الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في الأحماء ومن حماها وشرح حال حمى النبي صلى الله عليه
وسلم بالنقيع
الحمى بالقصر وقد يمدّ موضع من الموات يمنع من التعرض له ليتوفر فيه الكلأ فترعاه مواش مخصوصة وقد أشتهر بذلك مواضع من جهات المدينة منها:
" حمى النقيع " بنون مفتوحة وقاف مكسورة وعين مهملة وأصله كل موضع يستنقع فيه الماء وبه سمي هذا الوادي قال أبن شبة وهو واد كثير الدّر وهو من المدينة على أربعة برد في يمانيها انتهى وقيل هو على ستين ميلا من المدينة ولعل مراد قائله طرفه الأقصى من المدينة وقد تقدم أنه صدر وادي العقيق وأن العقيق يبتدئ من حضير فيكون انتهاء النقيع إليه ونقل الهجري أنه أول الأحماء وأفضلها وأشرفها وأن طوله بريد وعرضه ميل في بعض ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حماه لخيل المسلمين أمر رجلا صيتا فاتكا على عسيب وصاح بأعلى صوته فكان مدى صوته بريا وهو قاع
مدر طيب ينبت أحرار البقل والطرائف ويستأجم أي يستأصل أصله ويغلظ نبته حتى يعود كالأجمة يغيب فيه الراكب إذا أحيا وفيه العضاة والغرقد والسدور السيال والسلم والطلح والسمر والعوسج ويحف ذلك القاع حرة بني سليم شرقا والصخرة غربا مع أعلام مشهورة في المغرب برام والوبرة وضاف والشقراء وببطن النقيع غدر تصيف وأعلاها يراجم ثم ألبن وبعضهم يقول يلبن وهو أعظمهما وأذكرهما انتهى ولأبي داود والزبير بن بكار بسند حين عن الصعب بن خثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وقال لا أحمي إلا لله وزاد الزبير ولرسوله ولأحمد عن أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل فقلت له لخيله قال لا لخيل المسلمين ولأبن شبة أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى قاع النقيع لخيل المسلمين وفي رواية له حمى النقيع للخيل وحمى الربذة للصدقة
وللزبير بن بكار عن غير واحد من الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على مقمل وحماه وما حوله من قاع النقيع لخيول المسلمين وزادت بنو أمية بعدو والأمراء أضعاف ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقيع وعن هيصم المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على مقمل ظرب وسط النقيع فصلى عليه سجدة هناك وقال لهيصم أني مستعملك على هذا الوادي فما جاء من ههنا يشير إلى مطلع الشمس ومغربها فأمنعه فقال أني رجل ليس لي إلا بنات وليس معي أحد يعاونني قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل سيرزقك ولدا ويجعل لك وليا قال فعمل عليه وكان له بعد ذلك ولد فلم تزل الولاة يولون عليه واليا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله والي المدينة حتى كان داود بن عيسى فتركه سنة ثمان وتسعين ومائة لأن الناس جلوا عنه للخوف فلم يبق أحد يستعمله عليه انتهى وحمى أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر بعده غير النقيع كما سيأتي لكثرة خيل المسلمين وإبلهم وفي الموطأ عن يحيي بن سعيد أن عمر كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير يحمل الرجل إلى الشام على بعير ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير ونقل عن مالك أن الخيل التي أعدها عمر رضي الله عنه ليحمل عليها في الجهاد من لا مركوب له عدتها أربعون ألفا.
ومنها " حمى الربذة " قرية بنجد من عمل المدينة على نحو أربعة أيام منها نزلها أبو ذر الغفاري وتوفى بها قال الأصمعي إنها من المشرق الذي كبد نجد وإنها الحي الأيمن وقال الأهوازي إنها خربت سنة تسع عشرة وثلاثمائة لاتصال الحروب بين أهلها وأهل ضرية فأستنجد أهل ضرية بالقرامطة فارتحل أهل الربذة عنها وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حماها لأبل الصدقة وفي الكبير برجال الصحيح عن أبن عمر رضي الله عنه قال حمى النبي صلى الله عليه وسلم الربذة لأبل الصدقة وقيل حماها أبو بكر وقيل عمر رضي الله عنه وهو الأشهر ولأبن شبة بإسناد صحيح عن أبن عمر رضي الله عنه حمى الربذة لنعم الصدقة فتعين الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى منها شيئاً ثم زيد بعده في حماها
لكن نقل الهجري أن عمر رضي الله عنه أول من أحمى الحمى بالربذة وأن سعة حماه بريد في بريد وأن سرة حمى الربذة كانت الحرة ثم زاد الولاة بعد في الحمى وآخر من حماه أبو بكر الزبيري لنعمه وكان يرعى فيه أهل المدينة وكان جعفر بن سليمان في عمله الأخير على المدينة أحماه لظهره بعدما أبيحت الأحماء وفي ولاية المهدي ثم لم يحمه أحد بعد بكار الزبيري انتهى.
