المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلاصة عمليات الإيداع - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في حكم اقتطاع جزء من المقبرةلمصلحة عامة كتوسعة طريق ونحوه

- ‌ أقوال أهل العلم في حكم تحويل الميت من قبره إلى آخر لغرض صحيح:

- ‌غلة الأوقاف المنقطعة جهاتهاأو الفائض من غلاتها على مصارفها

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ مذهب الحنابلة:

- ‌الرهن

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌ تعريفه لغة:

- ‌ تعريفه شرعا:

- ‌ المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌ مؤنة الرهن:

- ‌ الانتفاع بالمرهون:

- ‌ نماء الرهن:

- ‌ التصرف في الرهن قبل حلول أجل الدين:

- ‌ استيفاء المرتهن حقه من الرهن:

- ‌ ضمان الرهن إذا هلك بنفسه:

- ‌المذهب الأول: أن الرهن إذا هلك بنفسه فلا يضمنه المرتهن

- ‌المذهب الثاني: أن الرهن إذا هلك بنفسه فهو من ضمان المرتهن

- ‌المذهب الثالث: التفرقة بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه:

- ‌إيجاد مواقف للسياراتتحت المساجد

- ‌بحث في المعاملات المصرفية والتحويلات المصرفية

- ‌عمليات الإيداع

- ‌أولا: الودائع النقدية:

- ‌تعريف الوديعة النقدية:

- ‌مزايا الإيداع النقدي:

- ‌أنواع الودائع النقدية:

- ‌الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع

- ‌حساب الادخار والتوفير:

- ‌الحساب الجاري

- ‌تعريفه ومزاياه:

- ‌أركان الحساب الجاري:

- ‌الفوائد المتعلقة بالحساب الجاري:

- ‌وقف الحساب الجاري:

- ‌تعليل قاعدة عدم التجزئة:

- ‌آثار قاعدة عدم التجزئة:

- ‌قفل الحساب الجاري:

- ‌ أهم خصائص الودائع والحساب الجاري

- ‌ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات:

- ‌ثالثا: إيجار الخزائن الحديدية:

- ‌التكييف القانوني لعقد إيجار الخزانة:

- ‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

- ‌خلاصة عمليات الإيداع

- ‌ عمليات الائتمان

- ‌ الاعتمادات المصرفية

- ‌الأول: الإقراض:

- ‌ ضرورة الاتفاق على القرض، تجاريته، إبرام العقد:

- ‌تكييف الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌حكم الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌الثاني: فتح الاعتماد البسيط:

- ‌ آثار عقد فتح الاعتماد:

- ‌انتهاء العقد:

- ‌ انتقال الاعتماد:

- ‌تكييف عقد فتح الاعتماد البسيط المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الثالث: الضمان:

- ‌تكييف الضمان المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الرابع: الاعتمادات المستندية

- ‌ بيان واقعها

- ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

- ‌ موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الكمبيالة

- ‌خصائص الكمبيالة:

- ‌الوصف الشرعي للكمبيالة:

- ‌الشيك:

- ‌خصائص الشيك:

- ‌الفرق بين الشيك والكمبيالة:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي:

- ‌السند الإذني:

- ‌خصائص السند الإذني:

- ‌الوصف الإسلامي للسند الإذني:

- ‌التحويلات المصرفية والبريدية:

- ‌الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية:

- ‌النتيجة:

- ‌عمليات التظهير:

- ‌آثار التظهير التام:

- ‌آثار التظهير التوكيلي:

- ‌التظهير التأميني:

- ‌آثار التظهير التأميني:

- ‌الوصف الإسلامي للتظهير:

- ‌تحصيل الأوراق التجارية:

- ‌التكييف الفقهي الإسلامي لعمليات التحصيل:

- ‌عمليات الخصم:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي لعمليات الخصم:

- ‌الفوائد الربوية

- ‌أولا: من أقوال بعض المفسرين على قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}

- ‌ثانيا: من أقوال بعض شراح الحديث:

- ‌ثالثا: النقول عن الفقهاء:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌رابعا: أقوال الفقهاء في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌[فتاوى محمد رشيد رضا] :

