الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4)
إيجاد مواقف للسيارات
تحت المساجد
هيئة كبار العلماء
بالمملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
إيجاد مواقف للسيارات
تحت المساجد
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء المنعقدة بالطائف في النصف الأول من شهر شعبان عام 1395 هـ من إدراج موضوع إيجاد مواقف للسيارات تحت المساجد والجوامع عند إنشائها داخل مدينة الرياض في جدول أعمال الهيئة للدورة المتقرر انعقادها في النصف الأول من شهر ربيع الثاني لعام 1396 هـ وإعداد بحث في حكم ذلك - فقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا يشتمل على بعض أقوال أهل العلم في سطوح المواضع المنهي عن الصلاة فيها، وعن حكم جعل أسفل المسجد سقاية أو حوانيت أو بيوت أو نحو ذلك، مع إثارة بعض الاعتراضات التي يمكن أن يعترض بها على ذلك ومناقشتها.
والله الموفق.
بناء المساجد على قوائم يكون ما بينها مرفق يرتفق به - كمواقف للسيارات مثلا - قد يفضي ذلك إلى محاذير شرعية، فقد يكون لهذا المرفق حكم الطريق باعتبار أن السيارات تستطرقه داخلة وخارجة، وكذا المارة من أصحابها وغيرهم، فإنهم سيرتفقون به في الاستطراق وغيره من أنواع الارتفاق.
وقد وردت أحاديث تدل على النهي عن الصلاة في مجموعة أماكن منها الطريق، فعن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي أعطان الإبل، وفوق ظهر بيت الله (1) » رواه عبد بن حميد في [مسنده] ، وابن ماجه والترمذي، وقال: إن إسناده ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه، وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال: وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد، والعمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه (2) .
ونظرا إلى أن الأحكام الخاصة بالمسجد قد تشمل هواءه وقراره فقد تكلم بعض أهل العلم في حكم الصلاة في سطوح الأماكن المنهي عن الصلاة فيها ومن ذلك الطريق، وفيما يلي بعض من أقوالهم:
قال أبو الفرج بن قدامة رحمه الله بعد كلامه على حكم الصلاة في
(1) سنن الترمذي الصلاة (346) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (746) .
(2)
[منتقى الأخبار مع شرحه النيل](2\ 142، 143) .
الأماكن المنهي عن الصلاة فيها، ومنها: قارعة الطريق- قال: فأما أسطحة هذه المواضع فقال القاضي وابن عقيل: حكمها حكم السفل؛ لأن الهواء تابع للقرار، ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث. والصحيح إن شاء الله: قصر النهي على ما تناوله النص، وأن الحكم لا يعدى إلى غيره. اهـ (1) .
وقال أبو محمد بن قدامة رحمه الله: وإن صلى على سطح الحش أو الحمام أو عطن الإبل أو غيرها، فذكر القاضي أن حكمه حكم المصلى فيها؛ لأن الهواء تابع للقرار فثبت فيه حكمه؛ ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث، ولو خرج المعتكف إلى سطح المسجد كان له ذلك؛ لأن حكمه حكم المسجد، والصحيح إن شاء الله: قصر النهي على ما تناوله النص، وأن لا يعدى إلى غيره؛ لأن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع، وإن علل فإنما يعلل؛ لكونه للنجاسة ولا تخيل هذا في سطحها، فأما إن بنى على الطريق ساباطا أو أخرج عليه خروجا فعلى قول القاضي حكمه حكم الطريق لما ذكره فيما تقدم. وعلى قولنا: إن كان الساباط مباحا له، مثل: أن يكون في درب غير نافذ بإذن أهله أو مستحقا له أو حدث الطريق بعده فلا بأس بالصلاة عليه
…
إلى أن قال: فإن كان المسجد سابقا وجعل تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي أو كان في غير مقبرة فحدثت المقبرة حوله لم تمتنع الصلاة فيه بغير خلاف؛ لأنه لم يتبع ما حدث بعده، والله أعلم. اهـ (2) .
(1)[الشرح الكبير] ، (1\ 485) .
