المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مذهب الحنابلة: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في حكم اقتطاع جزء من المقبرةلمصلحة عامة كتوسعة طريق ونحوه

- ‌ أقوال أهل العلم في حكم تحويل الميت من قبره إلى آخر لغرض صحيح:

- ‌غلة الأوقاف المنقطعة جهاتهاأو الفائض من غلاتها على مصارفها

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ مذهب الحنابلة:

- ‌الرهن

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌ تعريفه لغة:

- ‌ تعريفه شرعا:

- ‌ المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌ مؤنة الرهن:

- ‌ الانتفاع بالمرهون:

- ‌ نماء الرهن:

- ‌ التصرف في الرهن قبل حلول أجل الدين:

- ‌ استيفاء المرتهن حقه من الرهن:

- ‌ ضمان الرهن إذا هلك بنفسه:

- ‌المذهب الأول: أن الرهن إذا هلك بنفسه فلا يضمنه المرتهن

- ‌المذهب الثاني: أن الرهن إذا هلك بنفسه فهو من ضمان المرتهن

- ‌المذهب الثالث: التفرقة بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه:

- ‌إيجاد مواقف للسياراتتحت المساجد

- ‌بحث في المعاملات المصرفية والتحويلات المصرفية

- ‌عمليات الإيداع

- ‌أولا: الودائع النقدية:

- ‌تعريف الوديعة النقدية:

- ‌مزايا الإيداع النقدي:

- ‌أنواع الودائع النقدية:

- ‌الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع

- ‌حساب الادخار والتوفير:

- ‌الحساب الجاري

- ‌تعريفه ومزاياه:

- ‌أركان الحساب الجاري:

- ‌الفوائد المتعلقة بالحساب الجاري:

- ‌وقف الحساب الجاري:

- ‌تعليل قاعدة عدم التجزئة:

- ‌آثار قاعدة عدم التجزئة:

- ‌قفل الحساب الجاري:

- ‌ أهم خصائص الودائع والحساب الجاري

- ‌ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات:

- ‌ثالثا: إيجار الخزائن الحديدية:

- ‌التكييف القانوني لعقد إيجار الخزانة:

- ‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

- ‌خلاصة عمليات الإيداع

- ‌ عمليات الائتمان

- ‌ الاعتمادات المصرفية

- ‌الأول: الإقراض:

- ‌ ضرورة الاتفاق على القرض، تجاريته، إبرام العقد:

- ‌تكييف الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌حكم الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌الثاني: فتح الاعتماد البسيط:

- ‌ آثار عقد فتح الاعتماد:

- ‌انتهاء العقد:

- ‌ انتقال الاعتماد:

- ‌تكييف عقد فتح الاعتماد البسيط المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الثالث: الضمان:

- ‌تكييف الضمان المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الرابع: الاعتمادات المستندية

- ‌ بيان واقعها

- ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

- ‌ موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الكمبيالة

- ‌خصائص الكمبيالة:

- ‌الوصف الشرعي للكمبيالة:

- ‌الشيك:

- ‌خصائص الشيك:

- ‌الفرق بين الشيك والكمبيالة:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي:

- ‌السند الإذني:

- ‌خصائص السند الإذني:

- ‌الوصف الإسلامي للسند الإذني:

- ‌التحويلات المصرفية والبريدية:

- ‌الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية:

- ‌النتيجة:

- ‌عمليات التظهير:

- ‌آثار التظهير التام:

- ‌آثار التظهير التوكيلي:

- ‌التظهير التأميني:

- ‌آثار التظهير التأميني:

- ‌الوصف الإسلامي للتظهير:

- ‌تحصيل الأوراق التجارية:

- ‌التكييف الفقهي الإسلامي لعمليات التحصيل:

- ‌عمليات الخصم:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي لعمليات الخصم:

- ‌الفوائد الربوية

- ‌أولا: من أقوال بعض المفسرين على قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}

- ‌ثانيا: من أقوال بعض شراح الحديث:

- ‌ثالثا: النقول عن الفقهاء:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌رابعا: أقوال الفقهاء في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌[فتاوى محمد رشيد رضا] :

- ‌الخلاصة

- ‌المواشي السائبةعلى الطرق العامة

- ‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

- ‌الموضوع الثاني:حوادث دهس السيارات وانقلابها، أو سقوط شيء منها على أحدأو قفز أحد ركابها

- ‌الموضوع الثالث:بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة نظام المرور ونحوه

- ‌الموضوع الرابع:توزيع الجزاء على من اشتركوافي وقوع حادث بنسبة اعتدائهم أو خطئهم:

الفصل: ‌ مذهب الحنابلة:

ناظر الوقف ادخار ما زاد من الغلة ليعمر بها، وله شراء شيء بما زاد مما فيه زيادة غلته، وله الاتجار فيه لمصلحة المسجد، ولو زاد ريع ما وقف لعمارته لم يشتر منه شيء، وقدمت عمارة عقاره على عمارته وعلى المستحقين، وإن لم يشترط ذلك الواقف.

7 -

إذا انهدم مسجد أو تداعى وأمكن إعادته أو إصلاحه بنقضه في الحال وجب ذلك، وإلا وجب حفظ نقضه إن رجي عوده بعد، فإن تعذر عوده بني أو رمم به مسجد آخر، والأولى أن يكون قريبا منه قدر الإمكان، وإن تعذر ذلك جعل في مرفق آخر كمدرسة أو مساكن لطلبة العلم. وكذا الحكم في حصره وقناديله وغلته التي ليست لأرباب الوظائف فيه.

