المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في حكم اقتطاع جزء من المقبرةلمصلحة عامة كتوسعة طريق ونحوه

- ‌ أقوال أهل العلم في حكم تحويل الميت من قبره إلى آخر لغرض صحيح:

- ‌غلة الأوقاف المنقطعة جهاتهاأو الفائض من غلاتها على مصارفها

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ مذهب الحنابلة:

- ‌الرهن

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌ تعريفه لغة:

- ‌ تعريفه شرعا:

- ‌ المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌ مؤنة الرهن:

- ‌ الانتفاع بالمرهون:

- ‌ نماء الرهن:

- ‌ التصرف في الرهن قبل حلول أجل الدين:

- ‌ استيفاء المرتهن حقه من الرهن:

- ‌ ضمان الرهن إذا هلك بنفسه:

- ‌المذهب الأول: أن الرهن إذا هلك بنفسه فلا يضمنه المرتهن

- ‌المذهب الثاني: أن الرهن إذا هلك بنفسه فهو من ضمان المرتهن

- ‌المذهب الثالث: التفرقة بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه:

- ‌إيجاد مواقف للسياراتتحت المساجد

- ‌بحث في المعاملات المصرفية والتحويلات المصرفية

- ‌عمليات الإيداع

- ‌أولا: الودائع النقدية:

- ‌تعريف الوديعة النقدية:

- ‌مزايا الإيداع النقدي:

- ‌أنواع الودائع النقدية:

- ‌الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع

- ‌حساب الادخار والتوفير:

- ‌الحساب الجاري

- ‌تعريفه ومزاياه:

- ‌أركان الحساب الجاري:

- ‌الفوائد المتعلقة بالحساب الجاري:

- ‌وقف الحساب الجاري:

- ‌تعليل قاعدة عدم التجزئة:

- ‌آثار قاعدة عدم التجزئة:

- ‌قفل الحساب الجاري:

- ‌ أهم خصائص الودائع والحساب الجاري

- ‌ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات:

- ‌ثالثا: إيجار الخزائن الحديدية:

- ‌التكييف القانوني لعقد إيجار الخزانة:

- ‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

- ‌خلاصة عمليات الإيداع

- ‌ عمليات الائتمان

- ‌ الاعتمادات المصرفية

- ‌الأول: الإقراض:

- ‌ ضرورة الاتفاق على القرض، تجاريته، إبرام العقد:

- ‌تكييف الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌حكم الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌الثاني: فتح الاعتماد البسيط:

- ‌ آثار عقد فتح الاعتماد:

- ‌انتهاء العقد:

- ‌ انتقال الاعتماد:

- ‌تكييف عقد فتح الاعتماد البسيط المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الثالث: الضمان:

- ‌تكييف الضمان المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الرابع: الاعتمادات المستندية

- ‌ بيان واقعها

- ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

- ‌ موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الكمبيالة

- ‌خصائص الكمبيالة:

- ‌الوصف الشرعي للكمبيالة:

- ‌الشيك:

- ‌خصائص الشيك:

- ‌الفرق بين الشيك والكمبيالة:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي:

- ‌السند الإذني:

- ‌خصائص السند الإذني:

- ‌الوصف الإسلامي للسند الإذني:

- ‌التحويلات المصرفية والبريدية:

- ‌الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية:

- ‌النتيجة:

- ‌عمليات التظهير:

- ‌آثار التظهير التام:

- ‌آثار التظهير التوكيلي:

- ‌التظهير التأميني:

- ‌آثار التظهير التأميني:

- ‌الوصف الإسلامي للتظهير:

- ‌تحصيل الأوراق التجارية:

- ‌التكييف الفقهي الإسلامي لعمليات التحصيل:

- ‌عمليات الخصم:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي لعمليات الخصم:

- ‌الفوائد الربوية

- ‌أولا: من أقوال بعض المفسرين على قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}

- ‌ثانيا: من أقوال بعض شراح الحديث:

- ‌ثالثا: النقول عن الفقهاء:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌رابعا: أقوال الفقهاء في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌[فتاوى محمد رشيد رضا] :

- ‌الخلاصة

- ‌المواشي السائبةعلى الطرق العامة

- ‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

- ‌الموضوع الثاني:حوادث دهس السيارات وانقلابها، أو سقوط شيء منها على أحدأو قفز أحد ركابها

- ‌الموضوع الثالث:بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة نظام المرور ونحوه

- ‌الموضوع الرابع:توزيع الجزاء على من اشتركوافي وقوع حادث بنسبة اعتدائهم أو خطئهم:

الفصل: ‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

(8)

‌حوادث السيارات وبيان ما يترتب

عليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

هيئة كبار العلماء

بالمملكة العربية السعودية

ص: 467

بسم الله الرحمن الرحيم

حوادث السيارات

وبيان ما يترتب عليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد

فبناء على ما رآه مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة التاسعة المنعقدة بمدينة الطائف في شهر شعبان عام 1396 هـ من إدراج موضوع حوادث السيارات من صدم ودهس وانقلاب وبيان حكم ما يترتب على ذلك بالنسبة لحق الله وحق عباده في جدول أعمالها بالدورة العاشرة- أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في ذلك ضمنته ما يأتي:

1 -

تصادم سيارتين مثلا أو صدم إحداهما الأخرى وبيان ما يترتب على ذلك من أحكام.

2 -

دهس سيارة ونحوها لشيء وانقلابها وبيان ما يترتب على ذلك من أحكام.

3 -

بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة نظام

ص: 469

المرور ونحوه مما يسبب وقوع الحوادث.

4 -

توزيع الجزاء على من اشتركوا في وقوع الحادث بنسبة اعتدائهم أو خطئهم.

وفيما يلي الكلام على هذه الموضوعات إن شاء الله تعالى.

ص: 470

الموضوع الأول: تصادم سيارتين مثلا أو صدم إحداهما الأخرى وبيان ما يترتب على ذلك من أحكام

تمهيد:

يحسن بنا أن نمهد بين يدي النقل عن فقهاء الإسلام في الموضوع ببيان منشأ اختلاف الأحكام أو اختلاف الفقهاء فيها بذكر ما يأتي:

إن ما يترتب على تصادم سيارتين مثلا أو صدم إحداهما الأخرى من الأحكام يختلف باختلاف عدة أمور:

الأول: حال القائد أو السائق من كونه عامدا أو مخطئا أو مغلوبا على أمره في وقوع الحادث أو كونه لا يحسن القيادة.

الثاني: اختلاف الفقهاء في ضابط العمد والخطأ وشبه العمد وما تحمله العاقلة وما لا تحمله.

الثالث: اعتبار فعل كل من الجانبين في حق نفسه وحق صاحبه أو اعتباره في حق صاحبه فقط.

الرابع: تعدي كل من الطرفين بالنسبة للحادث أو تعدي أحدهما دون الآخر.

الخامس: اعتبار التسبب أو المباشرة منهما أو من أحدهما أو من غيرهما.

السادس: الاختلاف في تحقيق المناط (التطبيق) .

ص: 470

وفيما يلي نقول من بعض كتب الفقهاء في حكم حوادث المواصلات وآلات النقل في زمنهم يتضح منها حكم وسائل النقل في زمننا:

جاء في [تكملة فتح القدير على الهداية](1) : (وإذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) .

وقال زفر والشافعي: يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر، لما روي في ذلك عن علي رضي الله عنه، ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه؛ لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه فيهدر نصفه ويعتبر نصفه، كما إذا كان الاصطدام عمدا أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة، أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهار عليهما يجب على كل واحد منهما النصف فكذا هذا. ولنا أن الموت يضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح وهو المشي في الطريق، فلا يصلح مستندا للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه، وفعل صاحبه وإن كان مباحا لكن الفعل المباح في غيره سبب للضمان؛ كالنائم إذا انقلب على غيره.

وروي عن علي رضي الله عنه أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية، فتعارضت روايتاه فرجحنا بما ذكرنا. وفيما ذكر من المسائل الفعلان محظوران فوضح الفرق. اهـ.

