الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الأدلة، كما تقدم من المناقشة التي لا ينهض معها الاحتجاج.
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون عند شروطهم (1) » .
وجه الدلالة: أن هذا شرط فيجب الوفاء به.
ويمكن أن يجاب عن ذلك: بما تقدم من الإجابة عن الاستدلال بالآيتين.
وأما المعنى: فإنه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله كالبيع.
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق ذلك أن عقد البيع للتجارة وعقد الرهن للإرفاق.
(1) رواه البخاري وأبو داود.
خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض
، مع الأدلة والمناقشة:
اختلف أهل العلم في اشتراط استدامة القبض:
فمنهم من قال: إن استدامة القبض شرط، ومنهم من قال: إنها ليست بشرط.
وفيما يلي ذكر القولين مع الأدلة والمناقشة.
القول الأول: أن استدامة القبض شرط.
وممن قال بهذا: أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد وابن حزم ومن وافقهم من أهل العلم، قال السمرقندي: ومنها - أي: شروط جواز الرهن - دوام القبض بما به يكون محوزا في يده. ونقل القرطبي عن أبي حنيفة: أنه إذا رجع بعارية أو وديعة لم يبطل. وقال ابن حزم: يشترط دوام القبض. وقال القرطبي بعد سياقه لرأي ابن حزم أنه شرط قال: هذا هو المعتمد عندنا.
وقال ابن رشد: وعند مالك: أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض، وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية أو وديعة أو غير ذلك فقد خرج من اللزوم.
وقال ابن قدامة: استدامة القبض شرط للزوم الرهن، فإذا أخرجه المرتهن عن يده باختياره زال لزوم الرهن وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك، فإذا عاد فرده إليه عاد اللزوم بحكم العقد السابق.
قال أحمد في رواية ابن منصور: إذا ارتهن دارا ثم أكراها صاحبها خرجت من الرهن، فإذا رجعت إليه صارت رهنا. انتهى المقصود.
وقال المرداوي على قول ابن قدامة، واستدامته شرط في اللزوم، قال: هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. يعني: حيثما قلنا: لا يلزم إلا بالقبض، وممن قال به من أئمة الدعوة رحمهم الله: الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد الرحمن بن حسن.
واستدل لهذا القول بالكتاب والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1)
وتقرير الاستدلال بالآية من وجهين:
(1) سورة البقرة الآية 283
الأول: أنه إذا خرج عن يد القابض لم يصدق عليه ذلك اللفظ لغة فلا يصدق عليه حكما.
الثاني: أنها إحدى حالتي الرهن فكان القبض فيها شرطا كالابتداء.
وأما المعنى: فإن مقصود الرهن هو الاستحقاق وذلك لا يحصل إلا بهذا.
القول الثاني: أن استدامة القبض ليست بشرط، وممن قال بهذا: الإمام الشافعي ومن وافقه من أصحابه وغيرهم، وهو رواية عن أحمد في المتعين. قال الربيع بن سليمان نقلا عن الشافعي: إذا قبض الرهن مرة واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن، ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما في الرهن من الحق. . . ومضى إلى أن قال: وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ورده، وعنه: أن استدامته في المتعين ليست بشرط، واختاره في [الفائق] .
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى.
أما الكتاب فقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1)
وجه الدلالة: أن الرهن إذا وجد مرة فقد صح ولزم فلا يحل ذلك إعارته وغير ذلك من التصرف فيه.
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: «لبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة (2) » أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم.
وجه الدلالة: أن الراهن لا يركبها إلا وهي خارجة عن قبض المرتهن.
ونوقش: بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «وعلى الذي يحلب ويركب النفقة (3) » كلام مبهم
(1) سورة البقرة الآية 283
(2)
صحيح البخاري الرهن (2512) ، سنن الترمذي البيوع (1254) ، سنن أبو داود البيوع (3526) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2440) ، مسند أحمد بن حنبل (2/472) .
(3)
صحيح البخاري الرهن (2512) ، سنن الترمذي البيوع (1254) ، سنن أبو داود البيوع (3526) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2440) ، مسند أحمد بن حنبل (2/472) .
ليس في نفس اللفظ منه بيان من يركب ويحلب من الراهن والمرتهن والعدل الموضوع على يده الرهن، فصرفه إلى الراهن يحتاج إلى دليل.
وأجيب عن ذلك: بأنه ورد ما يدل على أن المقصود به: الراهن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه (1) » رواه الإمام الشافعي في [الأم] مرسلا ثم وصله عن الثقة عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال الحافظ ابن حجر في [البلوغ] : رواه الدارقطني والحاكم ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.
وأما المعنى: فقياسه على البيع والهبة، فكما يكون البيع مضمونا من البائع، فإذا قبضه المشتري مرة صار في ضمانه، فإن رده إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ولا ينفسخ ضمانه بما ذكر، فكذلك الرهن، وكما تكون الهبات وما في معناها غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها عن الهبة.
وقد يناقش قياسه على البيع: بأنه قياس مع الفارق فإن عقد البيع المستوفي للأمور المشروعة لتحقيقه وانتفاء موانعه ينفك الملك من البائع إلى المشتري نقلا مطلقا، فتكون ذمة البائع مفرغة من تملك هذا البيع وتكون ذمة المشتري مشغولة بتملكه، فإذا أعاده إلى البائع أو غيره بعارية أو إجارة ونحو ذلك فهذه الإعارة عقد جديد لا صلة له بالعقد الأول، وهذا بخلاف الرهن، فإن ملكية الراهن لم تزل عنه، وإنما انتقل إلى المرتهن على جهة الرقابة؛ لأجل حفظ حقه، فإذا رجع إليه اختيارا من المرتهن فقد رجع إلى من يملكه.
(1) سنن ابن ماجه الأحكام (2441) ، موطأ مالك كتاب الأقضية (1437) .