المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في حكم اقتطاع جزء من المقبرةلمصلحة عامة كتوسعة طريق ونحوه

- ‌ أقوال أهل العلم في حكم تحويل الميت من قبره إلى آخر لغرض صحيح:

- ‌غلة الأوقاف المنقطعة جهاتهاأو الفائض من غلاتها على مصارفها

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ مذهب الحنابلة:

- ‌الرهن

- ‌أولا: تعريف الرهن لغة وشرعا والمناسبة بين المعنيين:

- ‌ تعريفه لغة:

- ‌ تعريفه شرعا:

- ‌ المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

- ‌رابعا: الخلاف في أن قبض الرهن شرط في لزومه أو ليس بشرط

- ‌خامسا: الخلاف في اشتراط استدامة القبض

- ‌سادسا: ما يعتبر قبضا للرهن مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سابعا: حكم الرهن بعد القبض:

- ‌ مؤنة الرهن:

- ‌ الانتفاع بالمرهون:

- ‌ نماء الرهن:

- ‌ التصرف في الرهن قبل حلول أجل الدين:

- ‌ استيفاء المرتهن حقه من الرهن:

- ‌ ضمان الرهن إذا هلك بنفسه:

- ‌المذهب الأول: أن الرهن إذا هلك بنفسه فلا يضمنه المرتهن

- ‌المذهب الثاني: أن الرهن إذا هلك بنفسه فهو من ضمان المرتهن

- ‌المذهب الثالث: التفرقة بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه:

- ‌إيجاد مواقف للسياراتتحت المساجد

- ‌بحث في المعاملات المصرفية والتحويلات المصرفية

- ‌عمليات الإيداع

- ‌أولا: الودائع النقدية:

- ‌تعريف الوديعة النقدية:

- ‌مزايا الإيداع النقدي:

- ‌أنواع الودائع النقدية:

- ‌الحساب العادي أو البسيط أو حساب الودائع

- ‌حساب الادخار والتوفير:

- ‌الحساب الجاري

- ‌تعريفه ومزاياه:

- ‌أركان الحساب الجاري:

- ‌الفوائد المتعلقة بالحساب الجاري:

- ‌وقف الحساب الجاري:

- ‌تعليل قاعدة عدم التجزئة:

- ‌آثار قاعدة عدم التجزئة:

- ‌قفل الحساب الجاري:

- ‌ أهم خصائص الودائع والحساب الجاري

- ‌ثانيا: إيداع الوثائق والمستندات:

- ‌ثالثا: إيجار الخزائن الحديدية:

- ‌التكييف القانوني لعقد إيجار الخزانة:

- ‌التكييف الشرعي لعملية استئجار الخزانة:

- ‌خلاصة عمليات الإيداع

- ‌ عمليات الائتمان

- ‌ الاعتمادات المصرفية

- ‌الأول: الإقراض:

- ‌ ضرورة الاتفاق على القرض، تجاريته، إبرام العقد:

- ‌تكييف الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌حكم الإقراض المصرفي في الفقه الإسلامي:

- ‌الثاني: فتح الاعتماد البسيط:

- ‌ آثار عقد فتح الاعتماد:

- ‌انتهاء العقد:

- ‌ انتقال الاعتماد:

- ‌تكييف عقد فتح الاعتماد البسيط المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الثالث: الضمان:

- ‌تكييف الضمان المصرفي في الفقه الإسلامي وبيان حكمه:

- ‌الرابع: الاعتمادات المستندية

- ‌ بيان واقعها

- ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

- ‌ موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الكمبيالة

- ‌خصائص الكمبيالة:

- ‌الوصف الشرعي للكمبيالة:

- ‌الشيك:

- ‌خصائص الشيك:

- ‌الفرق بين الشيك والكمبيالة:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي:

- ‌السند الإذني:

- ‌خصائص السند الإذني:

- ‌الوصف الإسلامي للسند الإذني:

- ‌التحويلات المصرفية والبريدية:

- ‌الوصف الإسلامي للتحويلات المصرفية:

- ‌النتيجة:

- ‌عمليات التظهير:

