الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التزموا في إرادة العبد أنها تحدث بلا فاعل، فنفوا السبب الفاعل للإرادة، مع أنهم يثبتون لها العلة الغائية، ويقولون: إنما أراد الإحسان إلى الخلق ونحو ذلك.
والذين قابلوهم من الأشعرية ونحوهم، أثبتوا السبب الفاعل لإرادة العبد، وأثبتوا لله إرادة قديمة تتناول جميع الحوادث، لكن لم يثبتوا لها الحكمة المطلوبة والعاقبة المحمودة، فكان هؤلاء بمنزلة من أثبت العلة الفاعلية دون الغائية، وأولئك بمنزلة من أثبت العلة الغائية دون الفاعلية.
آراء الفلاسفة
والمتفلسفة المشاؤون يدعون إثبات العلة الفاعلية والغائية، ويعللون ما في العالم من الحوادث بأسباب وحكم.
وهم عند التحقيق أعظم تناقضاً من أولئك المتكلمين، لا يثبتون لا علة فاعلية ولا غائية، بل حقيقة قولهم: أن الحوادث التي تحدث لا محدث لها، لن العلة التامة القديمة مستلزمة لمعلومها، لا يمكن أن يحدث عنها شيء.
وحقيقة قولهم: أن أفعال الرب تعالى ليس فيها حكمة، ولا عاقبة محمودة، لأنهم ينفون الإرادة، ويقولون: ليس فاعلاً مختاراً، ومن نفى الإرادة كان نفيه للمراد المطلوب بها الذي هو الحكمة الغائية أولى وأخرى، ولهذا كان لهم من الاضطراب والتناقض في هذا الباب أعظم مما لطوائف أهل الملل، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا التنبيه على مجامع أقوال الطوائف الكبار، وما فيها من التناقض، وأن من عارض النصوص الإلهية بما يسميه عقليات، إنما يعارضها بمثل هذا الكلام الذي هو نهاية إقدامهم وغاية مرامهم، وهو نهاية عقولهم
في دراية أصولهم.
قال الرازي: قالت الفلاسفة: حاصل الكل اختيار أن كل ما لا بد منه في إيجاد العالم لم يكن حاصلاً في الأزل لأنه جعل شرط الإيجاد أولاً: الوقت الذي تعلقت الإرادة بإيجاده فيه، وثانياً: الوقت الذي تعلق العلم به فيه، وثالثا: الوقت المشتمل على الحكمة الخفية، ورابعاً: انقضاء الأزل، وخامساً: الوقت الذي يمكن فيه، وسادساً: ترجيح القادر، وشيء منها لم يوجد في الأزل، وقد أبطلنا هذا القسم.
ثم قال عن الفلاسفة: والجواب المفصل عن الأول من وجهين:
أحدهما: أن إرادته لم تكن صالحة لتعلق إيجاده في سائر الاوقات كان موجباً بالذات، ولزم قدم العالم، وإن كانت صالحة فترجيح بعض الأوقات بالتعلق إن لم يتوقف على مرجح وقع الممكن لا لمرجح، وإن توقف عاد الكلام فيه، وتسلسل.
والثاني: أن تعلق إرادته بإيجاده أن لم يكن مشروطاً بوقت ما ملزم قدم المراد، وإن كان مشروطاً به كان ذلك الوقت حاضراً في الأزل، وإلا عاد الكلام في كيفية إحداثه، وتسلسل.
وعن الثاني من وجهين:
الأول: أن العلم تابع للمعلوم التابع للإراداة فامتنع كون الإرادة تابعة للعلم.
الثاني: أن تعين المعلوم محال، فيمتنع عقلاً إحداثه في وقت علم عدم حدوثه فيه، وعدم إحداثه في وقت علم حدوثه فيه، وذلك يوجب كونه موجباً بالذات.
وعن الثالث من وجهين:
أحدهما: أن حدوث وقت تلك المصلحة إن كان لا لمحدث لزم نفي الصانع، وأن كان لمحدث عاد الكلام فيه.
وأيضا فتلك المصلحة إن كانت حاصلة قبل الوقت لزم حدوثها قبله، وإلا فإن وجب حدوثها في ذلك الوقت جاز في غير ذلك، ولزم نفي الصانع.
وإن لم يجب عاد الكلام في اختصاص ذلك الوقت بتلك المصلحة، وتسلسل.
الثاني: أنه مع العلم باشتمال ذلك الوقت على تلك المصلحة إن لم يمكنه الترك كان موجباً بالذات، وإن أمكنه وتوقف الفعل على مرجح تسلسل، وإلا وقع الممكن لا لمرجح.
وعن الرابع من وجهين:
أحدهما: أن مسمى الأزل إن كان واجباً لذاته امتنع زواله، وإلا استند إلى واجب لذاته، ولزم المحذور.
والثاني: أن الأزل نفي محض، فامتنع كونه مانعاً م الإيجاد.
وعن الخامس: أن انقلاب الممتنع لذاته ممكناً لذاته محال.
الثاني: أن الماهية لا يختلف قبولها للوجود أو لا قبولها، لكونه شاملاً للأوقات.
وعن السادس من وجهين: الأول: أنه لما استويا بالنسبة إليه كان وقوع أحدهما من غير مرجح اتفاقياً، وحينئذ يجوز في سائر الحوادث ذلك، ولزم نفي الصانع.
الثاني: أنه لما استويا بالنسبة إليه فترجح أحدهما إن لم يتوقف على نوع ترجيح منه كان وقوعه لا بإيقاعه، بل من غير سبب، ولزم نفي الصانع، وإن توقف عاد التقسيم فيه: أنه هل كان حاصلاً في الأزل أم لا؟.
وأما فصل الهارب والعطشان فإنا نعلم أنه ما لم يحصل لهما ميل إلى أحدهما لم يرجح.
قلت: هذه الوجوه بعضها حق لا حيلة فيه، وبعضها فيه كلام مبسوط في غير هذا الموضع، إذ المقصود هنا ذكر جواب الناس عن تلك الشبهة.
ثم قال الرازي: والجواب أن هذا يقتضي دوام المعلول الأول لوجوب دوام واجب الوجود، ودوام الثاني لدوام الأول، وهلم جراً، وإن ينفي الحدوث أصلاً.
قال: فإن قلت: واجب الوجود علم الفيض، يتوقف حدوث الأثر عنه على حدوث استعدادت القوابل بسبب الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية، فكل حادث مسبوق بآخر لا إلى أول.