الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العون لهم وليسوا بأهل أن يعاونوا على ذلك، بخلاف من أسلم إليهم عملا لا قيمة له بحال، يعني: كالزانية، والمغني، والنائحة، فإن هؤلاء لا يقضى لهم بأجرة، ولو قبضوا منهم المال، فهل يلزمهم رده عليهم، أم يتصدقون به؟ فقد تقدم الكلام مستوفى في ذلك، وبينا أن الصواب: أنه لا يلزمهم رده، ولا يطيب لهم أكله. والله الموفق للصواب (1)
(1)[زاد المعاد في هدي خير العباد](4\ 251) وما بعدها.
5 -
وجاء في
[فتاوى المنار] :
أخذ الربا من المصارف الأجنبية.
ج 1: إن الربا المحرم قطعا لا يحل إلا لضرورة يضطر صاحبها إليه اضطرارا كالاضطرار إلى أكل الميتة ولحم الخنزير، فهل الربح المسئول عنه كله من الربا القطعي؟ وهل دفع الضرائب الإجبارية من الضرورات الاضطرارية التي تبيحه؟.
المشهور: أن الربح الذي تعطيه المصارف لأصحاب الأموال هو حصص من الربح العام الذي تستغله منها. وهو أنواع: أقلها ما هو من الربا الذي عرفه الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف.
وقد سئل عن الربا الذي لا شك فيه.
فقال: هو أنه كأن يكون للرجل على الرجل دين مؤجل، فإذا جاء الأجل ولم يكن عنده ما يقضي به زاده في المال وزاده صاحبه في الأجل، وهذا بعض ربح المصارف المالية وليس منه ما تأخذه ولا ما تعطيه لأصحاب سهامها ولا للمودعين لأموالهم فيها، وأما كونه بعض مالها
المحرم في الإسلام فمثله كثير من أموال الناس، وللعبرة في مثله بصفة أخذه لا بأصله، ولا سيما في هذا العصر قلما يوجد فيه كسب يلتزم فيه الشرع في بلاد الإسلام، فما القول في بلاد الإفرنج ومستعمراتهم؟
فمن اعتقد مع هذا كله أنه من الربا المحرم لا يجوز له أخذه لأجل أن يدفعه في الضرائب المحرمة من باب دفع الفاسد بالفاسد؛ لأنه ليس ثمة ضرورة تبيح له ذلك. ومن اعتقد أنه من غير الربا الشرعي القطعي لم يحرم عليه، فإن التحريم هو حكم الله المقتضي للترك اقتضاء جازما، واشترط الحنفية وجمهور السلف أن يكون بنص قطعي، بل قال أبو يوسف: إنه لا يقال في شيء أنه حرام إلا إذا كان بينا في كتاب الله بغير تفسير، ومن كان عنده شبهة فيه دون التحريم كان دفعه في ضرائب الظلم الإجبارية أولى من دفع الأموال التي لا شبهة فيها. وقد بينا حكم الشبهات من قبل في مباحث الربا والمعاملات المالية التي تصدر في كتاب مستقل.
وجاء أيضا أخذ الربا من البنوك لإنفاقه على الفقراء.
ج 2: من المعلوم من الدين بالضرورة أن الربا القطعي لا يجوز أخذه لأجل التصدق به؛ لأنه من التقرب إلى الله بما حرمه الله، فإن هذا تناقض بديهي البطلان، ولكن لاستغلال المال في الشركات المالية من المصارف وغيرها أعمالا ليست من الحرام القطعي قد بيناها من قبل، وسيكون كتابنا الذي وعدنا بإكماله خير مفصل لها إن شاء الله تعالى.
وجاء في [فتاوى المنار]،:
أكل الحرام كالربا والقمار وإرثه والعقاب عليه:
ومنه رجل جمع مالا من طرق غير مشروعة كربا وقمار ولعب بالبورصة
(ما يسمونها بالكونتراتات) وغير ذلك هل يجوز الأكل عنده؟ وإذا مات وترك أولادا يعلمون بحال أشغاله فهل يكون المال حلالا للأولاد بالميراث أم لا؟ وإذا مات رجل وعليه ديون ومظالم لأناس ولم تسامحه أربابها في الحياة الدنيا فما حكمه يوم القيامه؟ وهل يعذب في قبره بسبب ذلك أم عذابه في الأخرة؟ وإذا سامحه أرباب الديون والمظالم في الدنيا فهل يرفع عنه العذاب؟ وهل يجوز سامحته في ذلك يوم القيامة أم لا؟ تفضلوا بالجواب ولكم من الله عظيم الأجر والثواب.
