الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلكناها سليمة من هذه الآفات، برية من هذه العيوب، فقد بان ووضح فساد قول من زعم وادعى من المتكلمين أن من لم يتوصل إلى معرفة الله تعالى وتوحيده من الوجه الذي يصححونه من الاستدلال، فإنه غير موحد في الحقيقة، لكنه مستسلم مقلد، وأن سبيله سبيل الذرية في كونها تبعاً للآباء في الإسلام، وثبت أن قائل هذا القول مخطىء، وبين يدي الله ورسوله متقدم، وبعامة الصحابة وجمهور السلف مزر، وعن طريق السنة عادل، وعن نهجها ناكب) .
تعليق ابن تيمية
قلت: وهذا الذي ذكره الخطابي بين ظاهر، بتقدير أن تكون تلك الطريق صحيحة في نفسها، موصلة إلى العلم، فإن سلوكها - والحال هذه - إما غرر وخطر، وإما مشق صعب، بل معجوز عنه، فإنها تحتاج إلى تصحيح مقدمات كثيرة دقيقة متنازع فيها، وقد لا تثبت للإنسان فيضل عنها، فكانت بمنزلة من يريد الحج من طريق بعيدة مخوفة، يمكن سالكها أن يصل بعد جهد ومشقة، ويمكن أن
ينقطع، فمثل هذه الطريق قد يعجز صاحبها، وقد يضل بعد جهد ومشقة عظيمة، إذا لم يكن فيها مخوف، وإذا كان فيها مخوف فقد يهلك قبل الوصول.
ومعلوم أن من عدل إلى هذه الطريق، وترك الطريق المستقيمة الواضحة الآمنة الميسرة كان ظلوماً جهولاً.
وأما بتقدير أن تكون طريقاً فاسدة، كما يعرفه من عرف حقيقتها، فإنها: إما أن لا توصل إلى مطلوب، لأن النظر في الدليل الفاسد يستلزم الجهل المركب لا محالة، بل قد لا يحصل معه لا علم ولا جهل، وهذا حال كثير من حذاق النظار الذين سلكوها.
وإما أن توصل إلى نقيض الحق، إذا اعتقد سالكها صدق بعض مقدماتها الكاذبة، وهذه حال كثير ممن اعتقد صحتها، وعارض بموجبها صحيح المنقول وصريح المعقول.
وهي حال أهل البدع من المعتزلة والجهمية، ومن وافقهم على مقتضاها، فإنها منشأ ضلال ما شاء الله تعالى من طوائف أهل الكلام، كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع، فالأولون يبقون في الجهل البسيط، وهؤلاء يصيرون في الجهل المركب.