الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَخَلَ الْمَذْنُوبُ الْهَمْدَانِيُّ مِنْ وَدَاعَةِ هَمْدَانَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَجَلَسَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِعَنًّا شِرِّيرًا، هَجَّاءً لِلنَّاسِ، مُبْتَدِيًا لَهُمْ.
فَقَالَ لِلْمَذْنُوبِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
فَاغْتَمَزَ فِيهِ، فَقَالَ:
أَمِيزَانَانِ مِنْ شُؤْمٍ وَلُؤْمٍ
…
أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ عَدْلٌ قَبُوحُ
فَقَالَ لَهُ الْمَذْنُوبُ:
جُذَامٌ نَازِلٌ بِكَ غَيْرَ شَكٍّ
…
أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ بَرَصٌ يَلُوحُ
قَالَ: أَنْتَ الْمَذْنُوبُ؟ قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَيُقَالُ.
قَالَ: إِنِّي عَائِذٌ بِكَ "
حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: " جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَى قُبَاءٍ، فَسَمِعَ رَجُلا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَتَغَنَّى فِي رَأْسٍ عَذْقٍ، يَقُولُ:
لَنَا فَرْعُهَا الأَعْلَى وطِيبُ تُرَابِهَا
…
وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ قَاصِيَةٌ وَعْلُ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ:
كَذِبْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ مَعْشَرٌ أَهْلَ حَرَّةٍ
…
نَفَوْكُمْ وَحَلُّوا بِالدِّمَاثِ وَبِالسَّهْلِ
أَبَوْا وَاسْتَعَفُّوا أَنْ يُرَى بِجِلُودِهِم
…
نُدُوبٌ فَبَاعُوا السَّقْيَ بِالْحَلَّةِ الْبَعْلِ
132 -
حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، قَالَ: " أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ كَانَ يُشَبِّبُ بِابْنَةِ مُعَاوِيَةَ، وَيَذْكُرُهَا فِي شِعْرِهِ، فَقَالَ النَّاسُ لِمُعَاوِيَةَ: لَوْ جَعَلْتَهُ
نَكَالا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا، وَلَكِنِّي أُدَاوِيهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَأَجْلَسَهُ عَلَى سَرِيرِهِ مَعَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فُلانَةً، لابْنَةٍ لَهُ أخرى، عَاتِبَةٌ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَفِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مَدْحَتِكَ أُخْتِهَا وَتَرْكِهَا، قَالَ: فَلَهَا الْعُتْبَى وَكَرَامَةٌ، أَنَا ذَاكِرُهَا، وَمُمْتَدِحُهَا، فَلَمَّا فَعَلَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّاسَ، قَالُوا: قَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّ تَشْبِيبَ ابْنِ حَسَّانٍ بِابْنَةِ مُعَاوِيَةَ لَشَيْءٌ، فَإِذَا ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ مُعَاوِيَةَ وَأَمْرِهِ "
حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّةَ النَّمَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْفَرَزْدَقُ، قَالَ: " كُنَّا فِي ضِيَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَمَعَنَا كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ التَّغْلَبِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ حَسَّانٍ قَدْ فَضَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ، وَغَلَبَهُ، وَفَضَحَنَا، فَاهْجُ الأَنْصَارَ، قَالَ لَهُ: أَرَادِّيِ أَنْتَ فِي الشِّرْكِ؟ أَهْجُو أَقْوَامًا نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَآوَوْهُ، وَلَكِنِّي أَدُّلُكَ عَلَى غُلامٍ مِنَّا نَصْرَانِيٍّ لا يُبَالِي أَنْ يَهْجُوَهُمْ، كَأَنَّ لِسَانَهُ لِسَانُ ثَوْرٍ.
قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: الأَخْطَلُ.
فَدَعَا فَأَمَرَهُ بِهِجَائِهِمْ.
قَالَ: عَلَى أَنْ تَمْنَعَنِي.