ج: من علم أن مال زيد من الناس حرام كله لم يجز له أن يأكل من طعامه ولا أن يعامله بهذا المال، ولكن قلما يوجد أحد جميع ماله حرام. ومن ترك لأولاده مالا يعلمون أنه مغصوب أو مسروق مثلا ويعرفون أصحابه، فالواجب عليهم رده إليهم، وأما مالا يعرف له مالك والمأخوذ بالعقود الفاسدة شرعا كالربا والمضاربات فيملكونه، وإن كان في الفقهاء من يقول بأنها لا تفيد الملك للمتعاقدين بها، فهذا لا يسري إلى من تنتقل إليه منهم بسبب شرعي صحيح كالإرث، ولا سيما إذا كان مختلطا بغيره غير متميز، فعلى هذا لا يأثم ورثة هذا الميت بأخذ ما تركه لهم إذا لم يقتدوا به في أكل الحرام، والله تعالى يأخذ من حسنات من مات وعليه حقوق للناس أو يحمله من سيئاتهم يوم القيامة إلا أن يحلوه منها، وتقدم في تفسير هذا الجزء حديث صحيح في ذلك، وإذا عفا أصحاب الحقوق عنه فعفو الله تعالى عن حقه بمخالفة شرعه أرجى، فهو مرجو غير مقطوع به، ويجوز أن يعذبه عليها في الآخرة ولم ير أنها سبب لعذاب
القبر (1)
وجاء في [فتاوى المنار] :
رجل من تجار المسلمين القاطنين بكلكته تأتي له حوالات نقدية من الجهات على البنك، وأصحاب البنك المذكور قوم من النصارى الإرباويين فيبقيها في البنك ويأخذ منها بقدر الحاجة فقط بلا شرط بينه وبين أصحاب البنك، فإذا مضى على النقدية أو بعضها ستة أشهر يحسبون له زيادة عن الأصل روبيتين في المائة في السنة، فيكون في الستة أشهر روبية في المائة، وذلك لأنهم- أي: أصحاب البنك- ينتفعون ببقاء الدراهم عندهم نحو اثنتي عشرة روبية أو أكثر في المائة سنويا، وللعملة في البنك عادة على الرجل المذكور في السنة يأخذونها منه بقشيشا، فهل والحالة هذه يباح للرجل المذكور ما يأخذه من أرباب البنك باختيارهم من غير شرط معهم كما تقدم، أم لا؟ أفيدونا سيدي، فإن المسألة واقعة حال لازلتم (2)
ج: من أعطى إنسانا باختياره مالا أو عرضا لا يستحقه عليه فأخذه كان حلالا بإجماع، ما لم يكن هناك غش أو نحوه من الأمور التي تنافي أن يكون المعطي قد أعطى برضاه واختياره، ومن هذه الأمور ما قد يكون معروفا للآخذ، ومنها ما يكون شبهة، ومن ذلك موضوع السؤال، فإنه لم يسأل عنه إلا وهو عند أصحاب الواقعة محل الشبهة، هل هو من الربا أم لا؟ ولو جزموا بأحد الوجهين لم يسألوا.
(1)[فتاوي المنار](4\591)
(2)
[فتاوي المنار](2\594)
أما الربا فقد عرفه الحنفية الذين يقلدهم أكثر أهل الهند بأنه: الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع، كما في حواشي [فتح القدير] وغيرها. فقولهم:(المشروط في البيع) يخرج منه واقعة الحال المسئول عنها، إذ لا شرط فيها.
وفي [شرح المنهاج]، للشمس الرملي الشافعي: أن الربا شرعا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما، وقوله:(أو مع تأخير) معناه: أو عقد مع تأخير كما في [حاشية الشبراملسي] عليه، ولا عقد في الواقعة المسئول عنها، ويشبه مسألة الحوالة مسألة الوديعة التي تقع كثيرا، فإن بعض البنوك قد تزيد للمودع شيئا على ماله المودع فيها، وما قد يقع منه بلا شرط فهو يشبه الواقعة إلا أن يقال: إن الوديعة أشبه بالقرض أو الدين منها بالأمانة؛ لأن أهل البنك يتصرفون بالمال ويردون غيره والعرف يقوم مقام العقد في ذلك.
وقد صرح غير واحد من الفقهاء بأن كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا، ورووا في ذلك حديثا.
وأقول: إن ما جرى عليه العرف في معاملة البنوك على ما نعلم أن ما يوضع فيها أمانة يجوز لصاحبه أن يسترده كله أو بعضه متى شاء، وما يؤخذ على أنه دين ليس لصاحبه أن يسترده إلا بعد انتهاء الأجل، أو يأخذ ما يطلب من المال بربا أكثر من الربا الذي يأخذه هو من البنك وإن كان ما طلبه جزءا من ماله.
مثال ذلك: أن من أعطى البنك ألفا على أن له في المائة ثلاثا في السنة ثم
طلب قبل انقضاء السنة خمسمائة، فإن البنك يعطيه إياها على أن له ستا في المائة أو أكثر أو أقل قليلا، وكل ذلك يجري بعقود مكتوبة، أما الودائع فيعطى البنك بها وصلا للمودع ومنها ما لا يزيده على ما أودع شيئا فيبقى وجه الشبهة في الواقعة المسئول عنها وفيما يشبهها أنها من قبيل القرض الذي جر نفعا، وهي ضعيفة في الحوالة قوية في الوديعة. على أن الفقهاء لا سيما الحنفية قد شددوا في ذلك ويعدون كل ما يؤخذ بلا مقابل ربا، فمن اعتقد ذلك حرم عليه الأخذ.