أما ما كان من الغلة لأرباب وظائفه فهو لهم، كمدرس لم تحضر طلبته، ونقلوا في مسجد آخر مثلا في مثل وظائفهم، ولا يستحق الإمام ما جعل له من الغلة إلا إذا صلى في بقعة المسجد ولو منفردا إن أمكن، وإلا نقل أيضا في مثل عمله إلى مسجد آخر. والله الموفق.

ص: 75

د-‌

‌ مذهب الحنابلة:

1 -

قال ابن قدامة (1) : إذا ثبت هذا- أي: صحة المنقطع الانتهاء- فإنه ينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف، وبه قال الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى: أنه ينصرف إلى المساكين، واختاره القاضي، والشريف أبو جعفر؛ لأنه مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها، فإذا وجدت صدقة غير معينة المصرف انصرفت

(1)[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\215) .

ص: 75

إليهم، كما لو نذر صدقة مطلقة، وعن أحمد رواية ثالثة: أنه يجعل في بيت مال المسلمين؛ لأنه مال لا مستحق له، فأشبه مال من لا وارث له.

وقال أبو يوسف: يرجع إلى الواقف وإلى ورثته، إلا أن يقول: صدقة موقوفة، ينفق منها على فلان وعلى فلان، فإذا انقرض المسمى كانت للفقراء والمساكين؛ لأنه جعلها صدقة على مسمى، فلا تكون على غيره، ويفارق ما إذا قال: ينفق منها على فلان وفلان، فإنه جعل الصدقة مطلقة. ولنا: أنه أزال ملكه لله تعالى، فلم يجز أن يرجع إليه كما لو أعتق عبدا.

والدليل على صرفه إلى أقارب الواقف: أنهم أولى الناس بصدقته، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«صدقتك على غير رحمك صدقة، وصدقتك على رحمك صدقة وصلة» ، وقال:«إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس (1) » ، ولأن فيه إغناءهم وصلة أرحامهم؛ لأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات، كذلك صدقته المنقولة. إذا ثبت هذا فإنه في ظاهر كلام الخرقي، وظاهر كلام أحمد: يكون للفقراء منهم والأغنياء؛ لأن الوقف لا يختص الفقراء، ولو وقف على أولاده تناول الفقراء والأغنياء، كذا هاهنا.

وفيه وجه آخر: أنه يختص الفقراء منهم؛ لأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء، ولأننا خصصناهم بالوقف لكونهم أولى الناس بالصدقة، وأولى الناس بالصدقة الفقراء دون الأغنياء.

واختلفت الرواية في من يستحق الوقف من أقرباء الواقف، ففي إحدى الروايتين: يرجع إلى الورثة منهم؛ لأنهم الذين صرف الله تعالى إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه، فكذلك يصرف إليهم من صدقته ما لم يذكر له

(1) صحيح البخاري المناقب (3936) ، صحيح مسلم الوصية (1628) ، سنن الترمذي الوصايا (2116) ، سنن النسائي الوصايا (3628) ، سنن أبو داود الوصايا (2864) ، سنن ابن ماجه الوصايا (2708) ، موطأ مالك الأقضية (1495) ، سنن الدارمي الوصايا (3196) .

ص: 76

مصرفا.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك أن تترك ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس (1) » . فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم، ويكون وقفا عليهم، نص عليه أحمد، وذكره القاضي؛ لأن الوقف يقتضي التأبيد وإنما صرفناه إلى هؤلاء؛ لأنهم أحق الناس بصدقته، فصرف إليهم مع بقائه صدقة.

ويحتمل كلام الخرقي أنه يصرف إليهم على سبيل الإرث، ويبطل الوقف فيه. فعلى هذا يكون كقول أبي يوسف. والرواية الثانية: يكون وقفا على أقرب عصبة الواقف، دون بقية الورثة من أصحاب الفروض، ودون البعيد من العصبات، فيقدم الأقرب فالأقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالي، لأنهم خصوا بالعقل عنه، وبميراث مواليه، فخصوا بهذا أيضا، وهذا لا يقوى عندي، فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع أو قياس، ولا نعلم فيه نصا، ولا إجماعا، ولا يصح قياسه على ميراث ولاء الموالي؛ لأن غلته لا تتحقق هاهنا.

وأقرب الأقوال فيه: صرفه إلى المساكين؛ لأنهم مصارف مال الله تعالى وحقوقه، فإن كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى به، لا على سبيل الوجوب، كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم، ولأننا إذا صرفناه إلى أقاربه على سبيل التعيين، فهي أيضا جهة منقطعة، فلا يتحقق اتصاله إلا بصرفه إلى المساكين. وقال الشافعي: يكون وقفا على أقرب الناس إلى الواقف، الذكر والأنثى فيه سواء.

(1) صحيح البخاري المناقب (3936) ، صحيح مسلم الوصية (1628) ، سنن الترمذي الوصايا (2116) ، سنن النسائي الوصايا (3626) ، سنن أبو داود الوصايا (2864) ، سنن ابن ماجه الوصايا (2708) ، مسند أحمد بن حنبل (1/179) ، موطأ مالك الأقضية (1495) ، سنن الدارمي الوصايا (3196) .