وقال الكاساني (2) : إذا اصطدم فارسان فماتا فدية كل واحد منهما على

(1)[تكملة فتح القدير](8 \ 348) .

(2)

[بدائع الصنائع](7 \ 273) .

ص: 471

عاقلة الآخر في قول أصحابنا الثلاثة رحمهم الله، وعند زفر رحمه الله على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر، وهو قول الشافعي رحمه الله (وجه) قول زفر أن كل واحد منهما مات بفعلين: فعل نفسه وفعل صاحبه، وهو صدمة صاحبه وصدمة نفسه، فيهدر ما حصل بفعل نفسه ويعتبر ما حصل بفعل صاحبه، فيلزم أن يكون على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر، كما لو جرح نفسه وجرحه أجنبي فمات، أن على الأجنبي نصف الدية لما قلنا، كذا هذا.

(ولنا) ما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال مثل مذهبنا، ولأن كل واحد منهما مات من صدم صاحبه إياه فيضمن صاحبه، كمن بنى حائطا في الطريق فصدم رجلا فمات، أن الدية على صاحب الحائط كذا هذا. وبه تبين أن صدمه نفسه مع صدم صاحبه إياه فيه غير معتبر، إذ لو اعتبر لما لزم باني الحائط على الطريق جميع الدية؛ لأن الرجل قد مشى إليه وصدمه، وكذلك حافر البئر يلزمه جميع الدية وإن كان الماشي قد مشى إليها. رجلان مدا حبلا حتى انقطع فسقط كل واحد منهما، فإن سقطا على ظهريهما فماتا فلا ضمان فيه أصلا؛ لأن كل واحد منهما لم يمت من فعل صاحبه، إذ لو مات من فعل صاحبه لخر على وجهه، فلما سقط على قفاه علم أنه سقط بفعل نفسه، وهو مده فقد مات كل واحد منهما من فعل نفسه فلا ضمان على أحد، وإن سقطا على وجهيهما فماتا فدية كل واحد منهما على عاقلة الآخر؛ لأنه لما خر على وجهه علم أنه مات من جذبه، وإن سقط أحدهما على ظهره والآخر على وجهه فماتا جميعا فدية الذي سقط على وجهه على عاقلة الآخر؛ لأنه مات بفعله وهو جذبه، ودية الذي سقط

ص: 472

على ظهره هدر؛ لأنه مات من فعل نفسه ولو قطع قاطع الحبل فسقطا جميعا فماتا فالضمان على القاطع؛ لأنه تسبب في إتلافهما، والإتلاف تسببا يوجب الضمان كحفر البئر ونحو ذلك، صبي في يد أبيه جذبه رجل من يده والأب يمسكه حتى مات فديته على الذي جذبه، ويرثه أبوه، لأن الأب محق في الإمساك، والجاذب متعد في الجذب، فالضمان عليه، ولو تجاذب رجلان صبيا وأحدهما يدعي أنه ابنه والآخر يدعي أنه عبده فمات من جذبهما فعلى الذي يدعي أنه عبده ديته، لأنه متعد في الجذب؛ لأن المتنازعين في الصبي إذا زعم أحدهما أنه أبوه فهو أولى به من الذي يدعي أنه عبده، فكان إمساكه بحق وجذب الآخر بغير حق فيضمن، رجل في يده ثوب تشبث به رجل فجذبه صاحب الثوب من يده، فخرق الثوب ضمن الممسك نصف الخرق؛ لأن حق صاحب الثوب في دفع الممسك وعليه دفعه بغير جذب، فإذا جذب فقد حصل التلف من فعلهما فانقسم الضمان بينهما، رجل عض ذراع رجل فجذب المعضوض ذراعه من فيه، فسقطت أسنان العاض وذهب لحم ذراع هذا تهدر دية الأسنان، ويضمن العاض أرش الذراع؛ لأن العاض متعد في العض والجاذب غير متعد في الجذب: لأن العض ضرر وله أن يدفع الضرر عن نفسه.

رجل جلس إلى جنب رجل فجلس على ثوبه وهو لا يعلم فقام صاحب الثوب فانشق ثوبه من جلوس هذا عليه يضمن الجالس نصف ذلك؛ لأن التلف حصل من الجلوس والجذب والجالس متعد في الجلوس، إذ لم يكن له أن يجلس عليه فكان التلف حاصلا من فعليهما، فينقسم الضمان عليهما، رجل أخذ بيد إنسان فصافحه فجذب يده من يده فانقلب فمات فلا

ص: 473

شيء عليه؛ لأن الآخذ غير متعد في الأخذ للمصافحة، بل هو مقيم سنة وإنما الجاذب هو الذي تعدى على نفسه، حيث جذب يده لا لدفع ضرر لحقه من الآخذ وإن كان أخذ يده ليعصرها فآذاه فجر يده ضمن الآخذ ديته؛ لأنه هو المتعدي، وإنما صاحب اليد دفع الضرر عن نفسه بالجر، وله ذلك فكان الضمان على المتعدي، فإن انكسرت يد الممسك وهو الآخذ بالجذب لم يضمن الجاذب، لأن التعدي من الممسك فكان جانيا على نفسه فلا ضمان على غيره.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

في [المدونة](1) :

(قلت) : أرأيت إذا اصطدم فارسان فقتل كل واحد منهما صاحبه؟

(قال) مالك: عقل كل واحد منهما على قبيل صاحبه، وقيمة كل فرس منهما في مال صاحبه.

(قال) : أرأيت لو أن سفينة صدمت سفينة أخرى فكسرتها فغرق أهلها؟

(قال) : قال مالك: إن كان ذلك من الريح غلبتهم أو من شيء لا يستطيعون حبسها منه فلا شيء عليهم، وإن كانوا لو شاءوا أن يصرفوها صرفوها فهم ضامنون.

وفي [بداية المجتهد] لابن رشد (2) :

اختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما، فقال مالك

(1)[المدونة](4 \ 505) .

(2)

[بداية المجتهد](2 \ 409) .

ص: 474

وأبو حنيفة وجماعة: على كل منهما دية الآخر، وذلك على العاقلة، وقال الشافعي وعثمان البتي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه؛ لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه.

قال أحمد الدردير في [الشرح الكبير لمختصر خليل](1) : وإن تصادما أي: المكلفان أو غيرهما (أو تجاذبا) حبلا أو غيره، كأن جذب كل منهما يد صاحبه فسقطا (مطلقا) ، سواء كانا راكبين أو ماشيين أو مختلفين أو بسفينتين على الراجح (قصدا) ، منهما (فماتا) معا فلا قصاص لفوات محله (أو) مات (أحدهما فقط)(فالقود) جواب للمسألتين، وهو على حذف مضاف، أي: فأحكامه ثابتة بينهما وحكمه في موتهما نفيه وفي موت أحدهما ثبوته، ومن أحكامه أنه إذا كان أحدهما بالغا والآخر صبيا فلا قصاص على الصبي أو كان أحدهما حرا والآخر رقيقا فلا يقتص للرقيق من الحر ويحكم بحكم القود أيضا فيما لو قصد أحدهما التصادم أو التجاذب دون الآخر، وهو داخل في قوله قصدا (وحملا عليه) أي: على القصد عند جهل الحال لا على الخطأ، وإنما يظهر في موت أحدهما فقط للقصاص من الحي (عكس السفينتين) إذا تصادمتا فتلفتا أو إحداهما وجهل الحال، فيحملان على عدم القصد فلا قود ولا ضمان؛ لأن جريهما بالريح وليس من عمل أربابهما، وهذه العلة تدل على أن المراد بعدم القصد هو العجز لا الخطأ وهو كذلك على الراجح، وأما الخطأ ففيه الضمان فظهر أن لقوله: عكس السفينتين فائدة حيث حمل على العجز.

(1)[الشرح الكبير لمختصر خليل](4 \ 247) .