(2)
[المغني] ، (1\ 724، 725) ، ومعه الشرح.
وقال الرحيباني بعد ذكره النهي عن الصلاة في مجموعة مواضع منها قارعة الطريق: وأسطحة ما مر من هذه المواضع التي لا تصح الصلاة فيها كهي؛ لأن الهواء تابع للقرار لمنع الجنب من اللبث بسطح المسجد، وحنث من حلف لا يدخل دارا بدخول سطحها، فلا تصح الصلاة بساباط حدث على طريق لتبعية الهواء للقرار بخلاف طريق أو غيره من مواضع النهي حدث تحت مسجد بعد بنائه، فتصح الصلاة في ذلك المسجد؛ لأنه لم يتبع ما حدث بعده. اهـ (1) .
وقال المرداوي على قول الخرقي: وقال بعض أصحابنا: حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك. ما نصه: يعني: كالمقبرة ونحوها، وهذا هو المذهب، قال الشارح: أكثر أصحابنا على هذا. قال في [الفروع] : اختاره الأكثر. قال الزركشي: وألحق عامة الأصحاب بهذه المواضع المجزرة ومحجة الطريق، وجزم به في [الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب] ، وقدمه في [الفروع والنظم والفائق] ، وهو من المفردات. وعنه تصح الصلاة في هذه الأمكنة، وإن لم يصححها في غيرها ويحتمله كلام الخرقي واختاره المصنف، وعنه تصح في أسطحتها وإن لم يصححها في داخلها، واختاره المصنف والشارح- إلى أن قال-: وعنه: لا تصح الصلاة على أسطحتها، وكرهها في رواية عبد الله وجعفر، على نهر وساباط، وقال القاضي فيما تجري فيه سفينة كالطريق، وعلله بأن الهواء تابع للقرار، واختار أبو المعالي وغيره الصحة كالسفينة. اهـ (2) .
(1)[مطالب أولي النهى] ، (1\ 368) .
(2)
[الإنصاف](1\ 492) .
وقد يمنع من أجازه جعل ما تحت المسجد مرفقا يرتفق به كون المسجد وقفا مؤبدا.
ولأهل العلم في حكم ذلك كلام يحسن إيراد ما يتيسر منه:
1 -
قال ابن الهمام: قوله: ومن جعل مسجدا تحته سرداب وهو بيت يتخذ تحت الأرض لتبريد الماء وغيره أو فوقه بيت ليس للمسجد واحد منهما، فليس بمسجد، وله بيعه، ويورث عنه إذا مات، ولو عزل بابه إلى الطريق لبقاء حق العبد متعلقا به، والمسجد خالص لله سبحانه ليس لأحد فيه حق، قال الله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (1) إلى أن قال: بخلاف مما إذا كان السرداب أو العلو موقوفا لصاحب المسجد فإنه يجوز، إذ لا ملك فيه لأحد، بل هو من تتميم مصالح المسجد فهو كسرداب مسجد بيت القدس هذا هو ظاهر المذهب. وروي عن أبي حنيفة أنه إذا جعل السفل مسجدا دون العلو جاز؛ لأنه يتأبد بخلاف العلو، وهذا تعليل للحكم بوجود الشرط فإن التأبيد شرط وهو مع المقتضى. وعن محمد عكسه، وعن أبي يوسف أنه جوز ذلك في الأولين لما دخل بغداد ورأى ضيق الأماكن وكذا عن محمد لما دخل الرين، وهذا تعليل صحيح؛ لأنه تعليل بالضرورة. - إلى أن قال-: وفي كتاب الكراهية من [الخلاصة] عن الفقيه أبي جعفر عن هشام عن محمد، أنه يجوز أن يجعل شيء من الطريق مسجدا أو يجعل شيء من المسجد طريقا للعامة. اهـ. يعني: إذا احتاجوا إلى ذلك، ولأهل المسجد أن يجعلوا الرحبة مسجدا وكذا على القلب -إلى أن قال-: إلا أن قوله: وعلى القلب يقتضي جعل المسجد رحبة وفيه نظر. وقد ذكر المصنف في علامة النون من كتاب [التنجيس] : قيم المسجد إذا أراد أن
(1) سورة الجن الآية 18
يبني حوانيت في المسجد أو في فنائه لا يجوز له أن يفعل؛ لأنه إذا جعل المسجد سكنا تسقط حرمة المسجد، وأما الفناء فلأنه تبع للمسجد. اهـ (1)
