الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدة من الزمن ما يسمونه عمولة ويدخلون فيها الفائدة، فهذا مع أنه عقد ربوي فهو أيضا من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن البنك لم يدفع شيئا مطلقا، وقد قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) الآية. وعلى فرض أن يكون عقد فتح الاعتماد البسيط عقد قرض على اختلاف تعبيراتهم عنه، فهو عقد محرم؛ لأنه قرض جر نفعا، وكل قرض جر نفعا مشروطا فهو محرم، وسيبقى في الكلام على القرض البات ذكر طائفة من كلام أهل العلم في بيان حكم القرض الذي جر نفعا، وما استدلوا به من الكتاب والسنة والأثر، وأرى ترك ذكرها هنا اكتفاء بذكرها هناك.
(1) سورة البقرة الآية 188
الثالث: الضمان:
قد لا يحتاج العميل إلى أن يكون الاعتماد المصرفي على صورة القرض كما سبق بيانه في القسم الأول، ولكنه يكتفي بما يصدره البنك من تعهد له، إذ أنه يحصل به على الثقة من الشخص الذي يريد أن يتعامل معه أو يمنحه الأجل الذي يريده.
وأهم صور ضمان البنك للعميل أمام الغير ثلاث صور: فالبنك قد يقوم بدور الكفيل لعميله أمام دائن هذا العميل طبقا لما يتفقان عليه من الشروط،، وقد يكون ضمان البنك بصفة خطاب الضمان، وقد يكون على صورة ورقة تجارية -كمبيالة- من جانب العميل.
ويتعهد البنك بقبول هذه الكمبيالة تيسيرا لتداولها، فيمكن العميل عندئذ من خصمها بسهولة والحصول على ما يريده من نقود من البنك الذي يقوم بخصمها، فهذه ثلاث صور: الكفالة، وخطابات الضمان،
والاعتماد بالقبول.
وفيما يلي الكلام على كل واحدة منها، وبيان واقعها، ثم بيان حكمها في الفقه الإسلامي:
الصورة الأولى: الكفالة
كثيرا ما تقوم البنوك بدور الكفلاء لعملائها أمام دائنيهم، وذلك على حسب ما تقتضيه طبيعة الكفالة وما يتفق عليه من شروط.
وفيما يلي الكلام عليها من حيث واقعها وحكمها في الفقه الإسلامي:
أما الأول فيشمل الكلام على: تعريفها، والفرق بينها وبين تأمين الضمان، وبيان الضمانات التي يطلبها البنك.
أ- تعريفها:
عرفها الدكتور محمد جمال الدين عوض بقوله: الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص لتنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن أن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه (م 772) ، وتجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدما المبلغ المكفول، كما تجوز الكفالة في الدين الشرطي، على أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة كان له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ (م 778) . (1) .
ب- الفرق بين الكفالة وتأمين الضمان: عند المقارنة بين شيئين قد يكون الاتفاق بينهما تاما، وقد يتشابهان من بعض الوجوه ويختلفان من وجوه أخرى، وقد لا يكون بينهما تشابه مطلقا، وبالمقارنة بين الكفالة
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](351- 1) .
بالمعنى المتقدم وبين تأمين الضمان نجد أنهما يتشابهان من جهة أن عدم وفاء المدين الدين يحرك التزام كل من الكفيل والمؤمن، وهدف كل منهما هو تأمين أو ضمان وفاء الدين، لكن الكفيل يساعد المدين والمؤمن يساعد الدائن، ويفترقان من وجوه أخرى.
وفيما يلي تفصيل ذلك:
قال الدكتور محمد جمال الدين عوض: قد تشتبه الكفالة بالمعنى المتقدم مع عملية أخرى قريبة منها يقوم بها البنك أو شركات التأمين، وهي المسماة بتأمين الضمان.
ووجه الشبه بينهما: أن عدم وفاء المدين الدين يحرك التزام كل من الكفيل والمؤمن، ولكن بين العمليتين فروقا كثيرة، فالهدف من كل منهما هو تأمين أو ضمان وفاء الدين، أو بعبارة أخرى تفادي نتائج التخلف عن وفائه، ولكن الكفيل إذ يتدخل فهو يساعد المدين ويقوي ائتمانه، ويمكنه من الحصول على ما يريد من نقود أو أجل وهو دور البنك، أما في تأمين الضمان فالمؤمن لا يهدف إلى مساعدة المدين، بل الدائن؛ لأنه هو الذي يبرم التأمين ويؤمن نفسه ضد مخاطر تخلف المدين.
