المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق ابن تيمية - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الرد على الرازي وبيان تقرير العلو بالأدلة العقلية من طرق

- ‌تابع لكلام الرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام آخر للرازي في لباب الأربعين

- ‌الرد عليه من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌تابع كلام الرازي في لباب الأربعين عن الجهة والعلو

- ‌الرد عليه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌تابع كلام الرازي في لباب الأربعين عن الجهة والعلو

- ‌الرد عليه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه الخامس

- ‌رسالة البيهقي في فضائل الأشعري

- ‌كلام الأشعري في الإبانة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌اعتراض يذكر نفاة الصفات

- ‌بطلان هذا الكلام من وجوه متعددة: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على قولهم: أن القرآن لم يدل على العلو والصفات من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السادس في الرد على كلام الرازي المتقدم

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الجواب التاسع

- ‌الوجه الرابع والأربعون

- ‌كلام الغزالي في الإحياء عن ذم علم الكلام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في البرهان

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الغزالي في الإحياء عن علم من الكلام وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام الغزالي في الإحياء

- ‌كلام الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الشهرستاني عن حدوث العالم في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بقية كلام الشهرستاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في الاستدلال على وجود الله تعالى وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي نصر السجزي في الإبانة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌كلام ابن عساكر في تبيين كذب المفتري عن ذم الأئمة لأهل الكلام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الأشعري في المقالات عن الضرارية

- ‌عود لكلام ابن عساكر وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية عن القرآن

- ‌كلام الأشعري في مقالات الإسلاميين عن النجارية

- ‌كلام الخطابي في الغنية عن الكلام وأهله

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌عود لكلام الخطابي في الغنية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بقية كلام الخطابي في الغنية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الخطابي في الغنية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام القاضي عبد الجبار في تثبيت دلائل النبوة

- ‌كلام الباقلاني شرح اللمع

- ‌عود لكلام الخطابي في الغنية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الخطابي في الغنية

- ‌كلام الخطابي في كتاب شعار الدين

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للخطابي وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن رشد في مناهج الأدلة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تنازع الناس في أصل المعرفة بالله وكيف تحصل

- ‌القائلون بأنها لا تحصل بالنظر

- ‌كلام الرازي في نهاية العقول عن المعرفة الفطرية

- ‌كلام الآمدي في الأبكار

- ‌كلام أبي الحسن الطبري الكيّا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌ذكر الشهرستاني في نهاية الإقدام أن الفطرة تشهد بوجود الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن حزم في الفصل

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الأشعري

- ‌رد ابن حزم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام ابن حزم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام ابن حزم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في نفي وجوب النظر

- ‌كلام أبي إسحاق الإسفراييني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام شارح الفقه الأكبر لأبي حنيفة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي يعلى في وجوب النظر

- ‌كلام ابن الزاغوني عن وجوب النظر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام ابن الزاغوني

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: ‌تعليق ابن تيمية

فتقصيره يظهر سريعاً.

والنثاني: أنه إذا طرأ على العامي شبهة، فإنه لا يزال يسأل عنها، ويبالغ في التفتيش والتنقير، حتى يخبره العلماء الربانيون في ذلك بما تقوى به ثقته) .

قال: (وأما قولهم: إن المعرفة ناقصة في حقه، فإن أردتم أنها ناقصة من حيث إنه لا يصل إلى مطلوب المسألة، فهذا محال، لا فهذا مما لا يدخله نقص، وذلك لأن الإنسان: إما عارف بالمسألة، أو غير عارف، ولا واسطة بينهما وإن أردتم بالنقص من طريق العدد في المسائل أو في الدلائل فصحيح، غير أنه يفصل به بين علم الأعيان وعلم الكفاية، وذلك غير قادح في ثبوت المسألة بدليلها الذي لا غنى عنه ولا زيادة عليه) .

‌تعليق ابن تيمية

قلت: هذا مبني على أن المعرفة بالله تعالى لا تتفاضل، وأن الشيء لا يكون معلوماً من وجه، مجهولاً من وجه.

وهذا أحد القولين للناس في هذه المسألة، وهو قول طائفة من أهل الحديث والفقهاء، من أصحاب أحمد وغيرهم، وقول كثير منهم من أصحاب الأشعري، أو أكثرهم، وهو قول جهم بن صفوان وكثير من المرجئة.