2 -
وقال في [المدونة] : قال: وسألنا مالكا عن المسجد يبنيه الرجل ويبني فوقه بيتا يرتفق به قال: ما يعجبني ذلك. قال: وقد كان عمر بن عبد العزيز إمام هدى وقد كان يبيت فوق ظهر المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا تقربه فيه امرأة، وهذا إذا بنى فوقه صار مسكنا يجامع فيه ويأكل فيه -إلى أن قال-: قلت لابن القاسم: أرأيت ما كان من المساجد بناها رجل للناس على ظهر بيته أو بناها وبنى تحتها بنيانا هل يورث ذلك؟ قال: أما البنيان على ظهر المسجد فقد أخبرتك أن مالكا كره ذلك، وأما ما كان تحت المسجد من البنيان فإنه لا يكرهه، والمسجد عند مالك لا يورث إذا كان قد أباحه صاحبه للناس، ويورث البنيان الذي بني تحت المسجد. اهـ (2)
3 -
وقال الزركشي الشافعي: كره مالك أن يبني مسجدا ويتخذ فوقه مسكنا يسكن فيه بأهله. قلت: وفي فتاوى البغوي ما يقتضي منع الجنب فيه؛ لأنه جعل ذلك هواء المسجد، وهواء المسجد حكمه المسجد. اهـ (3)
4 -
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه على حكم إبدال المسجد بغيره للمصلحة ما نصه: وقال القاضي أبو يعلى: وقال في
(1)[فتح القدير] ، (5\ 63، 64)
(2)
[المدونة الكبرى] ، (1\ 104)
(3)
[إعلام الساجد بأحكام المساجد] ، ص (407)
رواية صالح: يحول المسجد خوفا من لصوص، وإذا كان موضعه قذرا، وبالثاني قال القاضي أبو يعلى، وقال في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله أن يرفعوه من الأرض ويجعل تحته سقاية وحوانيت، وامتنع بعضهم من ذلك؟ ينظر إلى قول أكثرهم ولا بأس به. قال: فظاهر هذا أنه أجاز أن يجعل سفل المسجد حوانيت وسقاية. قال: ويجب أن يحمل هذا على أن الحاجة دعت إلى ذلك لمصلحة تعود بالمسجد. قال: وكان شيخنا أبو عبد الله -هو: ابن حامد - يمنع من ذلك ويتأول المسألة على أنهم اختلفوا في ذلك عند ابتداء بناء المسجد قبل وقفه
…
إلى أن قال: وهذا تكلف ظاهر لمخالفة نصه، فإن نصه صريح في أن المسجد إذا أرادوا رفعه من الأرض، وأن يجعل تحته سقاية وحوانيت، وأن بعضهم امتنع من ذلك، وقد أجاب: بأنه ينظر إلى قول أكثرهم. ولو كان هذا عند ابتدائه لم يكن لأحد أن ينازع في بنيه إذا كان جائزا، ولم ينظر في ذلك إلى قول أكثرهم
…
إلى أن قال: ولأن قوله: أرادوا رفعه من الأرض، وأن يجعل تحته سقاية: بين في أنه ملصق بالأرض، فأرادوا رفعه وجعل سقاية تحته، وأحمد اعتبر اختيار الأكثر من المصلين في المسجد، لأن الواجب ترجيح أصلح الأمرين، وما اختاره أكثرهم كان أنفع للأكثرين؛ فيكون أرجح. وأيضا فلفظ المسألة على ما ذكره أبو بكر عبد العزيز قال: قال في رواية سليمان بن الأشعث: إذا بنى رجل مسجدا فأراد غيره أن يهدمه ويبنيه بناء أجود من الأول فأبى عليه الباني الأول، فإنه يصير إلى قول الجيران ورضاهم: إذا أحبوا هدمه وبناءه، وإذا أرادوا أن يرفعوا المسجد من الأرض ويعمل في أسفله سقاية فمنعهم من ذلك مشائخ ضعفاء وقالوا: لا
نقدر أن نصعد؛ فإنه يرفع ويجعل سقاية، ولا أعلم بذلك بأسا، وينظر إلى قول أكثرهم، فقد نص على هذا، وتبديل بنائه بأجود، وان كره الواقف الأولى، وعلى جواز رفعه وعمل سقاية تحته، وإن منعه مشائخ ضعفاء، إذا اختار ذلك الجيران، واعتبر أكثرهم. اهـ[مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] ، (31\ 217- 220) . (1) .
