الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب - والرسول - وإن كان يخبر أحياناً بخبر مجرد، كما يأمر أحياناً بأمر مجرد، فهو يذكر مع إخباره عن الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، من الدلالة والبيان والهدى والإرشاد، ما يبين الطرق التي يعلم لها ثبوت ذلك، وما يهدي القلوب ويدل العقول على معرفة ذلك، ويذكر من الآيات والأمثال المضروبة، التي هي مقاييس عقلية وبراهين يقينية، ما لا يمكن أن يذكر أحد من أهل الكلام والفلسفة ما يقاربه، فضلاً عن ذكر ما يماثله أو يفضل عليه.
ومن تدبر ذلك رأى أنه لم يذكر أحد - طريقاً عقلياً يعرف به وجود الصانع، أو شيء من أحواله - من أهل الكلام والفلاسفة إلا وقد جاء القرآن بما هو خير منه وأكمل وأنفع وأقوى وأقطع، بتقدير صحة ما يذكره هؤلاء.
تنازع الناس في أصل المعرفة بالله وكيف تحصل
مما يبين أصل الكلام في هذا المقام أنه قد تنازع الناس في أصل المعرفة بالله: هل تحصل ضرورة في قلب العبد؟ أو لا تحصل إلا بالنظر؟ أو تحصل بهذا تارة وهذا تارة؟..
القائلون بأنها لا تحصل بالنظر
فذهب كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية، ومن وافقهم من الطوائف، من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة
وغيرهم، إلى أنها لا تحصل إلا بالنظر، وهؤلاء يقولون في أول واجب على العبد: هل هو النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة الله أو المعرفة؟ وقد تنازعوا في ذلك على قولين ذكرهما هؤلاء الطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم.
والنزاع لفظي، فإن النظر واجب وجوب الوسيلة، من باب ما لا يتم الوجب إلا به، والمعرفة واجبة وجوب المقاصد.
فإول واجب وجوب الوسائل هو النظر، وأول واجب وجوب المقاصد هو المعرفة.
ومن هؤلاء من يقول: أول واجب هو القصد إلى النظر.
وهو أيضاً نزاع لفظي فإن العمل الاختياري مطلقاً مشروط بالإرادة، وحكى عن أبي هاشم أنه قال: أول الواجبات الشك.
وقال كثير من أهل الكلام والصوفية والشيعة وغيرهم: إن المعرفة يبتديها الله اختراعاً في قلوب العقلاء البالغين من غير سبب يتقدم، وغير نظر وبحث، وأنها تقع ضرورة.
ويذكر ذلك عن صالح قبة وفضل الرقاشي وغيرهما
وعن الجاحظ أنه قال: معرفة الله ضرورية، وأنها تقع في طباع نامية عقب النظر والاستدلال، وأن العبد غير مأمون بها.
ويذكر نحو ذلم عن ثمامة بن أشر.
وذكروا عن الجهم أنه قال: معرفة الله واقعة باختيار الله لا باختيار العبد، لأن العبد لا يفعل شيئاً.
وقال جمهور طوائف المسلمين: يمكن أن تقع ضرورة، ويمكن أن تقع بالنظر.
بل قال كثير من هؤلاء: إنها تقع بهذا تارة وبهذا تارة، فالذين جوزوا وقوعها ضرورة هم عامة أهل السنة وسائر المثبتين للقدر كالأشعري وغيره.
وتنازع نظارهم: هل ذلك بطريق خرق العادة أو هو معتاد؟ على قولين.
ومن هؤلاء القائلين بأنها تحصل تارة بالضرورة وتارة بالنظر أبو حامد والرازي والآمدي وغيرهم.
ولهذا لما أوردوا عليهم في مسألة وجوب النظر: أن المعرفة قد