت ألباب عليّ وفي رواية أمر بسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره أخرجها أحمد والنسائي ورجالهما ثقات وعن جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني وعن ابن عمر رضي الله عنه كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى عليّ ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسدّ الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطى له الراية يوم فتح خيبر أخرجه أحمد وإسناده حسن وللنسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال قلت لأبن عمر أخبرني عن عليّ وعثمان فذكر الحديث وفيه وأما عليّ فلا تسأل عنه أحد وأنظر إلى منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه ابن معين وغيره قال الحافظ بن حجر وهذه الأحاديث يقوّى بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات مقتصرا على بعض طرقه وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك يقادح وأعله أيضا لمخالفته الأحاديث الصحيحة في باب أبي بكر وزعم أنه من وضع الرافضة قال الحافظ ابن حجر وقد أخطأ في ذلك خطأ شنيعا لردّه الأحاديث الصحيحة بتوهم المعارضة مع إمكان الجمع وقد أشار إليه البزاز فقال رواه أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة عليّ وأهل المدينة في قصة أبي بكر فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع عادلّ عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يعني
الذي في الترمذي مرفوعا لا يحل لأحد أن يطرث هذا المسجد جنبا غيري وغيرك والمعنى إن باب عليّ رضي الله عنه كان لجهة المسجد ولم يكن له باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده أي بخلاف أبي بكر رضي الله عنه فكان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى المسجد كما صرّح به الكلاباذي أي فمن روى استثناءه رأى أنه المحتاج إلى الاستثناء لما ذكر بخلاف عليّ فإنه خص بما هو أزيد من إبقاء الباب ومن روى باب عليّ أراد دفع توهم أنه سدّ أو يقال وهو أوضح إنهم أمروا أو لا بسدّ الأبواب إلا باب علي فسدّوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول منها بعد الاستئذان فيه فأمروا آخرا بسدّها إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه ويؤيده إن في رواية ليحيى وغيره إن حمزة بن عبد المطلب خرج يجرّ قطيفة له وعيناه تذر فإن يبكي يقول يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت أبن عمط فقال ما أنا أخرجتك ولا أسكنته ولكن الله أسكنه فذكر حمزة دالّ على تقدّم قصة عليّ
وللبزار وفيه ضعفاء قد وثقوا عن عليّ رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق فمرهم أن يسدوا أبوابهم فانطلقت فقلت لهم ففعلوا إلا حمزة فقلت يا رسول الله فعلوا إلا حمزة فقال قل لحمزة فليحوّل بابه فقلت له فحوّله الحديث وله أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى أبي بكر رضي الله عنه أن سدّ بابك فاسترجع ثم قال سمع وطاعة ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه ثم إلى العباس رضي الله عنه وقال مثله فذكر العباس هنا بدل حمزة يظهر كونه وهما لأنه إنما قدم عام الفتح وفي خبر لأبن زبالة ويحيى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نادى مناد أيها الناس سدوا أبوابكم فتحسحس الناس ولم يقم أحد ثم خرج الثانية فذكر مثله فخرج فقال أيها الناس سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب فخرج الناس مبادرين وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه الحديث ولهما أيضا عن عمر بن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب الشوارع في المسجد فقال له رجل من أصحابه يا رسول الله دع لي كوة أنظر إليك منها حين تغدوا وحين تروح فقال لا والله ولا مثل