ص: 77

2 -

وقال ابن قدامة أيضا (1) : فصل: فإن لم يكن للواقف أقارب، أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء والمساكين وقفا عليهم؛ لأن القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام، وإنما قدمنا الأقارب على المساكين لكونهم أولى، فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك، فصرف إليهم إلا على قول من قال: إنه يصرف إلى ورثة الواقف ملكا لهم فإنه يصرف عند عدمهم إلى بيت المال؛ لأنه بطل الوقف فيه بانقطاعه، وصار ميراثا لا وارث له، فكان بيت المال به أولى.

3 -

وقال أيضا (2) : فصل: فإن قال: وقفت هذا، وسكت، أو قال: صدقة موقوفة، ولم يذكر سبيله، فلا نص فيه. وقال ابن حامد: يصح الوقف. قال القاضي: هو قياس قول أحمد، فإنه قال في النذر المطلق: ينعقد موجبا لكفارة يمين.

وهذا قول مالك، والشافعي في أحد قوليه؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فوجب أن يصح مطلقه؛ كالأضحية والوصية، ولو قال: وصيت بثلث مالي صح، وإذا صح صرف إلى مصارف الوقف المنقطع بعد انقراض الموقوف عليه.

4 -

وقال أيضا (3) : وإن وقف على من يجوز الوقف عليه، ثم على من لا يجوز الوقف عليه، مثل: أن يقف على أولاده ثم على البيع، صح الوقف أيضا، ويرجع بعد انقراض من جاز الوقف عليه إلى من يصرف إليه

(1)[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\217) .

(2)

[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\217) .

(3)

[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\218) .

ص: 78

الوقف المنقطع؛ لأن ذكره لمن لا يجوز الوقف عليه وعدمه واحد، ويحتمل أن لا يصح الوقف؛ لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز فأشبه تفريق الصفقة.

5 -

وقال أيضا (1) : فصل: وإن كان الوقف منقطع الابتداء، مثل أن يقفه على من لا يجوز الوقف عليه كنفسه، أو أم ولده، أو عبده، أو كنيسة، أو مجهول، فإن لم يذكر له مآلا يجوز الوقف عليه فالوقف باطل، وكذلك إن جعل مآله مما لا يجوز الوقف عليه؛ لأنه أخل بأحد شرطي الوقف فبطل، كما لو وقف ما لا يجوز وقفه، وإن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه، مثل: أن يقفه على عبده، ثم على المساكين ففي صحته وجهان، بناء على تفريق الصفقة، وللشافعي فيه قولان، كالوجهين، فإذا قلنا: يصح، وهو قول القاضي، وكان من لا يجوز الوقف عليه ممن لا يمكن اعتبار انقراضه؛ كالميت والمجهول والكنائس- صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه؛ لأننا لما صححنا الوقف مع ذكر ما لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه؛ فإنه يتعذر التصحيح مع اعتباره.

وإن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار انقراضه، كأم ولده، وعبد معين، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه ينصرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه، كالتي قبلها، ذكره أبو الخطاب.

والثاني: أنه ينصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع، إلى أن

(1)[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\218) .

ص: 79

ينقرض من لا يجوز الوقف عليه، فإذا انقرض صرف إلى من يجوز.

وهذا الوجه الذي ذكره القاضي، وابن عقيل؛ لأن الواقف إنما جعله وقفا على من يجوز بشرط انقراض هذا، فلا يثبت بدونه، وفارق ما لا يمكن اعتبار انقراضه، فإنه تعذر اعتباره، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين. اهـ.

6 -

وقال (1) أيضا: فصل: وإن كان الوقف صحيح الطرفين، منقطع الوسط، مثل: أن يقف على ولده ثم على عبيده ثم على المساكين خرج في صحة الوقف وجهان، كمنقطع الانتهاء، ثم ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه، فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحة، وإن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر أو يلغى؟ على وجهين، كما تقدم، وإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط، كرجل وقف على عبيده، ثم على أولاده، ثم على الكنيسة خرج في صحته أيضا وجهان، ومصرفه بعد من يجوز إلى مصرف الوقف المنقطع. اهـ.

7 -

وذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله عن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (2) قوله: وأما الوقف الذي لم يذكر له مصرف إذا انقرض الموقوف عليهم فمشهور المذهب أنه يكون لورثة الواقف وقفا عليهم نسبا بقدر إرثهم، ويقع الحجب بينهم، فللبنت مع الابن الثلث والباقي له، وإن كان الوارث أخا شقيقا وأخا لأب انفرد به الشقيق.

(1)[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\219) .

(2)

[الدرر السنية] ، المجلد الثاني، الجزء الخامس (246) .

ص: 80

وقال ابن أبي موسى: يكون ملكا للورثة، قال الشيخ تقي الدين: وهذا أصح وأشبه بكلام أحمد، وقال الشافعي: يكون وقفا على أقرب الناس للواقف، الذكر والأنثى فيه سواء، واختار الموفق: أنه يصرف إلى المساكين، وهو رواية عن أحمد، فإن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أحق به من غيرهم لا على سبيل الوجوب. اهـ.

8 -

قال ابن قدامة (1) : فصل: ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين، ففيه وجهان:

أحدهما: يشترط ذلك، فإن لم يقبله أو رده بطل في حقه دون من بعده، وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز، يصرف في الحال إلى من بعده، وفيه وجه آخر: أنه إن كان من لا يجوز يعرف انقراضه، كرجل معين، صرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض، ثم يصرف إلى من بعده، وإن وقف على جهة تنقطع، ولم يذكر له مآلا، وكذا على من يجوز ثم على من لا يجوز، أو قال: وقفت، وسكت، انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين، والأخرى إلى أقرب عصبته، وهل يختص به فقراؤهم؟ على وجهين:

وقال القاضي في موضع: يكون وقفا على المساكين. وإن قال: وقفته سنة لم يصح. ويحتمل أن يصح، ويصرف بعدها مصرف المنقطع.

