الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعية بين فقهاء العصر: كالتأمين على البضاعة، إذ يجوز أن يفتح الاعتماد دون اشتراط وثيقة التأمين ضمن المستندات التي يلتزم المصرف بتسليمها، فيمكن اعتباره بعد ذلك عقدا جديدا تدعو إليه مصلحة التجارة المشروعة (1) اهـ.
(1)[الموسوعة الفقهية] نموذج (3)(الحوالة) ص (244 - 246) .
الخلاصة:
يندرج تحت عمليات الائتمان أنواع كثيرة من المعاملات المصرفية منها: الاعتمادات المصرفية. والاعتمادات المصرفية: هي ما يقدمه البنك للعميل أو لشخص يعينه العميل من أدوات الوفاء إما نقدا أو تعهدا بالوفاء، على أن يأخذ البنك على ذلك فائدة أو عمولة يتفق عليها الطرفان وعلى ردها مع ما أخذه.
ويشمل الاعتماد المصرفي: الإقراض، وفتح الاعتماد البسيط، والضمان، والاعتماد المستندي والخصم. . وفيما يأتي الكلام على ما ينبني عليه الحكم من واقع كل منها، ثم تكييفه في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:
أولا: الإقراض أو القرض: هو عقد اختياري تجاري يسلم البنك بمقتضاه للعميل أو من يعينه العميل نقودا مباشرة أو يضعها تحت تصرفه، ويتضمن تحديد سعر الفائدة وأجل الوفاء وبيان ما قد يشترط من ضمان.
تكييفه في الفقه الإسلامي:
مما تقدم يتبين أن عقد القرض يشتمل على معاوضة نقدية بين طرفين
لأجل مع زيادة في الوفاء، ومع ذلك اتفق علماء القانون والاقتصاد على تسميته إقراضا، ولا مشاحة في الاصطلاح ما دامت العبرة في تطبيق الأحكام بالحقائق.
أما في نظر فقهاء الشريعة الإسلامية: فقد يقال: إنه يسمى قرضا أيضا، لكن يناقش بأن القرض عندهم أن يدفع شخص مبلغا لآخر على وجه الإرفاق المحض على أن يرد مثله إليه دون شرط زيادة أو جريان عرف بها؛ ولهذا استثني من تحريم المعاوضة بين الربويين مع التأخير لأحدهما، وما يدفعه البنك يقصد به استثمار ماله وتنميته أولا، بدليل اشتراط الزيادة في الوفاء، وأنه عقد تجاري يترتب عليه ما يترتب على عقود التجارة من الآثار، فإن ترتب عليه إرفاق بالمقترض فبالمتبع.
وقد يقال: إنه عقد بيع؛ لأنه يتضمن معاوضة مالية بين نقدين، أحدهما عاجل، والآخر آجل على وجه المغالبة والتنمية والاستثمار بدليل ما تقدم من أنه تجاري وأن الزيادة في الوفاء مشترطة فيه. وقد سمى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المبادلة بين النقدين بيعا، كان ذلك ناجزا أو لأجل، اتفق نوع العوضين أو اختلف، متساويا أو زاد أحدهما على الآخر، غير أنه نهى عن النساء أو الزيادة في المعاوضة بينهما، كما سيجيء ذلك في بيان الحكم.
حكمه في الفقه الإسلامي
إذا ثبت ما تقدم فهو بيع محرم؛ لما فيه من ربا الفضل وربا النسيئة، أما الأول فللزيادة التي يدفعها المقترض بناء على الشرط المتفق عليه مع المصرف، وأما النساء فلتأجيل الوفاء بدين القرض.
وقد دل على تحريم ذلك القرآن، وبينته السنة الصحيحة وأكدته. قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (1) الآيات، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (2) » إلى غير ذلك من الأحاديث الثابتة.