ص: 475

وأما المتصادمان ففي العمد القود كما قال، وفي الخطأ الضمان. ولو سفينتين فيهما ولا شيء في العجز، بل هدر ولو غير سفينتين كما أشار له بقوله (إلا لعجز حقيقي) أي: إلا أن يكون تصادمهما لعجز حقيقي، لا يستطيع كل منهما أن يصرف نفسه أو دابته عن الآخر فلا ضمان، بل هدر، ولا يحملان عند الجهل عليه، بل على العمد كما تقدم، لكن الراجح أن العجز الحقيقي في المتصادمين كالخطأ، فيه ضمان الدية في النفس والقيم في الأموال بخلاف السفينتين فهدر، وحملا عند الجهل عليه؛ لأن جريهما بالريح كما تقدم، (لا لخوف غرق أو ظلمة) . فخرج من قوله: عكس السفينتين، أي: فإنهما يحملان على العجز عند الجهل فلا قود ولا ضمان (إلا لخوف غرق أو ظلمة) فالضمان: أي: لا إن قدروا على الصرف فلم يصرفوا خوفا من غرق أو نهب أو أسر أو وقوع في ظلمة حتى تلفتا أو إحداهما أو ما فيهما من آدمي أو متاع فضمان الأموال في أموالهم، والدية على عواقلهم؛ لأن هذا ليس من العجز الحقيقي لقدرتهم على الصرف، وليس لهم أن يسلموا من الهلاك بهلاك غيرهم، (وإلا) يكن التصادم في غير السفينتين أو فيهما أو التجاذب قصدا، بل خطأ (فدية كل) من الآدميين (على عاقلة الآخر) للخطأ، وقيمة فرسه مثلا، وإنما خص الفرس؛ لأن التصادم غالبا يكون في ركوب الخيل (في مال الآخر) لا على عاقلته؛ لأن العاقلة لا تحمل غير الدية (كثمن العبد) أي: قيمته لا يكون على عاقلة؛ لأنه مال، بل في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد حالة، فإن تصادما فماتا فإن زادت دية الحر على قيمة العبد لم يضمن سيده الزائد، لأنها تعلقت برقبة العبد، ورقبته زالت ولو زادت قيمة العبد على دية الحر أخذ سيده الزائد من

ص: 476

مال الحر حالا. اهـ.

قال محمد بن يوسف العبدري الشهير بالمواق في شرحه [التاج والإكليل لمختصر خليل](1) : (وإن تصادما أو تجاذبا مطلقا قصدا فماتا أو أحدهما فالقود) .

قال مالك: إذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان فدية كل واحد على عاقلة الآخر وقيمة فرس كل واحد في مال الآخر.

قال مالك: ولو أن حرا وعبدا اصطدما فماتا جميعا فقيمة العبد في مال الحر، ودية الحر في رقبة العبد يتقاصان، فإن كان ثمن العبد أكثر من دية الحر كان الزائد لسيد العبد في مال الحر، وإن كانت دية الحر أكثر لم يكن على السيد من ذلك شيء.

وقال في رجلين اصطدما وهما يحملان جرتين فانكسرتا غرم كل واحد ما كان على صاحبه، وإن انكسرت إحداهما غرم ذلك له صاحبه. قال مالك في السفينتين تصطدمان فتغرق إحداهما بما فيها فلا شيء في ذلك على أحد؛ لأن الريح تغلبهم إلا أن يعلم أن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا فيضمنوا وإلا فلا شيء عليهم.

(1)[التاج والإكليل لمختصر خليل](6 \ 243) .

ص: 477

قال ابن القاسم: ولو قدروا على حبسها إلا أن فيها هلاكهم وغرقهم فلم يفعلوا فليضمن عواقلهم دياتهم ويضمنوا الأموال في أموالهم، وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم بغرق غيرهم، وكذلك لو لم يروهم في ظلمة الليل وهم لو رأوهم لقدروا على صرفها فهم ضامنون لما في السفينة ودية من مات على

ص: 477

عواقلهم، ولكن لو غلبتهم الريح أو غفلوا لم يكن عليهم شيء. انتهى. من ابن يونس بن عرفة. قال ابن شاس: وسواء كان المصطدمون راكبين أو ماشين أو بصيرين أو ضريرين أو أحدهما ضريرا وبيده عصا، وإن تعمد الاصطدام فهو عمد محض فيه حكم القصاص، ولو كانا صبيين ركبا بأنفسهما أو أركبهما أولياؤهما فالحكم فيهما كما في البالغين إلا في القصاص، ولو جذبا حبلا فانقطع فتلف فكاصطدامهما، وإن وقع أحدهما على شيء فأتلفه ضمناه.

ابن عرفة يؤيد هذا ما في [المدونة] و [المجموعة] إن اصطدم فرسان فمر أحدهما على صبي فقطع إصبعه ضمناه. انظر هنا في ابن عرفة القصاص. من قتل خارجة ولم يتلفت لإثبات قوله: أردت عمرا وأراد الله خارجة، ومن قتل رجلا عمدا يظنه غيره ممن لو قتله لم يكن فيه قصاص، ومن رمى رجلا بحجر فاتقاها المرمي عليه فقتلت آخر كما لو هرب أمام القاتل فسقط على طفل فقتله كالأربعة الذين تعلق بعضهم ببعض وسقطوا على الأسد فقتلهم (وحملا عليه عكس السفينتين إلا لعجز حقيقي إلا كخوف غرق أو ظلمة) قد تقدم جميع ما نقل ابن يونس عن ابن القاسم في اصطدام السفينتين والراكبين.

وقال ابن الحاجب: لو اصطدم فارسان عمدا فإحكام القصاص وإلا فعلى عاقلة كل واحد دية الآخر، ثم قال: فإن اصطدم سفينتان فلا ضمان بشرط العجز عن الصرف والمعتبر العجز حقيقة لا لخوف غرق أو ظلمة، ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب يوهم أن حكم الفارسين مخالف لحكم السفينتين وليس كذلك؛ لأن الفارسين إذا جمح بهما فرساهما فكان تلف

ص: 478

لم يضمنا إلا أن الفرسين إذا جهل أمرهما حمل على أنهما قادران على إمساكهما وفي السفينتين على العجز.

ابن عرفة قوله: إذا جمح الفرس ولم يقدر راكبه على صرفه أنه لا يضمن يرد بقولها إن جمحت دابة براكبها فوطئت إنسانا فهو ضامن وبقولها إن كان في رأس الفرس اعتزام فحمل بصاحبه فاصطدم فصاحبه ضامن؛ لأن سبب جمحه من راكبه وفعله به إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه (وإلا فدية كل على عاقلة الآخر وفرسه في مال الآخر كثمن العبد) .

وقال أبو إسحاق الشيرازي في [المهذب](1) :

(فصل) : وإن اصطدم فارسان أو راجلان وماتا وجب على كل واحد منهما نصف دية الآخر.

وقال المزني: إن استلقى أحدهما فانكب الآخر على وجهه وجب على المنكب دية المستلقي وهدر دمه؛ لأن الظاهر أن المنكب هو القاتل والمستلقي هو المقتول، وهذا خطأ؛ لأن كل واحد منهما هلك بفعله وفعل صاحبه، فهدر النصف بفعله ووجب النصف بفعل صاحبه، كما لو جرح كل واحد منهما نفسه وجرحه صاحبه.

ووجه قول المزني: لا يصح؛ لأنه يجوز أن يكون المستلقي صدم صدمة شديدة فوقع مستلقيا من شدة صدمته. وإن ركب صبيان أو أركبهما وليهما واصطدما وماتا فهما كالبالغين، وإن أركبهما من لا ولاية له عليهما

(1)[المهذب](2 \ 195) .

ص: 479

فاصطدما ماتا وجب على الذي أركبهما دية كل واحد منهما النصف بسبب ما جنى كل واحد من الصبيين على نفسه والنصف بسبب ما جناه الآخر عليه.