9 -

وفي حاشية المقنع (2) قوله: (وكان كما لو وقف على من لا

(1)[المقنع](2\314) وما بعدها.

(2)

[حاشية المقنع](2\314) .

ص: 81

يجوز. . .) إلخ هذا الوقف المنقطع الابتداء، وهو صحيح على الصحيح من المذهب؛ لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إليه في الجملة، ولا حالة يمكن انتظارها، فوجب الصرف إليه لئلا يفوت غرض الواقف، ولئلا تبطل فائدة الصحة.

10 -

وفيها أيضا (1) قوله: (وإن وقف على جهة تنقطع) وجملة ذلك

وإن كان غير معلوم الانتهاء، وهي مسألة الكتاب، مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة، فالمذهب: الصحة، وبه قال مالك، وأبو يوسف، والشافعي في أحد قولين؛ لأنه معلوم المصرف فصح، كما لو صرح بمصرفه؛ إذ المطلق يحمل على العرف، كنقد البلد، وحينئذ يصرف إلى ورثة الواقف وقفا عليهم، وهذا المذهب؛ لأن الوقف مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس به؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«صدقتك على غير ذي رحمك صدقة، وصدقتك على ذي رحمك صدقة وصلة» ، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس (2) » ، ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل، فعليها يقسم على قدر إرثهم، جزم به في [الفروع] وغيره، قال القاضي: فللبنت مع الابن الثلث، وله الباقي، وللأخ من الأم مع الأخ للأب السدس، وله ما بقي، وإن كان أخ وجد قاسمه، وإن كان أخ وعم انفرد به الأخ، وإن كان عم وابن عم انفرد به العم.

(1)[حاشية المقنع](2\315) وما بعدها.

(2)

صحيح البخاري المناقب (3936) ، صحيح مسلم الوصية (1628) ، سنن الترمذي الوصايا (2116) ، سنن النسائي الوصايا (3628) ، سنن أبو داود الوصايا (2864) ، سنن ابن ماجه الوصايا (2708) ، موطأ مالك الأقضية (1495) ، سنن الدارمي الوصايا (3196) .

ص: 82

وقال الحارثي: وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حال دون حال، وتفضيل لبعض على بعض، ولو وقف على أقاربه لما قالوا فيه بهذا. التخصيص والتفضيل، وكذا لو وقف على أولاده أو أولاد زيد لا يفضل فيه الذكر على الأنثى، وقد قالوا هنا: إنما ينتقل إلى الأقارب وقفا. انتهى.

فظاهر كلامه أنه مال إلى عدم المفاضلة وما هو ببعيد، قاله صاحب [الإنصاف]، قال في [الفائق] : وعنه في أقاربه ذكرهم وأنثاهم بالسوية، ويختص به الوارث. انتهى.

11 -

ومنها أيضا (1) قوله: (وكذا إذا وقف على من يجوز) الوقف عليه كأولاده (ثم على من لا يجوز، أو وقفه وسكت) فإنه يصرف إلى ورثة الواقف نسبا حين الانقراض.

12 -

وفيها أيضا (2) فائدتان: إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها في حياة الواقف، بأن وقف على أولاده، أو أولاد زيد فقط فانقرضوا في حياته رجع الوقف إلى الواقف وقفا عليه، ولو وقف على أولاده وأنسالهم، على أنه من توفي منهم من غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه، فتوفي أحد أولاد الواقف من غير ولد، والأب الواقف حي فهل يعود نصيبه إليه؛ لكونه أقرب الناس إليه أم لا؟ تخرج على ما قبلها. والتي قبلها هي ما ذكرها بقوله: قوله: (وكذا إذا وقف على من يجوز الوقف عليه كأولاده، ثم على من لا يجوز، أو وقفه وسكت؛ فإنه يصرف إلى ورثة الواقف نسبا حين

(1)[حاشية المقنع](2\316) .

(2)

[حاشية المقنع](2\316) .

ص: 83

الانقراض) .

13 -

ومنها أيضا (1) : الثانية: للوقف صفات:

إحداهما: متصل الابتداء والوسط والانتهاء.

الثانية: منقطع الابتداء متصل الانتهاء.

الثالثة: متصل الابتداء منقطع الانتهاء، عكس الذي قبله.

الرابعة: متصل الابتداء والانتهاء منقطع الوسط.

الخامسة: عكس الذي قبله: منقطع الطرفين صحيح الوسط، وأمثلتها واضحة، وكلها صحيحة على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.

السادسة: منقطع الأول والوسط والآخر، مثل: أن يقف على من لا يصح الوقف عليه ويسكت، أو يذكر ما لا يصح الوقف عليه أيضا، فهذا باطل بلا نزاع بين الأصحاب، فالصفة الأولى: هي الأصل في كلام المصنف وغيره، والصفة الثانية: تؤخذ من كلام المصنف حيث قال: وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز. والصفة الثالثة: تؤخذ من كلامه أيضا حيث قال: وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا، أو على من يجوز ثم على من لا يجوز، والرابعة والخامسة لم يذكرهما المصنف، لكن الحكم واحد.

14 -

ومنها أيضا (2) : قوله: (والأخرى إلى أقرب عصبته) أي: لأنهم أقاربه وأولى الناس ببره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ابدأ بمن تعول،

(1)[المقنع] وعليه الحاشية (2\316) .