ومنها " الشرف " حماه عمر رضي الله عنه وليس هو شرف الروحاء بل موضع بكبد نجد وقيل واد عظيم تكنفه جبال حمى ضرية والظاهر أنه مراد من غاير بينهما وقال الأصمعي الشرف كبد نجد وكانت منازل بني حجر آكل المرار الكندي وفيها اليوم حمى ضرية وفي أول الشرف الربذة وهو الحمى الأيمن والشريف إلى جنبه يفصل بينهما السرير فما كان مشرقا فهو الشريف وما كان مغربا فهو الشرف وقال الحمى يعني بنجد حميان حمى ضرية وحمى الربذة وزاد عليه صاحب المعجم حمى فيد وغيره فيحتل لأن المراد بقولهم حمى عمر الشرف والربذة حمى ضرية والربذة ولذا لم يفرد الهجري الشرف بالذكر ونقل أنه كان يقال لعامل ضرية عامل الشرف
وقال الأصمعي كان يقال من تصنيف الشرف الخرم وشتى الصمان وفي نسخة الرمال فقد أصاب المرعى اه.
ومنها " حمى ضرية " بالضاد المعجمة وكسر الراء وتشديد المثناة التحتية قرية على نحو سبع مراحل من المدينة بطريق حاج البصرة إلى مكة سميت باسم بئر عذبة هناك يقال لها ضرية قال أبن الكلبي سميت بضرية بنت نزار أم جلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو أشهر الأحماء وأسيرها ذكرا وكان حمى كليب بن وائل فيما يزعم أهل البادية ومعروف قبر كليب به عندهم ونقل الهجري أن أول من أحمى بضرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحمى ستة أميال من كل ناحية وضرية وسط الحمى فكثر النعم زمن عثمان حتى ضاق عنه الحمى وبلغ أربعين ألف بعير فأمر عثمان أن يزاد ما يسع أبل الصدقة وظهر أن الغزاة فزاد زيادة لم يحددوها إل أن عثمان أشرى ماء من مياه بني
ضبية كان أدنى مياه غني إلى ضرية يقال له البركة عندها هضبات يقال لها البكرات على نحو عشرة أميال من ضرية ويذكر أنها دخلت في حي عثمان ثم لم تزل الولاة تزيد فيه واتخذوه مأكله ومن أشدّهم فيه انبساطا ومنعا إبراهيم بن هشام المخزومي زاد فيه وضيق على أهله وأتخذ فيه من كل لون من ألوان الإبل ألف بعير ولم تزل حوائط الحمى يقاتلون عليه أشد القتال ويكون فيه الدماء وكانت ضرية من مياه الضباب في الجاهلية يروون أن ذا الجوشن الضبابي والد شمر قاتل الحسين بن علي رضي الله عنه وكانت مسلمة الضباب يروون أن ذا الجوشن قال في الجاهلية:
دعوت الله إذ سفبت عيالي
…
ليجعل لي وسط طعاما
فأعطاني ضرية خير بئر
…
تمج الماء والحب التؤاما
ووسط جبل على ستة أميال من ضرية يطأه الحاج المصعد خيشومة وبناحيته اليسرى دارة في أعلاها الماء الذي يقال له قنيع وهي بين وسط عسعس ويقال لها أيضا دارة عسعس وعسعس جبل أحمر مجتمع في السماء كهيئة رجل جالس وأما عين ضرية وسيحها فيقال أنه كان لعثمان أبن عنيسة بن أبي سفيان احتفرها وغرس نخلها وضفربها ضفيرة بالصخر لينجس الماء وهو سد يعترض الوادي فيقطع ماءه ليكون أغزر للعين فلما قام بنو العباس كان ذلك فيما
قبضوا ففي آخر ولاية أبي العباس وكان تحته امرأة من بني جعفر بن كلاب المخزوميين وفد عليه خالها معروف فسأله أن يقطعه عين ضرية فأقطعه وكان بدويا ذا نعم فلما أرطب نخلها أنزلها بأهله وكانت نعمة ترد عليه وصار يطعم الضيفان الرطب ويحلب لهم من أبله فأتاه ضيفان بعدما ولى الرطب فأرسل فلم يؤت إلا بقليل وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب الرطب فقال المشولي أعود على ضيفاني من نخلكم وأتاه قيمه بشيء من قثائها فقال قبح الله ما جئت به أحذر أن يراه عيالي وكره النخل فاشتراه منه عبد الله الهاشمي عامل اليمامة بألفي دينار فأحدث بسوق ضرية حوانيت جعلها سماطين داخلين في سماطي ضرية الأولين فربما جمعت غلة الحوانيت والنخل والزرع ثمانية آلاف درهم في السنة وقد أكثر الشعراء وغيرهم من ذكر هذا الحي وأعلامه وأخباره وقد ذكرنا نبذة من ذلك في الأصل ومنها حي فيد بالفاء ثم مثناة تحتية ساكنة منزل بنجد في طريق الحاج العراقي وبه
سوق وبرك ونخل وعيون قيل سمى بفيد بن حام لأنه أول من سكنه وعين النخل التي به احتفرها عثمان بن عفان رضي الله عنه والأخرى التي في وسط الحصن والسوق تعرف بالحارة احتفرها المنصور والثالثة على الطريق خارج المنزل حفرها المهدي قاله الأسدي وذكر أبن جبير ما يقتضي أنه على نحو تسع مراحل من المدينة وقال الهجري أنه لم يجد أحد عنده بمن كان أول من أحماه ولا كم كانت منعته أول ما أحمى إلا أنه كان فلاة بين أسد وطي وذكر من لقيت من أهله أن أول من حفر به في الإسلام أبو الديلم مولى لفزارة في ولاية بني مروان فاحتفر العين التي هي اليوم قائمة وأساحها وغرس عليها وكانت في يده حتى قام بنو العباس فقبضوها قلت وكأنه لم يقف على ما سبق عن الأسدي من أنّ عين النخل لعثمان ولعله أول من حماه.