وإن اصطدمت امرأتان حاملان فماتتا ومات جنيناهما كان حكمهما في ضمانهما حكم الرجلين، فأما الحمل فإنه يجب على كل واحدة منهما نصف دية جنينها ونصف دية جنين الأخرى لجنايتهما عليهما.

(فصل) : وإن وقف رجل في ملكه أو في طريق واسع فصدمه رجل فماتا هدر دم الصادم؛ لأنه هالك بفعل هو مفرط فيه فسقط ضمانه، كما لو دخل دار رجل فيها بئر فوقع فيها. وتجب دية المصدوم على عاقلة الصادم؛ لأنه قتله بصدمة هو متعد فيها، وإن وقف في طريق ضيق فصدمه رجل وماتا وجب على عاقلة كل واحد منهما دية الآخر؛ لأن الصادم قتل الواقف بصدمة هو مفرط فيها والمصدوم قتل الصادم بسبب هو مفرط فيه وهو وقوفه في الطريق الضيق. وإن قعد في طريق ضيق فعثر به رجل فماتا كان الحكم فيه كالحكم في الصادم، والمصدوم وقد بيناه.

(فصل) فإن اصطدمت سفينتان وهلكتا وما فيهما "؛ فإن كان بتفريط من القيمين بأن قصرا في آلتهما أو قدرا على ضبطها فلم يضبطا أو سيرا في ريح شديدة لا تسير السفن في مثلها، فإن كانت السفينتان وما فيهما لهما وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه ونصف قيمة ما فيها ويهدر النصف، وإن كانت لغيرهما وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينته ونصف قيمة ما فيها ونصف قيمة سفينة صاحبه، ونصف قيمة ما فيها، لما بيناه في الفارسين، فإن كان في السفن رجال فهلكوا ضمن عاقلة كل واحد

ص: 480

منهما نصف ديات ركاب سفينته وركاب سفينة صاحبه، فإن قصدا الاصطدام وشهد أهل الخبرة أن مثل هذا يوجب التلف وجب على كل واحد منهما القصاص لركاب سفينته وركاب سفينة صاحبه، وإن لم يفرطا ففي الضمان قولان:

أحدهما: يجب كما يجب في اصطدام الفارسين إذا عجزا عن ضبط الفرسين.

والثاني: لا يجب؛ لأنها تلفت من غير تفريط منهما فأشبه إذا تلفت بضاعة، واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال: القولان إذا لم يكن من جهتهما فعل بأن كانت السفن واقفة فجاءت الريح فقلعتها، فأما إذا سيرا ثم جاءت الريح فغلبتهما ثم اصطدما وجب الضمان قولا واحدا؛ لأن ابتداء السير كان منهما فلزمهما الضمان كالفارسين.

وقال أبو إسحاق وأبو سعيد: القولان في الحالين، وفرقوا بينهما وبين الفارسين بأن الفارس يمكنه ضبط الفرس باللجام، والقيم لا يمكنه ضبط السفينة، فإن قلنا: إنه يجب الضمان كان الحكم فيه كالحكم فيه إذا فرط إلا في القصاص، فإنه لا يجب مع عدم التفريط، وإن قلنا: إنه لا يجب الضمان نظرت، فإن كانت السفن وما فيها لهما لم يجب على كل واحد منهما ضمان، وإن كانت السفن مستأجرة والمتاع الذي فيها أمانة كالوديعة ومال المضاربة لم يضمن، لأن الجميع أمانة فلا تضمن مع عدم التفريط، وإن كانت السفن مستأجرة والمتاع الذي فيها يحمله بأجرة لم يجب ضمان السفن؛ لأنها أمانة، وأما المال فهو مال في يد أجير مشترك، فإن كان مع صاحبه لم يضمن، وإن لم يكن معه صاحبه فعلى القولين في الأجير

ص: 481

المشترك وإن كان أحدهما مفرطا والآخر غير مفرط كان الحكم في المفرط ما ذكرناه إذا كانا مفرطين، والحكم في غير المفرط ما ذكرناه إذا كانا غير مفرطين.

وقال الشيخ محمد الشربيني الخطيب في [شرح المنهاج] :

(فصل) فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه، إذا (اصطدما) أي: حران كاملان راكبان أو ماشيان أو راكب وماش طويل، سواء أكانا مقبلين أو مدبرين أم أحدهما مقبلا والآخر مدبرا كما يشعر به إطلاقه، وإن قيد الرافعي بالمدبرين وقيد المصنف الاصطدام بقوله (بلا قصد) كاصطدام أعميين، أو غافلين، أو كانا في ظلمة ليشمل ما إذا غلبتهما الدابتان، وسيأتي محترزه في كلامه، واستفيد تقييد الاصطدام بالحرين من قوله (فعلى عاقلة كل) منهما (نصف دية مخففة) أما كونه نصف دية؛ فلأن كل واحد هلك بفعله وفعل صاحبه فيهدر النصف، كما لو جرحه مع جراحة نفسه، وأما كونها مخففة على العاقلة، فلأنه خطأ محض، ولا فرق في ذلك بين أن يقعا منكبين أو مستلقيين، أو أحدهما منكبا والآخر مستلقيا اتفق المركوبان كفرسين أو لا كفرس وبعير وبغل اتفق سيرهما أو اختلف كأن كان أحدهما يعدو والآخر يمشي على هينته (وإن قصدا) جميعا الاصطدام (فنصفها مغلظة) على عاقلة كل منهما لورثة الآخر، أما كونها نصف دية فلما مر.

وأما كونها مغلظة على العاقلة؛ فلأن القتل حينئذ شبه عمد؛ لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض، ولذلك لا يتعلق به القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر (أو) قصد (أحدهما)

ص: 482

الاصطدام دون الآخر وماتا (فلكل) منهما (حكمه) من التخفيف والتغليظ.

(تنبيه) : محل ذلك ما إذا لم تكن إحدى الدابتين ضعيفة بحيث قطع بأنه لا أثر لحركتها، فإن كانت كذلك لم يتعلق بحركتها حكم كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة نقله في [الروضة]، عن الإمام وأقره: وجزم به ابن عبد السلام، ولا ينافيه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه، سواء أكان أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش، لأنا لا نقطع بأنه لا أثر لحركة الكبش مع حركة الفيل، ومثل ذلك يأتي في الماشيين، كما قاله ابن الرفعة وغيره، والصحيح: أن على كل منهما في تركته (كفارتين) :

إحداهما: لقتل نفسه، والأخرى لقتل صاحبه؛ لاشتراكهما في إهلاك نفسين بناء على أن الكفارة لا تتجزأ وأن قاتل نفسه عليه كفارة، وهو الأظهر.

والثاني: على كل كفارة بناء على أنها تتجزأ (وإن ماتا مع مركوبهما فكذلك الحكم دية وكفارة (و) يزاد على ذلك أن (في تركة كل) منهما (نصف قيمة دابة الآخر) أي: مركوبه؛ لاشتراكهما في الإتلاف مع هدر فعل كل منهما في حق نفسه، وقد يجيء التقاص في ذلك ولا يجيء في الدية إلا أن يكون عاقلة كل منهما ورثته وعدمت الإبل.

(فروع) لو كان مع كل من المصطدمين بيضة، وهي ما تجعل على الرأس فكسرت ففي [البحر]،: أن الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: على كل منهما نصف قيمة بيضة الآخر، ولو تجاذبا حبلا لهما أو لغيرهما فانقطع وسقطا وماتا فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر وهدر الباقي؛ لأن كلا

ص: 483

منهما مات بفعله وفعل الآخر، سواء أسقطا منكبين أم مستلقيين أم أحدهما منكبا والآخر مستلقيا، فإن قطعه غيرهما فماتا فديتهما على عاقلته؛ لأنه القاتل لهما، وان مات أحدهما بإرخاء الآخر الحبل فنصف ديته على عاقلته وهدر الباقي؛ لأنه مات بفعلها، وإن كان الحبل لأحدهما والآخر ظالم فالظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك، ولو كان شخص يمشي فوقع مداسه على مؤخر مداس غيره وتمزق لزمه نصف الضمان؛ لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبه (وصبيان أو مجنونان) أو صبي ومجنون في اصطدامهما (ككاملين) فيما سبق فيهما ومنه التغليظ بناء على أن عمدهما عمد، وهو الأصح إن كانا مميزين، هذا إن ركبا بأنفسهما، وكذا إن أركبهما وليهما لمصلحتهما وكانا ممن يضبط المركوب (وقيل) ونص عليه في [الأم] ، (إن أركبهما الولي تعلق به الضمان) ؛ لما فيه من الخطر وجوازه مشروط بسلامة العاقبة، والأصح المنع كما لو ركبا بأنفسهما.