(2)

[حاشية المقنع](2\316) .

ص: 84

أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك (1) » رواه النسائي، فعلى الروايتين يكون وقفا على الصحيح من المذهب؛ لأن الملك زال بالوقف فلا يعود ملكا، نص عليه، وعنه يكون ملكا، قال في [الفائق] : وقيل: يكون ملكا، اختاره الخرقي، قال في [المغني] : ويحتمله كلام الخرقي، قال في [الفائق] : وقال ابن أبي موسى: إن رجع إلى الورثة كان ملكا بخلاف العصبة، قال الشيخ تقي الدين: وهذا أصح وأشبه بكلام أحمد، قال في الشرح: وقال شيخنا: ولا يقوى عندي رجوعه إليهم، فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع، ولا نعلم فيه نصا ولا إجماعا. ولا يصح قياسه على ميراث، ولا الوالي؛ لأن علته لا تحقق هاهنا، وأقرب الأقوال فيه صرفه إلى المساكين، وهو رواية ثالثة عن أحمد، واختارها جماعة من الأصحاب؛ لأنهم مصارف مال الله تعالى وحقوقه، فإن كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى به لا على سبيل الوجوب، كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم، فإن لم يكن للواقف أقارب، أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء والمساكين وقفا عليهم؛ لأن القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام، وهذا الصحيح من المذهب. اهـ.

15 -

وقال في المقنع (2) : وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين.

(1) سنن النسائي الزكاة (2532) .

(2)

[المقنع](2\319) وما بعدها.

ص: 85

قال في الحاشية (1) قوله: (وإن وقف على ثلاثة. .) إلخ أي: كزيد وعمرو وبكر، وهذا المذهب وعليه الأصحاب، لأنه الموقوف عليه أولا، وعوده إلى المساكين مشروط بانقراضهم، إذ استحقاق المساكين مرتب بثم، ولو وقف على ثلاثة ولم يذكر له مآلا، فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع، كما لو ماتوا جميعا. قاله الحارثي، قال: وعلى ما في الكتاب -أي: المقنع- يصرف إلى من بقي، وقطع به في القواعد، قال في [المبدع] : وهو أظهر، قال في [التنقيح] : وهو أقوى، وجزم به في [المنتهى]، وإن قال: وقفته على أولادي، ثم على أولادهم، ثم على الفقراء، فالصحيح من المذهب: أن هذا ترتيب جملة على مثلها لا يستحق البطن الثاني شيئا قبل انقراض الأول، وقيل: ترتيب أفراد، فيستحق الولد نصيب أبيه بعد موته، فهو من ترتيب الأفراد بين كل شخص وأبيه، اختاره الشيخ تقي الدين، وصاحب [الفائق] .

قال الشيخ تقي الدين: فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد، وإن لم يستحق أبوه شيئا، وقال أيضا - في من وقف على ولديه نصفين ثم أولادهما وأولاد أولادهما، وعقبهما بعدهما بطنا بعد بطن -: أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى ولده، ثم ولد ولده، وقال: من ظن أن الوقف كالإرث، فإن لم يكن أبوه أخذ شيئا لم يأخذ هو، فلم يقله أحد من الأئمة، ولم يدر ما يقول؛ ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيهم إجماعا ولا فرق. اهـ.

(1)[حاشية المقنع](2\320) .

ص: 86

16 -

قال ابن قدامة (1) : فصل: وما فضل من حصر المسجد وزيته ولم يحتج إليه جاز أن يجعل في مسجد آخر، أو يتصدق من ذلك على فقراء جيرانه وغيرهم، وكذلك إن فضل من قصبه أو شيء من نقضه. قال أحمد في مسجد بني فبقي من خشبه أو قصبه أو شيء من نقضه - قال: يعان به في مسجد آخر، أو كما قال.

وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد (2) إذا فضل منه الشيء أو الخشبة، قال: يتصدق به، وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تخرقت تصدق بها، وقال في موضع آخر: قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة. وروى الخلال بإسناده عن علقمة، عن أمه، أن شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال:(يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها، فنحفر لها آبارا فندفنها فيها حتى لا تلبسها الحائض والجنب) قالت عائشة: (بئس ما صنعت، ولم تصب، إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب، ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين) فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة، وهذه قصة مثلها ينتشر، ولم ينكر فكان إجماعا؛ ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف، فصرف إلى المساكين، كالوقف المنقطع.

17 -

وقال ابن قدامة أيضا (3) : وما فضل من حصره وزيته جاز صرفه

(1)[المغني] وعليه [الشرح الكبير](6\229، 230) .

(2)

بواري المسجد: حصره.

(3)

المقنع، (2\331)

ص: 87

إلى مسجد آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين. قال في الحاشية (1) : قوله: (وما فضل من حصره. .إلخ) وعبارة الوجيز (وما فضل عن حاجته) وهي أولى، جاز صرفه إلى مسجد آخر، وقال أحمد رحمه الله: لأنه انتفاع في جنس ما وقف له والصدقة به على فقراء المسلمين، ونص عليه، وهذا المذهب، وعنه: يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، وقال: يجوز أيضا صرفه في سائر المصالح.

18 -

وقال ابن قدامة (2) : وإن عين رجلا أن يحج فأبى أن يحج بطل التعيين، ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي إلى الورثة.

