الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده علي الأعيان أو الكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله، وهذه الأمور كثيرة جداً في أهل الأهواء جملة، كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام، وفي أهل الأهواء تفصيلاً، مثل كثير من المنتسبين إلي الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء.
وهذه الأمور المذكورة في الجواب مبسوطة في موضع آخر.
نهاية الإجابة علي السؤال والله أعلم.
عودة إلي مناقشة قانون التأويل
والمقصود هنا الكلام علي قول القائل: إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية....الخ كم تقدم.
جواب إجمالي
والكلام علي هذه الجملة بني علي بيان ما في مقدمتها من التلبيس، فإنها مبنية علي مقدمات.
أولها: ثبوت تعارضها.
والثانية: انحصار التقسيم فيما ذكره م الأقسام الأربعة.
والثالثة: بطلان الأقسام الثلاثة.
والمقدمات الثلاثة باطلة.
وبيان ذلك بتقديم أصل، وهو أن يقال: إذا قيل: تعارض دليلان، سواء كانا سمعيين أو عقليين، أو أحدهما سمعياً والآخر عقلياً، فالواجب أن يقال: لا يخلو إما أن يكونا قطعيين، أو يكونا ظنيين، وإما أن يكونا أحدهما قطعياً ولآخر ظنياً.
فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما: سواء كانا عقليين أو سمعيين، أو أحدهما عقلياً والآخر سمعياً، وهذا متفق عليه بين العقلاء، لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله: ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة.
وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان، وأحدهما يناقض مدلول الآخر، للزم الجمع بين النقيضين، وهو محال، بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية فلا بد من أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي، أو أن يكون مدلولاهما متناقضين، فأما مع تناقض المدلولين المعلومين فيمتنع تعارض الدليلين.
وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء، سواء كان هو السمعي أو العقلي، فإن الظن لا يرفع اليقين.
وأما إن كانا جميعاً ظنيين: فإنه يصار إلي طلي ترجيح أحدهما، فأيهما ترجح كان هو المقدم، سواء كان سميعاً أو عقلياً.
ولا جواب عن هذا، إلا أن يقال: الدليل السمعي لا يكون قطعاً وحينئذ فقال: هذا ـ مع كونه باطلاً ـ فإنه لا ينفع، فإنه علي هذا التقدير يجب تقديم القطعي لكونه قطعياً، لا لكونه أصلاً للسمع، وهؤلاء جعلوا عمدتهم في التقديم كون العقل هو الأصل للسمع، وهذا باطل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وإذا قدر أن يتعارض قطعي وظني، لم ينازع عاقل في تقديم القطعي، لكن كون السمعي لا يكون قطعياً دونه خرط القتاد.
وأيضاً، فإن الناس متفقون علي أن كثيراً مما جاء به الرسول معلوم بالاضطرار من دينه، كإيجاب العبادات وتحريم الفواحش والظلم، وتوحيد الصانع وإثبات المعاد وغير ذلك.
وحينئذ فلو قال قائل: إذا قام الدليل العقلي القطعي علي مناقضة هذا فلا بد من تقديم أحدهما: فلو قدم هذا السمعي قدح في أصله، وإن قدم العقلي لزم تكذيب الرسول فيما علم بالاضطرار أنه جاء به، وهذا هو الكفر الصريح، فلا بد لهم من جواب عن هذا والجواب عنه أنه يمتنع أن يقوم عقلي قطعي يناقض هذا.
فتبين أن كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي.
ومثل هذا الغلط يقع فيه كثير من الناس، يقدرون تقديراً يلزم منه لوازم،
فيثبتون تلك اللوازم، ولا يهتدون لكون ذلك التقدير ممتنعاً، والتقدير الممتنع قد يلزمه لوازم ممتنعة كما في قوله تعالي {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] .
ولهذا أمثلة:
منها: ما يذكره القدرية والجبرية في أن أفعال العباد: هل هي مقدورة للرب والعبد أم لا؟ فقال جمهور المعتزلة: إن الرب لا يقدر علي عين مقدور العبد.
واختلفوا هل يقدر علي مثل مقدوره؟
فأثبته البصريون، كأبي هاشم، ونفاه الكعبي وأتباعه البغداديون
وقال جهم وأتباعه الجبرية: إن ذلك الفعل مقدور للرب لا للعبد.
وكذلك قال الأشعري وأتباعه: إن المؤثر فيه قدرة الرب دون قدرة العبد.