(تنبيه) : محل الخلاف كما نقلاه عن الإمام وأقراه ما إذا أركبهما لزينة أو لحاجة غير مهمة، فإن أرهقت إلى إركابهما حاجة كنقلهما من مكان إلى مكان فلا ضمان عليه قطعا، قالا: ومحله أيضا عند ظن السلامة فإن أركبهما الولي دابة شرسة جموحا ضمن الولي لتعديه.

قال الأذرعي: ومحله أيضا فيمن يستمسك على الدابة فلو أركبه دابة هادية وهو لا يستمسك عليها تعلق به الضمان.

قال ابن الرفعة: ويستثنى من عدم تضمين الولي ما إذا كانا غير مميزين كابن سنة وسنتين فأركبهما الولي فيجب على عاقلته دية كل منهما.

قال البلقيني: وينبغي أن يضاف إلى ما ذكره الإمام أن لا ينسب الولي

ص: 484

إلى تقصيره في ترك من يكون معهما ممن جرت العادة بإرساله معهما.

قال: والمراد بالولي هنا ولي الحضانة الذكر لا ولي المال، وذلك ظاهر من قول الشافعي رضي الله تعالى عنه، وبسط ذلك.

ثم قال: ولم أر من تعرض له.

وقال الزركشي في [التكملة]،: يشبه أنه من له ولاية التأديب من أب وغيره خاص وغيره.

وقال في [الخادم] ، ظاهر كلامهم والي المال. اهـ.

والأوجه كلام البلقيني (ولو أركبهما أجنبي) بغير إذن الولي ولو لمصلحتهما (ضمنهما ودابتيهما) ؛ لتعديه بإركابهما، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع.

(تنبيه) شمل إطلاقه تضمين الأجنبي ما لو تعمد الصبيان الاصطدام وهو كذلك، وإن قال في [الوسيط] : يحتمل إحالة الهلاك عليهما بناء على أن عمدهما عمد، واستحسنه الشيخان؛ لأن هذه المباشرة ضعيفة فلا يعول عليها كما قاله شيخي، وقوله: ضمنهما ودابتيهما ليس على إطلاقه، بل الضمان الأول على عاقلته، والثاني عليه، وقضية كلام الجمهور: إن ضمان المركب بذلك ثابت، وإن كان الصبيان ممن يضبطان الركوب وهو كذلك وإن كان قضية نص الأم أنهما إن كانا كذلك فهما كما لو ركبا بأنفسهما، وجزم به البلقيني أخذا من النص المشار إليه، وإن وقع الصبي فمات ضمنه المركب، كما قاله الشيخان، وظاهره: أنه لا فرق بين أن يكون إركابه لغرض من فروسية ونحوها أو لا، وهو كذلك في الأجنبي، بخلاف الولي فإنه إذا أركبه لهذا الغرض وكان ممن يستمسك على الدابة

ص: 485

فإنه لا يضمنه، وقول المتولي: لا فرق فيه بين الولي والأجنبي خصه ابن الرفعة في الأجنبي على ما إذا أركب بإذن- معتبر. أو اصطدم (حاملان وأسقطتا) بأن ألقتا جنينيهما وماتتا (فالدية كما سبق) من وجوب نصفها على عاقلة كل منهما وإهدار النصف الآخر، لأن الهلاك منسوب إلى فعلهما (وعلى) أي: ويجب في تركة (كل) من الحاملين (أربع كفارات على الصحيح) بناء على الصحيح: أن الكفارة تجب على قاتل نفسه، وأنها لا تتجزأ؛ فيجب كفارة لنفسها، وثانية: لجنينها، وثالثة: لصاحبتها، ورابعة: لجنينها؛ لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أنفس.

والثاني: تجب كفارتان بناء على عدم الوجوب وعلى التجزي (و) يجب (على عاقلة كل) منهما (نصف غرتي جنينيهما) نصف غرة لجنينها ونصف غرة لجنين الأخرى؛ لأن الحامل إذا جنت على نفسها فألقت جنينا وجبت الغرة على عاقلتها، كما لو جنت على حامل أخرى ولا يهدر من الغرة شيء بخلاف الدية فإنه يجب نصفها ويهدر نصفها كما مر؛ لأن الجنين أجنبي عنهما بخلاف أنفسهما.

(تنبيه) : كلامه قد يوهم وجوب رقيق واحد نصفه لهذا ونصفه لذلك، وعبارة ابن يونس له أن يسلم نصف رقيق عن واحد ونصف رقيق عن الآخر، وعلى هذا فكان الأولى للمنصف أن يقول: نصف غرة لهذه ونصف غرة للأخرى (أو) اصطدم (عبدان) وماتا (فهدر) سواء ماتا معا بهذا الاصطدام أم أحدهما بعد الآخر قبل إمكان بيعه، وسواء اتفقت قيمتهما أم اختلفت؛ لأن جناية العبد تتعلق برقبته وقد فاتت.

(أو) اصطدم سفينتان وغرقتا (فكدابتين) اصطدمتا وماتتا في حكمهما

ص: 486

السابق (والملاحان) فيهما تثنية ملاح، وهو النوتي صاحب السفينة سمي بذلك لإجرائه السفينة على الماء المالح حكمهما (كراكبين) ماتا باصطدام في حكمهما السابق (وإن كانتا) أي: السفينتان وما فيهما (لهما) فيهدر نصف قيمة كل سفينة ونصف بدل ما فيها، فإن ماتا بذلك لزم كلا منهما كفارتان كما سبق ولزم عاقلة كل منهما نصف دية الآخر.

(تنبيه) يستثنى من كون الملاحين كالراكبين ما إذا قصد الملاحان الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مهلكا مغرقا فإنه يجب نصف دية كل منهما في تركة الآخر، بخلاف المصطدمين فإنها على العاقلة، ولو مات أحدهما بما صدر من المتعمد دون الآخر وجب القصاص على الحي بناء على إيجاب القصاص على شريك جارح نفسه ولو كان في السفينة من يقتلان به فعليهما القصاص إذا مات بذلك، فلو تعدد الغرقى قتل بواحد ووجب في مال كل واحد نصف ديات الباقين وضمان الكفارات بعدد من أهلكا، وإن كان الاصطدام لا يعد مهلكا غالبا وقد يهلك فشبه عمد فتجب الدية مغلظة على العاقلة ولو كان الملاحان صبيين وأقامهما الولي أو أجنبي فالظاهر كما قال الزركشي إنه لا يتعلق به ضمان؛ لأن الوضع في السفينة ليس بشرط؛ لأن العمد من الصبيين هنا هو المهلك (فإن) كانت السفينتان لهما (وكان فيهما مال أجنبي لزم كلا) منهما (نصف ضمانه) سواء أكان المال في يد مالكه وهو السفينة أم لا، لتعديهما ويتخير الأجنبي بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين ثم هو يرجع على الآخر. وبين أن يأخذ نصفه منه ونصفه من الآخر، فإن كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتيهما (وإن كانتا لأجنبي) والملاحان فيهما أمينين أو أجيرين للمالك (لزم كلا نصف

ص: 487

قيمتهما) ؛ لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء، ويتخير كل من المالكين بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه ثم يرجع هو بنصفهما على الملاح الآخر. أو يأخذه نصفها منه ونصفهما من الملاح الآخر، فلو كان الملاحان رقيقين تعلق الضمان برقبتيهما.