قَالَ: نَعَمْ
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ يُشَبِّبُ بِرَمْلَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ يَزِيدُ كَعْبَ بْنَ جُعَيْلٍ أَنْ يَهْجُوَهُ فَدَلَّهُ عَلَى الأَخْطَلِ.
وَقَالَ غَيْرُ الْمَدَائِنِيِّ: لَمَّا غَلَبَ ابْنُ حَسَّانٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ، دَسَّ مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ يَزِيدَ إِلَى الأَخْطَلِ، فَأَمَرَهُ بِهِجَائِهِمْ، فَهَجَاهُمْ، فَقَالَ:
ذَهَبَتْ قُرَيشٌ بِالسَّمَاحَةِ وَالنَّدَى
…
وَاللُّؤْمُ تَحْتَ عَمَائِمَ الأَنْصَارِ
قَوْمٌ إِذَا هَدرَ الْعَصِيرُ رَأَيْتَهُمْ
…
حُمْرًا عُيُونُهُمُ مِنَ الْمُسْطَارِ
وَإِذَا نَسَبْتَ ابْنَ الْفُرَيْعَةِ خِلْتَهُ
…
كَالْجَحْشِ بَيْنَ حِمَارَةٍ وَحِمَارِ
فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ:
أَبْلِغْ قَبَائِلَ تَغْلِبَ ابْنَةِ وَائِلٍ
…
مَنْ بِالْفُرَاتِ وَجَانِبِ الثَّرْثَارِ
فَاللُّؤْمُ فَوْقَ أُنُوفِ تَغْلِبَ بَيِّنٌ
…
كَالرَّقْمِ فَوْقَ ذِرَاعِ كُلِّ حِمَارِ
فَقَالَ الأَخْطَلُ:
عَذَرْتُ بَنِي الْفُرَيْعَةِ أَنْ هَجَوْنَي
…
فَمَا بَالِي وَبَالُ بَنِي بَشِيرِ
أَفَيْجِعُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ شَثْنٌ
…
شَدِيدُ الْقُصْرَيَيْنِ مِنَ السَّحُورِ
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ بَنِي النَّجَّارِ قَوْلُ الأَخْطَلِ، خَرَجَ وَفْدٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَضَعُوا عَمَائِمَهُمْ، وَقَالُوا: أَتَرَى لُؤْمًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَاسْتَعْدَوْا عَلَى الأَخْطَلِ، فَقَالَ: لَكُمْ لِسَانُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ أَجَارَهُ، وَدَسَّ إِلَى يَزِيدَ فَأَجَارَهُ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ يَزِيدُ:
دَعَا الأَخْطَلُ الْمَلْهُوفُ بِالشَّرِّ دَعْوَةً
…
فَأَيُّ مُجِيبٍ كُنْتُ لَمَّا دَعَانِيَا
فَفَرَّجَ عَنْهُ مَشْهَدَ الْقَوْمِ مَشْهَدِي
…
وَأَلْسِنَةَ الْوَاشِينَ عَنْهُ لِسَانِيَا
قَالَ: وَكَانَ أَشَدَّ الْقَوْمِ عَلَى الأَخْطَلِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، يَقُولُ الأَخْطَلُ:
أَبَا خَالِدٍ دَافَعْتَ عَنِّي عَظِيمَةً
…
وَأَدْرَكْتَ لَحْمِي قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّدَا
وَأَطْفَأْتَ عَنِّي نَارَ نُعْمَانَ بَعْدَمَا
…
أَغذَّ لِأَمْرٍ فَاجِرٍ وَتَجَرَّدَا
وَقَالَ ابْنُ حَسَّانٍ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ:
أَلا مَنْ رَسُولِي أَصْلَحَ اللَّهُ بَالَهُ
…
وَأُعْطِي مِنَ الْحَاجَاتِ مَا كَانَ يَطْلُبُ
يُبَلِّغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً
…
تَنَخَّلَهَا مُمْلٍ وَآخَرُ يَكْتُبُ
فَيُخْبِرُ فِيهَا أَنَّ بيْنِي وَبَيْنَهُ