أما الفروق بين العمليتين فكثيرة أهمها: أنه في الكفالة يتعهد الكفيل -بعلم المدين أو بغير علمه- أن يدفع الدين إذا لم يدفعه المدين. وهذا التعهد قد يكون بطلب من المدين دون اقتراح الدائن أو بناء على اشتراطه تقديم كفيل، ويكون تعهد الكفيل بالوفاء الدائن أيا كان سبب عدم وفاء المدين، أي: ولو لم يكن معسرا، وأمام الدائن طريقان: إما أن يطلب إلى المدين أن يقدم له كفيلا، وإما أن يلجأ هو إلى التأمين لصالح نفسه من خطر تخلف
المدين عن الوفاء، بخلاف المدين فهو لا يستطيع التأمين لصالح نفسه من خطر عدم الوفاء؛ لأن هذا التخلف من جانبه لا يصلح أن يكون محلا للتأمين بوصفه فعلا إراديا من جانبه، وإنما له أن يبرم تأمينا لصالح نفسه من خطر إعساره.
والكفيل يتدخل لضمان عملية هو غريب عنها وتتم دون تدخله، كما أنه لا يعتبر مؤمنا لا للدائن ولا للمدين، وتعهده غير مشروط بإعسار المدين ولا يقبض قسطا يحسب على أساس القسط الذي يتقاضاه المؤمن، بل يتقاضى من المدين ثمن الخدمة التي يقدمها له بتدخله.
كما أن الكفالة في جوهرها عقد ملزم لجانب واحد هو الكفيل، وهو عقد تابع، أما التأمين فهو ملزم للجانبين ويقوم استقلالا؛ لأن التزام المؤمن مستقل عن التزام المدين الذي يعطي التأمين إعساره، وسببه هو اقتضاء القسط، وموضوعه ليس تنفيذ التزام المدين، بل تعويض الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ هذا الالتزام (1) .
ج- الضمانات التي يطلبها البنك:
التعامل بين البنك والعميل الذي يريد أن يجعل البنك كفيلا عنه أمام الغير في مبلغ ما- مثلا- قد يكون مبنيا على ثقة متبادلة بينهما فلا يحتاج البنك إلى ضمانات يقدمها العميل، وقد يكون العميل غير معروف لدى البنك أو أن البنك يعرفه، ولكنه لا يثق به إلا مطلق ثقة أو لا يثق به مطلقا، فتختلف حال البنك في طلب الضمان، فقد لا يطلب شيئا أصلا، وقد
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](351، 352) .
يطلب نقدا، وقد يطلب رهنا من الدرجة الأولى أو رهنا حيازيا أو ضمانا شخصيا، وفيما يلي تفصيل ذلك:
قال الدكتور محمد جمال الدين عوض: الضمانات التي يطلبها البنك قد تكون ضمانا نقديا يقدمه العميل إلى البنك، وقد تكون رهنا من الدرجة الأولى على مال يملكه، ولا يمكنه هو أن يقدمه إلى دائنه الذي يشترط كفالة مصرفية أو رهنا حيازيا على مستندات تكون في حيازة البنك، أو يقدمها العميل للبنك على سبيل الرهن، أو ضمانا شخصيا من مدير المؤسسة أو الشركة في صورة توقيع منه على ورقة تجارية، تتعهد بها المؤسسة أو الشركة طالبة الكفالة، ويلاحظ أن هذا الضمان
الأخير يعتمد على شخصية المدير. (1) .
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية] ، ص (353) .
الصورة الثانية: خطاب الضمان خطاب الضمان صورة من صور إقراض التوقيع على أمل أن البنك يسلم المبلغ الذي ضمنه لعميله عندما تدعو الحاجة إليه على حسب ما يتفقان عليه من الشروط، ويشمل الكلام على واقعه وحكمه في الفقه الإسلامي.
أما الكلام على واقعه: ففي بيان تعريفه، وأهميته، وأنواعه، وطبيعته ومدى التزام البنك، وشروطه، وغطائه، والعلاقات الناشئة بين أطراف الخطاب، وانقضاء التزام البنك، وما يأخذه البنك مقابل تقديمه خطاب الضمان.
وفيما يلي تفصيل ذلك:
أ- تعريفه:
قال الدكتور علي البارودي: هو أن يكفل البنك عميله في مواجهة الغير بخطاب يرسله إليه أو بعقد مستقل، أو بأن يوقع كضامن احتياطي له في ورقة تجارية أو بأي طريقة أخرى تتناسب مع العملية التي يضمنها البنك ويتقاضى عمولة في مقابل هذا الضمان (1) .