(تنبيه) : محل هذا التفصيل: إذا كان الاصطدام بفعلهما أو لم يكن، وقصرا في الضبط، أو سيرا في ريح شديدة فإن حصل الاصطدام بغلبة الريح فلا ضمان على الأظهر بخلاف غلبة الدابة فإن الضبط ثم ممكن باللجام ونحوه فالقول قولهما بيمينهما عند التنازع في أنهما غلبا؛ لأن الأصل براءة ذمتهما وإن تعمد أحدهما أو فرط دون الآخر فلكل حكمه وإن كانت إحداهما مربوطة فالضمان على مجري السائرة.

وفي [المغني]، لابن قدامة (1) رحمه الله:

(مسألة) قال: (وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر) .

وجملته: أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين، أو كان أحدهما فرسا والآخر غيره سواء كانا مقبلين أو مدبرين، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق.

وقال مالك والشافعي: على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر؛ لأن التلف حصل بفعلهما، فكان الضمان منقسما عليهما كما لو

(1)[المغني](4\89) .

ص: 488

جرح إنسان نفسه وجرحه غيره فمات منهما، ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها، كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة.

إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا تقاصا وسقطتا، وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى فلصاحبها الزيادة، وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها.

(فصل) : فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق؛ لأنه الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف.

(مسألة) : قال: (وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر قيمة دابة الواقف) نص أحمد على هذا؛ لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه، وإن مات هو أو دابته فهو هدر؛ لأنه أتلف نفسه ودابته، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين؛ لأن التلف حصل من فعلهما، وإن كان الواقف متعديا بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون السائر؛ لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه، كما لو وضع حجرا في الطريق أو جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان.

(مسألة) : قال: (وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) روي هذا عن علي رضي الله عنه والخلاف فيها في الضمان، كما الخلاف فيما إذا اصطدم الفارسان إلا أنه لا تقاص هاهنا في الضمان؛ لأنه على غير من له الحق لكون الضمان على عاقلة كل واحد

ص: 489

منهما. إن اتفق أن يكون الضمان على من له الحق مثل أن تكون العاقلة هي الوارثة أو يكون الضمان على المتصادمين تقاصا، ولا يجب القصاص سواء كان تصادمهما عمدا أو خطأ؛ لأن الصدمة لا تقتل غالبا فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ، ولا فرق بين البصيرين والأعميين والبصير والأعمى، فإن كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها؛ لأنهما اشتركتا في قتله، وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتهما في الجنين، وإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة عتق رقبتين.

وإن أسقطتا معا ولم تمت المرأتان ففي مال كل واحدة ضمان نصف الجنينين بغرة إذا سقطا ميتين وعتق رقبتين، وإن اصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين، وإن اصطدم راكبان فماتا فهو كما لو كانا ماشيين.

(فصل) وإن اصطدم عبدان فماتا هدرت قيمتهما؛ لأن قيمة كل واحد منهما تعلقت برقبة الآخر فسقطت بتلف، وإن مات أحدهما تعلقت قيمته برقبة الحي، فإن هلك قبل استيفاء القيمة سقطت لفوات محلها، وإن تصادم حر وعبد فماتا تعلقت دية الحر برقبة العبد، ثم انتقلت إلى قيمة العبد ووجبت قيمة العبد في تركة الحر، فيتقاصان، فإن كانت دية الحر أكثر من قيمة العبد سقطت الزيادة؛ لأنها لا متعلق لها، وإن كانت قيمة العبد أكثر أخذ الفضل من تركة الجاني وفي مال الحر عتق رقبة ولا شيء كلى العبد؛ لأن تكفيره بالصوم فيفوت بفواته، وإن مات العبد وحده

ص: 490

فقيمته في ذمة الحر؛ لأن العاقلة لا تحمل العبد وإن مات الحر وحده تعلق ديته برقبة العبد وعليه صيام شهرين متتابعين، وإن مات العبد قبل استيفاء الدية سقطت، وإن قتله أجنبي فعليه قيمته ويتحول ما كان متعلقا برقبته إلى قيمته، لأنها بدله وقائمة مقامه وتستوفى ممن وجبت عليه.

(مسألة) : قال: (وإذا وقعت السفينة المنحدرة على الصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة الصاعدة أو أرش ما نقصت إن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها) .

وجملته: أن السفينتين إذا اصطدمتا لم تخلو من حالين: أحدهما: أن تكونا متساويتين كاللتين في بحر أو ماء واقف، أو كانت إحداهما منحدرة والأخرى صاعدة فنبدأ بما إذا كانت إحداهما منحدرة والأخرى صاعدة؛ لأنها مسألة الكتاب، ولا يخلوان من حالين:

أحدهما: أن يكون القيم بها مفرطا بأن يكون قادرا على ضبطها أو ردها عن الأخرى فلم يفعل أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرهما، فعلى المنحدر ضمان الصاعدة؛ لأنها تنحط عليها من علو، فيكون ذلك سببا لغرقها فتنزل المنحدرة بمنزلة السائر والصاعدة بمنزلة الواقف، وإن غرقتا جميعا فلا شيء على المصعد وعلى المنحدر قيمة المصعد أو أرش ما نقصت إن لم تتلف كلها إلا أن يكون التفريط من المصعد بأن يمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط، فيكون الضمان على المصعد؛ لأنه المفرط وإن لم يكن من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يدخل في وسعه ضبطها، ولا يكلف الله

ص: 491

نفسا إلا سعها.

الحال الثاني: أن يكونا متساويتين فإن كان القيمان مفرطين ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر بما فيها من نفس ومال كما قلنا في الفارسين يصطدمان، وإن لم يكونا مفرطين فلا ضمان عليهما، وللشافعي في حال عدم التفريط قولان: أحدهما: عليهما الضمان؛ لأنهما في أيديهما فلزمهما الضمان كما لو اصطدم الفارسان لغلبة الفرسين لهما.

ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب ولا الاحتراز من ذلك فأشبه ما لو نزلت صاعقة أحرقت السفينة ويخالفان الفرسين فإنه ممكن ضبطهما والاحتراز من طردهما وان كان أحدهما مفرطا وحده فعليه الضمان وحده، فإن اختلفا في تفريط القيم فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم التفريط وهو أمين فهو كالمودع وعند الشافعي أنهما إن كانا مفرطين فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه كقوله في اصطدام الفارسين على ما مضى.

(فصل) : فإن كان القيمان مالكين للسفينتين بما فيهما تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله وإن كانا أجيرين ضمنا ولا تقاص هاهنا؛ لأن من يجب به غير من يجب عليه، وإن كان في السفينتين أحرار فهلكوا وكانا قد تعمدا المصادمة وذلك مما يقتل غالبا فعليهما القصاص، وإن كانوا عبيدا فلا ضمان على القيمين إذا كانا حرين وإن لم يتعمدا المصادمة أو كان ذلك مما لا يقتل غالبا وجبت دية الأحرار على عاقلة القيمين وقيمة العبيد في أموالهما وإن كان القيمان عبدين تعلق الضمان برقبتيهما فإن تلفا جميعا

ص: 492

سقط الضمان، وأما مع عدم التفريط فلا ضمان على أحد، وإن كان في السفينتين ودائع ومضاربات لم تضمن؛ لأن الأمين لا يضمن ما لم يوجد منه تفريط أو عدوان وإن كانت السفينتان بأجرة فهما أمانة أيضا لا ضمان فيهما وإن كان فيهما مال يحملانه بأجرة إلى بلد آخر فلا ضمان؛ لأن الهلاك بأمر غير مستطاع.

(فصل) وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة، وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان مفرطا، ولا ضمان عليه إن لم يفرط على ما قدمنا. اهـ.

وذكر أبو الفرج في [شرحه الكبير للمقنع] ، نحو ما تقدم.