- ‌آثار التظهير التام:

- ‌آثار التظهير التوكيلي:

- ‌التظهير التأميني:

- ‌آثار التظهير التأميني:

- ‌الوصف الإسلامي للتظهير:

- ‌تحصيل الأوراق التجارية:

- ‌التكييف الفقهي الإسلامي لعمليات التحصيل:

- ‌عمليات الخصم:

- ‌الوصف الفقهي الإسلامي لعمليات الخصم:

- ‌الفوائد الربوية

- ‌أولا: من أقوال بعض المفسرين على قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}

- ‌ثانيا: من أقوال بعض شراح الحديث:

- ‌ثالثا: النقول عن الفقهاء:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌رابعا: أقوال الفقهاء في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:

- ‌[فتاوى المنار] :

- ‌[فتاوى محمد رشيد رضا] :

- ‌الخلاصة

- ‌المواشي السائبةعلى الطرق العامة

- ‌حوادث السيارات وبيان ما يترتبعليها بالنسبة لحق الله وحق عباده

- ‌الموضوع الثاني:حوادث دهس السيارات وانقلابها، أو سقوط شيء منها على أحدأو قفز أحد ركابها

- ‌الموضوع الثالث:بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة نظام المرور ونحوه

- ‌الموضوع الرابع:توزيع الجزاء على من اشتركوافي وقوع حادث بنسبة اعتدائهم أو خطئهم:

الفصل: ‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

4 -

أن أي نقص أو خطأ في مستندات الشحن يمكن تصحيحه أو استكماله في أقل وقت ممكن عندما يقوم البنك بفحص هذه المستندات بعد تسليمها إليه ليدفع قيمتها من الاعتماد المفتوح لديه.

5 -

يقوم المستورد باستيفاء جميع الإجراءات التي تتطلبها الرقابة على الاستيراد والرقابة على النقد في بلده قبل أن يطلب من البنك الذي يتعامل معه في فتح الاعتماد المستندي، كما أن المصدر يتولى استيفاء جميع الإجراءات اللازمة، لتصدير بضاعته بمجرد أن يخطر بفتح الاعتماد المستندي اللازمة لصالحه.

ص: 294

‌تحليل العلاقات القانونية المتفرعة عن الاعتمادات المستندية:

تقدم أن فتح الاعتماد البسيط ينشأ بين علاقتين: المصرف والعميل، وأن فتح الاعتماد المستندي ينشأ بين علاقات ثلاث: معطي الأمر، والبنك الذي يفتح الاعتماد استجابة للآمر الصادر إليه، والمستفيد من الاعتماد.

وإذا تدخل بنك وسيط في العملية ليؤيد الاعتماد للمستفيد أضيف بذلك طرف آخر، فأطرافه ثلاثة إذا كان غير مؤيد، وأربعة إذا كان مؤيدا.

وفيما يلي كلام للدكتور أمين محمد بدر، حلل فيه العلاقات بين الأطراف إذا كان الاعتماد غير قطعي أو قابلا للإلغاء، ثم أتبع ذلك بتحليل العلاقات بالنسبة للاعتماد القطعي أو غير القابل للإلغاء، فبين العلاقة بين معطي الأمر والمستفيد، ثم العلاقة بين معطي الأمر والبنك الذي يفتح

ص: 294

الاعتماد ثم العلاقة بين البنك الذي فتح الاعتماد والمستفيد.

قال الدكتور أمين محمد بدر:

الاعتماد غير القطعي أو القابل للإلغاء:

في هذه الصورة لا يوجد اعتماد بالمعنى الحقيقي إلا في أضيق الحدود، ذلك أن البنك الذي يفتح الاعتماد يحتفظ لنفسه في كل وقت بالحق في إلغائه دون حاجة إلى إخطار المستفيد بأنه فتح لمصلحته بناء على طلب معطي الأمر اعتمادا قابلا للإلغاء.