19 -

قال في [الإقناع] وشرحه (3) : (وما فضل عن حاجة المسجد من حصره وزيته ومغله وأنقاضه وآلته وثمنها) إذا بيعت (جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج) إليه؛ لأنه صرف في نوع المعين (و) جازت (الصدقة بها) أي: بالمذكورات (على فقراء المسلمين) ؛ لأنه في معنى المنقطع، قال الحارثي: وإنما لم يرصد؛ لما فيه من التعطل فيخالف المقصود، ولو توقعت الحاجة في زمن آخر ولا ريع يسد مسدها لم يصرف في غيرها؛ لأن الأصل الصرف في الجهة المعينة، وإنما سومح بغيرها حيث لا حاجة، حذرا من التعطل، وخص أبو الخطاب والمجد الفقراء بفقراء جيرانه لاختصاصهم بمزيد ملازمته، والعناية بمصلحته. قال الحارثي: والأول

(1)[حاشية المقنع](2\331) .

(2)

[المغني](6\131) .

(3)

[الإقناع] وشرحه (4\249) ، [الفروع](4\630) .

ص: 88

أشبه (قال الشيخ) يجوز صرف الفاضل في مثله (وفي سائر المصالح و) في (بناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته وفضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر) من الوقف (يتعين إرصاده. ذكره) القاضي محمد (أبو الحسين واقتصر عليه الحارثي) قال: وأما فضل غلة الموقوف على معين أو معينين، أو طائفة معينة فتعين إرصاده. ذكره القاضي أبو الحسين في فضل غلة الموقوف على نفقة إنسان، وإنما يتأتى إذا كان الصرف مقدرا، أما عند عدم التقدير فلا فضل إذ الغلة مستغرقة. اهـ.

وقال في [المنتهى] وشرحه (1) : (وفضل غلة موقوف على معين) كزيد أو ولده (استحقاقه مقدر) بأن قال: يعطى من ريعه كل شهر عشرة دراهم مثلا وريعه أكثر (يتعين إرصاده) أي: الفضل؛ لأنه ربما احتيج إليه بعد. اهـ.

20 -

وسئل شيخ الإسلام رحمه الله السؤال (2) : رجل وقف وقفا على مسجد، وأكفان الموتى، وشرط فيه الأرشد فالأرشد من ورثته، ثم للحاكم، وشرط لإمام المسجد ستة دراهم، والمؤذن والقيم بالتربة ستة دراهم، وشرط لهما دارين لسكناهما، ثم إن ريع الوقف زاد خمسة أمثاله، بحيث لا يحتاج الأكفان إلى زيادة، فجعل لهما الحاكم كل شهر ثلاثين درهما، ثم اطلع بعد ذلك على شرط الواقف فتوقف أن يصرف عليهم ما زاد على شرط الواقف، فهل يجوز له ذلك؟ وهل يجوز لهما تناوله؟

(1)[المنتهى] وشرحه (2\516) .

(2)

[مجموع فتاوى شيخ الإسلام](31\17، 19) .

ص: 89

فأجاب: نعم، يجوز أن يعطى الإمام والمؤذن من مثل هذا الوقف الفائض رزق مثلهما، وإن كان زائدا على ثلثين، بل إذا كانا فقيرين، وليس لما زاد مصرف معروف جاز أن يصرف إليهما منه تمام كفايتهما. وذلك لوجهين:

أحدهما: أن تقدير الواقف دراهم مقدرة في وقف مقدار ريع قد يراد به النسبة، مثل أن يشرط له عشرة، والمغل مائة، ويراد به العشر، فإن كان هناك قرينة تدل على إرادة هذا عمل به. ومن المعلوم في العرف أن الوقف إذا كان مغله مائة درهم، وشرط له ستة، ثم صار خمسمائة، فإن العادة في مثل هذا أن يشرط له أضعاف ذلك، مثل خمسة أمثاله، ولم تجر عادة من شرط ستة من مائة أن يشترط ستة من خمسمائة، فجعل كلام الناس على ما جرت به عادتهم في خطابهم.

الثاني: أن الواقف لو لم يشترط هذا فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه، وما يشبهها، مثل صرفه في مساجد أخر، وفي فقراء الجيران، ونحو ذلك؛ لأن الأمر دائر بين أن يصرف في مثل ذلك، أو يرصد لما يحدث من عمارة، ونحوه، ورصده دائما مع زيادة الريع لا فائدة فيه، بل فيه مضرة، وهو حبسه لمن يتولى عليهم من الظالمين المباشرين والمتولين الذين يأخذونه بغير حق.

وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه حض الناس على مكاتب يجمعون له، ففضلت فضلة؛ فأمر بصرفها في المكاتبين والسبب فيه: أنه إذا تعذر المعين، صار الصرف إلى نوعه؛ ولهذا كان الصحيح في الوقف هو هذا القول، وأن يتصدق بما فضل من كسوته، كما كان عمر بن الخطاب

ص: 90

يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج.

وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن صرف الفاضل إلى إمامه ومؤذنه مع الاستحقاق أولى من الصرف إلى غيرهما، وتقدير الواقف لا يمنع استحقاق الزيادة بسبب آخر كما لا يمنع استحقاق غير مسجده.

وإذا كان كذلك وقدر الأكفان التي هي المصروفة ببعض الريع صرف ما يفضل إلى الإمام والمؤذن ما ذكر. اهـ.

21 -

وقال أيضا (1) : وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال بلا فائدة.

وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج، ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغنى عنه من الحصر ونحوها، وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان حتى صار موضع الأول سوقا.

22 -

وسئل عن الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه (2) .