…
أَوَاصِرَ لا تُرْعَى وَلا هِيَ تُقْرَبُ
وَأَنَّ يَزِيدَ لَيْسَ يَطْلُبُ عِنْدَنَا
…
كِتَابًا وَلا حَقًّا وَذُو الْحَقِ يَطْلُبُ
وَأَنَّ يَزِيدَ كَانَ فِي مُتَنَزَّهٍ
…
وَفِي مَعْزَلٍ عَمَّا تُدَاوِلُ تَغْلِبُ
رِجَالٌ أَصِحَّاءُ الْجُلُودِ مِنَ الْخَنَا
…
وَأَلْسِنَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَيْنَ تَذْهَبُ
فَلا تَجْعَلَنَّا لُعْبَةً لِقَطِينِهِ
…
فَيَعْلَمُ إِنْ عِشْنَا بِمَا كَانَ يَلْعَبُ
وَأَنِّيَ مِمَّا أُخْمِدُ الْحَرْبَ تَارَةً
…
وَأُحْمَلُ أَحْيَانًا عَلَيْهَا فَأَرْكَبُ
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، عَنْ زَكَرِيَا بْنِ عِيسَى بْنِ شِهَابٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيسٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ أَنْ يُهَاجِيَ النَّجَاشِيَّ، قَالَ لَهُ أَبُوهُ: هَلُمَّ فَأَنْشِدْنِي مِنْ شِعْرِكَ، فَإِنَّكَ تُهَاجِي النَّجَاشِيَّ أَشْعَرَ الْعَرَبِ، فَأَنْشَدَهُ، فَأَهْوَى حَسَّانٌ إِلَى شَيْءٍ خَلْفَهُ فَعَلاهُ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَاضَّ بَظْرَ أُمِّهِ أَبِهَذَا تُهَاجِيهِ؟ اذْهَبْ، فَقُلْ ثَلاثَ قَصَائِدَ قَبلَ أَنْ تُصْبِحَ.
قَالَ: فَقَالَ ثَلاثَ قَصَائِدَ، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ حَسَّانٌ: يَا بُنَيَّ اذْهَبْ فَابْسُطِ الشَّرَّ عَلَى ذِرَاعَيْكَ، قَالَ: يَا أَبَهْ مَا هَذِهِ وَصِيَّةُ يَعْقُوبَ بِنِيهِ، وَقَامَ، فَقَالَ حَسَّانٌ: يَا بُنَيَّ، مَا أَبُوكَ مِثْلُ يَعْقُوبَ، وَلا أَنْتَ مِثْلُ بِنِي يَعْقُوبَ، اعْمَدْ إِلَى امْرَأَةٍ لَطِيفَةٍ بَأُخْتِ النَّجَاشِيِّ فَمُرْهَا فَلْتَصِفْهَا لَكَ، وَاجْعَلْ لَهُ جُعْلا، فَفَعَلَ، فَوَصَفَتْ لَهُ أَشَياءَ ذَكَرَتْ خَالا وَشَامَةً، وَقَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى هَبَطَ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَتْ أَيَّامُ مِنًى، قِيلَ لَهُ: إِنَّ هَهُنَا نَفَرًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِخْوَةً مُطَاعِينَ فِي قَوْمِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَى أُمِّهِمُ يُكَلِّمُهَا، وَانْتَسَبَ لَهَا، وَذَكَرَ الَّذِي أَرَادَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: قُومُوا مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَكَلَّمُوا بَنِي عَمِّكُمْ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، فَفَعَلُوا وَجَعَلُوا لَهُ غَبِيطًا عَلَى نَجِيبَةٍ، وَجَعَلُوا فَوْقَ الْغَبِيطِ رَجُلا، فَجَاءَ مُشْرِفًا عَلَى النَّاسِ، وَجَاءَ النَّجَاشِيُّ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّجَاشِيُّ عَلَى جَمَّازِ
…
فَرَّ ابْنُ حَسَّانٍ بِذِي الْمَجَازِ
وَرَاغَ لَمَّا سَمِعَ ارْتِجَازِي
…