لكن جمهور الناس على خلاف هذا.

وقد ذكر القاضي أبو يعلى في ذلك عن أحمد في روايتين.

وهذا يشبه تنازع الناس في العقل: هل

ص: 451

يتفاضل؟ فمذهب الجمهور أنه يتفاضل، وهو قول أكثر أصحاب أحمد، وغيرهم من العلماء، كـ التميمي، والقاضي، وأبي الخطاب، وغيرهم من العلماء.

وقالت طائفة: لا يتفاضل.

وهو قول أكثر أصحاب الأشعري، وابن عقيل، وغيرهم.

وهو يشبه تنازعهم في أن بعض الواجبات: هل تكون أوجب من بعض؟ فـ ابن عقيل وغيره ينكرون التفاضل في هذا.

وجمهور الفقهاء يجوزون التفاضل في هذا.

والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن الذين يقولون بوجوب النظر والاستدلال على الأعيان، أو يقولون: إن الإيمان لا يصح إلا به، لأن المعرفة واجبة، والمعرفة لا تتم إلا به، فقول جمهورهم: إن المراد بذلك هو العلم الذي يقوم بالقلب، لا العبارة عنه، ولا يوجبون نظم الدليل بالعبارة، ولا القدرة على جواب المعارض، ويقولون: إن العلم بالدليل أمر متيسر على العامة، وإن العامة المؤمنين قد حصل لهم في قلوبهم النظر والاستدلال المفضي إلى العلم، وإن لم يكونوا قادرين على نظم الدليل وبيانه بالعبارة.

وهذا موجود في عامة ما يقوم بالنفس من علم، وحب وبغض،

ص: 452

ولذة وألم، وغير ذلك، يكون ذلك موجوداً في النفس، يعلم به الإنسان، ولكن وصف ذلك وبيانه، والتعبير عنه، شيء آخر.

وليس كل من علم شيئاً أمكنه أن يصفه، ولهذا يسمى مثل هذا متكلماً.

ومعلوم أن العلم ليس هو الكلام.

ولهذا يقال: العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان هو حجة الله على عباده.

وقد روي ذلك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقد قيل: إنه من كلام الحسن، وهو أقرب.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، كثير معطوه، قليل سائلوه.

وسيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه، قليل فقهاؤه، قليل معطوه، كثير سائلوه.

فالفقيه الذي تفقه قلبه، غير الخطيب الذي يخطب بلسانه، وقد يحصل للقلب من الفقه والعلم أمور عظيمة، ولا يكون صاحبه مخاطباً

ص: 453

بذلك لغيره، وقد يخاطب غيره بأمور كثيرة من معارف القلوب وأحوالها، وهو عار عن ذلك، فارغ منه.

وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل الثمرة: طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: طعمها مر ولا ريح لها» .

فبين صلى الله عليه وسلم إن الإنسان قد يقرأ القرآن فيتكلم بكلام الله وهو منافق، ليس في قلبه إيمان، وآخر يكون مؤمناً قلبه، فيه من معرفة الله تعالى وتوحيده، ومحبته وخشيته، ما هو من أعظم الأمور، وهو لا يتكلم بالقرآن الذي هو كلام الله تعالى.

ولهذا قال جندب بن عبد الله، وابن عمر، وغيرهما: تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيماناً.

وأنتم تتعلمون القرآن، ثم تتعلمون الإيمان.

ص: 454

يذهب جفاء، يجفوه القلب ويدفعه، وشبه ما يبقى في الأرض من الماء النافع بما يبقى في القلوب من الإيمان النافع.

وتقدم أيضاً حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أمسكت الماء، فشرب الناس وسقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة إنما هي قيعان: لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» .

فقسم صلى الله عليه وسلم الناس فيما بعث به من الهدى والعلم، الذي شبهه بالغيث، إلى ثلاثة أقسام: فقسم قبلوه فانتفعوا به في نفوسهم علماً وعملاً.

وقسم حفظوه وأوده إلى غيرهم.

وقسم ثالث لا هذا ولا هذا.

وقوله تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} نظير قوله: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} .

ص: 456

ففي هاتين الايتين بين سبحانه أن الإيمان والهدى حصل بالوحي النازل، لا بمجرد العقل الذي كان حاصلاً قبل الوحي.

