الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قيل: إن معناه ما ليس بلازم للعلو، مثل كونه مماثلاً للمخلوقات - منع الأولى.
فإن قيل: إن معناه لزم للعلو، مثل كونه مستشارا إليه - منع الثانية.
فهو يقول: أنه فوق العالم قطعاً، كما علم ذلك بالعقل والسمع.
فإذا قيل: لو كان فوقه لكان جسماً، فالمراد بمعنى الجسم: إما أن يكون لازماً للعلو، وإما أن لا يكون لازماً.
فإذا كان لازماً لا محال، منعت المقدمة الثانية، وهي انتفاء اللازم.
وإن لم يكن لازماً، منعت المقدمة الأولى وهي التلازم.
وكل ما يقال في هذا المقام من الألفاظ المتجملة مثل لفظ (المتحيز) و (المركب) ونحو ذلك يستفصل عن معناه، كما يستفصل عن معنى لفظ (الجسم) ، فإذا تخلص محل النزاع في معنى معقول، مثل كون المراد بذلك ما تقوم به الصفات، أو ما يتميز منه شيء عن شيء، ونحو ذلك من المعاني - لم يسلم انتفاء ذلك، بل نقول: هذا لا بد من ثبوته بالعقل الصريح، كما دل عليه النقل الصحيح.
الوجه السابع
أن يقال: بل العقل الصريح الموافق للسمع لا منازع له.
والعقل قد دل على أن الله تعالى فوق العالم، وهذه طريقة حذاق أهل النظر من أهل الإثبات، كما هو طريق السلف والأئمة: يجعلون العلو من الصفات المعلومة بالعقل.
وهذه طريقة أبي محمد بن كلاب وأتباعه، كأبي عباس القلانسي، والحارث المحاسبي وأشباههما
من أئمة الأشعرية، وهي طريقة محمد بن كرام وأتباعه، وطريقة أكثر أهل الحديث والفقه والتصوف، وإليها رجع القاضي أبو يعلى وأمثاله.
ولكن طائفة من الصفاتية من أصحاب الأشعرية، ومن وافقهم من أصحاب أحمد وغيرهم، يظنون أن العلو من الصفات الخبرية كالوجه واليدين ونحو ذلك، وانهم إذا أثبتوا ذلك أثبتوه لمجيء السمع به فقط، ولهذا كان من هؤلاء من ينفي ذلك ويتأول نصوصه أو يعرض عنها كما يفعل مثل ذلك من نصوص الوجه واليد.
ومن سلك هذه الطريقة فإنه يبطل الأدلة التي قال: أنها نافية لهذه الصفة، كما يبطل ما به ينفون صفة الاستواء والوجه واليدين، ويبين أنه لا محذور في إثباتها، كما يقول مثل ذلك في الاستواء والوجه واليد، ونحو ذلك من الصفات الخبرية.
وهؤلاء كلامهم امتن من كلام نفاة الصفات الخبرية نقلاً وعقلاً، وإذا قيل: إن في كلامهم تناقضاً، أو أنهم يقولون ما لا يعقل، ففي كلام النفاة من التناقض وما لا يعقل أكثر مما في كلامهم، فهم بالنسبة إلى النفاة اكمل علماً بالمعقول والمنقول، وأما بالنسبة إلى السلف والأئمة أهل الإثبات، فيظهر من تناقضهم وقولهم ما لا يعقل وما يظهر به رجحان طريقة السلف والأئمة عليهم، وتنسب به معارضة النفاة لهم.
ويتبين به الحق الذي لا يعدل عنه من فهمه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم المثبتون للعلو بالعقل لهم طرق: منها: أنهم يقولون: العلم بذلك ضروري مستقر في فطر بني آدم.
ومنها: أنهم يقولون: قصدهم لربهم عند الحاجات التي لا يقضيها إلا هو - هو أيضاً ضروري، وقصدهم لهم بتوجه قلوبهم إلى العلو أيضاً ضروري، فهم مفطورون على الإقرار به وأنه في العلو، وعلى انهم محتاجون غليه يسألونه عن الضرورات، وعلى انهم يقصدونه في العلو ولا في السفل، وأن قلوبهم بفطرتها تتوجه إلى العلو، اللهم إلا من أفسد فطرته وقصد أن يصدها عن مقتضاها مع أن هذا عند الحقيقة يغلب مع فطرته، ويظل عنه ما كان يفتريه.
ومنها أنهم يقولون: إن ذلك أمر متفق عليه بين العقلاء السليمي الفطرة، وكل منهم يخبر بذلك عن فطرته من غير موطأة من بعضهم البعض، ويمتنع في مثل هؤلاء أن يتفقوا على تعمد الكذب عادة، ويمتنع أيضاً غلطهم في الأمور الفطرية الضرورية، فإن ذلك يسد باب العلم والمعرفة، وأن يثق الإنسان بشيء من علومه.
ومتى قدح في مثل هذا، كان القدح في مقدمات ما يدعى أنه معارض لذلك أسهل بكثير، فإن المعارضين لا بد فيما يعارضون به من العقليات من قضايا تلقاها بعضهم عن بعض، فيجوز عليهم فيها من الاتفاق على الغلط وعلى تعمد الكذب، ما لا يجوز على المتفقين على قضايا لم يتلقها بعضهم عن بعض، مع كثرة هؤلاء وتنوع أصنافهم.
ومنها أنهم يثبتون العلو بطرق نظرية: كقولهم: كل موجودين فإما أن يكون أحدهما مبايناً للآخر، وإما أن يكون مداخلاً له، ونحو ذلك من الطرق المعلومة لهم، فمعهم من العلم الضروري، والقصد الضروري، واتفاق العقلاء الذين لم يتواطأوا على قضاياهم والعقليات