الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواجب والمستحب.
والحمد لله الذي بعث فينا رسولاً من أنفسنا، يتلو علينا آياته ويزكينا، ويعلمنا الكتاب تفصيلاً لكل شيء، وهدي ورحمة وبشري للمسلمين:{ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف: 111.
وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة علي بيان من كان ناقصاً في عقله وسمعه، ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا:{لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} الملك: 10، وإن كان ذلك كثيراً في كثير من المتفلسفة والمتكلمة، وجهال أهل الحديث والمتفقهة والصوفية.
دلائل المسائل
وأم القسم الثاني ـ وهو دلائل هذه المسائل الأصولية ـ فإنه وإن كان يظن طوائف من المتكلمين أن المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق، فدلالته موقوفة علي العلم بصدق المخبر، ويجعلون ما يبني عليه صدق المخبر معقولات محضة ـ فقد غلطوا في ذلك غلطاً عظيماً، بل ضلوا ضلالاً مبيناً، في ظنهم أن دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد، بل الأمر ما عليه سلف الأمة، أهل العلم والإيمان، من أن الله سبحانه وتعالي بين من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يقدر أحد من هؤلاء قدره، ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته علي أحسن وجه.
وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله في كتابه التي قال فيها: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} الزمر: 27، فإن الأمثال المضروبة هي الأقيسة العقلية، سواء كانت قياس شمول، أو قياس تمثيل، ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين، وهو القياس الشمولي المؤلف من المقدمات اليقينية، وإن كان لفظ البرهان في اللغة أعم من ذلك كما سمي الله آيتي موسى برهانين:{فذانك برهانان من ربك} [القصص: 32] ، ومما يوضح هذا أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي تستوي فيه أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل تحت قضية كلية تستوي أفرادها.
ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلي اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم ـ بعد التناهي ـ الحيرة والاضطراب، لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافئها، ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولي، سواء كان تمثيلاً أو شمولاً، كما قال تعالي:{ولله المثل الأعلى} [النحل: 60] ، مثل أن يعلم أن كل كمال ثبت للممكن أو المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه ـ وهو ما كان كمالاً للموجود غير مستلزم للعدم ـ فالواجب القديم أولى به، وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت
نوعه للمخلوق المر بوب المعلول المدبر فإنما استفادة من خالقه وربه ومدبره، فهو أحق به منه، وأن كل نقص وعيب في نفسه ـ وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن الرب تبارك وتعالي بطريق الأولي، وأنه أحق بالأمور الوجودية من كل موجود، وأما العدمية بالممكن المحدث بها أحق، ونحو ذلك.
ومثل هذه الطرق هي التي كان يستعملها السلف والأئمة في مثل هذه المطالب كما استعمل نحوها الإمام أحمد، ومن قبله وبعده من أئمة أهل الإسلام، وبمثل ذلك جاء القرآن في تقرير أصول الدين في مسائل التوحيد والصفات والمعاد، ونحو ذلك.
ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد ـ والعلم به تابع للعلم بإمكانه، فإن الممتنع لا يجوز أن يكون ـ بين سبحانه إمكانه أتم بيان، ولم يسلك في ذلك ما يسلكه طوائف من أهل الكلام، حيث يثبتون الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني، فيقولون: هذا ممكن، لأنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال، فإن الشأن في هذه المقدمة فمن أين يعلم أنه لا يلزم من تقدير وجوده محال؟ فإن هذه قضية كلية سالبة، فلا بد من العلم بعموم هذا النفي.
وما يحتج به بعضهم علي أن هذا ممكن بأنا لا نعلم امتناعه، كما نعلم امتناع الأمور الظاهر امتناعها، مثل كون الجسم متحركاً ساكناً، فهذا كاحتجاج بعضهم علي أنها ليست بديهية بأن غيرها من البديهيات أجلى منها، وهذه حجة ضعيفة، لأن البديهي هو ما إذا تصور طرفاه جزم العقل به، والمتصوران قد يكونان خفيين، فالقضايا تتفاوت في الجلاء والخفاء لتفاوت تصورها كما تتفاوت لتفاوت الأذهان، وذلك لا يقدح في كونها ضرورية، ولا يوجب أن ما لم يظهر امتناعه يكون ممكناً، بل قول هؤلاء أضعف، لأن الشيء قد يكون ممتنعاً لأمور خفية لازمة له، فما لم يعلم انتفاء تلك اللوازم، أو عدم لزومها، لا يمكن الجزم بإمكانه، والمحال هنا أعلم من المحال لذاته أو لغيره، والإمكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي، بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع ولا معلوم الإمكان الخارجي، وهذا هو الإمكان الذهني، فإن الله سبحانه وتعالي لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا، إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعاً ولو لغيره ن وإن لم يعلم الذهن امتناعه، بخلاف الإمكان الخارجي فإنه إذاً علم بطل أن يكون ممتنعاً.
والإنسان يعلم الإمكان الخارجي: تارة بعلمه بوجود الشيء، وتارة