الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن قال: (وإذا كان لا طريق إلى المطلوب من المعرفة إلا الاستشهاد بالأفعال، ولا شهادة للفعل إلا من حيث احتياج الفطرة واضطرار الخلقة، فحيثما كان الاضطرار والعجز أشد، كان اليقين أوفر وآكد:{وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} ، لا جرم:{أمن يجيب المضطر إذا دعاه} .
والمعارف التي تحصل من تعريفات أحوال الاضطرار، أشد رسوخاً في القلب من المعارف التي نتائج الأفكار، في حال الاختيار) .
تعليق ابن تيمية
قلت: فهذا كله كلام الشهرستاني، وهو من أئمة المتأخرين من النظار، وأخبرهم بالمقالات، وقد صرح بأن معرفة الله ليست معدودة من النظريات التي يقام عليها البرهان، وأن الفطرة تشهد بضرورتها وبديهة فكرتها بالصانع الحكيم، إلى آخر ما ذكره وأن ما تنتهي إليه مقدمات الاستدلال بإمكان الممكنات أو حدوثها من القضايا الضرورية، دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية، من احتياج الإنسان في ذاته إلى مدبر.
وأما ما ذكره من أن إنكار الصانع ليس مقالة معروفة لصاحب مقالة.
فإنه، وإن لم يكن مذهباً مشهوراً، عليه أمة من
الأمم المعروفة، لكنه مما يعرض لكثير من الناس، ويقوله بعض الناس: إما ظاهراً دون الباطن - كحال فرعون ونحوه - وإما باطناً وظاهراً، كما ذكر الله مناظرة إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه للذي حاجه في ربه، ومحاجة موسى صلوات الله عليه وسلامه لفرعون.
لكن هذا لا يمنع أن تكون المعرفة به مستقرة في الفطرة، ثابتةبالضرورة، فإن هذا نوع من السفسطة حال يعرف لكثير من الناس: إما عمداً، وإما خطأ.
وكثير من الناس قد ينازع في كثير من القضايا البديهية، والمعارف الفطرية، في الحسيات والحسابيات، وكذلك في الإلهيات.
ومن تأمل ما يحكيه الناس من المقالات عن الناس، في العلوم الطبيعية والحسابية، رأى عجائب وغرائب.
وبنو آدم لا ينضبط ما يخطر لهم من الآراء والإرادات، فإنهم جنس عظيم التفاوت، ليس في المخلوقات أعظم تفاضلاً منه، خيارهم خير المخلوقات عند طائفة، أو من خيرها عند طائفة، وشرهم شر المخلوقات، أو من شرها.
وقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} .
وقال تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال} .
وقال تعالى: {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير * ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} .
ونظير هذا كثير.
وكما تنازع النظار في المعرفة: هل تحصل ضرورة، أو نظراً، أو تحصل بهذا وهذا، على ثلاثة أقوال، فكذلك تنازعوا في مسألة وجوب النظر المفضي إلى معرفة الله تعالى على ثلاثة أقوال.
فقالت طائفة من الناس: إنه يجب على كل أحد.
وقالت طائفة: لا يجب على أحد.
وقال الجمهور: إنه يجب على بعض الناس دون بعض.
فمن حصلت له المعرفة او الإيمان عند من يقول: إنه يحصل بدون المعرفة بغير النظر لم يجب عليه، ومن لم تحصل له المعرفة ولا الإيمان إلا به وجب عليه.