- ‌الخلاصة

- ‌المواشي السائبةعلى الطرق العامة

- ‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

- ‌الموضوع الثاني:حوادث دهس السيارات وانقلابها، أو سقوط شيء منها على أحدأو قفز أحد ركابها

- ‌الموضوع الثالث:بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة نظام المرور ونحوه

- ‌الموضوع الرابع:توزيع الجزاء على من اشتركوافي وقوع حادث بنسبة اعتدائهم أو خطئهم:

الفصل: ‌خلاصة عمليات الإيداع

الإيجار حيث تكون الحيازة للمستأجر وحده ففي عقد إيجار الخزانة يحوز البنك الخزانة ويحوز العميل ما بداخلها، فلو أن الخزانة ذاتها ملك للعميل لما كان هناك شك في أن العقد يكون وديعة تماما كمن يودع حقيبة مغلقة لدى شخص آخر لا يعلم ما بداخل الحقيبة، فملكية البنك للخزانة هي التي تمنع القول بأن العقد عقد وديعة (1)

(1) انظر كتاب [العقود وعمليات البنوك التجارية] صفحة (269، 270) الطبعة الثانية.

ص: 215

‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

يظهر والله أعلم أن للعقد جانبين، جانب استئجار يبدو في تأجير البنك عميله الخزانة الحديدية بأجرة معينة لمدة محدودة يتمكن فيها من استخدام الخزانة في غرضه الذي استأجرها لأجله، هذا الجانب يمكن اعتباره عقدا مستقلا تثبت له أحكام الإجارة، وجانب إيداع يبدو في التزام البنك بالحفاظ على الخزانة وبذل الأسباب العادية في حمايتها وسلامتها من أي ضرر يلحق بها مما يستطيع دفعه، ونظرا إلى أن البنك مسئول مسئولية ضمان عن هذه الخزينة المستأجرة وحماية محتوياتها من الأسباب الموجبة لهلاكها أو تلفها فيمكن أن تعتبر بيده وديعة مضمونة، ولا يؤثر على اعتبارها وديعة أن البنك يملكها، فإن العميل قد استأجرها منه، فانتفى حقه في الانتفاع بها مدة الإجارة، وأصبح الانتفاع بها من حق العميل وحده فكأنها ملكه، وعليه فيمكن أن يقال بجواز ذلك شرعا.

ص: 215

‌خلاصة عمليات الإيداع

الإيداع: أن يدفع شخص لغيره ما يريد حفظه من نقد أو عين أو وثائق،

ص: 215

أو ما يريد حفظ سريته، أو ينال ربحا من ورائه، أو ما يريد إدارته من الوثائق.

ولعمليات الإيداع أنواع كثيرة، أهمها: إيداع النقود، وإيداع الوثائق والمستندات، والإيداع في خزائن حديدية يستأجرها العميل من المصرف.

وفيما يلي بيان ذلك:

أولا: الودائع النقدية:

وهي ما يسلمه شخص من النقود لمصرف بناء على عقد بينهما يملك به المصرف ما تسلمه، ويتعهد للمودع أن يرد إليه مثله عند طلبه أو عند أجل محدد في العقد دفعة أو دفعات مع فائدة ثابتة أو دون فائدة، وتتخذ أشكالا عدة تبعا لطبيعة إيداعها، فقد تكون تحت الطلب، فللمودع أن يستردها متى شاء، وقد يتفق المصرف معه على فائدة ثابتة إذا كان ذلك في مصلحة المصرف، وقد تكون وديعة لأجل، فليس للمودع أن يستردها قبله، والغالب أن المصرف يعطي فائدة عليها، لأنه يستطيع أن يعتمد عليها في نشاطه، وقد تكون وديعة بشرط الإخطار، فللمودع أن يستردها متى شاء لكن بشرط إشعار المصرف قبل استردادها بمدة ما، ويعطي صاحبها فائدة مثل ما يعطي على الودائع التي تحت الطلب، وقد تكون ودائع مخصصة لغرض تعود مصلحته على المودع كرصد مبلغ لصفقة، أو تعود مصلحته للمصرف، كأن تكون ضمانا لحساب آخر، أو لمصلحة شخص ثالث، ولا يجوز استرداد الوديعة في هاتين الحالتين حتى ينتهي الغرض الذي أودعت من أجله.