وعرفه حسن محمد كمال بقوله: خطابات الضمان المصرفية عبارة عن صكوك تصدرها البنوك بناء على طلب عملائها، وتتعهد فيها بأن تدفع إلى طرف ثالث يسمى المستفيد (على علاقة عمل مع العميل) مبلغا لا يتجاوز حدا معينا في حالة توافر شروط معينة (2) .
ب- أهميته:
قال الدكتور حسن محمد كمال: إن الهيئات والمؤسسات العامة تتطلب ممن يرغب في الاشتراك فيما تطرحه من مناقصات ومزايدات تقديم مبلغ معين أو نسبة معينة من قيمة العمليات كضمان لجدية العطاءات التي يتقدمون بها، وهناك حالات أخرى تتطلب تقديم ضمان كما يحصل في حالات إرسال المنسوجات إلى الخارج بطبعها وإعادتها إلى البلاد، وحالة اصطحاب المسافر إلى الخارج لمجوهراته، وحالة إرسال الآلات إلى الخارج لإصلاحها وإعادتها، ففي مثل هذه الحالات تتطلب مصلحة الجمارك إيداع ضمان مالي لديها لضمان استعادة ما سبق تصديره، ولما
(1)[العقود وعمليات البنوك التجارية](393- 1) .
(2)
[البنوك التجارية](221- 1) .
كان إيداع الضمان المالي يؤدي إلى حرمان المودع مدة طويلة من جزء كبير من رأس ماله إلى جانب ما يلاقيه من صعوبات لاسترداده؛ لذلك يفضل رجال الأعمال الالتجاء إلى البنوك ليحصلوا منها على خطابات ضمان يقدمونها إلى الجهات المختصة بدلا من الضمان المالي.
وفي حالة الاشتراك في المناقصات الدولية تقوم خطابات الضمان بدورها، إذ أنها توفر على مقدم الضمان القيام بإجراءات تحويل العملة واستردادها وتحميه مما قد يتعرض له من خسائر؛ نتيجة لاحتمال هبوط أسعار العملة عند استرداد الضمان (1) .
(1)[البنوك التجارية](221) ، ويرجع إلى [عمليات البنوك من الوجهة القانونية](357- 359- 1) .
ج- أنواع خطابات الضمان:
تتنوع خطابات الضمان إلى ابتدائية ونهائية، وخطابات ضمان عن دفعات مقدمة، وخطابات ضمان أخرى، وفيما يلي بيان ذلك:
قال الدكتور حسن محمد كمال: تختلف خطابات الضمان باختلاف القرض الذي تعد من أجله، وفيما يلي أهم أنواع خطابات الضمان الشائعة الاستخدام:
(أ) خطابات ضمان ابتدائية:
وهي عبارة عن خطابات الضمان التي تقدم إلى الجهات أو الهيئات الحكومية كتأمينات مؤقتة أو ابتدائية بواقع 1% من مجموع قيمة العطاء في مقاولات الأعمال، 2% بالنسبة للعطاءات الأخرى، والغرض الرئيسي لهذا النوع من خطابات الضمان هو التثبت من كفاية المركز المالي لمقدم العطاء
وضمان جديته.
(ب) خطابات ضمان نهائية:
ويقدم هذا النوع من الخطابات بعد أن يتم اختيار الجهة أو الهيئة الحكومية لأفضل المناقصين للقيام بتنفيذ العملية أو المقاولة، وذلك كتأمين نهائي لضمان تنفيذ العقد المبرم، وتصدر البنوك هذا النوع بما يعادل 5% من مجموع قيمة العطاء في مقاولات الأعمال و 10% فيما عدا ذلك.
(ج) خطابات ضمان عن دفعات مقدمة:
ويقدم هذا النوع في خطابات الضمان في حالة الدفعات المقدمة التي يحصل عليها الموردون أو المقاولون من قيمة أوامر التوريد التي تصدر إليهم أو عقود المقاولات التي تبرم معهم، بحيث لا تصرف هذه الدفعات إلا مقابل خطابات ضمان عنها.
(د) خطابات ضمان أخرى:
وإلى جانب ما تقدم، تصدر البنوك أنواعا أخرى من خطابات الضمان منها: خطابات ضمان ملاحية، ويقدمها المستوردون لربان السفن عن البضائع التي لم ترد بعد مستندات الشحن الخاصة بها؛ لإمكان استلام هذه البضائع، خطابات ضمان يقدمها الأفراد المسافرون للخارج إلى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية لضمان نفقات العودة من الخارج، خطابات ضمان يقدمها الأفراد إلى مصلحة الجمارك عن خروج الأشياء الثمينة لضمان إعادتها مرة أخرى إلى البلاد (1) .
(1)[البنوك التجارية](222) وما بعدها.
د- طبيعة ومدى التزام البنك:
إن خطاب الضمان الذي يقدمه البنك يقوم مقام النقود تماما، وفيما يلي تفصيل ذلك:
قال الدكتور محمد جمال الدين عوض: لتحديد طبيعة ومدى التزام البنك يجب أن نشير إلى الوظيفة الاقتصادية المطلوبة من تدخله، فهو من هذه الناحية لا يضمن العميل في تنفيذ التزامه قبل الغير كما هو شأن الكفيل العادي، بل إن كفالة البنك هنا لها معنى أبعد ووظيفة أهم تبدو في أن خطاب الضمان يحل محل النقود تماما، والذي يطلب إلى من يتعاقد معه تقديم كفالة مصرفية يطلب أولا أن يعطيه تأمينا نقديا، ولا يقبل بدلا منه إلا كفالة مصرفية، وقد رأينا مثالا لذلك في لائحة المناقصات والمزايدات، فهي تشترط على المتعاقد معها إيداع تأمين نقدي أو كفالة مصرفية، فكأن من يطلب خطاب ضمان مصرفي إنما يريد أن يطمئن كما لو كانت لديه كفالة نقدية، ولذلك يجب أن تتوفر في التزام البنك على هذا النحو العناصر التي تمكن من أداء هذه الوظيفة، وهي حلول الخطاب محل النقود تماما كما يحل الشيك أو الورقة التجارية محل النقود والوفاء.
وهذه الوظيفة الملحوظة في خطاب الضمان بصورته الغالبة هي ما استقر عليه العمل كما يستخلص من العرف المصرفي ومما ورد في أحكام القضاء (1) .
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](366، 367- 1) .
هـ- شروط خطابات الضمان:
للضمان شروط من جهة تحديد المبلغ الذي يضمنه البنك ومقدار مدة الضمان، وأن قيمة خطاب الضمان لا تتعدى الحد المصرح به للبنك.
وفيما يلي بيان ذلك:
قال الدكتور محمد جمال الدين عوض:
1 -
مبلغ الضمان: الأصل أن يحدد ضمان البنك بمبلغ معين:
ومع ذلك فمن المتصور أن يصدر الخطاب بغير تحديد مبلغ، بل يتعهد فيه البنك أن يضمن عميله في كل ما يسببه تصرفه من ضرر للغير، أي: المستفيد، وتتبع هذه الصورة على الخصوص في كفالة المرسل إليه الذي يسحب بضاعة من الجمرك قبل أن تصله سندات الشحن، فيشترط عليه الجمرك تقديم كفالة من البنك تضمن له كل ما قد يتحمله الجمرك بسبب تسليمه البضاعة، وتعهد البنك على هذا النحو صحيح؛ لأن محله وإن لم يكن محددا فهو قابل للتحديد، ولا يدفع البنك إلا الضرر الذي يثبت المستفيد وهو الجمرك أنه أصابه بسبب الواقعة التي ضمن البنك نتائجها.
2 -
مدة الضمان: الأصل أن يصدر الخطاب لمدة محددة يحرص على تأكيدها باعتبارها مدة سريان الخطاب، وعلى اشتراط وصول المطالبة قبل تاريخ معين، وبيان أن ضمان البنك يسقط تلقائيا إذا لم تصل البنك مطالبة حتى التاريخ المحدد.
وإذا لم تحدد مدة اعتبر الضمان -كقاعدة- غير محددة المدة، فيجوز للبنك -وهو الملتزم- أن ينهيه في أي وقت بشرط إخطار العميل
قبله بوقت مناسب.. ومع ذلك إذا كانت العملية المضمونة مذكورة في الخطاب امتد الضمان إلى وقت انتهائها، وظل قائما مادامت قائمة متى كان هذا المعنى مفهوما من الخطاب، ويبدو ذلك -مثلا- إذا قدم الخطاب لضمان حسن سلوك شخص أجنبي دخل البلاد بضمان البنك، فيظل الضمان قائما ما دامت العملية قائمة أو ما دام الأجنبي حيا مقيما في المصر، ومعنى سريان الضمان خلال مدة معينة أو دون تحديد مدة أن البنك يلزم بالدفع فورا إذا طولب بالوفاء خلالها.
ويعتبر الموعد المذكور في الخطاب حدا أقصى لنفاذه بحيث يسقط التزام البنك بحلوله حتما وبلا حاجة إلى إخطار منه إلى المستفيد ولا اتخاذ إجراء آخر، ويحرص الخطاب عادة على بيان التزامه بالدفع إذا وصلته المطالبة في الميعاد، فلا يلزم إذا لم تسلم له في المدة ولو أرسلت إليه خلالها، ويترتب على ذلك أن المستفيد هو الذي يتحمل نتائج تأخير البريد، وعليه إذن أن يكون حريصا فلا ينتظر إلى آخر لحظة.
وهذا الحل يفرضه أن عميل البنك يسترد غطاء الخطاب من البنك في اليوم التالي فورا؛ لانتهاء الضمان، ومن العدل إبراء البنك من التزامه من هذه اللحظة؛ لأنه فقد ضمانه ضد العميل، فضلا على عدم إمكان القول بإلزامه بانتظار المطالبات التي لم تصل في آخر يوم، ولكنها قد تكون في طريقها إليه (1) .
(1)[عمليات المصارف من الوجهة القانونية] للدكتور محمد جمال الدين عوض (362- 364- 1) .
3 -
الإقرار: قال عبد العزيز عامر: يجب النص في خطابات الضمان النهائية على أن قيمة خطاب الضمان لا تتعدى الحد المصرح به للبنك من وزارة الاقتصاد والتجارة، وذلك على صيغة إقرار من البنك، ويجوز للجهة المستفيدة رفض الخطاب إذا لم يحمل هذا الإقرار (1) .
(1)[البنوك والائتمان]- عبد العزيز عامر (175) .
والغطاء: يختلف الغطاء في الحالة التي يطلب فيها البنك غطاء من العميل يبقيه لديه: فقد يكون نقدا، وقد يكون أوراقا مالية، وقد يكون ما يطلبه يساوي القيمة التي تعهد بها ليدفعها بمقتضى خطاب الضمان، وقد تكون أقل من ذلك، وقد لا يطلب من العميل غطاء أصلا إذا كان الذي طلب خطاب الضمان من البنك أهلا لذلك بموجب اعتبارات يعلمها البنك.
وفيما يلي بيان أنواع الغطاء:
قال الدكتور حسن محمد كمال: غطاء خطابات الضمان يتخذ صورا منها:
أ- نقدية: وذلك بأن يقدم العميل مبلغا نقديا إلى البنك (غطاء) يعادل قيمة الضمان أو جزءا من القيمة، أو بأن يحجز البنك القيمة أو نسبة منها من الحساب الجاري للعميل، إذا كان من عملاء البنك، وترحل المبالغ المحجوزة إلى حساب خاص يسمى: احتياطي خطابات الضمان.
ب- أوراق مالية: وذلك بأن يقدم العميل أوراقا مالية مملوكة له، وتكون
قيمتهما التسليفية معادلة على الأقل لقيمة الضمان المطلوب أو أن يحجز البنك على هذه الأوراق إذا كانت مودعة لديه بصفة أمانة بناء على طلب العميل، بمعنى أن يمنعها من التداول طوال الفترة المحددة للضمان.
ج- مكشوفة: يقصد بخطابات الضمان المكشوفة، الخطابات التي يصدرها البنك بدون غطاء، وهذا الإجراء نادر، وتقتصر هذه الحالة عادة على العملاء في البنوك الكبرى، وعملاء البنك من الشركات الكبرى والأفراد ذوي المركز المالي المتين (1) .
(1)[البنوك التجارية](224) ، ويرجع إلى كتاب [عمليات البنوك من الوجهة القانونية](273، 274- 1) .
ز- العلاقات الناشئة بين أطراف الخطاب: تنشأ علاقات ثلاث بين أطراف الخطاب كل واحدة منها متميزة عن الأخرى، وهي علاقة البنك بعميله، وعلاقة العميل بصاحب المشروع أو المتعامل معه وعلاقة البنك بالمستفيد وترتيبا على ذلك، ولا بد من التفرقة بين هذه العلاقات وبيان أن ضمان البنك لصالح المستفيد لا يعتبر عقدا بينه وبين المستفيد، وأن البنك يلتزم للمستفيد بصفته أصيلا، وأنه لا يجوز تداول خطاب الضمان، وأن البنك يدفع للمستفيد وليس لحامل الخطاب، والحكم في حالة ما إذا فقد الخطاب، وأن البنك لا يضمن تنفيذ التزام العميل قانونا، وأن ضمان البنك مرتبط اقتصاديا بالتزام العميل، وأن البنك ليس كفيلا والتزامه ليس تضامنيا.