وقد أجمعت الأمة على تحريم مثل ذلك الربا بنوعيه، وما نقل عن ابن عباس من إباحة ربا الفضل فقد كان قبل أن يبلغه النص في تحريمه، فلما بلغه الصحابة النص رجع في التحريم، وثبت ذلك عنه بالنقل الصحيح. وعلى تقدير أن هذا العقد يسمى قرضا فهو محرم أيضا؛ لأنه جر نفعا مشروطا، قد أجمع فقهاء الإسلام على أن كل قرض جر نفعا مشروطا فهو ربا.
ثانيا فتح الاعتماد البسيط:
أ - تعريفه: هو عقد يلتزم المصرف بمقتضاه أن يضع تحت تصرف العميل أداة من أدوات الائتمان في حدود مبلغ معين لمدة يحق للعميل خلالها استخدامها، ويبين فيه طرق استخدامه، ويحدد فيه معدل الفائدة وقيمة العمولة التي يستحقها المصرف على ذلك.
ب - شروطه: يشترط لصحته رضا الطرفين وأهليتهما للتصرف، وأن يكون ما فتح الاعتماد من أجله مشروعا، فلا يصح لتأسيس محل خمر وإدارته مثلا.
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1587) ، سنن الترمذي البيوع (1240) ، سنن النسائي البيوع (4561) .
ج - خواصه: ومن خواصه: أنه عقد تجاري بالنسبة للبنك، فيثبت بجميع طرق الإثبات التي تثبت بها عقود التجارة أيا كانت قيمته، ولا يكون تجاريا بالنسبة للعميل إلا إذا كان تاجرا وفتح الاعتماد لحاجات التجارة وإلا كان مدنيا فسرى عليه أحكام العقود المدنية، ويعد عقد فتح الاعتماد من عقود الاعتبار الشخصي، فلا يجوز لكل من طرفيه نقل التزاماته إلى غيره أثناء مدة تنفيذ العقد إلا برضا الطرفين أو باتفاق سابق صريح أو مفهوم ضمنا بينهما، ويمكن أن يوكل كل منهما من يقوم بأداء التزاماته، ولا يعتبر ذلك نقلا لها، والغالب أن يكون فيه من الضمان ما يغطي المبلغ، وللمصرف أن يطلب حقه في الضمان كلما زاد مبلغ الاعتماد أو نقص الغطاء.
د - طبيعته: قيل: إنه عقد قرض بات، وقيل: عقد قرض معلق على استفادة العميل من الاعتماد المفتوح، وقيل: عقد غير مسمى، وقيل: وعد بالقرض، ثم يصير قرضا باتا عند تسلم العميل المال تنفيذا للوعد المصرفي، وقيل: إنه مركب من عقدين، عقد قرض استحق به العميل التصرف في المبلغ، وعقد إيداع من العميل لهذا المبلغ في نفس المصرف، حيث لم يتسلمه العميل بالفعل، بل قيد لحسابه فقط، وهذا مبني على ما قصده العميل من فتح الاعتماد، وهو الحصول على مبلغ تحت تصرفه، وحفظه في مكان أمين لحين حاجته إليه، ولم تسلم هذه الآراء من مناقشة علماء الاقتصاد، ومهما يكن من اختلافهم في طبيعته فالعبرة بحقيقته في الفقه الإسلامي، فإنها هي التي يترتب عليها حكمه في الإسلام.
هـ - كيفيته في الفقه الإسلامي:
قد يقول بعض فقهاء الإسلام: إنه قرض فقط أو وعد بقرض تبعه إيداع، كما تقدم في بيان طبيعته عند علماء الاقتصاد، لكن ما سبق في تعريفه يتنافى مع حقيقته في الفقه الإسلامي حيثما اشترط في العقد زيادة فائدة أو عمولة في الوفاء وقصد به المصرف تنمية رأس ماله واستثماره، والقرض في عرف فقهاء الإسلام يقصد به الإرفاق والثواب من الله، ويعطله اشتراط الزيادة في الوفاء، إلى آخر ما تقدم في بيان حقيقة الإقراض عند فقهاء الإسلام.