وترتيبا على ذلك يستطيع البنك أن يرفض دفع ما يسحبه عليه المستفيد من كمبيالات تنفيذا للاعتماد ما لم يكن قد سبق لهذا البنك أن وقع على هذه الكمبيالات بالقبول، إذ يلتزم في هذه الحالة التزاما شخصيا مباشرا بدفع هذه الكمبيالات للحامل، وذلك تطبيقا لقواعد الأوراق التجارية، ومن ناحية أخرى يستطيع معطي الأمر إلغاء الاعتماد في كل وقت.

ومتى أعطي البنك أمرا بالإلغاء تعين على البنك تنفيذه، إذ أنه وكيل عن معطي الأمر، ومن واجب الوكيل أن ينفذ تعليمات الموكل على أن البنك لا يسأل عن التنفيذ أو الإلغاء إلا اعتبارا من الوقت الذي يصل فيه إلى علمه تطبيقا للمادة (91) من القانون المدني، التي نصت على أن التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.

وقد يحتاج البنك إلى الاتصال ببنك وسيط سبق له أن أنهى إليه فتح الاعتماد لمصلحة المستفيد حتى يكون هو الآخر على علم بواقعة الإلغاء، وفي هذه الحالة لا يحاسب البنك الذي فتح الاعتماد عن عدم تنفيذ أمر

ص: 295

الإلغاء إلا بعد مرور الوقت الكافي لإخطار البنك الجديد بالواقعة المذكورة، وإذا ألغى البنك الاعتماد بناء على طلب معطي الأمر فإنه لا يلزم البنك إخطار المستفيد، وأما إذا تم الإلغاء ابتداء من جانب البنك فقد ثار السؤال عن التزام البنك بإخطار المستفيد بإلغاء الاعتماد.

ولكن الرأي الغالب استقر على عدم وجود مثل هذا الالتزام؛ لأن كون الاعتماد غير قطعي يفيد بذاته إمكان إلغائه من جانب البنك دون إخطار سابق، على أن الحاصل -عملا- هو أن البنوك تحرص على إخطار المستفيد بواقعة الإلغاء، وأنها لا تقدم على الإلغاء إلا إذا توافرت لديها أسباب جدية مستمدة من إعسار معطي الأمر، أو إفلاسه أو عدم أهليته الطارئ.

وفضلا عن ذلك فقد استقر الرأي على أن البنك الذي يتلقى من معطي الأمر مقابل وفاء الكمبيالات التي يسحبها عليه المستفيد لا يجوز له أن يلغي الاعتماد غير القطعي وإلا كان متعسفا في استعمال حقه، ومسئولا عن تعويض الضرر الذي يصيب معطي الأمر أو المستفيد، نتيجة الإلغاء المذكور. والواقع أن هذا الغرض نادر، إذ تنعدم مصلحة البنك في الإلغاء في مثل هذه الصورة.

وكما أن الاعتماد غير القطعي يمكن أن يلغى بناء على طلب معطي الأمر، فإنه يتأثر بكل ما يطرأ على هذا الشخص من أمور مؤثرة في حالته القانونية أو في مقدرته المالية، فينقضي بوفائه وبشهر إفلاسه وبما يطرأ عليه من عدم أهلية.

ص: 296

2 -

الاعتماد القطعي أو غير القابل للإلغاء:

ويأتي في العلاقات المتقدمة وهي:

أ- العلاقة بين معطي الأمر والمستفيد:

تخضع هذه العلاقة للشروط المتفق عليها بين الطرفين، فإذا أوجب العقد المذكور على المشتري مثلا فتح اعتماد قطعي لصالح البائع تعين على المشتري أن ينفذ هذا الالتزام وإلا كان مقصرا. ولا يشفع له في هذا التقصير أية صعوبة ترجع إلى الرقابة على التنفيذ التي قد تفرضها الدولة التي يتبعها، إذ كان يتعين عليه أن يقدر هذه الصعوبة مقدما، وأن يهيئ لها العلاج المناسب، أو أن يرفض ابتداء الالتزام قبل البائع بفتح الاعتماد المستندي قطعيا.

