الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توجيهه للمظهر.
الوصف الإسلامي للتظهير:
الواقع أن الموسوعة الفقهية الكويتية- قسم الحوالة- عالجت موضوع التظهير وقربت بينه وبين مواضيعه التي بحثها الفقهاء المسلمون في الحوالة والوكالة والرهن.
ونظرا لقيمة البحث فقد استحسنت اللجنة نقله بكامله وفيما يلي نصه:
الوصف الفقهي الإسلامي للتظهير:
يلزم التفريق هنا بين حالتين:
1 -
حالة الورقة التجارية المحررة للأمر أو الإذن إذا فقدت صفتها التجارية وصارت سندا عاديا، أي: مجرد وثيقة بدين لحاملها على ساحبها أو محررها، فأصبحت لا تقبل التظهير قانونا، ففي هذه الحالة يكون تظهيرها لشخص آخر حوالة عادية بالمعنى الشرعي، نظرا إلى
أن العبرة في العقود بما يدل على معانيها دون تقيد بعبارات خاصة، هذا إذا كان المظهر إليه دائنا للمظهر، فإن لم يكن دائنا فالتظهير توكيل له بتقاضي الدين على أن يتملكه قرضا.
2 -
حالة الورقة التجارية المحتفظة بصفتها التجارية، فإن تظهيرها لشخص آخر يكون حوالة بالمعنى الشرعي، ولو شرط المظهر انتفاء ضمانه للدين المحال به أو لم تتوافر فيه شرائط التظهير قانونا.
ذلك أن المحيل غير ضامن أصلا للوفاء بهذا الدين شرعا في معظم مذاهب الفقه الإسلامي، وأن ضمانه تلقائي لهذا الوفاء في مذاهب أخرى إنما هو عند التوي، أي: العجز عن وصول المحال إلى حقه، إما مطلقا، وإما بأسباب معينة، وليس هو بكل حال ضمانا على هذا النحو المطلق المقرر للتظهير القانوني في سند الأمر التجاري، بحيث يكون للحامل الرجوع على المظهر لمجرد عدم الوفاء في ميعاد الاستحقاق، دون أن يكلفه ذلك أكثر من إجراءات شكلية بسيطة، وقد ينص في الورقة التجارية نفسها على شرط الرجوع دون حاجة إلى تلك الإجراءات الشكلية فيعفى حينئذ منها (هذا كله إذا كان المظهر إليه دائنا، وإلا كان التظهير توكيلا كما مر قريبا.
أما مع التصريح بالضمان فإن المعاملة تكون كفالة، وأن اشتراط تقديم الكفيل- المفهوم عرفا في هذا النوع من التعامل- مستقيم على أصول المالكية، لكن عندهم لا يكون الرجوع على الأصيل- مع هذا الشرط- إلا بعد تعذر الاستيفاء من الكفيل، لا بمجرد عدم الوفاء في ميعاد الاستحقاق إلا أن يعتبر ذلك أيضا كالمتشارط عليه، وهو مقتضى الأوضاع المعمول
بها في هذه المعاملة، فالعرف مغن حتى عن التصريح بالضمان.
ومن الواضح - وفق أصول فقهائنا- أن التظهير حوالة صحيحة بالقيود التي أسلفناها، ولكن اشتراط قبول المحرر (الموقع) في سند الأمر، أو المسحوب عليه في السفتجة والشيك يبدو محل نظر واختلاف، فمن اشترط قبول المحال عليه- كالحنفية - يجعل رفض المحرر أو المسحوب عليه قبول الورقة التجارية حائلا دون صحة الحوالة نفسها لا دون مسئوليات الالتزام المصرفي فحسب، ومن لم يشترط قبوله- كالشافعية - يحكم دونه بصحة الحوالة ولزومها ولا مزيد.
أما تتابع التظهيرات فمن قبيل تراكب الحوالات أو الوكالات أو الكفالات الذي هو من مسلمات الفقه الإسلامي، وفقهاؤنا يوافقون على تقديم الحامل للورقة المظهرة إليه (المحال) على سائر الغرماء إلا إذا كان الدين في ذمة المحال عليه قد سقط تعلق الحوالة به، فإن الحامل (المحال) حينئذ يكون أسوة الغرماء، وهذا منصوص عليه- من بعض وجهات النظر- في حال موت المحيل حوالة مقيدة قبل الوفاء (ر: ف\ 274) ، أما التضامن بين الموقعين على الورقة التجارية فما دام ذلك قد أصبح عرفا سائدا فإن كل تظهير يكون ضمانا للمظهر إليه، وفي الوقت نفسه توكيلا له من المظهر في أن يضمن الدين عنه للمظهر إليه التالي بحيث يكون كل مظهر ضامنا أصيلا ووكيلا في الضمان عن جميع الموقعين قبله على الورقة، وهكذا توقيع الساحب، هذا على رأي من لا يصححون الضمان قبل الوجوب وإلا فالمسألة أوضح من أن يتكلف لها مثل هذا.
