الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا تنحل شبه كثيرة توجد في كلام الرازي، وأمثاله من أهل المنطق، ونحوهم ممن التبس عليهم هذا المقام.
وجود الله هل هو ماهيته أو زائد على ماهيته
؟
وبسبب التباس هذا عليهم حاروا في وجود الله تعالى: هل هو ماهيته، أم هو زائد على ماهيته؟ وهل لفظ الوجود ن مقول بالتواطؤ والتشكيك، أو مقول بالاشتراك اللفظي؟
فقالوا: إن قلنا: إن لفظ الوجود مشترك اشتراكاً لفظياً لزم ألا يكون الوجود منقسماً إلى واجب وممكن، وهذا خاف ما اتفق عليه العقلاء، وما يعلم بصريح العقل.
وإن قلنا: إنه متواطئ أو مشكك، لزم أن تكون الموجودات مشتركة في مسمى الوجود، فيكون الوجود مشتركاً بين الواجب والممكن، فيحتاج الوجود المشترك إلى ما يميز وجود هذا عن وجود هذا، والامتياز يكون بالحقائق المختصة، فيكون وجود هذا زائداً على ماهيته، فيكون الوجود الواجب مفتقراً إلى غيره.
ويذكرون ما يذكره الرازي وأتباعه: أن للناس في وجود الرب تعالى ثلاثة أقوال فقط: أحدها أن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي فقط.
والثاني: أن وجود الواجب زائد على ماهيته.
والثالث: أنه وجود مطلق، ليس له حقيقة غير الوجود المشروط بسلب كل ماهية ثبوتية عنه.
رأي ابن تيمية
فيقال لهم: الأقوال الثلاثة باطلة، والقول الحق ليس واحداً من الثلاثة.
وإنما أصل الغلط هو توهمهم أنا إذا قلنا: إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن لزم أن يكون في الخارج وجود هو نفسه الواجب، وهو نفسه
في الممكن، وهذا غلط، فليس في الخارج بين الموجودين شيء هو نفسه فيهما، ولكن لفظالوجود ومعناه الذي في الذهن، والخط الذي يدل على اللفظ يتناول الموجودين ويعمهما، وهما يشتركان فيه، فشمول معنى الوجود الذي في الذهن لهما كشمول لفظ الوجود والخط الذي يكتب به هذا اللفظ لهما، فهما مشتركان في هذا، وأما نفس ما يوجد في الخارج فإنما يشتبهان فيه من بعض الوجوه، فأما أن تكون نفس ذات هذا وصفته فيها شيء من ذات هذا وصفته، فهذا مما يعلم فساده كل من تصوره، ومن توقف فيه فلعدم تصوره له.
وحينئذ فالقول في اسم الوجود كالقول في اسم الذات والعين والنفس والماهيةوالحقيقة وكما أن الحقيقة تنقسم إلى: حقيقة واجبة وحقيقة ممكنة، وكذلك لفظ الماهية ولفظ الذات ونحو ذلك، فكذلك لفظ الوجود فإذا قلنا: إن الحقيقة أو الماهية تنقسم إلى واجبة وممكنة لم يلزم أن تكون ماهية الواجب فيها شيء من ماهية الممكن، فذلك إذا قيل: الوجود ينقسم إلى واجب وممكن لم يلزم أن يكون الوجود الواجب فيه شيء من وجود غيره، بل ليس فيه وجود مطلق ولا ماهية مطلقة، بل ماهيته هي حقيقية، وهي وجوده.
وإذا كان المخلوق المعين وجوده الذي في الخارج هو نفس ذاته وحقيقته وماهيته التي في الخارج، ليس في الخارج شيئان، فالخالق تعالى أولى أن تكون حقيقته هي وجوده الثابت الذي لا يشركه فيه أحد، وهو نفس ماهيته التي هي حقيقته الثابتة في نفس الأمر.