وإذا رجعنا إلى الدليل رأينا أن حديث: «كل دين جر نفعا» . . . إلخ ضعيف كما سيأتي عن [نيل الأوطار]، بل قال الفيروزآبادي: إنه موضوع، ولكن في الباب أحاديث أخرى وآثارا تفيد في إنارة المسألة.
قال في [منتقى الأخبار]،: عن أبي هريرة قال: «كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال: "أعطوه "، فطلبوا سنه، فلم يجدوا إلا سنا فوقها، فقال: "أعطوه " فقال: أوفيتني أوفاك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء (1) » .
وعن جابر قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني (2) » متفق عليهما.
وعن أنس، وسئل: الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى له أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك (3) » رواه ابن ماجه.
وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أقرض فلا يأخذ هدية» رواه البخاري في [تاريخه] .
(1) صحيح البخاري الوكالة (2305) ، صحيح مسلم المساقاة (1601) ، سنن الترمذي البيوع (1316) ، سنن النسائي البيوع (4618) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2423) ، مسند أحمد بن حنبل (2/393) .
(2)
صحيح البخاري في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2394) .
(3)
سنن ابن ماجه الأحكام (2432) .
وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي:(إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت- القت: بالفتح هو الجاف من النبات المعروف، وهو رطب بالفصفصة بكسر الفائين، وهي القضب- فلا تأخذه فإنه ربا) رواه البخاري في [صحيحه] .
أقول: أثر عبد الله بن سلام لا يحتج بمثله الجمهور الذين يحصرون أدلة الشرع في الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ومن الغريب قوله بفشو الربا في المدينة، والظاهر: أنه قال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإخراج اليهود منها.
وقال الشوكاني في شرح هذه الأحاديث ما نصه: حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول، وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد، والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.
قوله: (سن) أي: جمل له سن معين.
وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله.
وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وإنصافه.
وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح: أن الرجل أغلظ على النبي صلى الله عليه وسلم فهم به أصحابه فقال: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالا (1) » كما تقدم.
وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد تقدم الخلاف في ذلك.
وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد، وبه قال الجمهور، وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم
(1) صحيح البخاري الوكالة (2306) ، صحيح مسلم المساقاة (1601) .
يجز، وإن كانت بالوصف جازت، ويرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد، وقد ثبت في رواية للبخاري أن الزيادة كانت قيراطا.
وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا، ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء؛ لأنها بمنزلة الرشوة فلا تحل، كما يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب، وأثر عبد الله بن سلام (قد علمت أن حديث أنس ضعيف، وأثر ابن سلام لا يحتج به الجمهور، إلا أن يقال: إن له حكم المرفوع، وفيه نظر على أن النهي فيه قد يكون للورع) .
والحاصل: أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم؛ لأنه إما نوع من الربا أو رشوة، وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس، وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا: فالظاهر المنع؛ لإطلاق النهي عن ذلك.
وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار: فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير؛ لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر، بل هو مستحب.
قال المحاملي وغيره من الشافعية: يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك؛ يعني: قوله: «إن خيركم أحسنكم قضاء (1) » .
(1) صحيح البخاري الوكالة (2306) ، صحيح مسلم المساقاة (1601) ، سنن الترمذي البيوع (1316) ، سنن النسائي البيوع (4618) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2423) ، مسند أحمد بن حنبل (2/456) .
ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا، ورواه في [السنن الكبرى] عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم، ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث علي رضي الله عنه بلفظ:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة) » ، وفي رواية:«كل قرض جر منفعة فهو ربا» ، وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، قال عمر بن زيد في [المغني] : لم يصح فيه شيء، ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا: إنه صح، ولا خبرة لهما بهذا الفن. اهـ. المراد منه ومعظمه منقول من [فتح الباري] .
وأما الربا الذي نهى عنه الكتاب العزيز بالنص الصريح فهو ربا النسيئة المضاعف.
وقد ذكرنا كيفيته وبينا حكمته بالتفصيل في تفسير آياته من أواخر سورة البقرة. وتحريمه ليس تعبديا كما يقول من يرى ذلك من الفقهاء، بل هو معلل بقوله عز وجل:{لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1) وبقوله: واتقوا الله بعد قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (2) فإن هذا من القسوة ومنع المعروف عند الحاجة المنافي للتقوى.
والمراد بهذا الربا المعروف: ما كان عليه الناس في الجاهلية، وهو كما قال الإمامان مالك وأحمد وغيرهما: أن يكون للرجل على الرجل دين مؤجل- من قرض أو ثمن- فيقول له عند الأجل: إما أن تقضي وإما أن تربي، فيزيد له لحاجته كلما طلب. وليس منه في شيء ما تقدم في السؤال
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
سورة آل عمران الآية 130