هذا وقد يلاحظ أن توقيت الرجوع على الضمان لا يتفق مع الأصول
الفقهية في الحوالة، لكن يجوز للحاكم التوقيت للمصلحة العامة.
وأما التظهير من الدفوع فقد مثله بعضهم قائلا: وعلى ذلك إذا كان التزام الساحب تجاه المستفيد الأول قد نشأ باطلا أو قد انقضى ثم قام المستفيد بتظهير الشيك (أو الورقة التجارية أيا كانت) تظهيرا تاما إلى الحامل حسن النية وقام هذا بمطالبة الساحب فإنه يمتنع على الساحب أن يحاج الحامل ببطلان التزامه، ولا ينازع أكثر فقهائنا في عدم صحة الدفع بانقضاء الالتزام مع تعلق حق ثالث، ولكنهم يصححون الدفع بأن الالتزام قد نشأ باطلا؛ لأن الدين هنا لم يكن قائما فقط بخلافه في الحالة الأولى، ومع صحة هذا الدفع شرعا في وجه الحامل حسن النية يجوز للحاكم أن يمنع سماع الدفع في حق الحامل مطلقا إذا كان في هذا المنع مصلحة عامة، وقد قالوا: يجوز للحاكم أن يقيد القضاء ويعلقه بالشرط والإضافة والاستثناء، ولا غرو فإنهم في التشريع التجاري المصري جعلوا للمدين التمسك بعدة دفوع كالتزوير وكشرط عدم الضمان في نص الورقة وكعدم استيفاء البيانات اللازمة لاعتبارها ورقة تجارية، وكالمقاصة بين ديني المدين والحامل، وكلها دفوع معتبرة شرعا ولفقهاء المذاهب نصوص تدعمها عدا الدفع باستيفاء البيانات اللازمة لتجارية الورقة، وإن
كان لا ينوب عمن له الدفع إصالة غيره من سائر الموقعين إلا في حالة غيبة أو بطريق من طرق النيابة الشرعية.
على أن استثناء الدفع باستيفاء هذه البيانات إنما هو بالنظر لأصل الشرع؛ لأن هذه البيانات اللازمة قانونا هي ترتيبات زمنية جديدة ليس لها ذكر في نصوص الشريعة أو الفقه، ولكن لا يخفى أنه يجوز للحاكم أن يشترط في سماع الدعوى بصحة العقود تقييد هذه العقود بالكتابة على شكل خاص، ويترتب عليه قبول الدفع بعدم استيفاء البيانات اللازمة لصحة الورقة. لكن هذا لا يجيز للإنسان فيما بينه وبين الله تعالى أن يأكل حق صاحبه الثابت، وإن لم يحكم في القضاء له به، وبالجملة فالحوالة بتظهير الورقة التجارية هي كأية حوالة أخرى، وهذه الدفوع فيها هي دفوع مقبولة في النظر الإسلامي: فمبدأ التظهير هنا غير وارد بالنظر لأصل الشرع، وإن كان مقبولا بالنظر إلى تقييد ولي الأمر.
ثم إن المواضع التي قلنا فيها: إن التظهير يعتبر حوالة شرعية إنما يكون التظهير فيها كذلك حينما يكون- المسحوب عليه مدينا للساحب، فإن لم يكن مدينا له بالدين الذي تثبته الورقة التجارية (ويتصور هذا في السفتجة والشيك) فإن التظهير لا يمكن اعتباره عقد حوالة إلا عند من لا يشترط مديونية المحال عليه للمحيل من فقهائنا. وقد يكتفى بوجود عين للساحب لدى المسحوب عليه، كالوديعة، إن كان هذا هو الواقع، وكان الوفاء مقيدا بتلك العين (برغم اشتراط القانونيين على الراجح أن يكون دين الورقة التجارية دينا نقديا) - ولكن لا بد عند فقهائنا هؤلاء حينئذ من قبول المحال عليه.