ولو قدر أن الوجود المشترك بين الواجب والممكن موجود فيهما في الخارج، وأن الحيوانية المشتركة هي بعينها في الناطق والأعجم: كان تميز أحدهما عن الآخر بوجود خاص، كما يتميز الإنسان بحيوانية تخصه، وكما أن السواد والبياض إذا اشتركا في مسمى اللون تميز أحدهما بلونه الخاص عن الآخر.
وهؤلاء الضالون يجعلون الواحد اثنين، والأثنين واحد، فيجعلون هذه الصفة هي هذه الصفة، ويجعلون الصفة هي الموصوف، فيجعلون الاثنين واحداً كما قالوا: إن العلم هو القدرة وهو الإرادة، والعلم هو العالم، ويجعلون الواحد اثنين، كما يجعلون الشيء المعين الذي هو هذا الإنسان هو عدتة جواهر: إنسان، وحيوان، وناطق، وناطق، وحساس، ومتحرك بالإرادة، ويجعلون كلاً من هذه الجواهر غير الآخر، ومعلوم أنه جوهر واحد له صفات متعددة، وكما يفرقون بين المادة والصورة ويجعلونهما جوهرين عقليين قائمين بأنفسهما، وإنما المعقول هو قيام الصفات بالموصوفات، والاعراض بالجواهر، كالصورة الصناعية: مثل صورة الخاتم والدرهم والسرير والثوب، فإنه عرض قائم بجوهر هو الفضة والخشب والغزل، وكذلك الاتصال والانفصال قائمان بمحل هو الجسم.
وهكذا يجعلون الصورة، الذهنية ثابتة في الخارج كقولهم في المجردات المفارقات للمادة وليس معهم ما يثبت أنه مفارق إلا النفس الناطقة إذا فارقت البدن بالموت، والمجردات هي الكليات التي تجردها النفس من الأعيان المشخصة، فيرجع الأمر إلى النفس وما يقوم بها، ويجعلون الموجد في الخارج هو الموجود في الذهن، كما يجعلون الوجود الواجب هو الوجود المطلق.
فهذه الأمور من أصول ضلالهم: حيث جعلوا الواحد متعدداً، والمتعدد وحدا، وجعلوا من في الذهن في الخارج، وجعلوا ما في الذهن، ولزم من ذلك أن يجعلوا الثبت منتفياً، والمنتفي ثابتاً، فهذه الأمور من أجناس ضلالهم، وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنا ننبه على بعض ما نبين به تناقضهم وضلالهم في عقلياتهم التي نفوا بها صفات الله عز وجل، وعارضوا بها نصوص الرسول الثابتة بصحيح المنقول الموافقة لصريح المعقول، وكلما أمعن الفاضل الذكي في معرفة أقوال هؤلاء الملاحدة ومن وافقهم في بعض أقوالهم من أهل البدع، كنفاة بعض الصفات الذين يزعمون أن المعقول عارض كلام الرسول، وأنه يجب تقديمه عليه، فإنه يتبين له انه يعلم بالعقل الصريح ما يصدق ما أخبر به الرسول، وما به يتبين فساد ما يعارض ذلك.
ولكن هؤلاء عمدوا إلى ألفاظ مجملة مشتبهة تحتمل في لغات الأمم معاني متعددة وصاروا يدخلون فيها من المعاني ماليس هو المفهوم منها في لغات الأمم، ثم ركبوها وألفوها تأليفاً طويلاً بنوا بعضه على بعض، وعظموا قولهم، وهولوه في نفوس من لم يفهمه، ولا ريب أن فيه دقة وغموضاً لما فيه من الألفاظ المشتركة والمعاني المشتبهة، فإذا دخل معهم الطالب وخاطبوه بما تنفر عنه فطرته فأخذ يعترض علهم قالوا له: أنت لا تفهم هذا، وهذا لا يصلح لك، فيبقى ما في النفوس من الأنفة والحمية يحملها على أن تسلم تلك الأمور قبل تحقيقها عنده، وعلى ترك الاعتراض عليها خشية أن ينسبوه إلى نقص العلم والعقل، ونقلوا الناس