وقد يرى بعضهم أنه عقد بيع؛ لتضمنه معنى المعاوضة بين نقدين على وجه المغالبة وقصد التنمية والاستثمار بدليل اشتراط الزيادة أو العمولة في الوفاء، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سماه بيعا، كما في الأحاديث المتقدمة في تكييف الإقراض وبيان حكمه.
حكمه في الفقه الإسلامي:
إذا ثبت ذلك فهو من البيوع المحرمة ما دام في معاوضات ربوية؛ لتحقق ربا الفضل والنسيئة فيه، حيث كان الوفاء بالعرض مؤجلا مع اشتماله على زيادة الفائدة، وعلى تقدير أن المقترض لم يدفع فائدة لعدم تسلمه شيئا من مبلغ الاعتماد فهي مدخول عليها بالاشتراط، وهذا كاف في الحكم بتحريم العقد، وقد سبقت أدلة التحريم في مبحث الاقتراض وخلاصته، أما العمولة فإن اتخذت حيلة وستارا لأخذ الربا باسمها في الحالة التي لم يتسلم فيها العميل شيئا من مبلغ الاعتماد، أو لزيادة الفائدة تحت ستارها
في حالة الاستسلام فهي محرمة؛ لأن العبرة بحقائق الأشياء لا بأسمائها، وإن كانت أجرة محضة لإجراءات وخدمات فقد يقال: إنها جائزة إلا إن روعي بناؤها على عقد فاسد من أجل اشتراط الفائدة فيه، فربما قيل بسريان الفساد إليها، وعلى تقدير أن عقد فتح الاعتماد يعتبر قرضا فهو محرم أيضا؛ لكونه جر نفعا على فاتح الاعتماد، وهو الفائدة أو العمولة.
ثالثا: الاعتماد بالضمان أو الائتمان الناشئ عن مجرد التوقيع أو إقراض المصرف توقيعه للعميل.
هذه العناوين وإن اختلفت فالمقصود منها واحد، وهو ما يلتزم به البنك مثلا لمستفيد مما يبعث الثقة في نفسه بمن يريد أن يتعامل معه من كفالة أو خطاب ضمان أو اعتماد بالقبول للكمبيالة ليسهل خصمها والحصول على ما فيها من البنك بعد الخصم، فالصور ثلاث: الكفالة، وخطاب الضمان، والاعتماد بالقبول.
وفيما يلي الكلام على واقع كل منها، ثم بيان الحكم:
أ - الكفالة: وهي عقد يتعهد فيه شخص لآخر أن يفي له بما التزم به أمام ثالث إذا تخلف المكفول عن الوفاء على أن يقدم المكفول ضمانا نقديا أو رهنا للكفيل، ويلتزم له أيضا بعمالة على الكفالة وفائدة بنسبة مئوية من المبلغ إن دفعه عنه المستفيد.
ب - الضمان البنكي أو خطاب الضمان: هو عقد يتعهد فيه مصرف لشخص أو جماعة بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين عن مقاول مثلا بمجرد طلب المستفيد من المصرف خلال مدة محددة، وذلك من أجل قيام العميل بعمل أو التزامه بأمر لذلك الشخص أو الجماعة،
على أن يدفع عمالة للمتعهد بالمبلغ ويضع تحت يده في الغالب ضمانا نقديا أو رهنا ليكون ذلك غطاء للمبلغ المتعهد بدفعه.
هذا، ولا يضمن المصرف بهذا التعهد حسن تنفيذ العميل لالتزامه ولا مراقبة التنفيذ، ولا يلزمه القيام بدلا من العميل بتنفيذ الالتزام، ولا بسداد ما عليه من دين بخلاف الكفالة.
ج - الاعتماد بالقبول: هو أن يتعهد مصرف دفع مبلغ عن طريق توقيع بالقبول على كمبيالة مسحوبة عليه مقابل عمالة على التوقيع يدفعها العميل، وبذلك تكسب الكمبيالة الثقة بها ويسهل تداولها وحصول العميل أو غيره على ما فيها بعد الخصم من المصرف الذي وقع عليها أو من غيره. وإذا تأخر العميل عن الدفع للمستفيد واضطر المصرف للوفاء كان له حق الرجوع على العميل بما دفعه عنه، وبتعويض عن تعطيل المبلغ المدفوع.
