الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرسل محتمل.
ويحتمل أن المراد بقوله: لا ربا النهي عن الربا (1)، كقوله:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2) وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح إلا فيما حظره الأمان، ويمكن حمله بين المسلمين على هيئة التفاضل، وهو محرم بالإجماع فكذا هاهنا (3) .
(1) ممنوع خبر (لا) في الحديث
(2)
سورة البقرة الآية 197
(3)
[المغني](4\ 45، 46) . وقد ذكر ابن حزم كلاما مختصرا في ذلك [المحلى](8\ 514)
5 -
جاء في
[فتاوى المنار] :
أموال أهل الحرب:
من صاحب الإمضاء مدير جريدة الوفاق- بيتبزرغ- جاوا: محمد بن محمد سعيد الفتة.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده. ما قول السيد البار بالمسلمين والرشيد الحريص على أحكام رب العالمين في فتوى بعض العلماء: بحل أموال أهل الحرب فيما عدا السرقة والخيانة ونحوهما مما كان برضاهم وعقودهم، فهل هو حل لنا مهما يكن أصله حتى الربا الصريح؟
أليست هذه الفتوى وأمثالها الضربة القاضية على جميع ما حرمه الله، والتعدي على الحدود، التي لم يستثن منها اضطرارا ولا عذرا لفاعل؟ كالشرك والكفر بغير إكراه والقتل العمد وفي القصاص (كذا) والسرقة والربا
ونحو ذلك، لا كالخمر والميتة والدم ونحوها للمضطر، وتأجيل بعض العبادات لعذر كما بينه الشارع مع بقاء الحرمة والحكم والقضاء والكفارة إلا في الخطأ والنسيان، عدا ما استثناه منهما كما هو الحق المنصوص به في كتاب الله والمؤيد بالتواتر والحق المهيمن بالإجماع والتواطئ.. أفتونا بما أمر الله به أن يوصل.
ج- أصل الشريعة الإسلامية أن أموال أهل الحرب مباحة لمن غلب عليها وأحرزها بأي صفة كان الإحراز، إلا أن الفقهاء خصصوا هذا العموم بما ورد في الشريعة من التشديد في تحريم الخيانة، فقالوا: إن المسلم لا يكون خائنا في حال من الأحوال، فإذا ائتمنه أي إنسان وإن كان حربيا على مال وجب عليه حفظ الأمانة وحرمت عليه الخيانة، فإذا كان الأصل في مال الحربي أنه غنيمة لمن غنمه بالقهر أو بالحيلة أو بكل وسيلة ما عدا الخيانة أفلا يكون حله أولى إذا أخذه المسلم برضاه، ولو بصورة العقود الباطلة في دار الإسلام بين المسلمين والخاضعين لحكمهم من غيرهم؟ إنه لم يظهر له أدنى وجه لقياس حل سائر المحرمات كالكفر والخمر والميتة وهي من المحرمات لذاتها في دار الإسلام ودار الحرب على مال الحربيين المباح في أصل الشريعة، إذ الأصل في القياس أن يلحق الشيء بمثله في علة الحكم لا بضده هذا وإن الربا الذي حرمه الله تعالى في دار الإسلام وكذا في دار الحرب بين المسلمين إن وجدوا فيها هو نوع من أنواع أكل المال المحترم بالباطل، وأخذ المال من صاحبه برضاه واختياره: ليس من أكله بالباطل، والمضطر إلى أخذ المال بالربا لا يعطي الزيادة برضاه واختياره، والشرع لم يجعل له حقا بأخذها فكانت حراما؛ لأنها من قبيل
الغصب على كونها بدون مقابل. ولذلك عللت في نص القرآن بأنها ظلم إذ قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1) وظلم الحربي غير محرم؛ لأنه جزاء على ظلمه، فإنه لا يكون إلا أشد ظلما من المسلم؛ لأنه يخون والمسلم لا يخون، ولأن المسلم يمنعه دينه من أعمال في الحرب ومع أهل الحرب لا يمنع الكافر دينه منها، كقتل غير المقاتلين والتمثيل بالقتلى وغير ذلك، مما هو معروف في الإسلام ونرى غير المسلمين يرتكبونه حتى في البلاد التي جعلوها تحت حكمهم لا المحاربة لهم فقط، والمسلمون يساوون غيرهم ممن يدخل تحت حكمهم بأنفسهم على أن المسلم في دار الإسلام يجوز له أن يقضي دائنه دينه بأفضل مما أخذه منه، إذا كان بمحض اختياره، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم من كان اقترض منه بعيرا بسن فوق سن بعيره، كما في [الصحيحين]، ولو كان ذلك مشروطا لكان ربا. قال أبو هريرة كما في [البخاري] : إن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال:«دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه (2) » فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، فقال:«اشتروه فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء (3) » .