وبيان النتائج المترتبة على استقلال التزام البنك الثابت في خطاب الضمان عن دين العميل قبل المستفيد، وأن البنك يرجع على العميل.
وفيما يلي بيان ذلك مختصرا من كلام الدكتور محمد جمال الدين عوض: قال: تمكين نظام خطاب الضمان بصورته الغالبة من أداء هذه الوظيفة المقصودة منه يقتضي التفرقة بين علاقة البنك بعميله، ويحكمها عقد الاعتماد بالكفالة أو الضمان، وعلاقة العميل بصاحب المشروع أو المتعامل معه أيا كان، ويحكمها عقد التوريد أو المقاولة. وعلاقة البنك بصاحب المشروع وهو المستفيد الذي صدر لصالحه خطاب الضمان، ويحكمها خطاب الضمان وحده، فإذا كان متفقا على إصدار خطاب بشروط معينة وصدر الخطاب بشروط أخرى كان الأساس في إلزام البنك هي الشروط التي صدر بها لا الشروط المتفق عليها بين العميل والمستفيد أو بين العميل والبنك.
فضمان البنك لصالح المستفيد لا يعتبر عقدا بينه وبين المستفيد؛ لأن الخطاب يصدر تنفيذا للعقد بين الآمر والبنك، وليس تنفيذا لعقد بين البنك والمستفيد من الخطاب، فلا يشترط لإلزام البنك أن يقبل المستفيد الخطاب، بل يلتزم البنك نهائيا بمجرد إصداره الخطاب ووصوله إلى علم المستفيد منه ما دام لم يرفضه، صحيح أن المستفيد في مطالبته البنك يلتزم الشروط الواردة بالخطاب، ولكن ليس لأنه طرف في عقد بينه وبين البنك، بل لأن هذه هي حدود التزام البنك المبينة في خطاب التزام البنك للمستفيد، فالبنك يلتزم بمجرد إصداره الخطاب، ولا يلتزم إذا لم يصدره ولو اتفق مع العميل على أن يضمنه قبل المستفيد؛ لأن هذا الاتفاق يظل
مقصورا على طرفيه دون أن يكون للمستفيد أن يتمسك به، ولكن يجب لالتزام البنك بالخطاب أن يصل إلى علم المستفيد، وإلا فللبنك حق الرجوع في إرادته قبل وصول الخطاب إلى علم المستفيد.
ولا يعتبر البنك -في التزامه بخطاب الضمان- نائبا عن عميله، بل هو يلتزم بصفته أصيلا؛ لأن النيابة لا تقوم في الضمان، بل يكون العميل والبنك ملتزمين قبل المستفيد، ولكن دين كل منهما مستقل عن دين الآخر.
والبنك إذ يصدر خطاب الضمان يتعهد بالوفاء لشخص معين هو المتعاقد مع عميل البنك، الذي صدر الخطاب بناء على طلبه، وهو ما يحرص الخطاب على إيضاحه بالنص على أن البنك يتعهد بالدفع إلى شخص آخر أو جهة معينة.
ويترتب على أن الخطاب شخصي أنه لا يجوز للمستفيد تظهيره إلى غيره خاصة، ولا يتضمن شرط الإذن، ولا يعتبر لذلك ورقة تجارية، ولا يجوز له أن يتنازل عنه لأي شخص آخر بأي طريقة -حتى ولا بالتبعية- لتنازله عن عقد المقاولة الأصلي؛ لأن شخصية المستفيد من الخطاب وأمانته محل اعتبار لدى عميل البنك.
ولا يجوز أن يدفع البنك قيمة خطاب الضمان إلا لشخص المستفيد أو وكيله.
وإذا فقد وجب على البنك أن يعطي المستفيد بدل فاقد أو يدفع له، وليس له أن يرفض بحجة عدم تقديم الخطاب مادامت شروط الدفع متوافرة، وبالعكس عليه أن يمتنع عن الدفع إذا لم يكن المطالب هو المستفيد ولو كان حاملا لخطاب الضمان، وللمستفيد وحده حق طلب
تنفيذ الخطاب، ولا يجوز لدائنيه أن يحجزوا على قيمته تحت يد البنك؛ لأن المطالبة بتنفيذه حق شخصي تقديري له، لا يجوز لدائنيه أن يستعملوه بدلا عنه أو يجبروه على استعماله.
