الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقاتلونهم بالسيف، وهو قتال الفتنة، فمن الناس من يوافق على الظلم ولا يقابل الظلم، مثل ما كان بعض أهل الشام، ومنهم من كان يقابله بالظلم والعدوان، ولا يوافق على حق ولا على باطل كالخوارج، ومنهم من كان تارة يوافق على الظلم، وتارة يدفع الظلم بالظلم، مثل حال كثير من أهل العراق.
وكثير من الناس مع أهل البدع الكلامية والعملية بهذه المنزلة: إما أن يوافقوهم على بدعهم الباطلة، وإما أن يقابلوها ببدعة أخرى باطلة، وإما أن يجمعوا بين هذا وهذا، وإنما الحق في أن لا يوافق المبطل على باطل أصلاً، ولا يدفع بباطل أصلاً فيلزم المؤمن الحق، وهو ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج عنه إلى باطل يخالفه: لا موافقة لمن قاله، ولا معارضة بالباطل لمن قال باطلاً.
وكلا الأمرين يستلزم معارضة منصوصات الكتاب والسنة بما يناقض ذلك، وإن كان لا يظهر ذلك في بادي الرأي.
بقية كلام الخطابي في الغنية
قال أبو سليمان: (فإن قال هؤلاء القوم: فإنكم قد أنكرتم الكلام
ومنعتم استعمال أدلة العقول، فما الذي تعتمدون عليه في صحة أصول دينكم، ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها، وقد علمتم أن الكتاب لم يعلم حقه، وأن الرسول لم يثبت صدقة إلا بأدلة العقول، وأنتم قد نفيتموها؟) .
قال أبو سليمان: (قلنا: إنا لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف، ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر، وانقلابها فيها على حدوث العالم وإثبات الصانع، ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بياناً، وأصح برهاناً، وإنما هو شيء أخذتموه عن الفلاسفة وتابعتموهم عليه.
وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة لأنهم لا يثبتون النبوات، ولا يرون لها حقيقة، فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور، ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء، فأما مثبتوا النبوات فقد أغناهم الله عز وجل عن ذلك، وكفاهم كلفة المؤونة في ركوب هذه الطريقة المنعرجة التي لا يؤمن العنت على راكبها،