فأجاب: يصرف في نظير تلك الجهة، كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر؛ لأن الواقف غرضه في الجنس، والجنس واحد، فلو قدر أن المسجد الأول خرب ولم ينتفع به أحد صرف ريعه في مسجد آخر، فكذلك إذا فضل عن مصلحته شيء فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه، ولا إلى تعطيله، فصرفه في جنس المقصود أولى، وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف، وقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه أنه

(1)[مجموع الفتاوى](31\93) .

(2)

مجموع الفتاوى (31\206، 207) .

ص: 91

حض الناس على إعطاء مكاتب ففضل شيء عن حاجته فصرفه في المكاتبين.

23 -

وقال أيضا (1) جوابا عن وقف على تكفين الموتى يفيض كل سنة على الشرط، هل يتصدق به؟ وهل يعطى منه أقارب الواقف الفقراء؟

قال: إذا فاض الوقف عن الأكفان صرف الفاضل في مصالح المسلمين، وإذا كان أقاربه محاويج فهم أحق من غيرهم.

24 -

وقال أيضا (2) : وأما ما فضل من الريع عن المصارف المشروطة ومصارف المساجد فيصرف في جنس ذلك، مثل عمارة مسجد آخر، ومصالحها، أو إلى جنس المصالح، ولا يحبس المال أبدا لغير علة محدودة، لا سيما في مساجد قد علم أن ريعها يفضل عن كفايتها دائما، فإن حبس مثل هذا المال من الفساد {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (3)) .

25 -

وقال أيضا (4) : وأما الفاضل عن مصلحة المسجد فيجوز صرفه في مسجد آخر، وفي المستحقين للصدقة من أقارب الواقف وجيران المسجد.

26 -

قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (5) : وأجاب الشيخ عبد الله أبابطين الذي وقف على عمارة مواعين سبل، وذكر أن المواعين ما تحتمل غلة ذلك الوقف، فالذي أرى أن يصرف فيما يناسب ذلك، مثل: أن

(1) مجموع الفتاوى (31\203) .

(2)

مجموع الفتاوى (31\210) .

(3)

سورة البقرة الآية 205

(4)

مجموع الفتاوى (31\258) .

(5)

مجموع ابن قاسم [الدرر السنية] المجلد الثاني، الجزء الخامس (248) .

ص: 92

يشترى به قدر ونحوه من نظيره من الوجه المذكور، فإن كان ذلك وصية لا وقفا فيعمر منها الماعون وما فضل للورثة. اهـ.

مما تقدم من النقول يتلخص ما يأتي:

1 -

اختلف في الوقف المنقطع ابتداؤه أو وسطه أو نهايته. فقيل: لا يصح، لأن القصد بالوقف التأبيد ودوام الإحسان والثواب، وعليه يرجع إلى الواقف أو ورثته ملكا، وقيل: يصح المنقطع بأنواعه الثلاثة، وعليه فمنقطع الانتهاء يصرف بعد انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف وقفا عليهم أو ملكا لهم؛ لأنهم أولى الناس بإحسانه وصلته للآثار الواردة في ذلك، وهل يرجع إلى أقرب عصبته، لأنهم خصوا بالعقل عنه وبميراث مواليه أو إلى ورثته، لأنهم أحق بماله بعد وفاته فكانوا أحق بصلاته في حياته، خلاف، وهل يختص به فقراؤهم؛ لأنهم مصارف الإحسان والتبرعات، أو يشترك معهم أغنياؤهم لصلاحية الوقف عليهم كالفقراء، خلاف، وهل يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم أو تقسم غلته بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، خلاف. وفي رواية ثانية عن الإمام أحمد أنه يرجع بعد انقراض الموقوف عليهم للمساكين؛ لأنهم مصرف الصدقات، وحقوق الله تعالى التي لم يعين لها مصرف. وفي رواية ثالثة عنه: أنه يوضع في بيت المال؛ لأنه لا مستحق له، فأشبه مال من لا وارث له، واختار ابن قدامة صرفه للمساكين، فإن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أولى به لا على سبيل الوجوب، ولا يرجع هذا الوقف بحال إلى الواقف، لأنه أزاله عن ملكه لله تعالى كالإعتاق.

وأما منقطع الابتداء فإن لم يذكر له مآلا، أو ذكر مآلا لا يجوز الوقف

ص: 93

عليه كان باطلا، وإن ذكر مآلا لا يجوز الوقف عليه ففي صحته وجهان، بناء على تفريق الصفقة، وعلى تقدير صحته يصرف إلى من بعد الانقطاع إن كان الموقوف عليه مما لا يمكن اعتبار انقراضه، كالميت والمجهول والكنائس؛ لأن الموقوف عليه لغو؛ لتعذر التصحيح مع اعتباره، وإن كان الموقوف عليه يمكن اعتبار انقراضه كعبده ففي مصرفه وجهان:

الأول: يصرف إلى من بعده في الحال.

الثاني: يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع الآخر إلى أن ينقرض من وقف عليه وقفا غير جائز ثم ينتقل لمن بعده؛ لأن شرط الانتقال -وهو الانقراض- لم يوجد.

وإن كان منقطع الوسط ففي صحة الوقف وجهان، كمنقطع الانتهاء، وعلى تقدير الصحة فإن لم يمكن اعتبار انقراض الوسط الموقوف عليه كالمجهول ألغي وانتقل إلى ما بعده، وإن أمكن اعتبار إلغائه، كالوقف على معين ثم أم ولده ثم المساكين ففيه الوجهان السابقان في منقطع الابتداء.