وفي [الفروع]، لابن مفلح (1) رحمه الله:

وإن اصطدم راجلان أو راكبان أو ماش وراكب - قال في [الروضة] : بصيران أو ضريران أو أحدهما- فماتا أو دابتاهما ضمن كل واحد متلف الآخر، وقيل: نصفه، وقدم في [الرعاية] : وإن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن وجزم به في [الترغيب] ، وإن اصطدما عمدا ويقتل غالبا فهدر، وإلا شبه عمد، وما تلف للسائر منهما لا يضمنه واقف وقاعد، في المنصوص، وقيل: بلى مع ضيق الطرق، وفي ضمان سائر ما أتلف لواقف وقاعد في طريق ضيق وجهان: وإن اصطدم قنان ماشيان فهدر، لا حر وقن فقيمة قن.

وقيل: نصفها في تركة حر، ودية حر ويتوجه الوجه أو نصفها في تلك

(1)[الفروع](6 \ 6-8) .

ص: 493

القيمة، اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد متلف الآخر وفي [المغني] : إن فرطا، وقاله في [المنتخب] ، وأنه ظاهر كلامه ولا يضمن المصعد منهما، بل المنحدر إن لم يغلبه ريح نص عليه.

وفي [الواضح] وجه لا يضمن منحدر.

وفي [الترغيب] السفينة كدابة والملاح كراكب ويصدق ملاح في إن تلف مال بغلبة ريح، ولو تعمدا الصدم فشريكان في إتلاف كل منهما ومن فيهما، فإن قتل غالبا فالقود إلا شبه عمد ولا يسقط فعل المصادم في حق نفسه مع عمد ولو خرقها عمدا أو شبه عمد أو خطأ عمل على ذلك، وهل يضمن من ألقى عدلا مملوءا بسفينة ما فيها أو نصفه أو بحصته؟ يحتمل أوجها وإن أركب صبيين غير وليهما فاصطدما ضمن.

وفي [الترغيب] : تضمن عاقلته ديتهما وإن ركباها فكبالغين مخطئين وكذا إن أركبهما ولي لمصلحة، قال ابن عقيل: ويثبتان بأنفسهما.

وفي [الترغيب] : إن صلحا للمركوب وأركبهما ما يصلح لركوب مثلهما، وإلا ضمن ويضمن كبير صدم الصغير، وإن مات الكبير ضمنه من أركب الصغير، نقل حرب: إن حمل رجل صبيا على دابة فسقط ضمنه إلا أن يأمره أهله بحمله. اهـ.

ص: 494

وفي [الإنصاف على المقنع](1) :

قوله: (وإن اصطدم نفسان) قال في [الروضة] : بصيران أو ضريران أو أحدهما، قلت: وكذا قال المصنف والشارح: (فماتا فعلى عاقلة كل واحد

(1)[الإنصاف على المقنع](10 \ 35) .

ص: 494

(منهما دية الآخر) هذا المذهب جزم به الخرقي و [المحرر] و [المفتي] ، و [الشرح] والزركشي و [النظم] و [الوجيز] و [المنور] و [منتخب الأدمي] ، وغيرهم وقدمه في [الرعايتين] و [الحاوي الصغير]، و [الفروع] وقيل: يجب على عاقلة كل منهما نصف الدية وهو تخريج لبعضهم.

(تنبيه) ظاهر كلام المصنف أنه سواء كان تصادمهما عمدا أو خطأ وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وقيل: إذا كان عمدا يضمنان دون عاقلتهما، وقال في [الرعاية]،: وهو أظهر (قوله: وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر) ، وهذا المذهب جزم به في [المغني] ، و [الشرح الكبير] ، و [المحرر] ، وغيرهم وقدمه في [الفروع] ، وغيره، وقيل: على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الآخر، وقدم في [الرعايتين] ، إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن، وجزم به في [الترغيب] ، و [الوجيز] و [الحاوي الصغير] .

قوله: (وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف ودابته إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان عليه. وعليه ضمان ما تلف به) ذكر المصنف هنا مسألتين:

إحداهما: ما يتلف السائر إذا كان الآخر واقفا أو قاعدا فقطع بضمان الواقف ودابته على السائر إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان عليه وهو أحد الوجهين وهو المذهب منهما، ونص عليه وجزم به في [المغني] ، و [الشرح] ، و [الوجيز] ، وهو ظاهر ما جزم به في [الرعاية]، و [الحاوي] وقيل: يضمنه السائر سواء كان الواقف في طريق ضيق أو واسع وقدمه في [المحرر] ، و [النظم] ، والزركشي، وهو ظاهر كلام الخرقي

ص: 495

وأطلقهما في [الفروع] .

المسألة الثانية: ما يتلفه الواقف أو القاعد للسائر في الطريق الضيق فجزم المصنف هنا أنه يضمنه وجزم به في [الشرح] ، و [شرح ابن منجا] واختاره المصنف، والصحيح من المذهب: أنه لا يضمن، نص عليه وقدمه في [المحرر] و [النظم] ، و [الرعايتين] ، و [الحاوي الصغير] ، و [الفروع] ، وأما ما يتلف للسائر إذا كان الطريق واسعا فلا ضمان على الواقف والقاعد على الصحيح من المذهب، وقطع به كثير منهم وقدمه في [المحرر] و [النظم] ، و [الرعايتين] و [الحاوي] و [الفروع] وغيرهم، وقيل: يضمنه، ذكره الزركشي وغيره.

تنبيهان: أحدهما: قوله: (فعلى السائر ودابته ضمان الواقف يكون على عاقلة السائر، وضمان دابة الواقف يكون على نفس السائر صرح به الأصحاب فظاهر كلام المصنف غير مراد.

الثاني: قوله: (إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا) قال ابن منجا: لا بد أن يلحظ أن الطريق الضيق غير مملوك للواقف أو القاعد؛ لأنه إذا كان مملوكا لم يكن متعديا بوقوفه فيه، بل السائر هو المتعدي بسلوكه ملك غيره بغير إذنه. انتهى.

قال أبو محمد ابن حزم (1) رحمه الله (2) :

وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتين يصطدمان فروي

(1)[المحلى] لابن حزم، ص (502- 504) طبع منير.

(2)

[المحلى] لابن حزم، (12 \ 283- 286) مكتبة الجمهورية العربية 1391 هـ.

ص: 496

عن الشعبي في السفينتين يصطدمان لا ضمان في شيء من ذلك.

وقال الشافعي: لا يجوز فيه إلا أحد قولين: إما أنه يضمن مدير السفينة نصف ما أصابت سفينته لغيره أو أنه لا يضمن البتة إلا أن يكون قادرا على صرفها بنفسه أو بمن يطيعه فلا يفعل فيضمن، والقول قوله مع يمينه أنه ما قدر على صرفها، وضمان الأموال إذا ضمن في ذمته، وضمان النفوس على عاقلته.

قال أبو محمد: وقال بعض أصحابنا: إذا اصطدمت السفينتان بغير قصد من ركابهما لكن بغلبة أو غفلة فلا ضمان في ذلك أصلا، فإن حملا سفينتهما على التصادم فهلكتا ضمن كل واحد نصف قيمة السفينة الأخرى؛ لأنها هلكت من فعلها ومن فعل ركابها، وأما الفارسان يصطدمان فإن أبا حنيفة ومالكا والأوزاعي والحسن بن حيي قالوا: إن ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر كاملة، وقال عثمان البستي وزفر والشافعي: على كل واحد منهما نصف في دية صاحبه.

وقال بعض أصحابنا: بمثل قول الشافعي في ذلك، وكذلك أوجبوا إن هلكت الدابتان أو إحداهما فنصف قيمتها أيضا، وكذلك لو رموا بالمنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فمات فإن الدية على عواقلهم وتسقط منها حصة المقتول؛ لأنه مات من فعله وفعل غيره، قالوا: فلو صدم أحدهما الآخر فقط فمات المصدوم فديته على عاقلة الصادم إن كان خطأ، وفي مال القاتل إن قتلت في العمد.