ص: 216

وللودائع النقدية مزايا، فإنها تساعد المودع على الادخار، وتحفظ له ماله، ويكسب منها فائدة، وتؤمن للمصرف المبالغ التي تساعده على عمليات الخصم والائتمان اللذين يعودان عليه بالعمولة والفوائد وتكسبه ثقة في نفوس المودعين.

تكييف عقد الإيداع:

اختلف علماء الاقتصاد في تكييف الودائع النقدية، فقيل: تعتبر ودائع عادية (حقيقة) ، ونقد بأن خواص الودائع الحقيقية لا توجد فيها، فإن المصرف يملكها وتثبت في ذمته ويتصرف فيها ويضمنها للمودع ولو هلكت بأمر لا طاقة له برده، وقيل: تعتبر وديعة شاذة ناقصة، ونقد بما تقدم، بأنها محل خلاف فقد أنكرها بعض علماء الاقتصاد. وقيل: إنها قرض، وقيل: إنها من الناحية القانونية عقد يكمن في إرادة الطرفين، ويستقل قاضي الاختصاص بالكشف عنه، فإن كان المصرف مأذونا له في استعمالها فهي قرض تسري فيه أحكام القروض، وإن كان غير مأذون له في استعمالها فهي وديعة حقيقية تسري عليها أحكام الودائع، والذي يعنينا تشخيص عقدها عند علماء الفقه الإسلامي وسيأتي إن شاء الله.

ويستتبع عقد إيداع النقود عقد فتح حساب بين المودع والمصرف من أجل ما يطرأ على الودائع من زيادة ونقص بدفع المودع مبالغ أخرى أو سحبه من ودائعه، وبقيد مبالغ في حسابه من حساب مدينه أو العكس. وبإضافة مبالغ لحسابه قد قبضها المصرف بتفويضه كقيمة أسناد أو تحصيل شيكات أو عائدات أسهم مالية، وتسمى هذه العمليات المتبادلة بين الطرفين: تشغيل الحساب، وتختلف الحسابات المفتوحة باختلاف

ص: 217

غرض الطرفين، فإن كان قصدها من قيد حاصل العملية في حساب تسويتها فورا، واتخاذ الحساب لمجرد إثبات لهذه التسوية أو لإثبات وقوع العملية فهو حساب عادي، وإن كان القصد تحويل العملية إلى مفرد في الحساب وإرجاء تسوية هذا المفرد إلى نهاية الحساب فهو حساب جار. وفيما يلي الكلام على كل منهما:

أ - الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع:

تعتبر كل عملية من عملياته أو دفعة من دفعاته مستقلة عن الأخرى تمكن الدعوى والمطالبة بها وسحبها والحوالة عليها اعتبار كل من الطرفين دائنا أو مدينا قبل نهاية الحساب، ويغلب أن يكون هذا الحساب بين المصارف والمدخرين الذين يحفظون أموالهم في البنك، ويتعاملون بالشيكات التي يسحبونها عليه.

ينهى هذا الحساب بإيقاف عمليات تبادل المدفوعات وتصفيتها، وإخراج الرصيد النهائي لها دينا محددا أو واجب الوفاء، ولإنهائه أسباب، أهمها: انقضاء المدة المتفق عليها، وانتهاء العملية المصرفية التي فتح الحساب من أجلها، وطروء ما يسلب أهلية أحد الطرفين كوفاة العميل أو إفلاسه أو جنونه، أو إفلاس المصرف أو تصفيته، وينهى أيضا بطلب أحد الطرفين في وقت مناسب إذا لم يكن بينهما أجل محدد، وتصبح نتيجة الحساب نهائية بالاتفاق عليها أو بالحكم القضائي، فلا يجوز إعادة النظر فيها إلا لإصلاح خطأ مادي أو خطأ في عملية الحساب، ولا تقبل دعوى ذلك إلا بتحديد المدعي موقع الخطأ وتعزيز دعواه بالأدلة.

ومن أنواع حساب الودائع: حساب الادخار والتوفير: وهو عقد رضائي

ص: 218

يتم باتفاق العميل المدخر مع المصرف، ويثبت بتسليم المدخر دفتر التوفير موقعا عليه بإمضاءين من إمضاءات البنك المعتمدة، ومشتملا على ما يضمن جدية العقد، ويرغب المدخرين، إلا أنه يفترق عن حساب الودائع بأمور، منها: أنه شخصي بحت والدفتر اسمي غير قابل للتحويل، ولا يجوز سحب شيء من المدخر عن طريق الشيك، ولا يجوز لغير صاحب الدفتر أو ورثته أو وكيله السحب ولو أثبت صفته. . إلخ.

ب - الحساب الجاري ومزاياه:

هو عقد بين شخصين على أن ما يسلمه كل منهما للآخر بدفعات مختلفة من نقود وأموال وأسناد تجارية يسجل في حساب واحد لمصلحة الدافع، بحيث تفقد كل دفعة استقلالها بمجرد قيدها فيه، فلا يعتبر أحد الطرفين مدينا ولا دائنا حتى يسوى الحساب ويقفل، فعندئذ إذا ظهر رصيد مدين بشيء وجب الأداء في الحال للطرف الدائن.

وللحساب الجاري مزايا، منها: تسهيل تصفية العمليات بين الطرفين، وتفادي استعمال النقود اكتفاء بمجرد قيدها والمقاصة بينها.

أركانه مع شروطها:

أركانه ثلاثة: الأول: إرادي: وهو اتفاق الطرفين على فتحه صراحة أو ضمنا، ويشترط في كل منهما أن يكون أهلا لصحة التصرفات الصادرة منه، ويرجع عند الخصومة في وجود حساب جار إلى محكمة الاختصاص.

والثاني: مادي: وهو المدفوعات بين الطرفين، ويشترط لقيد أي مدفوع في الحساب الجاري: أن يكون مثليا لتمكن المقاصة، وأن يكون

ص: 219

حقا ثابتا مؤجلا، لا متنازعا فيه ولا معلقا على أمر محتمل الوقوع، وأن يكون معلوم المقدار، وأن يسلمه الدافع للقابض على سبيل التمليك.

والثالث: أن تكون المدفوعات متبادلة متشابكة، متبادلة بمعنى: أن يقوم كل من الطرفين بدور الدافع حينا ودور القابض حينا، ومتشابكة بمعنى أن يتخلل بعضها بعضا.

الفوائد والعمولة في الحساب الجاري:

استقر العرف المصرفي على أن كل مدفوع في الحساب الجاري يوجب فائدة دون اتفاق على ذلك أو إنذار أو مطالبة قضائية بخلاف حساب الودائع، فلا تثبت إلا بالاتفاق عليها، كما جرى العرف المصرفي بأن الأصل سريانها على كل دفعة من وقت قيدها في الحساب، إلا أن الغالب أن يحدد الطرفان موعدا لبدء سريانها بعد تاريخ قيد الدفعة في الحساب، ويسمى هذا الموعد: القيمة.

ولا يكتفي البنك غالبا بما يأخذ من فائدة لمدفوعاته؛ لكونها في نظره غير كافية لتغطية نفقاته لفتح الحساب وتشغيله وتعريضه للمخاطر؛ ولذا استقر العرف المصرفي على أن للبنك الحق أن يتقاضى أجرا عن خدماته يسمى: عمولة، وذلك فيما إذا كان بينه وبين عميله سلسلة عمليات تؤدي إلى عدة قيود في الحساب.

تعليل قاعدة عدم التجزئة في الحساب الجاري وبيان آثارها:

تقدم أن دفعات الحساب الجاري يندمج بعضها في بعض بحيث تفقد كل واحدة منها استقلالها. وقد علل علماء الاقتصاد ذلك بعلل، لم تسلم منها واحدة مع ما يشوبها من خفاء وغموض، إلا أن التقنين التجاري

ص: 220

والعرف المصرفي قد أقرا هذه القاعدة وأوجبا العمل بمقتضاها، فصارت سمة لازمة للحساب الجاري، والذي يعنينا بيان الحكم الشرعي فيها وفيما يتبعها من عمولة وفوائد.

أما آثارها: فأهمها ما يلي:

1 -

لا يجوز رفع دعوى بالمطالبة بدين أدخل في الحساب الجاري حتى يظهر الرصيد النهائي.

2 -

لا يعتبر ما أدخله أحد الطرفين في الحساب وفاء بدين عليه للطرف الآخر حتى يظهر الرصيد النهائي.

3 -

لا يجوز إجراء مقاصة بين دفعاته حتى تتم التصفية ويظهر الرصيد النهائي.

4 -

لا يخضع الدين الذي أدخل في الحساب الجاري لنظام التقادم فلا يسقط به.

قفل الحساب الجاري وأسبابه وآثاره:

قد يرى أحد طرفي الحساب الجاري وقفه فترة من الزمن، لينكشف بذلك الدائن والمدين من طرفيه، وقد يسمى هذا قطع الحساب، ويترتب عليه إمكان ترحيل الفوائد إلى الأصل وتجميدها وتقاضي البنك عمولة، واستخدام صفته كدائن أثناء سير الحساب اعتمادا على نتيجة هذا القطع. وقد يكون وقفه نهائيا بمنع دخول دفعات جديدة، ثم تصفيته واستخلاص الرصيد النهائي من مجموع دفعاته؛ ليتبين الدائن والمدين من طرفيه.

أما أسباب قفله: فإرادية وغير إرادية:

فمن الإرادية:

ص: 221

1 -

اتفاق الطرفين صراحة على إنهائه ولو قبل المدة المحددة بينهما لجريان حسابهما.

2 -

اتفاقهما ضمنا على إنهائه، كتوقف عمليات المدفوعات المتبادلة بينهما، أو فقد الحساب قدرته على تلقي المدفوعات بين الطرفين.

3 -

رغبة أحد الطرفين في قفله عند عدم تحديدهما مدة لجريانه، ولكن يشترط أن يكون ذلك في وقت مناسب وأن يكون متفقا مع العادة المتبعة في المصارف.

وغير الإرادية: إفلاس أحد طرفيه، أو فقده الأهلية، أو وفاته على خلاف فيها إذا استعد الورثة للاستمرار.

وأما آثاره: فوقوع المقاصة بين مفردات الحساب وتصفيته الرصيد، ووجوب الوفاء على المدين من طرفيه فورا ما لم يتفقا على التأجيل أو إدراج الدين في حساب جديد، وجواز الحجر عليه تحت يد المدين به، وعدم إحياء الحساب بعد قفله، لكن لهما أن يفتحا حسابا جديدا.

ص: 222

تكييف عمليات حساب الودائع في الفقه الإسلامي وبيان حكمها.

مما تقدم يتبين: أن ما يسمى بالودائع في حساب الودائع يملكه المصرف، ويضمن مثله لعميله، ويدفع عليه في الغالب فائدة، ويأخذ عمولة في بعض الأحوال.

كما يتبين أن علماء القانون والاقتصاد اختلفوا في تكييف عقد هذه العمليات: فقيل: عقد ودائع حقيقية، وقيل: عقد ودائع شاذة.

وقيل: عقد قرض.

والذي يعنينا هنا تكييفه في الفقه الإسلامي، هل هو نوع من العقود التي

ص: 222

سماه بها علماء الاقتصاد أو عقد بيع؟

فقد يقال: لا يجوز أن يكون وديعة حقيقية ولا شاذة؛ لأن ما دفعه العميل يملكه المصرف ويتصرف فيه ويضمن مثله ويدفع عليه فائدة، وهذه الخواص ليست من سمات الودائع، بل هي على العكس من ذلك.

وقد يقال أيضا: لا يجوز أن يكون عقد قرض؛ لأن أخص خواص القرض قصد الإرفاق المحض والمعروف الخالص ابتغاء الثواب؛ ولذا استثني من عموم النهي عن بيع الربوي بمثله نسيئة، وهذا المعنى ليس متحققا في حساب الودائع.