ب- العلاقة بين معطي الأمر والبنك الذي يفتح الاعتماد:

يلتزم معطي الأمر قبل البنك بأن يرد إليه المبالغ التي دفعها البنك؛ تنفيذا للاعتماد، وتتم تسوية هذا الالتزام عن طريق قيد المبالغ المذكورة في الجانب المدين من حساب معطي الأمر. وقد يحصل القيد المذكور على حسب الأحوال في الوقت الذي يتلقى فيه البنك الأمر بفتح الاعتماد القطعي، وقد يحصل في الوقت الذي يخطر فيه البنك المستفيد بوجود اعتماد قطعي لصالحه، وقد يحصل في الوقت الذي يقبل فيه البنك أن يدفع كمبيالة سحبها عليه المستفيد تنفيذا للاعتماد.

فلا توجد قاعدة في هذا الخصوص، بل يتوقف الأمر على اتفاق الطرفين وعلى مدى الثقة التي يستشعرها البنك فيمن أعطاه الأمر بفتح الاعتماد.

ص: 297

ومن ناحية أخرى يلتزم البنك الذي فتح الاعتماد بأن ينفذ بدقة التعليمات الصادرة إليه من معطي الأمر، وأهم التزام يقع على البنك في هذا الخصوص هو أن يقوم بالتحقيق من مطابقة مستندات الشحن للتعليمات المذكورة، ويعنينا أن نوضح أن التزام البنك في هذه الناحية إنما يرد على التحقق من مطابقة أوصاف البضاعة المبينة في مستندات الشحن بتلك المحددة في التعليمات الصادرة من معطي الأمر، بمعنى: أن البنك لا يلتزم بفحص البضائع ذاتها فحصا ماديا؛ للتحقق من مطابقتها للتعليمات، وعلى ذلك فإذا تحقق البنك من مطابقة الوثائق للتعليمات- تعين عليه أن يدفع قيمة الكمبيالة للحامل، وإلا كان مقصرا في تنفيذ التزامه، ولا يشفع للبنك في هذا الخصوص أن يتحقق من أن البضاعة الموجودة على السفينة غير مطابقة لطلبات المشتري.

والأصل أن البنك الذي فتح الاعتماد يجب أن يحتفظ بمستندات الشحن، ما دام لم يسترد من معطي الأمر ما دفعه نيابة عنه للمستفيد، ذلك أن البنك لا يستبقي حقه في رهن البضاعة رهنا حيازيا، إلا إذا ظل حائزا لمستندات الشحن التي تمثل البضاعة المذكورة، أو تمثل قيمتها في حالة الهلاك أو الضياع، على أن المشتري قد يكون في حاجة ملحة إلى إعادة بيع البضاعة وهي في طريقها إليه، حتى يستطيع من جانبه أن يوفي مطلوب البنك، وهو لا يستطيع إعادة بيع البضاعة على هذا الوجه، إلا إذا كانت مستندات شحنها بين يديه حتى يستطيع أن يتصرف فيها إلى المشتري الجديد.

وقد سعت البنوك إلى تقدير هذا الوضع فابتدعت صكوكا تمكن

ص: 298

المشتري من التصرف في البضاعة المرهونة للبنك، وفي الوقت نفسه تستبقي فيها البنوك حقها في الرهن. وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى ترك قانونية هذه الصكوك وأثرها في بقاء الرهن للبنوك أو في زواله، لتقدير المحاكم بحسب ظروف كل دعوى، على أن المسلم به في القانون الفرنسي، وكذلك الحال في القانون المصري هو أن تخلي البنك المرتهن عن مستندات الشحن -ولو تخليا مؤقتا- يستتبع زوال الرهن المقرر لصالحه، ذلك أن تنقل الحيازة من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن، هو أمر يتصل بحماية الغير لحسن النية، ولا يتوقف على مجرد اتفاق الطرفين.....

ص: 299

وإذا استعان البنك الذي صدر إليه الأمر بفتح الاعتماد ببنك آخر في هذا الخصوص، وأخطأ البنك الوسيط في تنفيذ شروط الاعتماد فإن البنك الأصلي يبقى مسئولا عن هذا الخطأ قبل معطي الأمر ما لم يكن هذا الأخير قد رخص للبنك صراحة بالاستعانة بالبنك الوسيط، وهذا الحكم هو تطبيق للمادة (708) من القانون المدني في خصوص الوكالة، فقد نصت المادة المذكورة على أنه إذا أناب الوكيل عنه غيره في تنفيذ الوكالة دون أن يكون مرخصا له في ذلك كان مسئولا عن عمل النائب، كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو، ويكون الوكيل ونائبه في هذه الحالة متضامنين في المسئولية.