وما رواه الحارث عن علي: «كل قرض جر منفعة فهو ربا» فسنده ضعيف، بل قالوا: إنه ساقط؛ فإن رواية سوار بن مصعب متروك، يروي المنكرات، بل اتهم برواية الموضوعات.
لولا كتاب خاص شرح لنا فيه صديقنا السائل سبب سؤاله لما فهمنا قوله فيه أن تلك الفتوى ضربة قاضية على جميع ما حرمه الله تعالى.
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
صحيح البخاري الوكالة (2306) ، صحيح مسلم المساقاة (1601) .
(3)
صحيح البخاري في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2390) ، صحيح مسلم المساقاة (1601) ، سنن الترمذي البيوع (1316) ، سنن النسائي البيوع (4618) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2423) ، مسند أحمد بن حنبل (2/456) .
فقد كتب إلينا أن بعض المستمسكين بحبل الدين في جاوه قد استنكروا الفتوى المسئول عنها؛ لأنهم فهموا منها أن استحلال الربا في دار الحرب يفضي إلى استحلال سائر المعاصي؛ كالزنا واللواط والقتل وغير ذلك فيها أو مطلقا.
وهذا سوء فهم منهم، فإن الفتوى ليست في استحلال الربا مطلقا كما تقدم. ولا يخفى على أحد منهم أن حرمة سفك الدم بغير حق أشد من حرمة أخذ المال بغير حق، فهل يقيسون إذا إباحة قتل المحارب على إباحة قتل المسالم من مسلم وذمي ومعاهد؟ ولدار الحرب أحكام أخرى تخالف أحكام دار الإسلام منها: عدم إقامة الحدود فيها.
ونقول لهم من جهة أخرى: إذا أقام المسلم في غير دار الإسلام فهل يدعون أن الله تعالى يأمره بأن يدفع إلى أهلها كل ما يوجبه عليه قانون حكومتها من مال الربا وغيره، ولا مندوحة له عن ذلك، ويحرم عليه أن يأخذ منهم ما يعطونه إياه بحكم ذلك القانون من ربا وغيره برضاهم واختيارهم؟ أعني: هل يعتقدون أن الله تعالى يوجب على المسلم أن يكون عليه الغرم من حيث يكون لغيره الغنم، أي: يوجب عليه أن يكون مظلوما مغبونا؟
إن تحريم الربا من الأحكام المعلولة المعنى لا من التعبديات، وما حرم الله تعالى شيئا إلا لضرورة على عباده الخاضعين لشرعه، وقد علل تحريم الربا في نص القرآن بأنه ظلم من حيث إنه استغلال لضرورة الفقير الذي لا يجد قوته أو ضرورته إلا بالاقتراض. والقرآن إنما حرم الربا الذي كان معهودا بين الناس في الجاهلية، وهو الربا المضاعف كما تراه في [تفسير
ابن جرير] وغيره من كتب التفسير المأثور، ومنه قول ابن زيد (زيد أحد علماء الصحابة الأعلام وابنه من رواة التفسير المأثور) : إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن: يكون للرجل على الرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول: تقضيني أو تزيدني، فإذا كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك، إن كانت ابنة مخاض (أي: في السنة الثانية) يجعلها ابنة لبون (أي: في السنة الثالثة) ثم حقة (أي: ابنة السنة الرابعة) ثم جذعة (في الخامسة) ثم رباعيا (وهو ما ألقى رباعيته ويكون في السنة السادسة) ثم هكذا إلى فوق، وفي العين (أي: الذهب والفضة) يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه، اهـ من تفسير آية آل عمران. وضرر هذا عظيم، وهو قسوة تحرمها الآن جميع القوانين، ثم أوجب القرآن على التائب منه أخذ رأس المال فقط.
وذكر ابن حجر المكي في [الزواجر] : أن ربا الجاهلية كان الإنساء فيه بالشهور، وهو الذي يسمى في عرف المحدثين بربا النسيئة، وفيه ورد حديث «لا ربا إلا في النسيئة (1) » رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أسامة بن زيد مرفوعا، ورواه مسلم عن ابن عباس عنه بلفظ:«إنما الربا في النسيئة (2) » ، وما صح من النهي عن ربا الفضل في الحديث فلسد الذريعة، كما نص عليه المحققون.
وإننا قد فصلنا القول في مسألة الربا في التفسير وغيره من قبل، فلا نعود إليها هنا، وإنما غرضنا بيان أن تلك الفتوى ليس فيها خطر على التوحيد ولا
(1) صحيح البخاري البيوع (2179) ، سنن ابن ماجه التجارات (2257) .
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1596) ، سنن النسائي كتاب البيوع (4581) ، سنن ابن ماجه التجارات (2257) ، مسند أحمد بن حنبل (5/200) .