وقد يمنع من جواز إقامة مواقف للسيارات تحت المساجد ما يترتب على ذلك من رفع المسجد بضع درجات توجب المشقة على المسنين والضعفاء، وقد تصل المشقة إلى اضطرار ترك الصلاة في المسجد للعجز عن الصعود إليه. وفيما مر ذكره من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إجابة على ذلك حيث إن المعتبر في ذلك رجحان المصلحة فإذا كانت المصلحة في رفع المسجد بحيث يكون أسفله مرفقا يرتفق به المسلمون أرجح من المصلحة في منع ذلك؛ ليتمكن كبار السن والضعفاء من الصلاة في المسجد صار الأمر حيث تكون المصلحة راجحة. كما أنه يمكن أن يقال: بأن بضع درجات لا توجب مشقة في الغالب إلا لمن هو في نفس الأمر مريض أو عاجز، ومتى كان كذلك فإن خروجه من بيته إلى المسجد قد يوجد له نفس المشقة فيعذر بها، وعلى فرض أن مشقة الطلوع إلى المسجد تزيد على مشقة الخروج إليه من بيته فإن المصلحة العامة التي ستحصل من ذلك راجحة على المصلحة الفردية التي ينالها العاجز عن الصعود بضع درجات في حال تركها. ذلك أن إيجاد مرفق عام يرتفق به المسلمون يعتبر
(1)[مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية](31\ 217 - 220) .
مصلحة كبرى تهدف الشريعة الإسلامية إلى تحصيلها وتكميلها، فضلا عما في ارتفاع مبنى المسجد عن الشوارع من أسباب نظافته وبعده عن الغبار والأتربة وما يتطاير في الشوارع من النفايات.
ويمكن أن يقال: بأن جعل المسجد فوق موقف للسيارات ينشأ عنه مزيد ضجة وضوضاء وإزعاج للمصلين بأبواق السيارات مع تعريض المسجد لأخطار صدم قوائمه مما يكون سببا في انهيار المسجد أو تصدعه فضلا عما في ذلك من انتهاك لحرمة المسجد حينما يكون قراره محلا للابتذال والمهانة وفحش القول بحكم اعتباره موقفا للسيارات الغالب على أهلها الابتذال في الأقوال والأعمال.
وقد يجاب عن ذلك: بأن الصخب والضوضاء والانزعاج بأبواق السيارات حاصل ولو لم يكن أسفل المسجد موقفا للسيارات؛ لأن المسجد الصالح لإقامته فوق موقف للسيارات يفترض فيه أن يكون على شوارع عامة، وما كان على شارع عام فله نصيبه الوافر من الضوضاء والصخب والانزعاج. والقول باحتمال تصدع قوائمه من صدم السيارات لها يواجه بضرورة تحصين هذه القوائم، وضمان صد هذا الاحتمال بإحكام البناء وإيجاد عوامل الصد والوقاية.
وأما القول: بأن قراره سيكون محلا للابتذال والمهانة وفحش القول والعمل كالطرق العامة والميادين. فحصول شيء من ذلك لا يعتبر مانعا على القول: بأن ما تحت المسجد مما ليس مسجدا كسقاية وحوانيت ونحوها كمواقف السيارات- ليس له حكم المسجد.
هذا ما تيسر ذكره. وصلى الله على نبيا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. حرر في 8\3\1396هـ.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز