الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
تعريفه عند الشافعية: جعل عين مال متمولة وثيقة بدين ليستوفى منها عند تعذر وفائه.
4 -
تعريفه عند الحنابلة: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه (1) .
(1)[المغني والشرح](4\417) ، و [مطالب أولي النهى](3\ 248) ، و [الإنصاف](5\ 137) .
ج -
المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
وأما المناسبة بين المعنى اللغوي وبين المعنى الاصطلاحي فهي أن المعنى اللغوي في الثبات والدوام واللزوم والحبس، وهذا موجود في المعنى الاصطلاحي، وذلك أن المرهون محبوس عن التصرف فيه حتى يستوفي المرتهن حقه، والحبس في الثبات واللزوم، ولكن المعنى الشرعي قيد بقيود تجعله أخص من المعنى اللغوي، كما سبق في التعريف الشرعي.
ثانيا: حكمه:
اتفق أهل العلم على مشروعيته في السفر، واختلفوا في مشروعيته في الحضر، فنذكر الخلاف في ذلك مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول: أنه مشروع في الحضر كالسفر، وهو مذهب: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلوا بالكتاب والسنة والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (1)
وجه الدلالة: أن الله تعالى لما ذكر الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال - عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب وجعل لها الرهن، ونص على السفر الذي هو غالب الأعذار، لا سيما في ذلك الوقت؛ لكثرة الغزو، ويدخل في ذلك المعنى: كل عذر، فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضر؛ كأوقات أشغال الناس وبالليل، وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن.
وأما السنة: فما ثبت في [الصحيحين] وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد (2) » ، وعن أنس قال:«رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله (3) » رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم رهن في الحضر ولم يكتب.
وأما المعنى: فإنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء، فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب وهي الكفالة.
القول الثاني: أنه لا يصح في الحضر، قال القرطبي: ولم يرد عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود، وقال ابن حزم: لا يجوز اشتراط الرهن إلا في البيع إلى أجل مسمى في السفر خاصة وفي السلم إلى أجل مسمى في السفر خاصة أو في القرض إلى أجل مسمى في السفر
(1) سورة البقرة الآية 283
(2)
صحيح البخاري البيوع (2068) ، صحيح مسلم المساقاة (1603) ، سنن النسائي البيوع (4650) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2436) ، مسند أحمد بن حنبل (6/42) .
(3)
صحيح البخاري البيوع (2069) ، سنن الترمذي البيوع (1215) ، سنن النسائي البيوع (4610) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2437) .
خاصة مع عدم الكاتب في كلا الوجهين.
واستدلوا بالكتاب والسنة والاستصحاب:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (1) إلى قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2)
وجه الدلالة: ذكر اشتراط السفر في الرهن في حال عدم وجود كاتب، فدل ذلك بمفهومه أنه لا يشرع في الحضر.
ونوقش: بأنه لا مفهوم مخالفة للشرط؛ لأنه منزل على غالب الأحوال، والدليل عليه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى في الحضر ورهن ولم يكتب؛ وذلك لأن الكاتب إنما يعدم في السفر غالبا فأما في الحضر فلا يكون ذلك بحال، ومن القواعد المقررة للأخذ بدليل الخطاب أن من شروطه أن لا يجري على الغالب، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (3) الآية.
وأما السنة: فما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه (4) » .
وجه الدلالة: أن الحديث ليس فيه اشتراط الرهن، وهم لا يمنعون من الرهن بغير أن يشترط في العقد؛ لأنه تطوع من الراهن حينئذ بما لم ينه عنه حينئذ.
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
سورة البقرة الآية 283
(3)
سورة النساء الآية 23
(4)
صحيح البخاري الرهن (2509) ، صحيح مسلم المساقاة (1603) ، سنن النسائي البيوع (4609) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2436) ، مسند أحمد بن حنبل (6/42) .
ونوقش: بأنه جاء في حديث أبي رافع في بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إياه إلى اليهودي يسلفه طعاما لضيف نزل به، فأبى إلا برهن، فرهانه درعه.
وأجيب عنه: بأنه خبر انفرد به موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، ضعفه ابن القطان وابن معين والبخاري وابن المديني، وقال أحمد بن حنبل: لا تحل الرواية عنه.
وأما الاستصحاب: فهو أن الأصل عدم مشروعيته في الحضر، ولم يرد ما يخرج عن هذا الأصل، فيبقى عدم المشروعية على ما هو عليه.
ويمكن أن يناقش: بأن الاستصحاب إنما يعمل به مع عدم الدليل المعارض له، وقد ورد ما يدل على رفعه، وهو ما سبق من الدليل الدال على أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر من يهودي في طعام أخذه لأهله، وما روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة (1) » .