ولا يضمن البنك حسن تنفيذ العميل؛ لالتزامه أمام دائنيه، بل هو يطلق تعهدا يمكن القول أنه تعهد مجرد عن ظروف التزام العميل أمام المستفيد، فهو يلتزم بدفع المبلغ المحدد في الخطاب أيا كان مقدار مديونية العميل ولو كان هذا المقدار أكبر أو أقل مما تعهد به البنك للمستفيد، وهو تعهد منقطع الصلة بكيفية تنفيذ العميل المدين التزامه، فلا يعتبر ما تعهد البنك بدفعه تعويضا للدائن المستفيد من عدم تنفيذ العميل التزامه أو إساءة هذا التنفيذ.
ويرتبط خطاب الضمان بالتزام العميل اقتصاديا، فهو يصدر خدمة لعلاقة العميل بدائنه، إذ يستهدف به العميل الحصول على ثقة هذا الدائن الذي لا يرضى بأي ضمان آخر سوى هذه الصورة من صور الضمان، ومع ذلك فالبنك ليس كفيلا والتزامه ليس تضامنيا.
ومما يترتب على نتائج استقلال البنك عن دين العميل قبل المستفيد أنه لا حاجة بالبنك إلى إخطار المدين (عميله) قبل أن يدفع للمستفيد، وليس للبنك التمسك على المستفيد بدفوع مستمدة من العلاقة بين المستفيد وعميل البنك، وليس للعميل أن يعارض في الوفاء للمستفيد بسبب مستمد من علاقته بهذا المستفيد.
وللبنك أن يرجع بما دفعه للمستفيد إلى عميله إذا كان هذا الوفاء تنفيذ
خطاب ضمان، صدر صحيحا ومطابقا لتعليمات العميل الآمر (1) .
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](358) وما بعدها.
ح- انقضاء التزام البنك: ينقضي التزام البنك بانقضاء المدة المحددة بينهما أو مرور مدة التقادم أو إعادة الخطاب إليه دون انقضاء المدة المقررة فيه (1) .
ط- العمولات: تعتبر عمولات خطابات الضمان دخلا لا بأس به بالنسبة للبنك، وهي محددة بموجب تعريفة اتحاد البنوك، وتستحق لفترات ربع سنوية، أي: كل ثلاثة شهور ومضاعفاتها، كما يجوز احتساب العمولة على الأرصدة الحالية من خطابات الضمان المتناقصة التي تكفل دفع أقساط دورية معينة (2) .
(1) انظر [عمليات البنوك من الوجهة القانونية] ص (374) .
(2)
[البنوك والائتمان](175) .
الصورة الثالثة: الاعتماد بالقبول
الاعتماد بالقبول صورة من صور إقراض التوقيع، وفيما يلي بيان وصف العملية، والصور المختلفة للالتجاء إلى القبول المصرفي، وأن الاعتماد بالقبول غير متجدد ومدى صحة الأوراق المقبولة، وخصم البنك للأوراق التي عليها قبوله والتزامات الطرفين في الاعتماد بالقبول:
1 -
التعريف بعملية القبول المصرفي:
يقول الدكتور علي البارودي: مضمون هذه العملية: هو أن البنك يقبل كمبيالة يسحبها عليه العميل أو الطرف الآخر الذي يتعامل معه العميل، وبقبول البنك للكمبيالة تكتسب قوة ائتمانية كبيرة تجعل من
السهل تداولها أو خصمها لدى بنك آخر، فكأن البنك دون أن يخرج نقودا من خزانته، قد هيأ للعميل فرصة الحصول على المبالغ اللازمة له، كذلك يستطيع العميل أن يرسل هذه الكمبيالة إلى البائع فيطمئن إلى التعامل معه، إذ يلتزم البنك كأي مسحوب عليه قابل للورقة التجارية ويخضع لقانون الصرف (1) .
2 -
الصور المختلفة للالتجاء إلى القبول المصرفي: الأسباب الداعية للالتجاء إلى القبول المصرفي متعددة، منها: تمويل العمليات التجارية في الداخل أو الخارج، ومنها: تحقيق اشتراك عدة بنوك في عملية ائتمان واحدة.
وفيما يلي بيان ذلك باختصار من كلام الدكتور علي البارودي:
أ- يكثر الالتجاء إلى القبول المصرفي لتمويل العمليات التجارية ذات الطابع الدولي، فالمستورد يلجأ إلى البنك، ليحصل على قبوله على كمبيالة يرسلها إلى البائع الأجنبي، كذلك إذا كان المصدر قد أمهل مدينه في الوفاء فإنه يستطيع أن يحصل على مبلغ فوري من البنك بأن يقدم له مستندات الصفقة ويحصل على قبوله في كمبيالة يخصمها في بنك آخر، وقد أخذ العمل في بعض البنوك الأوربية يشهد استعمال القبول في مجال التجارة الداخلية أيضا، ويتقاضى البنك عمولة مقابل إقراضه توقيعه، هذه العمولة غالبا ما تكون نسبة معينة من مبلغ الكمبيالة المقبولة، يراعي في تحديدها مقدار الخطر الذي يتعرض
(1)[العقود وعمليات البنوك التجارية](388- 1) .
له، على أن الأمر لا يقتصر بالنسبة للبنك على مجرد التوقيع، إذ لا شك أنه يجب أن يحسب حساب الحالات التي لا تنتهي فيها العملية نهاية طبيعية، فيضطر إلى الدفع باعتباره المسئول الأول عن الوفاء بقيمة الكمبيالة دون أن يكون قد استلم شيئا من العميل؛ لذلك فهو يهتم بالضمانات.
ب- ويستخدم القبول أيضا لتحقيق اشتراك عدة بنوك في عملية ائتمان واحدة، يطلق عليها الائتمان الجماعي، وذلك عندما يرى البنك أن من الأنسب أن يشرك بنكا آخر في مخاطر العملية: إما لضخامة قيمتها، أو لازدياد احتمالات الخطر فيها، أو للأمرين معا (1)
3 -
الاعتماد بالقبول لا يتجدد:
ولا يتجدد الاعتماد بالقبول، كما بين ذلك الدكتور محمد جمال الدين عوض بقوله: الاعتماد بالقبول بطبيعته غير متجدد؛ لأن استعماله يكون مرتبطا بتنفيذ عملية تجارية معينة، فلا يجوز للعميل الذي حصل على قبول البنك للأوراق المتفق عليها أن يطلب قبوله مرة أخرى على أوراق غيرها، وذلك ما لم يتفق بينهما على تجديد هذا الاعتماد (2) .
4 -
مدى صحة الأوراق المقبولة: قد يقبل البنك الكمبيالة المسحوبة عليه دون أن يكون لديه مقابل وفائها، ومع ذلك فالورقة صحيحة ولا تعتبر
(1)[العقود وعمليات البنوك التجارية](389) وما بعدها.
(2)
[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](381- 1) .
من أوراق المجاملة التي يقضى في القضاء ببطلانها؛ لأن البنك المسحوب عليه لا يقبلها لمجرد مجاملة الساحب، بل هو يقبلها ويقصد أن يدفع قيمتها للمستفيد منها ولو لم يصله مقابل الوفاء من عميله الساحب قبل حلول الأجل (1)
5 -
خصم البنك للأوراق التي عليها قبوله:
ويقول: يمكن للبنك بمقتضى عقد جديد أن يخصم ورقة سبق له قبولها، وذلك متى قدمها للخصم عميله أو شخص آخر حامل لها (2) .
6 -
التزامات الطرفين:
أما التزامات الطرفين في الاعتماد بالقبول فقد قال عنها: يتعهد البنك في علاقته بالمستفيد وبمقتضى العقد أن يقبل الكمبيالة المسحوبة عليه من العميل أو من شخص آخر يعينه العميل، ومتى توافرت الشروط المتفق عليها من حيث حدود المدة والمبلغ، فإذا قبل الورقة فقد نفذ تعهده، ولكنه بذلك يلتزم -صرفيا- أمام الحاملين بقبوله، فيكون لهؤلاء التمسك عليه بكل ما يقره لهم قانون الصرف، ولو كانوا يعلمون أن الورقة مسحوبة بناء على اعتماد مفتوح، ويكون لهم أن يتمسكوا عليه بقاعدة عدم الاحتجاج بالمدفوع غير الظاهرة في الورقة، وحتى لو أنهى الاعتماد بعد إطلاق الورقة في التداول، فإن ذلك لا يؤثر التزام البنك أمام الغير حسني النية.
(1)[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](381- 1) .
(2)
[عمليات البنوك من الوجهة القانونية](381- 1)