2 -

إذا قال: وقفت، وسكت فلم يبين مصرفا فلا نص فيه، وقياس قول أحمد: أنه يصح قياسا على الصدقة والهدي والضحية والوصية، والنذر، ولأنه أزاله الواقف عن ملكه لله تعالى على وجه القربة فوجب أن يصح، وعليه فمصرفه مصرف الوقف المنقطع الآخر بعد انقراض الموقوف عليهم، ومشهور المذهب: أنه يكون لورثة الواقف وقفا عليهم تصرف غلته إليهم نسبا بقدر إرثهم، ويقع فيها الحجب كالإرث. ومال الحارثي إلى عدم المفاضلة، وقيل: يرجع إلى الورثة ملكا، قال الشيخ تقي الدين: وهذا أصح وأشبه بقول أحمد، واختار الموفق صرفه إلى

ص: 94

المساكين، وهو رواية عن أحمد، فإن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أحق به لا على سبيل الوجوب.

3 -

لا يشترط لصحة الوقف قبول الموقوف عليه إلا إن كان آدميا معينا ففيه وجهان: أحدهما: لا يشترط فيصرف إليه، والثاني: يشترط فإن قبل صرف إليه، وإن لم يقبل أو رد بطل في حقه دون من بعده وصرف إلى من بعده في الحال، أو يصرف مصرف الوقف المنقطع الابتداء أو الوسط.

4 -

إذا قال: وقفت داري سنة مثلا لم يصح؛ لأن مقتضى الوقف التأبيد، ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع.

5 -

إن وقف على زيد وعمرو وبكر مثلا، ثم على المساكين، فمات أحدهم عاد نصيبه إلى الآخرين؛ لأن مصرفه إليهم أولا، وصرفه للمساكين مرتب بثم، فلا ينقل إليهم منه شيء إلا بعد انقراضهم، ولو عين الموقوف عليهم ولم يذكر مآلا فمصرفه مصرف المنقطع الآخر، وقيل: يرجع لمن بقي منهم، قال في المبدع: وهو أظهر، قال في التنقيح: وهو أقوى.

6 -

لو قال: وقفت على أولادي، ثم على أولادهم، ثم على الفقراء. فهل هو ترتيب جملة أو ترتيب إفراد؟ الصحيح من المذهب، الأول، واختار الثاني ابن تيمية، وصاحب الفائق، وعلى الأول: لا يستحق البطن الثاني شيئا إلا بعد انقراض البطن الأول كله، وعلى الثاني: يستحق الولد نصيب أبيه بعد موته، بل يستحق ذلك ولو حرم منه أبوه، وكذلك الحكم لو وقف على أولاده بطنا بعد بطن.

7 -

ما فضل عن حاجة المسجد من حصره ونقضه وآلته وزيته وخشبه

ص: 95

وعن ثمنها إن بيعت جاز صرفه إلى مسجد آخر دون التصدق به على الفقراء أو إنفاقه في المصالح العامة، واختاره الشيخ تقي الدين؛ لأنه انتفاع به في جنس ما وقف عليه، وقيل: يجوز ذلك، ويجوز التصدق به، وصرفه في المصالح العامة، وهل يؤثر بذلك جيرانه الفقراء لمزيد اختصاصهم به أو يعم؟ خلاف.

واستدل لذلك: بأن عمر كان يقسم كسوة الكعبة كل عام بين الحجاج، وبأن عليا حض الناس على جمع مال إعانة لمكاتب ففضلت فضلة فأمر بصرفها في المكاتبين، وكل هذا ما لم تتوقع حاجة المسجد إلى الفاضل من وقفه، وإلا رصد له؛ لأن الأصل الصرف في الجهة المعينة. وأما فضل غلة موقوف على معين، أو معينين مع تقدير استحقاق المعين، مثل أن يقال: يعطى من ريعه كل شهر عشرة دراهم مثلا، فيتعين إرصاد الفضل؛ لأنه ربما احتيج إليه بعد، وإن كان الاستحقاق غير معين فلا فضل؛ لأن الغلة مستغرقة.

8 -

إذا عين الواقف لكل من إمام المسجد ومؤذنه والقيم عليه مقدارا من غلة الوقف فزادت الغلة أضعافا مضاعفة جاز أن يعطى كل من أولئك زيادة على ما عين بقدر نسبة الزيادة في الريع؛ لجواز أن يكون الواقف أراد بما عينه لكل منهم نسبة من الريع وقت الوقف، وجاز أن يعطى كل منهم قدر كفايته من فائض الريع الذي لا تتوقع الحاجة إليه بعد لإفراد الزيادة؛ لأن فائض الوقف يصرف في جنس ما وقف عليه، أو يتصدق به على الفقراء، وصرفه في ذلك خير من حبسه وتعطيله.

وجملة القول: أن ما حكم فيه من الأوقاف بالبطلان لفقد شرط من

ص: 96

شروطها عاد للواقف إن كان حيا، ولورثته إن كان ميتا، وما خرج منها مخرج العمرى من أجل صيغته، كما في بعض النقول عن المالكية فيما سبق فمرجعه بعد انتهاء أمد العمرى إلى المعمر، أو ورثته إن كان ميتا عند مالك رضي الله عنه، وما حكم بصحته من الأوقاف فمرجع غلته زمن الانقطاع، أو بعد الانقراض، ومرجع فاضل غلته من المسائل الاجتهادية التي للنظر فيها مجال؛ لعدم ورود نص صريح فيها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم؛ فلذا اختلف الفقهاء في مرجع ذلك، ولكل وجهته.

والله الموفق. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 97