الغرض من الاعتماد بالضمان بجميع صوره انتفاع المصرف أولا، وإعانة العميل وطمأنينة المستفيد وتنشيط حركة العمل وتيسير وسائلها.
تكييفه في الفقه الإسلامي وحكمه
مما تقدم نرى:
أولا: أن هذه العملية اشتملت على ثلاثة أطراف، المصرف، وعميله، والمستفيد، وعلى عوضين: هما العمل، والمبلغ، وعلى غطاء في الغالب كاملا أو نسبة مئوية منه، وعلى عمالة مقابل الالتزام بالدفع يدفعها العميل للمصرف وعلى فائدة أو تعويض عن تعطيل المبلغ الذي يدفعه
المصرف عند تخلف العميل.
ثانيا: أن المصرف ضامن لعميله لدى المستفيد بعمالة، وقد يقال: إن ذلك محرم؛ لأن الضمان غير متقوم فلا يقابل بمال، بل يبذل على وجه المعروف والإرفاق، ابتغاء مرضاة الله.
ثالثا: أن المصرف يأخذ فائدة من عميله إذا دفع المبلغ للمستفيد عند تخلف العميل عن الوفاء في الميعاد، وقد تسمى هذه الفائدة تعويضا عن تعطيل المبلغ المدفوع. وهذا محرم.
رابعا: أن المصرف يستغل ما تحت يده في غطاء نقدي أو رهن عيني، وقد يقال: إنه محرم، لأنه إما أن يعتبر تتميما للعمالة على الضمان، وإما أن يعتبر فائدة لما قد يدفعه المصرف أو لما يدفعه بالفعل عن العميل، وذلك ما لم يكن ظهرا يركب بنفقته أو ذا در يحلب بنفقته.
رابعا: الاعتمادات المستندية:
1 -
هي عقد مالي يلتزم بمقتضاه مصرف بدفع مبلغ معين لمستورد - يسمى: الآمر - بناء على طلبه لمصدر - هو صاحب البضاعة - عند وصول الوثائق المتعلقة بالبضاعة، أو يلتزم بقبول أو بخصم الكمبيالة التي يسحبها البائع على المشتري، في نظير أن يدفع المستورد للمصرف نسبة مئوية من مبلغ الاعتماد مقدما، ويدفع له مؤخرا مع باقي الثمن مبلغا يكون عمالة مقابل خدمته وضمانه وفائدة لما دفعه المصرف عنه من الثمن، وقد لا يدفع المستورد شيئا من الثمن مقدما، فيكون الاعتماد مكشوفا.
2 -
الغرض منه: سهولة حصول المصدر على ثمن بضاعته عند تسليمه
المستندات الخاصة بها إلى المصرف، وتفاديه خطر تنازل المشتري عن ملكيتها، واستفتاؤه عن الاستقصاء في الحصول على معلومات عن المشترى منه، وثقة المشتري بالحصول على البضاعة التي اشتراها بسهولة، واطمئنانه إلى صحة مستندات الشحن وغيرها أو استدراك ما قد يكون فيها من نقص أو خطأ بأسرع ما يمكن لقيام المصرف عنه بفحصها، وتيسير تبادل المنافع، وسرعة تداول رءوس الأموال المستثمرة في التجارة، وتنشيط الحركة التجارية، وتوفير السلع في الأسواق للمستهلكين، وغير ذلك من المصالح.