قال أبو محمد: والقول في ذلك وبالله تعالى التوفيق أن السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شيء في ذلك؛ لأنه لم يكن من الركبان في ذلك عمل أصلا ولم يكسبوا على أنفسهم شيئا وأموالهم وأموال عواقلهم

ص: 497

محرمة إلا بنص أو إجماع، فإن كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير عارفة بمكان الأخرى لكن في ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية، والأموال مضمونة؛ لأنهم تولوا إفسادها وقال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (1)

وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم؛ لأنه قتل خطأ وإن كانوا تعمدوا فالأموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة والقول في الفارسين أو الرجلين يصطدمان كذلك وكذلك أيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية عليه وعليهم وتؤدي عاقلته وعاقلتهم ديته سواء، برهان ذلك: أنه في الخطأ قاتل نفسه مع من قتلها وقد ذكرنا قبل أن في قاتل نفسه الدية بنص قول الله تعالى في قاتل الخطأ فعم تعالى كل مقتول ولم يخص خطأ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (2)

قال أبو محمد: ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول: أما قولهم في المصطدمين أن الميت مات منهما من فعل نفسه ومن فعل غيره فهو خطأ، والفعل إنما هو مباشرته الفاعل وما يفعله فيه وهو لم يباشره بصدمة غيره في نفسه شيئا ولا يختلفون فيمن دفع ظالما إلى ظالم آخر ليقاتله فقتل أحدهما الآخر أن على القاتل منهما القود أو الدية، كلها إن فات القود ببعض العوارض وهو قد تسبب في موت نفسه بابتداء القتال كما تسبب في موت نفسه بالصدم ولا فرق وهذا تناقض منهم.

قال أبو محمد: وكذلك القول في المتصارعين ولا فرق، وما أباح الله

(1) سورة الشورى الآية 40

(2)

سورة مريم الآية 64

ص: 498

تعالى في اللعب شيئا حظره في الجد، وأما من سقط من علو على إنسان فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه فإن الواقع هو المباشر لإتلاف الموقوع عليه بلا شك وبالمشاهدة؛ لأن الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع عليه إن هلك على عاقلة الواقع إن لم يتعمد الوقوع عليه؛ لأنه قاتل خطأ، فإن تعمد فالقود واقع عليه إن سلم أو الدية، وكذلك الدية في ماله إن مات الموقوع عليه قبله فإن ماتا معا أو مات الواقع قبل فلا شيء في ذلك، لما ذكرنا من أن الدية إنما تجب بموت المقتول المجني عليه لا قبل ذلك، فإذا مات في حياة قاتله فقد وجبت الدية أو القود في مال القاتل وإذا مات مع قاتله أو بعد قاتله فلم يجب له بعد شيء لا قود ولا دية في حياة القاتل فإذا مات فالقاتل غير موجود والمال قد صار للورثة وهذا لا حق له عندهم وليس هكذا قتل الخطأ؛ لأن الدية لا تجب في مال الجاني وإنما تجب على عاقلته، فسواء مات القاتل قبل المقتول أو معه أو بعده لا يسقط بذلك وجوب الدية: إما على العاقلة إن علمت، وإما في كل مال المسلمين، كما جاء في سهم الغارمين، وبالله تعالى التوفيق.

لا شيء لوارث الواقع إن مات في جميع هذه الوجوه لا دية ولا غيرها؛ لأنه لم يجن أحد عليه شيئا وسواء وقع على سكين بيد الموقوع عليه أو على رمح أو غير ذلك لا شيء في ذلك أصلا؛ لأنه إن عمد فهو قاتل نفسه عمدا ولا شيء في ذلك بلا خلاف، وإن كان لم يعمد فلم يباشر في نفسه جناية وإنما هو قتيل حجر أو حديدة أو نحو ذلك وما كان هكذا فلا شيء في ذلك كله.

وبالله تعالى التوفيق.

ص: 499

مما تقدم تتبين أحكام حوادث آلات النقل والمواصلات في نظر فقهاء الإسلام السابقين بالنسبة لما كان مستعملا منها في زمنهم كالسفن والدواب وأحكام حوادث المصارعة والتجاذب وما إليهما مع اختلاف وجهة نظرهم في بعض المسائل ولا يزال الكثير من هذه الآلات والوسائل وأحداثها قائما، وجد إلى جانبها وسائل أخرى للنقل والمواصلات كالسيارات والطيارات والدبابات والدراجات ولا غنى للناس عن استعمالها، بل صارت من ضرورات الحياة، ولذا كثر استعمال الناس لها في تحقيق مصالحهم وقضاء حاجاتهم ونشأ عن ذلك كثير من الحوادث فوجب على علماء هذا العصر أن يتبينوا حكمها على ضوء الأصول الشرعية وما سبق من النظائر التي حكم فيها أئمة الفقه الإسلامي باجتهادهم وذلك بتخريج حوادث الوسائل الجديدة على نظائرها من حوادث الوسائل القديمة، ليعرف الحكم فيها بتحقيق المناط وتطبيق القواعد الشرعية عليها، كما فعل المجتهدون السابقون في بناء الأحكام على أصولها واستنباطها منه وتخريجها على نظائرها، وعلى هذا يمكن أن يقال:

أولا: إن تصادمت سيارتان وكان ذلك من السائقين عمدا فإن ماتا فلا قصاص لفوات المحل وتجب دية كل منهما ودية من هلك معه من النفوس وما تلف معه من السيارة والمتاع في مال صاحبه بناء على عدم اعتبار اعتدائه وفعله في نفسه ومن هلك معه واعتبار ذلك بالنسبة لصاحبه ومن هلك أو تلف معه، أو يجب نصف دية كل منهما ونصف دية من هلك معه ونصف قيمة ما تلف معه في مال صاحبه، بناء على اعتبار اعتدائه وفعله في حق نفسه وحق صاحبه، وإن مات أحدهما دون الآخر اقتص منه لمن مات

ص: 500

بالصدمة، لأنها مما يغلب على الظن القتل به، وإن كان التصادم منهما خطأ وجبت الدية أو نصفها لكل منهما ولمن مات معه على عاقلة صاحبه، وتجب قيمة ما تلف من سيارة كل منهما أو متاعه أو نصفها في مال صاحبه بناء على ما تقدم من الاعتبارين، وإن كان أحدهما عامدا والآخر مخطئا فلكل حكمه على ما تقدم، ومن كان منهما مغلوبا على أمره فلا ضمان عليه إلا إذا كان ذلك بسبب تفريط منه سابق.

ثانيا: إذا صدمت سيارة سائرة سيارة واقفة في ملك صاحبها أو خارج طريق السيارات أو على جانب طريق واسع ضمن سائق السائرة ما تلف في الواقفة من نفس ومال بصدمته، لأنه المتعدي، فإن انحرفت الواقفة فصادف ذلك الصدمة فالضمان بينهما على ما تقدم في تصادم سيارتين، وإن كانت واقفة في طريق ضيق غير مملوك لصاحبها فالضمان على صاحب الواقفة، لتعديه بوقوفه، ويحتمل أن يكون الضمان بينهما لتفريط كل منهما وتعديه.

وإن صدمت سيارة نازلة من عقبة مثلا سيارة صاعدة فالضمان على سائق المنحدرة إلا إذا كان مغلوبا على أمره فلا ضمان عليه أو كان سائق الصاعدة يمكنه العدول عن طريق النازلة فلم يفعل فالضمان بينهما، وإن أدركت سيارة سيارة أمامها فصدمتها ضمن سائق اللاحقة ما تلف من النفوس والأموال في سيارته والسيارة المصدومة؛ لأنه متعد بصدمه لما أمامه والأمامية بمنزلة الواقفة بطريق واسع إلا إذا حصل من سائق الأمامية فعل يعتبر سببا أيضا في الحادث، كأن يوقف سيارته فجأة أو يرجع بها إلى الخلف أو ينحرف بها إلى ممر اللاحقة ليعترض طريقها فالضمان بينهما

ص: 501