الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا باب واسع عظيم جداً ليس هذا موضعه.
وإنما الغرض التنبيه علي أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين.
أصول المتكلمين ليس هي أصول الدين
وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمي من الباطل فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله فيه، مثل المسائل والدلائل الفاسدة، مثل: نفي الصفات، والقدر، ونحو ذلك من المسائل، ومثل الاستدلال علي حدوث العالم بحدوث الأعراض التي هي صفات الأجسام القائمة بها: إما الأكوان، وإما غيرها.
وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا الدليل: من إثبات الأعراض ـ التي هي الصفات ـ أولاً، أو إثبات بعضها كالأكوان ـ التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ـ وإثبات حدوثها ثانياً بإبطال ظهورها بعد الكمون، وإبطال انتقالها من محل إلي محل، ثم إثبات امتناع خلو الجسم ثالثاً: إما عن كل جنس من أجناس الأعراض بإثبات أن الجسم قابل لها، وأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وإما عن الأكوان، وإثبات امتناع حوادث لا أول لها رابعاً.
وهو مبني علي مقدمتين: إحداهما: أن الحسم لا يخلو عن الأعراض التي هي الصفات.
والثانية: أن ما لا يخلو عن الصفات التي هي الأعراض فهو محدث، لأن الصفات ـ التي هي الأعراض ـ لا تكون إلا محدثه، وقد يفرضون ذلك في بعض الصفات التي هي الأعراض، كالأكوان، ومالا يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا تتناهى.
فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمداً صلي الله عليه وسلم لم يدع الناس بها إلي الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه.
ولهذا قد اعترف حذاق أهل الكلام ـ كـ الأشعري وغيره ـ بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم، ولا سلف الأمة وأئمتها، وذكروا أنها محرمة عندهم، بل المحققون علي أنها طريقة باطلة، وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقاً، ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه فأحد الأمرين لازم له: إما أن يطلع علي ضعفها، ويقابل بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم، فتتكافأ عنده الأدلة، أو يرجح هذا تارة وهذا تارة كما هو حال طوائف منهم، وإما أن يلتزم لأجلها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل، كما التزم جهم لأجلها فناء الجنة والنار، والتزم لأجلها
أبو الهذيل انقطاع حركات أهل الجنة، والتزم قوم لأجلها كـ الأشعري وغيره أن الماء والهواء والتراب والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك، والتزم قوم لأجلها ولأجل غيرها أن جميع الأعراض ـ كالطعم واللون وغيرها ـ لا يجوز بقاؤها بحال، لأنهم احتاجوا إلي جواب النقض الوارد عليهم لما أثبتوا الصفات لله، مع الاستدلال علي حدوث الأجسام بصفاتها، فقالوا: صفات الأجسام أعراض، أي أنها تعرض فتزول، فلا تبقي بحال، بخلاف صفات الله فإنها باقية.
وأما ما اعتمد عليه طائفة منهم من أن العرض لو بقي لم يمكن عدمه، لأن عدمه إما أن يكون بإحداث ضد، أو بفوات شرط، أو اختيار الفاعل، وكل ذلك ممتنع، فهذه العمدة لا يختارها آخرون منهم، منهم، بل يجوزون أن الفاعل المختار يعدم الموجود كما يحدث المعدوم، ولا يقولون: إن عدم الأجسام لا يكون إلا بقطع الأعراض عنها كما قاله أولئك، ولا بخلق ضد هو الفناء لا في محل، كما قاله من قاله من المعتزلة.
وأما جمهور عقلاء بني آدم فقالوا: هذه مخالفة للمعلوم بالحس.
والتزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفي صفات الرب مطلقاً، أو نفي بعضها، لأن الدال عندهم علي حدوث هذه الأشياء هو قيام الصفات بها، والدليل يجب طرده، فالتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به، وهو أيضاً في غاية الفساد والضلال، ولهذه التزموا القول بخلق القرآن، وإنكار رؤية الله في الآخرة، وعلوه علي عرشه، إلي أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم.
فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين، ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده.
وأما الدين الذي قال الله فيه: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} الشوري: 21 فذاك له أصول وفروع بحسبه.
وإذا عرف أن مسمي أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه أجمال وإبهام لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات، تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن الرسول.
وأما من شرع دينا لم يأذن به الله فمعلوم أن أصول المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي صلي الله عليه وسلم، إذ هو باطل، وملزوم الباطل باطل،
كما أن لازم الحق حق، والدليل ملزوم لمدلوله، والباطل شيء، وإذا انتفي لازم الشيء علم أنه منتف، فيستدل علي بطلان الشيء ببطلان لازمه، ويستدل علي ثبوته بثبوت ملزومه، فإذا كان الازم باطلاً فالملزوم مثله باطل، فإن ملزوم الباطل هو اللازم، وإذا كان اللازم باطلاً كان الملزوم باطلاً، لأنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء، ولم يقل إن الباطل لازمه باطل.
وهذا كالمخلوقات، فإنها مستلزمة لثبوت الخالق، ولا يلزم من عدمها عدم الخالق، والدليل أبداً يستلزم المدلول عليه: يجب طرده، ولا يجب عكسه، بخلاف الحد، فإنه يجب طرده وعكسه.
وأما العلة: فالعلة التامة يجب طردها، بخلاف المقتضية، وفي العكس تفصيل مبسوط في موضعه.
وهذا التقسيم ينبه أيضاً علي مراد السلف والأئمة بذم الكلام وأهله، وإذ ذاك متناول لمن استدل بالأدلة الفاسدة، أو استدل علي المقالات الباطلة.