3 -
قد يكون الاعتماد المستندي قابلا للإلغاء بمعنى: أنه يجوز لكل من المصرف والآمر الرجوع فيه فليس عقدا نهائيا ولا قابلا لتأييده من بنك آخر، وإنما هو عقد وكالة، وقد يكون قطعيا نهائيا فلا يجوز لأحد من أطرافه الرجوع فيه، وهذا قد يؤيد من بنك آخر، فيكسب زيادة ثقة وقوة ائتمانية، وتزيد أطرافه تبعا لعدد مرات التأييد، وقد يكون غير مؤيد من بنك آخر اكتفاء بالثقة بالمصرف الذي فتح الاعتماد، فتبقى أطرافه ثلاثة.
4 -
يجب على المصرف دفع الثمن مع توابعه كاملا للمصدر عند وصول الفاتورة ووثائق الشحن والتأمين من المخاطر، أما المشتري فإن دفع الثمن وما يتبعه من عمالة وفائدة للمصرف فيها، وإن أبى تصرف المصرف في البضاعة؛ لأنها رهن في حقه يستوفى منه، فإن نقص عن حقه فليس له الرجوع على البائع - المستفيد - لتنازله عن حقوقه لدول حتى يطمئن على تمام الصفقة والوفاء إلا إذا كان قد شرط عليه ابتداء الرجوع عند رفض
المشتري تسليم البضاعة.
5 -
ومن هذا يتبين أن فتح الاعتماد المستندي يشتمل على ما يلي:
أ - طالب فتح الاعتماد وهو المستورد ويسمى: الآمر.
ب - المصدر وهو البائع - المستفيد.
ج - وسيط بينهما وهو المصرف.
د - العوضين - الثمن والبضاعة.
هـ - مبلغ يدفعه المستورد زيادة على الثمن يعتبر أجرة للمصرف على خدماته وضمانه وفائدة لما دفعه عنه.
وما قد يدفعه المستورد من الثمن للمصرف مقدما.
6 -
طبيعتها القانونية:
اختلف علماء القانون والاقتصاد في تحديد طبيعتها:
فقيل: إن علاقة البنك بالمشتري تعتبر عقدا بعيدا عن العقود المدنية؛ لما له من أحكام خاصة، منها: أنه ينشئ التزاما لصالح البائع مستقلا عن مصدره، فكان عقدا غير مسمى.
وقيل: إنه عقد كفالة من المصرف للمشتري، لالتزامه بما عليه أمام البائع.
وقيل: إنه عقد بين البنك والمشتري اشترط فيه المشتري أن يكون الاعتماد لصالح البائع فلا يجوز للمصرف ولا للمشتري الرجوع فيه؛ لأن الحق فيه صار للبائع.
وقيل: إنه عقد إنابة؛ لأن المشتري أناب المدين له بمقتضى الاعتماد، ليقوم بسداد ما عليه للبائع من ثمن البضاعة.
وقيل: إنه تقابل إرادتين عن طريق وسيط فالبنك والبائع يتعاقدان هنا عن طريق المشتري، ويتم التعاقد عندما يفتح الاعتماد.
وقيل: إنه وعد من البنك بأداء مبلغ معين للبائع إذا قدم المستندات اللازمة كالوعد بجائزة على عمل معين، فهو من باب الإرادة المنفردة.
وقيل: إنه عقد وكالة من المستورد للمصرف، وقيل: عقد حوالة من المستورد للبائع على المصرف بثمن البضاعة وتوابعه.
واختار الدكتور محمد جمال الدين عوض والدكتور علي البارودي القول: بأن التزام البنك يصدر عن إرادة منفردة.
وهذه الآراء لم يسلم أي واحد منها من مناقشة علماء القانون والاقتصاد، ومهما يكن من اختلاف رأيهم في طبيعتها ومناقشة الأقوال في ذلك فالعبرة ببيان حقيقتها في الفقه الإسلامي، فإن ذلك هو الأصل الذي يبنى عليه حكم علماء الإسلام فيها.