والناس متنازعون في المعرفة: هل حصلت بالشرع، أو بالعقل؟ وهل وجبت بهذا أو بهذا؟

والنزاع في هاتين المسألتين موجود بين عامة الطوائف، من اصحاب أحمد وغيره.

فإن الناس لهم في العقل: هل يعلم به حسن الأشياء وقبحها؟ والوجوب والتحريم، قولان مشهوران: أحدهما: أنه لا يعلم به ذلك، وهو قول الأشعري وأصحابه، وابن حامد، والقاضي أبي يعلى، والقاضي يعقوب، وابن عقيل، وابن الزاغوني، وغيرهم من أصحاب أحمد وكثير من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما.

والثاني: أنه يعلم به ذلك.

وهذا قول المعتزلة والكرامية وغيرهم.

وهو قول أبي الحسن التميمي، وأبي الخطاب، وغيرهما من أصحاب أحمد.

وذكر أبو الخطاب أنه قول جمهور العلماء، وهو قول كثير من أئمة الحديث من أصحاب أحمد وغيرهم، كـ أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني، وأبي نصر السجزي.

وقول كثير من أصحاب مالك والشافعي، وهو الذي ذكره أصحاب أبي حنيفة، وذكروه عن أبي حنيفة نفسه.

وقد بسط الكلام على هذه المسألة، وما فيها من التفصيل، في غير هذا الموضع.

وكذلك المعرفة: هل تحصل بالعقل أو بالشرع؟.

فيها

ص: 457

نزاع بين العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم من العلماء.

وحقيقة المسألة: أن المعرفة منها ما يحصل بالعقل، ومنها ما لا يعرف إلا بالشرع.

فالإقرار الفطري: كالإقرار الذي أخبر الله به عن الكفار، قد يحصل بالعقل، كقوله تعالى:{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} .

وأما ما في القلوب من الإيمان المشار إليه في قوله تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} فلا يحصل إلا بالوحي، كما في قوله:{قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} .

ومما يتعلق بهذه المسألة الكلام فيما يلهمه الله تعالى المؤمنين من الإيمان، كقوله تعالى:{وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} .

وقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} ، وقوله:{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} .

وقوله: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} إلى قوله: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} .

ص: 458

وقوله: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} .

وقوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} وقوله: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} .

وأمثال ذلك مما يبين أن ما يحصل في القلوب من الهدى والنور الإيمان هو من الله تعالى بفضله ورحمته.

وهذا يتعلق بمسألة القدر.

ولما كانت المعتزلة قدرية تنكر أن يكون الله تعالى خالقاً لأفعال العباد، ويقولون: إن ما يحصل للعبد من الإيمان، لم يحصل من الله تعالى، بل قد أعطى الكافر من أسباب الإيمان مثل ما أعطى المؤمن، وليس له نعمة على المؤمن، أعظم من نعمته على الكافر، ولكن نفس القدرة التي بها آمن هذا بها كفر هذا، وكل منهما رجح أحد مقدوريه بلا سبب يوجب الترجيح، لأن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح.

وأما من قال منهم بقول أبي الحسين: إن الفعل لا يحصل مع القدرة إلا بالداعي، وإن الله يخلق الداعي، وأنه يجب وجود المقدور عند وجودهما، فهذا موافق لأهل السنة في المعنى، وإن أظهر نزاعهم.

ص: 459

والمعتزلة كانوا هم أئمة الكلام في وجوب النظر والاستدلال بطريقة الأعراض والأجسام وما يتبع ذلك، وصاروا يقولون: إن الإيمان لا يمكن أن يحصل للعبد بدون اكتسابه له، لا يمكن عندهم أن يحصل بعلم ضروري يجعله الله في قلب العبد، ولا بإلهام وهداية منه، يختص بها من يشاء من عباده.

ولهذا خالفهم المثبتون للقدر، كـ الأشعري وغيره، وقالوا: يمكن أن يعلم بالاضطرار ما يعلم بالنظر، فإن هذا عندهم ليس أمراً لازماً، لكنه بحسب العادة.

والمعتزلة يقولون: إن الإيمان إذا كان موهبة من الله تعالى لعبد، وتفضلاً منه عليه، لم يستحق العبد الثواب.

