الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما من قال الحق الذي أذن الله فيه حكماً ودليلاً فهو من أهل العلم والإيمان: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} الأحزاب: 4.
جواز مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم
وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه، إذا احتيج إلي ذلك وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه.
ولهذا «قال النبي صلي الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ـ وكانت صغيرة فولدت بأرض الحبشة، لأن أباها كان من المهاجرين إليها ـ فقال لها يا أم خالد، هذا سنا» والسنا بلسان الحبشة الحسن، لأنها كانت من أهل هذه اللغة.
ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلي تفهمه إياه بالترجمة، وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم، ويترجمها بالعربية،
كما «أمر النبي صلي الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود، ليقرأ له، ويكتب له ذلك» حيث لم يأتمن اليهود عليه.
فالسلف والأئمة لم يذموا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ الجوهر، والعرض، والجسم وغير ذلك، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من باطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه، لاشتمال هذه الألفاظ علي معان مجملة في النفي والإثبات، كما قال الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع، فقال: هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون علي مفارقة الكتاب
…
يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم..
فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة ـ بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة، وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة ـ كان ذلك هو الحق، بخلاف ما سلكه أهل الأهواء
من المتكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً في الوسائل والمسائل: من غير بيان التفصيل والتقسيم، الذي هو من الصراط المستقيم، وهذا من مثارات الشبه.
فإنه لا يوجد في كلام النبي صلي الله عليه وسلم، ولا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المتبوعين: أنه علق بما سمي لفظ الجوهر والجسم والتحيز والعرض ونحو ذلك شيئاً من أصول الدين، لا الدلائل ولا المسائل.
والمتكلمون بهذه العبارات يختلف مرادهم بها، تارة لاختلاف الوضع، وتارة لاختلافهم في المعني الذي هو مدلول اللفظ، كمن يقول: الجسم هو المؤلف.
ثم يتنازعون: هل هو الجوهر الواحد بشرط تأليفه، أو الجوهر فصاعداً، أو الستة، أو الثمانية، أو غير ذلك؟ ومن يقول: هو الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه، وإنه مركب من المادة والصورة.
ومن يقول: هو الموجود أو يقول: هو الموجود القائم بنفسه، أ، يقول: هو الذي يمكن الإشارة إليه، وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا كذلك.
والسلف والأئمة الذي ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين، في دلائلة وفي مسائله، نفياً وإثباتاً، فأما إذا عرفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة وعبر عنها لم يفهم بهذه الألفاظ ليتبين