إذا علم ما سبق من مشروعية الرهن في السفر، فهل ذلك على سبيل الوجوب في السفر والحضر معا أو أنه ليس بواجب فيهما، أو أنه واجب في السفر دون الحضر؟
وفيما يلي ما تيسر من أقوال أهل العلم في ذلك مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول: أنه ليس بواجب لا في السفر ولا في الحضر، وممن قال بذلك: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، قال ابن قدامة: والرهن غير واجب لا نعلم فيه مخالفا.
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2)
(1) صحيح البخاري الرهن (2512) ، سنن الترمذي البيوع (1254) ، سنن أبو داود البيوع (3526) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2440) ، مسند أحمد بن حنبل (2/472) .
(2)
سورة البقرة الآية 282
إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1)
وجه الدلالة: قال الشافعي رحمه الله: فكان بينا في الآية الأمر بالكتاب في الحضر والسفر، وذكر الله تعالى الرهن إذا كانوا مسافرين ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا - والله أعلم - فيها أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر؛ لأنه فرض عليهم أن يكتبوا ولا أن يأخذوا رهنا لقول الله عز وجل:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (2)
فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة - والله أعلم - في الحضر وغير الإعواز، ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر، وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا.
ونوقش: بأن الجملة خبرية ولكنها جارية مجرى الأمر فإن قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (3) أي: فارهنوا واقبضوا؛ لأنه مصدر، أي: مفرده جعل جزاء للشرط بالفاء، فجرى مجرى الأمر، كقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (4) ، {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (5)
وأجيب عن ذلك: بأن الأمر في الآية يراد به الإرشاد لا الإيجاب، يدل على ذلك قوله تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (6)
(1) سورة البقرة الآية 283
(2)
سورة البقرة الآية 283
(3)
سورة البقرة الآية 283
(4)
سورة النساء الآية 92
(5)
سورة محمد الآية 4
(6)
سورة البقرة الآية 283
وأما السنة: فما سبق من الأدلة الدالة على مشروعية الرهن في الحضر وليس فيها الأمر به فدل على أنه ليس بواجب.
وأما المعنى: فإن الرهن وثيقة بالدين فلم يجب كالضمان والكتابة، ولأنه أمر به عند إعواز الكتابة، والكتابة غير واجبة فكذلك بدلها.
القول الثاني: وجوب الرهن في السفر، وبه قال ابن حزم ومن وافقه واستدل لذلك بالكتاب والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1) إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2)
ويمكن أن يقال: إن وجه الاستدلال من الآية أن جملة {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (3) خبر معناه: الأمر، كما سبق في مناقشة الاستدلال بالآية للقول الأول، ويناقش الاستدلال بها على الوجوب بما سبق.
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط (4) » .
وجه الدلالة: أن اشتراط الرهن في السفر ورد في كتاب الله مأمورا به فوجب الأخذ به ولم يرد اشتراطه في الحضر فكان مردودا.
وأجيب بما تقدم من جعل الأمر بالرهن في السفر على الإرشاد وأن
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
سورة البقرة الآية 283
(3)
سورة البقرة الآية 283
(4)
صحيح البخاري العتق (2563) ، صحيح مسلم العتق (1504) ، سنن النسائي الطلاق (3451) ، سنن أبو داود العتق (3929) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2521) ، مسند أحمد بن حنبل (6/213) ، موطأ مالك العتق والولاء (1519) .
الأصل في عقود المعاملات الإباحة حتى يرد المنع منها ولم يرد.
ثالثا: حكمته: من قواعد شريعة الإسلام اليسر والسهولة ورفع المشقة ودفعها وهذا باب واسع في الشريعة، فإن من تدبرها بتوسع ودقة وإنصاف يجد ذلك واضحا في العبادات والمعاملات وبيانه فيما نحن فيه: - أن الشخص تختلف أحواله غنى وفقرا والمال حبيب إلى النفوس، فقد يأتي على الإنسان وقت يكون في أمس الحاجة إلى النقود ليقضي بها حوائجه الضرورية ولا يجد من يتصدق عليه ولا من يقرضه ولا يجد ضمينا ولا كفيلا، فيأتي إلى شخص يطلب منه مالا بثمن في الذمة يتفقان عليه، أو يطلب منه قرضا على أن يجعل عنده مقابل ذلك رهنا يحفظه عنده حتى يرد عليه حقه - فشرع الله الرهن لمصالح الراهن والمرتهن والمجتمع. أما الراهن فيقضي حاجته، وفي ذلك تنفيس لكربته، وإزالة ما في نفسه من الغم، وقد يبيع فيه ويشتري ويكون سببا لغناه.
وأما المرتهن فيطمئن على حقه ويحصل له ربح مشروع، وإذا حسنت نيته حصل له الأجر عند الله.
وأما المصالح العائدة إلى المجتمع فتوسيع التعامل التجاري وتبادل المحبة والمودة بين الناس، فهو تعاون على البر والتقوى، وفيه تنفيس للكروب، وتقليل للخصومات، وراحة لولاة الأمور من القضاة والأمراء.