وأهل السنة يقولون: هو محسن إلى العبد متفضل عليه، بأن أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن جعل له السمع والبصر الفؤاد الذي يعقل به، وأن هداه للإيمان، وأن أماته عليه، فكل هذا إحسان منه إلى المؤمن وتفضل عليه، وإن كان هو قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقاً عليه نصر المؤمن، وحق العباد عليه إذا وحدوه ألا يعذبهم، فذاك حق أوجبه بنفسه، بكلماته التامات وبما تستحقه نفسه المقدسة من حقائق الأسماء والصفات، لا أن شيئاً من المخلوقات أوجب عليه شيئاً، أو حرم عليه شيئاً

ص: 460

والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.

فلما صار من أخذ ما أخذه من الكلام المحدث عنهم، كـ الأشعري ومن سلك سبيله من أصحاب أحمد ومالك والشافعي، يسلكون مسلكهم في مسألة إيجاب النظر، وأن الإيمان لا يحصل إلا به، قال أبو جعفر السمناني، أحد أئمة الأشعرية: (هذه المسألة بقية بقيت في المذهب من الأعتزال لمن اعتقدها، وذلك لكون الأشعري كان معتزلاً تلميذاً لأبي علي الجبائي، ثم رجع عن ذلك إلى مذهب ابن كلاب وأمثاله من الصفاتية المثبتين للقدر، والقائلين بأن أهل الكبائر لا يخلدون، ونحو ذلك من الأصول التي فارق بها المعتزلة للجماعة.

وأصل الكلام المحدث، المخالف للكتاب والسنة، المذموم عند السلف والأئمة، كان أئمة الجهمية والمعتزلة وأمثالهم، والمعتزلة قدرية جهمية، وجهم وأتباعه جهمية مجبرة، ثم الأشعري كان منهم، ولما فارقهم وكشف فضائحهم، وبين تناقضهم، وسلك مسالك أبي محمد بن كلاب وأمثاله، ناقضهم غاية المناقضة في مسائل القدر والوعيد والأسماء والأحكام، كما ناقضهم في ذلك الجهمية والضرارية والنجارية ونحوهم.

ص: 461

وكان الأشعري أعظم مباينة لهم في ذلك من الضرارية، حتى مال إلى قول جهم في ذلك، لكنه كان عنده من الانتساب إلى السنة والحديث وأئمة السنة، كـ الإمام أحمد وغيره.

ونصر ما ظهر من أقوال هؤلاء، ما ليس عن أولئك الطوائف.

ولهذا كان هو وأمثاله يعدون من متكلمة أهل الحديث، وكانوا هم خير هذه الطوائف، وأقربها إلى الكتاب والسنة، ولكن خبرته بالحديث والسنة كانت مجملة، وخبرته بالكلام كانت مفصلة، فلهذا بقي عليه بقايا من أصول المعتزلة، ودخل معه في تلك البقايا وغيرها طوائف من المنتسبين إلى السنة والحديث، من أتباع الأئمة من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد.

وعامة هؤلاء يقولون الأقوال المتناقضة، ويقولون القول ولا يلتزمون لوازمه.

ومن أسباب ذلك أنهم يقولون القول المأثور عن الصحابة والسلف، الموافق للكتاب والسنة، ولصريح المعقول، ويسلكون في الرد على بعض الكفار، أو بعض أهل البدع، مسلكاً سلكته المعتزلة ونحوهم، وذلك المسلك لا يوافق أصول أهل السنة، فيحتاجون إلى التزام لوازم ذلك المسلك المعتزلي، وإلى القول

ص: 462

بموجب نصوص الكتاب والسنة، والمعقول الموافق لذلك، فيحصل التعارض والتناقض.

وهكذا المعتزلة ردوا على كثير من الكفار رداً بطرق سلكوها، متى التزموا لوازمها عارضت حقاً آخر معلوماً بالشرع أو العقل.

ومن تدبر هذه الأبواب رأى عجائب، وما ثم ما يثبت على السبر والتقسيم ويسلم عن التناقض، إلا ما جاء من عند الله.

كما قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} .

وكثير من هذه الطوائف يتعصب على غيره، ويرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في عينه، ويذكر من تناقض أقوال غيره، ومخالفتها للنصوص والمعقول، ما يكون له من الأقوال في ذلك الباب ما هو من جنس تلك الأقوال، أو أضعف منها، أو أقوى منها.

والله تعالى يأمر بالعلم والعدل ويذم الجهل والظلم.

كما قال تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} .

ص: 463