أما إذا رخص للوكيل إقامة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب، فإن الوكيل لا يكون مسئولا إلا عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات، ويجوز في الحالتين السابقتين للموكل ولنائب

ص: 299

الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر.

وعلى ذلك فإن من مصلحة البنك الذي يريد الاستعانة ببنك آخر في فتح الاعتماد أن يحصل من معطي الأمر على ترخيص له بإقامة غيره مقامه في فتح الاعتماد حتى لا يكون مسئولا عن أخطاء هذا الأخير. وأما إذا قنع بإنهاء واقعة الاستعانة ببنك آخر إلى معطي الأمر، فإن هذا العلم لا ينهض في نظر القضاء بديلا عن الإذن الصريح، ومن ثم لا يجدي البنك في التحلل من المسئولية عن أخطاء البنك الذي استعان به.

(ج) العلاقة بين البنك الذي فتح الاعتماد وبين المستفيد:

يرتب الاعتماد القطعي في ذمة البنك التزاما مباشرا لمصلحة المستفيد، بحيث يتعين على البنك أن يقبل أو أن يدفع ما يسحبه عليه المستفيد من كمبيالات، مادامت المستندات الموافقة لهذه الكمبيالات مطابقة لشروط فتح الاعتماد، وبعبارة أخرى: يرتب الاعتماد القطعي علاقة قانونية مباشرة بين البنك والمستفيد، بحيث يمتنع على البنك أن ينهي هذه العلاقة دون رضاء المستفيد، أيا كانت المبررات المستمدة من ظروف معاملاته مع معطي الأمر.

وعلى ذلك لا يستطيع البنك أن يلغي الاعتماد المذكور، لا من تلقاء نفسه، ولا بناء على تعليمات معطي الأمر، ذلك أن علاقة البنك بالمستفيد هي في الأصل علاقة مستقلة عن العلاقات التي تربط بين البنك ومعطي الأمر.

وثمة نتيجة أخرى تلزم عن قيام العلاقة المباشرة بين البنك والمستفيد وهي أنه يمتنع على البنك أن يحتج على المستفيد بالدفوع المستمدة من

ص: 300

العقد الأصلي الذي يربط بين معطي الأمر والمستفيد، وهو في الغالب عقد بيع كما بينا، إذ أن التمسك بهذه الدفوع يخص معطي الأمر وحده، ولكن لا شأن له بالتزام المباشر الذي ترتب للمستفيد في ذمة البنك الذي فتح الاعتماد.

وهذا الاستقلال بين العملية المصرفية والعملية التجارية من الناحية القانونية هو أمر مسلم؛ إذ بدونه تنهار قيمة الاعتماد المستندي القطعي.

وقد قدرت الغرفة التجارية الدولية أهمية هذه الحقيقة، فحرصت على تقريرها في المادة الأولى من مجموعة القواعد والعادات الموحدة في الاعتمادات المستندية، وتابعتها في هذا المسلك لجنة تعديل قانون التجارة الفرنسي في المشروع الذي أقرته في سنة 1951. . . .

وقد لخص الأستاذ مصطفى الزرقاء الطبيعة القانونية للاعتماد المستندي، ثم ذكر بعده موقف الفقه الإسلامي من العملية، فقال: الوصف القانوني للعملية هو اعتماد (مالي) يفتحه المصرف بناء على طلب شخص يسمى الآمر، لمصلحة عميل لهذا الآمر، ومضمون بحيازة مستندات ممثلة لبضاعة مستحقة للآمر لدى عميله المذكور، ويستوي أن يكون طريق التنفيذ بالوفاء أو - بقبول يفتحه.

