الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا أمكن المتفلسف أن يقول: هو موجود، وعاقل ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق وعشق، ولذيذ وملتذ ولذة، وهذا كله شيء واحد، وهذه الصفة الأخرى، والصفة هي الموصوف، وإثبات هذه الأمور لا يستلزم التجسيم، أمكن سائر مثبتة الصفات أن يقولوا هذا وما هو أقرب إلي المعقول، فلا يقول من نفي شيئاً مما أخبر به الشارع من الصفات قولاً ويقول: إنه يوافق المعقول، إلا ويقول من أثبت ذلك ما هو أقرب إلي المعقول منه.
وهذه جملة سيأتي إن شاء الله تفصيلها، وبيان أن كل من أثبت ما أثبته الرسول ونفي ما نفاه كان أولي بالمعقول الصريح، كما كان أولي بالمنقول الصحيح، وأن من خالف صحيح المنقول فقد خالف أيضاً صريح المعقول، وكان أولي بمن قال الله فيه {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [تبارك: 10] .
الأنبياء لم يدعوا إلي طريقة الأعراض
فإن قيل: قول القائلين: إن الأنبياء لم يدعوا الناس إلي إثبات الصانع بهذه الطريقة: طريقة الأعراض وحدوثها ولزومها الأجسام، وأن ما استلزم الحادث فهو حادث.
للمنازعين في هذا الكلام مقامان. للمنازعين فيه مقامان: المقام الأول
للمنازعين في هذا الكلام مقامان.
للمنازعين فيه مقامان: المقام الأول
أحدهما: منع هذه المقدمة.
فإنه من المعروف أن كثيراً من النفاة يقول: إن هذه الطريقة هي طريقة إبراهيم الخليل، وإنه استدل علي حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول، والأفول هو الحركة، والحركة هي التغير، فلزم من
ذلك أن كل متغير محدث، لأنه لا يسبق الحوادث، لامتناع حوادث لا أول لها، وكل ما قامت به الحوادث فهو متغير، فيجب أن يكون محدثا، فهذه الطريق التي سلكناها هي طريقة إبراهيم الخليل.
وهذا مما ذكره خلق من النفاة، مثل بشر المريسي وأمثاله، ومثل ابن عقيل وأبي حامد الرازي، وخلق غير هؤلاء.
وأيضاً، فالقرآن قد دل علي انه ليس بجسم، لأنه أحد، والأحد: الذي لا ينقسم، وهو واحد، والواحد: الذي لا ينقسم، ولأنه صمد، والصمد: الذي لا جوف له، فلا يتخلله غيره، والجسم يتخلله غيره، ولأنه سبحانه قد قال
{ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] ، والأجسام متماثلة، فلو كان جسماً لكان له مثل، وإذا لم يكن جسماً لزم نفي ملزومات الجسم.
وبعضهم يقول: نفي لوازم الجسم.
وليس بجيد، فإنه لا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم، ولكن يلزم من نقيه نفيه، بخلاف ملزومات الجسم، فإنه يجب من نفيها نفي الجسم ن فيجب نفي كل ما يستلزم كونه جسماً.
ثم من نفي العلو والمباينة يقول: العلو يستلزم كونه جسماً، ومن نفي الصفات الخبرية يقول: إثباتها يستلزم التجسيم، ومن الصفات مطلقاً قال: ثبوتها يستلزم التجسيم.
وأيضاً، فالتجسيم نفي، لأنه يقتضي القسمة والتركيب، فيجب نفي كل تركيب، فيجب نفي كونه مركباً من الوجود والماهية، ومن الجنس والفصل، ومن المادة والصورة، ومن الجوهر المفردة، ومن الذات والصفات.
وهذه الخمسة هي التي يسميها نفاة الصفات من متأخري الفلاسفة تركيباً.
والمقصود هنا أن السمع دل علي نفي هذه الأمور، والرسل نفت ذلك، وبينت الطريق العقلي المنافي لذلك، وهو نفي التشبيه تارة، وإثبات حدوث كل متغير تارة.
ثم إنه لما قال هؤلاء: إن الأفول هو الحدوث، والأفول هو التغير، فبنى