ثقب الإبرة قلت إن ثبت هذا في القصة الأولى حمل على إن الأذن في اتخاذ الخوخ بعد منعها والظاهر إن الجدران التي كان فيها الأبواب كانت لهم لا للمسجد وأنه صلى الله عليه وسلم رأى المصلحة في منعهم عنها ويحتمل أنها كانت جدران المسجد فمكنهم صلى الله عليه وسلم من ذلك أولا ثم رأى المصلحة في المنع وقال المحب الطبري ومن خطه نقلت خوخاة الصحابة المأمور بسدها الله أعلم هل كانت من أصل البناء أو فتحت بعده يعني في جدار المسجد فإن كان الأول
فلا يخالف ما قلناه من أن من صلى في شباك فتح في جدار المسجد تعديا لا يبعد إلحاقه بالصلاة في الموضع المغصوب وإن صح الثاني أمكن أن يستدل به على جواز مثل ذلك وإن بعد عن القياس وأمكن أن يقال إنه خصيصا لهم تسهيلا عليهم في حضور الجماعة لما مرنوا على ذلك أمر بسدها وخص أبا بكر رضي الله عنه إظهارا لمرتبته وقد أكثرت البحث عن ذلك فلم أر من تعرض له ولعلهم اكتفوا بذكر منع التصرف في حائط الجدار دون أذن حتى بدق الوتد فجدار المسجد كذلك انتهى وقال السبكي الذي يظهر من قواعد الشافعي منع فتح الباب ونحوه في جدار المسجد ولا يكاد الشافعية يرتابون فيه فإنهم يحترزون على تغيير الوقف جدا ولما فتح شباك الطيبرسية في جدار الجامع الأزهر عظم ذلك عليّ ورأيته من المنكرات إذ لا مصلحة للجامع فيه وكذا كلما كان لمصلى غير المسجد قال وحيث لم يجز الفتح فيظهر إنه لا يجوز الاستطراق من غير ضرورة وإنه لولا إقراره صلى الله عليه وسلم لما فتحته قريش من باب الكعبة في غير محله لم يجز الدخول منه وفي كلامه ما يقتضي إن ما قاله مقتضى كلام المذاهب الأربعة وبه يعلم ردّ الترخيص في جواز الفتح إذا حصل هدم الجدار أو انهدامه لأن ترك الفتحات في الجدار تغيير للوقف ولأن قريشا إنما فعلوا ذلك في الكعبة بعد هدمها وقد سبق كلام الشبكي فيه والظاهر القطع بمنع مثل ذلك في مسجد المدينة لأنه ظهر من غرض الشارع صلى الله عليه وسلم فيه المنع مطلقا وتوهم إن ذلك كان في جداره فلا يمتنع في جدار بناه غيره غلط بين. يخالف ما قلناه من أن من صلى في شباك فتح في جدار المسجد تعديا لا يبعد إلحاقه بالصلاة في الموضع المغصوب وإن صح الثاني أمكن أن يستدل به على جواز مثل ذلك وإن بعد عن القياس وأمكن أن يقال إنه خصيصا لهم تسهيلا عليهم في حضور الجماعة لما مرنوا على ذلك أمر بسدها وخص أبا بكر رضي الله عنه إظهارا لمرتبته وقد أكثرت البحث عن ذلك فلم أر من تعرض له ولعلهم اكتفوا بذكر منع التصرف في حائط الجدار دون أذن حتى بدق الوتد فجدار المسجد كذلك انتهى وقال السبكي الذي يظهر من قواعد الشافعي منع فتح الباب ونحوه في جدار المسجد ولا يكاد الشافعية يرتابون فيه فإنهم يحترزون على تغيير الوقف جدا ولما فتح شباك الطيبرسية في جدار الجامع الأزهر عظم ذلك عليّ ورأيته من المنكرات إذ لا مصلحة للجامع فيه وكذا كلما كان لمصلى
غير المسجد قال وحيث لم يجز الفتح فيظهر إنه لا يجوز الاستطراق من غير ضرورة وإنه لولا إقراره صلى الله عليه وسلم لما فتحته قريش من باب الكعبة في غير محله لم يجز الدخول منه وفي كلامه ما يقتضي إن ما قاله مقتضى كلام المذاهب الأربعة وبه يعلم ردّ الترخيص في جواز الفتح إذا حصل هدم الجدار أو انهدامه لأن ترك الفتحات في الجدار تغيير للوقف ولأن قريشا إنما فعلوا ذلك في الكعبة بعد هدمها وقد سبق كلام الشبكي فيه والظاهر القطع بمنع مثل ذلك في مسجد المدينة لأنه ظهر من غرض الشارع صلى الله عليه وسلم فيه المنع مطلقا وتوهم إن ذلك كان في جداره فلا يمتنع في جدار بناه غيره غلط بين.