ويمكن أن يقال: إنه عقد بيع؛ لتضمنه معاوضة نقد أو ما في حكمه بنقد أو ما في حكمه مع قصد الكسب المادي من فائدة ربوية يأخذها العميل بالإيداع، ويتمكن فيها المصرف من الإقراض أو غيره، ومن أجل ذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم بيعا في قوله:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، يدا بيد (1) » . . . . إلى أن قال: «فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد (2) » .

وعلى هذا تكون من العقود المحرمة بالكتاب والسنة والإجماع؛ لما فيها من التفاضل بين ربويين، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (3) الآيات إلى قوله: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (4)

وفسر ذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي نهى فيها عن الربا، وعلى ذلك

(1) صحيح البخاري البيوع (2176، 2177) ، صحيح مسلم المساقاة (1584) ، سنن الترمذي البيوع (1241) ، سنن النسائي البيوع (4565) ، كتاب البيوع (4581) ، مسند أحمد بن حنبل (3/51) .

(2)

صحيح مسلم المساقاة (1587) ، سنن النسائي كتاب البيوع (4563) ، مسند أحمد بن حنبل (5/320) .

(3)

سورة البقرة الآية 275

(4)

سورة البقرة الآية 279

ص: 223

أجمعت الأمة.

ولكن هل يفسد العقد لعدم اشتراط الربا فيه، فيرد للعميل رأس ماله فقط وتلغى الفائدة والعمولة، أو يصح العقد ويبطل الشرط فللعميل رأس ماله فقط؟ ثم هل يجوز الإيداع في المصرف بلا فائدة للحاجة إلى الحفظ، وتيسير المعاملات أو يمتنع - نظرا لما فيه من إعانة المصارف على استعمالها في الربا - أو التمكين من استعمال غيرها بسبب وجودها في المصرف؟

أما عمولة المصرف على القيد في السجلات والإجراءات ونحوها فهي جائزة إن لم تتخذ ستارا يؤكل الربا باسمها.

ومن زعم أن الربا المحرم هو ربا القروض الاستهلاكية؛ لأنه ربا الجاهلية الذي حرمته النصوص، ولأنه هو الذي يتجلى فيه الظلم، لا ربا القروض التي يستعان بها في الإنتاج؛ لما فيها من تيسير الإنتاج وتبادل المصالح وإنماء الثروة والنهوض بالأمة في شتى المرافق - من زعم ذلك فهو واهم، أو ملبس متكلف للباطل؛ وذلك لأمور:

الأول: أن ربا الإنتاج كان موجودا أيضا زمن نزول آيات تحريم الربا كما يدل على ذلك تاريخ واقع الجزيرة أيام الوحي، فإن المسلمين في مكة كانوا تجارا، والمهاجرين بالمدينة كانوا تجارا، واليهود حول المدينة كانوا تجارا، والأنصار بالمدينة كانوا زراعا، وكل من التجارة والزراعة طريق من طرق التنمية والإنتاج، والشأن في ذلك الحاجة إلى الإقراض والاقتراض، وقد نزلت آيات الربا عامة، وفصلتها الأحاديث وأكدت عمومها، فشمل التحريم ربا الإنتاج

ص: 224

والاستهلاك.

الثاني: أنه على تقدير أن قروض الإنتاج لم تكن في عهد النبوة فالشريعة المحمدية عامة لمن كان في عهد النبوة ومن سيجيء إلى يوم القيامة، مبينة لأحكام العبادات والمعاملات في كل عصر من العصور، والله عليم بما كان وما سيكون، فمن حكمته أن بين لهم أحكام ما كان من الأحداث والمعاملات، وما سيكون رحمة بالأمة وإسقاطا للأعذار.

الثالث: أنه ليس كل ما فيه منفعة يكون مباحا أو مشروعا، بل لا بد من ذلك أن ترجح مصلحته على مضرته ويغلب خيره شره حتى يكون مشروعا أو مباحا، فإن الخمر والميسر فيهما منافع للناس وقد حرمهما الله سبحانه، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (1) ولذا حرمهما سبحانه وتعالى، وقد رحم عباده بسعة ما أباحه لهم من المعاملات، فجعل الأصل فيها الإباحة حتى يثبت دليل المنع، وحرم علينا الربا في المعاملات، فكان فيما أحله غنى لنا عما حرمه مما تربو مضرته على منفعته.