7 -
حقيقتها في الفقه الإسلامي وحكمها:
خرجها بعض المعاصرين من علماء الفقه الإسلامي على أحد أسس ثلاثة:
الأول: أنها عقد وكالة يتضمن رهنا ضمنيا لبضاعة المشتري لدى الوكيل، ليستوفي حقه منها إذا لم يسلمه الموكل. ثم نقده بأنه يتنافى مع كون المصرف بهذا العقد مدينا أصليا للمستفيد حل محل الآمر، فبرئت بذلك ذمة الآمر تجاه المستفيد، كما هو الحكم المقرر قانونا، وإذن فلا يصح أن يعتبر وكيلا (1)
ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن هذا يتنافى مع كون
(1) ص (91، 92) من [الإعداد] .
العلاقة بين المصرف والمستفيد مستقلة عن العلاقة بين الآمر والمستفيد، حيث إن عقد الوكالة يقضي بالارتباط بين العلاقتين.
الثاني: أنها عقد حوالة، فالآمر وهو المشتري - محيل - والمستفيد وهو البائع - محال - والمصرف محال عليه، ثم نفذ ذلك بأن ما تقرر في التقنيات الحديثة من أنه لا علاقة للمصرف الذي أصدر الاعتماد بصحة البيع أو بطلانه يتنافى مع الوجهة الإسلامية في الحكم ببطلان الحوالة ببطلان البيع الذي بنيت عليه.
ثم أجاب: بأن هذا الفرق بين الوجهتين نظري، وأن النتيجة واحدة، حيث إن المصرف إذا نفذ التزامه رجع على الآمر بالقيمة قانونا صح البيع أو بطل، كما أن المحال عليه وهو المصرف يرجع بما دفعه للمحال وهو البائع على المحيل وهو المشتري في الفقه الإسلامي صح البيع أو بطل.
لكن قد يقال: إن الحوالة: نقل دين من ذمة إلى أخرى، وليس هذا متحققا في مسألتنا، وإنما فيها إنشاء دين في ذمة المصرف يلتزم به لشخص من أجل دين سينشأ له في ذمة من هو بصدد الشراء منه؛ ولذا سمى بعض العلماء هذا وكالة على الاستيفاء لما سيجد من الدين، وقد رد صاحب هذا التخريج جعل الاعتماد المستندي حوالة.
الثالث: أنها تعتبر عقدا مستحدثا في المعاملات دعت إليه الحاجة، وهو جائز ما لم يصادم أصلا شرعيا. اهـ بتصرف.
وقد يقال: هذا تخريج سليم إذا لم يمكن تخريجها على عقد فقهي أو عقود فقهية باعتبارات مختلفة، وما لم تثبت مصادمته لأدلة الشريعة.
وفيما يلي محاولات لتخريجه على عقود الفقه الإسلامي المعروفة، ثم بيان حكمه:
في الاعتمادات المستندية ثلاث علاقات: علاقة بين المصرف والآمر وهو طالب فتح الاعتماد، وعلاقة بين المصرف وبين المستفيد من فتح الاعتماد وهو البائع من أجل التزامه بدفع المبلغ له، وعلاقة بين المستفيد والآمر من أجل صفقة البيع، وبين هذه العلاقات في الحقيقة ارتباط وثيق من حيث منشؤها والداعي إلى وجودها، فإن التزام البنك بالدفع للبائع المستفيد إنما كان بناء على طلب المشتري من البنك فتح الاعتماد، وطلبه إنما كان لتحقيق رغبة البائع وإثبات جدية الصفقة واطمئنانه إلى وصول الثمن إليه بسهولة وسرعة، وهذا الارتباط لا يزال قائما حتى النهاية، بدليل أن الصفقة إذا تمت مستوفية للشروط ودفع المشتري الثمن وما يتبعه عند تسلم الوثائق للبائع عن طريق البنك أو بوجه آخر برئت ذمته وذمة البنك، وإن أبى مع استيفاء الشروط استوفى البنك حقه من البضاعة وما قد يكون دفعه مقدما للبنك، فإن نقص عن الوفاء بحقه رجع بالباقي له على المشتري في ذمته. وإن أثبت المصرف عدم استيفاء الوثائق للشروط حين وصولها إليه رجع البنك على البائع المستفيد، فالصلة قائمة بين العلاقات الثلاث على هذا الوجه إلى النهاية، وإنما وجد نوع خاص من انقطاع صلة البائع بالمشتري بخصوص الثمن وإلزام البنك وحده بالدفع للبائع محافظة على حقه، ولإثبات جدية الصفقة ومنع التلاعب في المعاملات، وهذا لم يقض على ما ذكر من العلاقات.
