الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) .
تعليق ابن تيمية
فهذا الذي وصفه الشيخ أبو سليمان الخطابي هو حال أهل الكلام، الذين يعارضون الكتاب والسنة بعقلهم، فيتأولون الكتاب على غير تأويله، ويردون الحديث بما يمكنهم، مثل زعمهم أنه خبر واحد، وأن كان من المستفيضات المتلقاة بالقبول، ومثل غير ذلك من وجوه الرد، لأن الأصول التي بنوا عليها دينهم تناقض منصوص الكتاب والسنة، كطريقة الأعرض والتركيب والاختصاص، ونحو ذلك مما تقدم.
وهم فيها خاضوا فيه من العقليات المعارضة للنصوص، في حيرة وشبهة وشك، من كان منهم فاضلاً ذكياً قد عرف نهايات أقدامهم كان في حيرة وشك، ومن كان منهم لم يصل إلى الغاية كان مقلدا لهؤلاء، فهو يدع تقليد النبي المعصوم وإجماع المؤمنين المعصوم، ويقلد رؤوس الكلام المخالف للكتاب والسنة، الذين هم في شك وحيرة، ولهذا لا يوجد أحد من هؤلاء إلا وهو: إما حائر شاك، وإما متناقض يقول قولاً ويقول ما يناقضه، فيلزم بطلان أحد القولين أو كلاهما، لا يخرجون عن الجهل البسيط مع كثرة النظر والكلام، أو عن
الجهل المركب الذي هو ظنون كاذبة، وعقائد غير مطابقة، وإن كانوا يسمون ذلك براهين عقلية، وأدلة يقينية، فهم أنفسهم ونظراؤهم يقدحون فيها، ويبينون أنها شبهات فاسدة، وحجج عن الحق حائدة.
وهذا الأمر يعرفه كل من كان خبيراً بحال هؤلاء، بخلاف أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المتبعين له، فإنهم ينكشف لهم أن ما جاء به الرسول، هو الموافق لصريح المعقول، وهو الحق الذي لا اختلاف فيه ولا تناقض.
قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} .
فهؤلاء مثل نور الله في قلوبهم: {كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} : نور الإيمان، ونور القرآن، نور صريح المعقول، ونور صحيح المنقول.
كما قال بعض السلف: يكاد المؤمن ينطق بالحكمة وإن لم يسمع فيها بأثر، فإذا جاء الأثر كان نوراً على نور.
وقال لغير واحد من الصحابة - كجندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر: - تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانا.
وأما أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فهم: إما في الجهل البسيط، وإما في الجهل المركب، كالكفار، فالأولون:{كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} .
والآخرون: {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} .
فأهل الجهل والكفر البسيط لا يعرفون الحق ولا ينصرونه، وأهل الجهل والكفر المركب يعتقدون أنهم عرفوا وعلموا، والذي معهم ليس لعلم بل جهل.