الرابع: أن المصارف الربوية من أقوى العوامل في تكدس الثروات في أيد قليلة ليسوا ملاكها، بل هي ودائع بمصارفهم تمكنهم من السيادة الاقتصادية، ثم الكفاح بذلك وبالمكر السيئ إلى الأخذ بمقاليد

(1) سورة البقرة الآية 219

ص: 225

السلطة السياسية وتوجيهها إلى ما يراد من استيلاء وقهر واستعمار وتحكم في العباد ودعاية إلى الشر والفساد والتمكين للقلق والاضطراب في الدول والإمارات.

ويوضح هذا ما نقله الدكتور محمد عبد الله العربي عن كتاب [فرنسا اليهودية أمام الرأي العام] :

قال: إن الذي يلفت النظر في عصرنا ليس هو فقط تكدس الثروات في أيد قليلة، وأحيانا بأساليب فاجرة، بل هو على الأخص تكدس قوة هائلة تتمثل في سيطرة اقتصادية لا ضابط لها ولا قيد، وسيطرة تصول بها فئة قليلة ليسوا هم في الغالب ملاك المال، بل هم مجرد مستودعين له، ولكنهم يديرون ويتصرفون كما لو كانوا ملاكه بالفعل، إنها لقوة هائلة تلك التي يصول بها هؤلاء في سيطرتهم المطلقة على المال وعلى الائتمان، أي: الإقراض الذي يوزعونه بمحض مشيئتهم المطلقة، فكأنهم بذلك إنما يوزعون الدم اللازم لحيوية الجهاز الاقتصادي بكل أوضاعه، فإذا شاءوا حرموه دم الحياة فلا يستطيع أن يتنفس، وإذا شاءوا قدروا مدى انسيابه في جسم هذا الجهاز التقدير الذي يتفق مع مصالحهم الذاتية.

ثم إن تجمع هذه القوة وهذه الموارد المالية في أيديهم يؤدي إلى الاستيلاء على السلطة السياسية في النهاية، وذلك يتحقق في خطوات ثلاث متدرجة مساندة:

الأولى: الكفاح في سبيل إحراز السيادة الاقتصادية، ثم الكفاح في جمع مقاليد السيادة السياسية في أيديهم، ومتى تحققت لهم بادروا إلى استغلال طاقاتها وسلطاتها في تدعيم سيادتهم الاقتصادية، وفي النهاية

ص: 226

ينقلون المعركة إلى المجال الدولي العالمي. اهـ.

ويتبع ذلك مضار تعود على المستهلكين وغيرهم، مثل غلاء الأسعار نتيجة لإضافة المنتج فائدة القرض إلى تكاليف إنتاج السلع، وإذن فالذي يدفع الفائدة إنما هو الشعب المستهلك، ومثل تخفيض أجور العمال أو الاستغناء عن بعضهم إذا اضطر لتخفيض الأسعار، ومن ذلك تنشأ أزمات مختلفة.

ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات: هو عقد يتم بتسليم المودع الوثائق إلى المصرف لحفظها بأعيانها بعد تحرير بيانها بقائمة يراجعها المصرف ويعطيه بذلك إيصالا يثبت حقه، ثم يردها إليه عند طلبها أو الأجل المحدد بينهما، وذلك مقابل أجرة يتفقان عليها، وقد يكون الإيداع اختياريا، وقد يكون اضطراريا بفرض النظام، وقد يستتبع عمليات أخرى يقوم بها المصرف وكيلا عن مودع في تحصيل أرباحها أو بيع محتوياتها مقابل عمولة.

ولعقد ودائع الوثائق التزامات يجب على كل من الطرفين الوفاء بها للآخر.