واحتج المعتزلة بأنه لو كان مقدوراً لهما للزوم إذا أراده أحدهما وكرهه الآخر، مثل أن يريد الرب تحريكه ويكرهه العبد: أن يكون موجوداً معدوماً، لأن المقدور من شأنه أن يوجد عند توفر دواعي القادر، وأن يبقي علي العدم عند توفر صارفه، فلو كان مقدور العبد وقدوراً لله لكان إذا أراد الله وقوعه وكره العبد وقوعه لزم أن يوجد لتحقق الدواعي، ولا يوجد لتحقق الصارف، وهو محال.
وقد أجاب الجبرية عن هذا بما ذكره الرازي، وهو: أن البقاء علي العدم عند تحقق الصارف ممنوع مطلقاً، بل يجب إذا لم يقم مقامه سبب آخر مستقل،
وهذا أول المسألة، وهو جواب ضعيف، فإن الكلام في فعل العبد القائم به إذا قام بقلبه الصارف عنه دون الداعي إليه، وهذا يمتنع وجوده من العبد في هذه الحال، وما قدر وجوده بدون إرادته لا يكون فعلاً اختيارياً، بل يكون بمنزلة حركة المرتعش، والكلام إنما هو في الاختياري، ولكن الجواب منع هذا التقدير، فإن ما لم يرده العبد من أفعاله يمتنع أن يكون الله مريداً لوقوعه، إذ لو شاء وقوعه لجعل العبد مريداً له، فإذا لم يجعله مريداً له علم أنه لم يشأه، ولهذا اتفق علماء المسلمين علي أن الإنسان لو قال: والله لأفعلن كذا وكذا إن شاء الله ثم لم يفعله أنه لا يحنث، لأنه لم يفعله علم أن الله لم يشأه إذ لو شاءه لفعله العبد، فلما لم يفعله علم أن الله لم يشأه.
واحتج الجبرية بما ذكره الرازي وغيره بقولهم: إذا أراد الله تحريك جسم وأراد العبد تسكينه: فإما أن يمتنعا معاً، وهو محال، لأن المانع من وقوع مراد كل واحد منهما هو وجود مراد الآخر ، فلو امتنعا معاً لوجدا معاً، وهو محال، أو لوقعا معاً، وهو محال، أو يقع أحدهما وهو باطل، لأن القدرتين متساويتان في الاستقلال بالتأثير في ذلك المقدور الواحد، والشيء الواحد حقيقة لا تقبل التفاوت فإذن القدرتان بالنسبة إلي اقتضاء وجود ذلك المقدور علي السوية، وإنما التفاوت في أمور خارجية عن هذا المعني، وإذا كان كذلك امتنع الترجيح.
فيقال: هذه الحجة باطلة علي المذهبين.
وأما أهل السنة فعندهم يمتنع أن يريد الله تحريك جسم، ويجعل العبد مريداً لأن يجعله ساكناً مع قدرته علي ذلك، فإن الإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المقدور، فلو جعله الرب مريداً مع قدرته لزم وجود مقدوره، فيكون العبد يشاء مالا يشاء الله وجوده، وهذا ممتنع، بل ما شاء الله وجوده يجعل القادر عليه مريداً لوجوده، لا يجعله مريداً لما يناقض مراد الرب.
أما أهل السنة فعندهم يمتنع أن يريد الله تحريك جسم، ويجعل العبد مريداً لأن يجعله ساكنا مع قدرته علي ذلك، فإن الإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم
وجود المقدور، فلو جعله الرب مريداً مع قدرته لزم وجود مقدوره، فيكون العبد يشاء مالا يشاء الله وجوده، وهذا ممتنع، بل ما شاء الله وجوده يجعل القادر عليه ميدا لوجوده، لا يجعله مريداً لما يناقض مراد الرب.
وأما علي قول المعتزلة عندهم تمتنع قدرة الرب علي عين مقدور العبد ن فيمتنع اختلاف الإرادتين في شيء واحد وكلتا الحجتين باطلة، فأنهما مبيتان علي تناقض الإرادتين، وهذا ممتنع، فإن العبد إذا شاء أن يكون شيء لم يشاء حتى يشاء الله مشيئته كما قال تعالي:{لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 28-29] ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإذا شاءه الله جعل العبد شائياً له، وإذا جعل العبد كارها له غير مريد له، لم يكن هو في هذه الحال شائياً له.
فهم بنوا الدليل علي تقدير مشيئة الله له، وكراهة العبد له، وهذا تقدير ممتنع، وهذا نقلوه من تقدير ربين وإلهين، وهو قياس باطل، لأن العبد مخلوق لله هو وجميع مفعولاته، ليس هو مثلاً لله ولا نداً، ولهذا إذا قيل ما قاله أبو إسحاق الإسفراييني: من أن فعل العبد مقدور بين قادرين، لم يرد به بين قادرين