يتضح من هذا التعريف أن فتح الاعتماد هو: عبارة عن عهدة مالية يلتزم

ص: 301

بها المصرف عن شخص لمصلحة آخر في صفقة تجارية، ولنضرب له مثالا يوضحه: تاجر في إنجلترا باع بضاعة لتاجر مصري، وقد لا تكون بينهما ثقة متبادلة أو تكون، ولكنهما يؤثران الحيطة، لا سيما والمستقبل غيب، وقد يحدث ما ليس في الحسبان، فيطلب البائع من المشتري توسيط مصرف يثق به، فيتعهد المصرف بتأدية الثمن المحدد للبضاعة إلى البائع تعهدا معلقا على تقديم البائع إلى المصرف الوثائق المستندية التالية:

1 -

مستندات شحن البضاعة في الميعاد المتفق عليه.

2 -

وثيقة تأمين تغطي جميع الأخطار المنصوص عليها في الاعتماد.

3 -

القائمة والفاتورة، ولا بد أن يتطابق الوارد في الاعتماد مطابقة تامة دون اختصار أو اكتفاء بتعميم أو تخصيص.

فهذا التعهد من المصرف يسمى فتح اعتماد، ويختبر به البائع لكي يشحن البضاعة اعتمادا عليه.

والغالب أن يكلف المشتري بفتح الاعتماد مصرفيا في بلده (مصري في مثالنا) وهذا يرسل خطاب الاعتماد إلى مصرف في بلد البائع (إنجليزي في مثالنا) ليبلغ البائع باستعداده للتنفيذ نيابة عن المصرف المصري.

وقد يكون هذا المصرف الإنجليزي مكلفا بتأييد الاعتماد -وفقا لرغبة أخرى للبائع- بحيث يصبح المصرف الثاني مدينا أصليا للبائع بمجرد تبليغه فتح الاعتماد لديه، لا مجرد وكيل بالقبض عرضة للعزل في أي وقت، ويسمى الاعتماد حينئذ: اعتمادا مؤيدا، ولا يكون الاعتماد المؤيد إلا من قبيل الاعتمادات النهائية، أي: التي بمجرد تبليغها إلى المستفيد تصير غير قابلة للرجوع، ولو أفلس الآمر أو أمر بإلغاء الاعتماد أو ثبت بطلان البيع

ص: 302

ما لم تحكم محكمة بصحة الرجوع في هذا الاعتماد بسبب ما رغم أن الأصل عدم جواز الرجوع فيه.

أما الاعتمادات القابلة للإلغاء بحسب رغبة المصرف أو الآمر فهي -وإن كانت أقل تكاليف- قلما يعول عليها اليوم؛ لأنها لا تعطي البائع التأمين الكافي الذي يريده ولا تقبل التأييد.

وإذا قدم البائع المستندات المطلوبة ودفع له المصرف الثاني الثمن، ضم المصرف المذكور هذه المستندات إلى الورقة التجارية المثبتة دفعة الثمن للبائع (الإيصال) ، وأرسل الوثائق كلها إلى المصرف الأول (المصري) ، ليقوم بتأدية مبلغها مع المصاريف (ومنها العمولة) إلى المصرف الثاني في بلد البائع.

وللمصرف الأول (المصري) أيضا عمولته المتفق عليها، يستوفيها وسائر التوابع مع مبلغ الاعتماد من المشتري. فإن أبى المشتري الدفع كان للمصرف المصري حق بيع البضاعة؛ لأنها مرهونة بحقه، وقلما تكفي، وليس له حق الرجوع جبرا على البائع بحال، مهما تكن الأسباب؛ لأن العملية بطبيعتها تتضمن نزول المصرف فاتح الاعتماد عن حقوقه المصرفية تجاه البائع؛ ليطمئن هذا البائع إلى نهاية الوفاء، فإذا أخطأ المصرف فدفع المبلغ وكانت المستندات غير مطابقة فلا رجوع له على الآمر (المشتري) ، كما لا رجوع له على المستفيد (البائع) ؛ لأنه هو المقصر، وقد كانت لديه المهلة الكافية للتأكد من سلامة هذه الوثائق ومطابقتها، إلا إذا كان المصرف قد شرط الرجوع على المستفيد عند رفض الآمر المستندات

ص: 303