وعلى هذا يمكن أن يقال: إن في الاعتمادات المستندية عدة عقود
مرتبط بعضها ببعض، عقد بيع بين البائع المستفيد والمشتري الذي طلب فتح الاعتماد تتوقف صحته على استيفاء شروط البيع، وعقد ضمان التزم فيه البنك التزاما خاصا للبائع المستفيد بدفع مبلغ معين من أجل الصفقة عند وصول الوثائق اللازمة مستوفية للشروط، وعقد وكالة من المشتري للمصرف بجعالة لقيامه عنه بإجراءات معينة تتعلق بالصفقة.
وفي اعتبار هذه العقود رعاية للجوانب المختلفة في الاعتماد المستندي، وكل منها جائز في نفسه ولا مانع من تعددها لعدم التضارب بين خواصها وآثارها، بل بعضها يخدم بعضا، ويساعد على الإنجاز بسهولة في أقرب وقت ممكن، غير أنها اقترن بها أمور منها:
أ - دفع المستورد فائدة للمصرف الوسيط، لما دفعه عنه للمصدر من الثمن، وهو ربا واضح.
ب - دفع مقابل التأمين على البضاعة من المخاطر أو التزام ذلك وقد يقال بتحريمه لما فيه من المقامرة وأكل المال بالباطل.
ج - دفع المستورد عمولة لضمان المصرف له وفي إباحتها نظر.
د - بيع المصرف البضاعة المشتراة قبل قبضها، ليستوفي منها دينه على المشتري إذا امتنع من تسلمها، وهذا محرم مطلقا أو إذا كانت البضاعة طعاما؟ للأحاديث الواردة في ذلك.
هـ - دفع المستورد أجرة للمصرف مقابل ما يقوم به من خدمات وإجراءات تتعلق بالبضاعة وهو جائز إن لم يتخذ ستارا للربا، وإلا امتنع.
فإن ثبت تحريم ما ذكر أو بعضه فالاعتمادات المستندية محرمة؛ لما لابسها لا لذاتها، وهل يعود ذلك التحريم على العقد بالفساد، أو يبطل
الشرط الملابس للعقد، ويمضي العقد هذا محل نظر وموضع اجتهاد اختلفت في مثله آراء الفقهاء الأصول.
هذا ما تيسر، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
التحويلات المصرفية
الحمد لله وحده. . وبعد:
سبق بحث ما يتعلق بعمليات الودائع والحسابات المختلفة وإيجار الخزائن الحديدية وعمليات الائتمان - الإقراض، الاعتماد البسيط، الاعتماد المستندي، الضمان بأنواعه - وبقي البحث فيما يتعلق بعمليات (التحويلات المصرفية والبريدية وعمليات تظهير الأوراق التجارية وخصمها وتحصيلها) وقبل الدخول في البحث يحسن بنا التمهيد لذلك بتعداد أهم الأوراق التجارية وتعريف كل ورقة بذكر خصائصها وما يميزها عن غيرها. والله ولي التوفيق.
الأوراق التجارية:
نظرا للتوسع العالمي في نطاق التجارة الدولية، وحيث إن النقود القائمة أيا كان نوعها وكيفها وكمها عاجزة عن مسايرة التطور التجاري والحركات السريعة الضخمة في نطاق الصفق في الأسواق العالمية - فقد وجد رجال المال والأعمال أنفسهم في حاجة ملحة إلى ما يساير هذا التطور في نطاق التبادل المالي، وذلك بإيجاد عملات مساعدة تكون عونا للتاجر في استيفاء حقوقه وسداد ما عليه من التزامات ولو لم يتم له تسويق بضاعته التي باعها أو اشتراها، كما أنها تعفيه من الاحتفاظ بمبالغ نقدية يقابل بها حركاته التجارية الخالية من التوقيتات المعينة، حيث يتضرر بتجميدها، فكانت هذه المبررات مصدر ابتكار ما يسمى بالأوراق التجارية.