فيجب على المودع دفع الأجرة المتفق عليها، فإن لم يكن اتفاق فالغالب أن المصرف هو الذي يحددها، ويجب عليه أيضا دفع عمولة على مجرد فتح ملف لوديعته ولو استردها فورا، ودفع عمولات على ما طلبه من إجراءات تتعلق بوثائقه إذا قام بها المصرف.

ويجب على المصرف حفظ ما أودع من وثائق، ولا يجوز له أن يستعملها في أغراض خاصة به، ويلزمه ردها للمودع عند طلبها أو الأجل

ص: 227

المحدد منهما إلا في حالات خاصة كأن يتعلق بها حق له، أو يحجز عليها تحت يده. . . إلخ.

تكييفها في الفقه الإسلامي وحكمه:

لا يختلف تكييف عقد إيداع الوثائق والمستندات في الفقه الإسلامي عنه في نظر علماء الاقتصاد فهو عقد إجارة على حفظ ودائع حقيقية بأجرة معلومة للطرفين، فإذا فوض المودع المصرف في تحصيل أرباح الوثائق أو بيع محتوياتها كان هذا التفويض عقد وكالة يستحق المصرف على القيام بالواجب نحو ذلك عمولة أجرة لعمله، وكلاهما عقد صحيح في نفسه بقطع النظر عما كتب في المحتويات، وعن كيفية ما فوض البنك من البيع والتحصيل.

ثالثا: الإيداع في خزائن حديدية بأجرة: هو عقد يلتزم البنك بمقتضاه أن يضع في العقار الذي يشغله خزانة حديدية تحت تصرف العميل وحده، لينتفع بها مقابل أجرة، ويترتب على عقد إيجار خزائن الودائع واجبات يلزم الوفاء بها.

فيجب على البنك المحافظة على الخزائن مما يؤدي إلى تلفها أو ضياع ما فيها، وأن يمكن المودع من الانتفاع بالخزانة مع تحقيق غرضه في السرية، وأن يتحقق من شخصية عميله قبل الإذن له بدخول صالة الخزائن، وأن يحتفظ بمفتاح آخر ليستعمله عند الضرورة لإنقاذ محتويات الخزانة من حريق وفيضان ونحو ذلك.

ويجب على العميل دفع أجرة الخزانة والاحتفاظ بمفتاحها ورده عند انقضاء العقد، وإبلاغ البنك عن ضياعه إذا فقده، ليحتاط لحفظ الخزانة

ص: 228

أكثر، وأن يحترم لائحة صالة الخزائن ويتقيد بمواعيد الزيارة ولا يضع في الخزانة ما يهدد سلامتها.

تكييف عقد إيجار الخزائن في نظر القانون:

قيل: إنه عقد وديعة حقيقية بناء على أن ما تحتويه الخزانة من ممتلكات العميل في عهدة البنك وحراسته، فتجري عليه أحكام الودائع، وقيل: إنه عقد إجارة، نظرا إلى استئجار العميل الخزانة من البنك لاستخدامها في المحافظة على ممتلكاته وعلى سريتها.

ونوقش كل من القولين: بأنه لا تتوفر فيه خواص الوديعة وحدها ولا خواص الإجارة وحدها من أجل الاشتراك في الحيازة وجولان اليد في الجملة.

تكييفه في الفقه الإسلامي:

يمكن أن يعتبر عقد إجارة بالنسبة لاستئجار العميل الخزانة من البنك لحفظ ما يضعه فيها، ويعتبر عقد وديعة بالنسبة لوضع الخزانة التي ملك منافعها ووضع ما فيها من ممتلكاته تحت يد البنك لحفظها، فهما عقدان: عقد إجارة، وعقد وديعة.

ويمكن أن يقال: إن كلا منهما عقد إجارة، فالأول: إجارة للخزانة، والثاني: إجارة على الحراسة وحفظ ما تحتويه الخزانة.

حكمه في الفقه الإسلامي:

يعتبر الاتفاق على الإيداع في خزائن خاصة عقد إجارة بالنسبة لاستئجارها، وعقد وديعة حقيقية أو عقد إجارة على الحراسة والحفظ، وعلى كل حال هي عقود صحيحة في نفسها بقطع النظر عن أحوال ما

ص: 229