فالأوراق التجارية أوراق مالية لها صفة القبول والتداول في عالم التجارة، وفي ذلك يقول الدكتور علي سلمان العيدي بعد أن استعرض المعنى العام للورقة التجارية ما نصه:
نخلص من ذلك أنه من أجل اعتبار السند ورقة تجارية لا بد أن يتجه الحق المالي فيه بذاته، وأن يكون هذا الحق منصبا على مبلغ من النقود، وأن يكون السند قابلا للتداول بسهولة، وأن يجري استعماله كأداة للوفاء بدل النقود، وأن يستحق الأداء بعد أجل قصير أو عند الاطلاع، أي: ألا يكون طويل الأجل. وعلى ضوء ما قدمناه يمكننا تعريف الورقة التجارية بأنها سند محرر وفقا للشكل الذي رسمه القانون يمثل بذاته التزاما بأداء مبلغ من النقود قابل للتداول عن طريق التظهير أو التسليم، ويستحق الأداء بعد أجل قصير أو عند الاطلاع، ويستعمل كأداة للوفاء بدل النقود. اهـ (1) .
ونظرا إلى أن الأوراق التجارية تتفق مع الأوراق النقدية في تسهيل التعامل التجاري من حيث التداول والقبول، بل إن بعضهم كان يطلق عليها على سبيل التجوز صفة النقد، نظرا لذلك فإنه يتعين عقد مقارنة بين الورقة التجارية والورقة النقدية حتى تتضح حقيقة كل منهما، فلا يلتبس الأمر بينهما، وبالتالي يتجلى الأمر في صحة نسبة الأحكام الخاصة بالورقة النقدية إلى الورقة التجارية وعدم صحتها.
لئن قيل بوجود شبه بين الورقتين فإن بينهما تفاوتا واختلافا جوهريا
(1)[الأوراق التجارية في القانون العراقي] ، ص (11، 12) .
يتضح فيما يلي:
1 -
لا يجوز رفض الأوراق النقدية في تسوية الديون لما لها من قوة إبراء مطلق، بينما يجوز للدائن رفض تسوية ديونه بأوراق تجارية، حيث إنها لا تعتبر في الجملة إلزامية.
2 -
ليس للأوراق النقدية مجال في خصم شيء منها عند القيام بتسوية الديون بها، لكونها نقودا حقيقية تحمل الإبراء العام المطلق في حين أنه يجوز اشتراط خصم شيء من الورقة التجارية إذا كانت كمبيالة، لتعجيل وفاء قيمتها في عرف التعامل المصرفي.
3 -
الأوراق التجارية محدود زمن التعامل بها بمدة معينة فيها في حين أنه لا حد للتعامل بالأوراق النقدية ما لم تر جهة الإصدار إبدال غيرها بها.
4 -
تصدر الأوراق النقدية من قبل جهة معينة يغلب عليها أن تكون حكومية أو للحكومة حق الإشراف عليها في حين أن الأوراق التجارية تصدر من جهات مختلفة ومن أفراد إلا أنه يشترط لمصدرها أن يكون ذا أهلية تجارية.
5 -
تصدر الأوراق النقدية بصورة سلسلة لها وحدات مختلفة المبالغ مثل فئات الريال والخمسة والعشرة والخمسين والمائة في حين أنه لا يوجد مثل ذلك في الأوراق التجارية، حيث تصدر بمبالغ مختلفة لا مجال لتوحيدها في فئات محددة ولا مجال لحصرها.
6 -
الورقة النقدية نقد قائم بذاته تضيع قيمته بضياعها مهما كان لدى حاملها من طرق الإثبات في حين أن الورقة التجارية سند بدين تبقى