رَوْغَ الْحُبَارَى مِنْ خَوَاتِ الْبَازِ
وَقَالَ ابْنُ حَسَّانٍ:
يَا هِنْدُ يَا أُخْتَ النَّجَاشِيِّ اسْلَمِي
…
هَلْ تَذْكُرِينَ لَيْلَةً بِإِضَمِ
وَلَيْلَةً أُخْرَى بَجَوِّ الْحَرَمِ
…
وَالشَّامَةَ السَّوْدَاءَ بِالْمَخَدَّمِ
وَالْخَالَ بِالْكِشْحِ اللَّطِيفِ الأَهْضَمِ فَانْكَسَرَ النَّجَاشِيُّ لِصَفَتِهِ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ:
سَتَأْتِي الْيَهُودِيَّيْنِ حَسَّانَ وَابَنَهُ
…
قَصَائِدُ لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهِنَّ رَوْشَمُ
لَعِينَ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَكَ ذِمَّةٌ
…
وَمَا لَكَ مِنْ دِينٍ وَمَالَكَ مَحْرَمُ
أَبُوكَ أَبُو سَوْءٍ وَعَمُّكَ مِثْلُهُ
…
وَخَالُكَ شَرٌّ مِنْ أَبِيكَ وَأَلأَمُ
فَقَالَ ابْنُ حَسَّانٍ:
أَلا تَرَوْنَ الْعَبْدَ إِذْا يَهْجُو مُضَرْ
…
مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ وَالْقَرْمُ عُمَرْ
وَقَالَ أَيْضًا:
أُشْهِدُ كُلَّ مُسْلِمٍ شَهَادَهْ
…
مَنْ لا يَبِيعُ دِينَهُ تَلادَهْ
مَا بَيْنَ أَقْصَى ضَرْغَدٍ فَصَادَهْ
…
أَوْ مَلِكٍ تُلْقَى لَهُ أَسَادَهْ
وَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِقُرَيشٍ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ ابْنِ حَسَّانٍ، وَيُقَالَ: بَلْ قَالَهَا حِينَ ضَرَبَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، الْحَدَّ بِالْكُوفَةِ، وَنَفَاهُ عَنْهَا:
ظَهَرَ النَّبِيُّ وَمَا قُرَيْشٌ وَسْطَنَا
…
إِلا كَمِثلِ قُلامةِ الظُّفْرِ
فَعَسَى قُرَيْشٌ أَنْ تَزِلَّ بِهَا
…
غَدًا نَعْلٌ فَنَقْسِمُهَا عَلَى ظَهْرِ
حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: " هَاجَ الْهِجِاءُ بَيْنَ النَّجَاشِيِّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْحَارِثَ بْنِ كَعْبٍ كَانَتْ نَاكِحًا بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، فَكَانَ ابْنُ حَسَّانٍ يُشَبِّبُ بِهَا حَتَّى يَرِقَا ذَلِكَ، فَهَجَاهُ النَّجَاشِيُّ بِنَجْرَانَ، ثُمَّ إِنَّهُمَا اتَّعَدَا سُوقَ ذِي الْمَجَازِ وَكَانَتْ تَقُومُ حِينَ يَسْتَهِلُّ هِلالُ ذِي الْحِجَّةِ، ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، وَمِنَهَا كَانَ يَتَجَهَّزُ النَّاسُ، وَيَمْضُونَ إِلَى مَكَّةَ إِلَى الْمَوْسِمِ، قَالَ: فَقَالَتِ الأَنْصَارُ، وَأَتَاهُمُ ابْنُ حَسَّانٍ يَسْتَنْفِرُهُمْ، شَاعِرَانِ سَفِيهَانِ، يَهْجُوَانِ النَّاسَ وَيُحْيِيَانِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ تَنْفَرْ مَعَهُ جِلَّتُهُمْ، وَلا ذَوُو أَسْنَانِهِمْ، وَخَفَّ مَعَهُ شَبَابٌ مِنْ سُفَهَائِهَمْ، وَفِتْيَانٌ مِنْ قُرَيشٍ، وَأَفْنَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ عِيَاضُ بْنُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ حَسَّانٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا ذَا الْمَجَازِ، إِذَا النَّجَاشِيُّ قَدْ وَافَى فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ حَسَّانٍ، سَأَلَ مَنْ أَعَزُّ مَنْ هَهُنَا؟ قَالُوا: هَذِهِ بِلادُ هَوَازَنَ، وَقَدْ نَزَلْنَا بَيْهَسِ بْنِ عَقَالِ الْعَقِيلِيِّ، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فَلَمْ نُصَادِفْهُ، وَوَجَدْنَا امْرَأَةً، فَسَأَلْنَاهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، انْطَلَقَ يَشْتَرِي كِسْوَةً لِأَهْلِهِ، قَالَ: فَقَعَدْنَا فَإِذَا الشَّيْخُ قَدْ أَقْبَلَ، وَمَعَهُ رَجُلٌ حَامِلٌ رُزْمَةً مِنْ ثِيَابٍ، وَفِي كَفِّ بَيْهَسٍ أَثْوَابٌ كَأَنَّهُ يَشْتَدُّ بِهَا، وَإِذَا هُوَ دَالِفٌ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَيْنَا وَضَعَ مَا مَعَهُ، وَرَحَّبَ بِنَا وَنَسَبَنَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَنَا ابْنُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ النَّجَاشِيَّ يَهْجُونَا، وَيُقَطِّعُ أَعْرَاضَنَا، فَوَاعَدْتُهُ، وَقَدْ وَافَى فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَمْنَعَنِي حَتَّى أَلْقَاهُ، فَأُوَافِقُهُ.
فَقَالَ: نَحِّ هَذَا عَنِّي يَا ابْنَ أَخِي إِلَى غَيْرِي، فَقَدْ نَوَيْتُ الْحَجَّ وَأَرَدْتُ أَنْ لا أُدْخِلَ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَهَا، قَالَ: وَلَعَلِّي لا أَرَى حِجَّةً بَعْدَهَا.
قَالَ: فَطَلَبْنَا إِلَيْهِ فَأَبَى، فَانْصَرَفْنَا، فَلَمَّا جَاوَزْنَا سَمِعْنَا امْرَأَتَهُ، تَقُولُ لَهُ: كَأَنِّي بِهَذَا الْمَوْلَى قَدْ قَالَ لَكَ قَوْلا لا يُنْكِحُ بِنْتًا لَكَ كُفْؤٌ أَبَدًا، أَتَاكَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لِتَمْنَعَهُ فَنَبَوْتَ عَنْهُ.
فَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ ادْعِيهِمْ فَدُعِينَا، فَرَجَعْنَا، فَقَالَ: نَعَمْ، أَنَا أَمْنَعُكَ فَمَتَى وَاعَدْتَهُ؟ قَالَ: بِالْغَدَاةِ.
قَالَ: فَغَدَوْنَا، وَجَاءَ النَّجَاشِيُّ عَلَى جَمَّازٍ، وَجَاءَ بَيْهَسٌ، فَلَمَّا تَنَاقَضَا، جَعَلَ بَيْهَسٌ يَرَى أَبْصَارَ النَّاسِ إِلَى النَّجَاشِيِّ.
وَقَدْ كَانَ كَلَّ سَمْعُهُ مِنَ الْكِبَرِ.
قَالَ: فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ظَنَّهُ قَدْ غَلَبَهُ، فَقَالَ: أَدْنُونِي مِنَ النَّجَاشِيِّ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: فَشُقَّ عَلَيْهِ، وَسَمِعَهُ يَقُولُ:
بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّ عِمَادُهُ
…
عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لازِمٍ
فَلَمَّا سَمِعَهَا كَلَّحَ، فَقَالَ: يَا آلَ هَوَازِنَ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْتٌ وَلا خَيْمَةٌ إِلا قُوِّضَتْ، وَلَمْ أَرَ إِلا قَوَائِمَ جَمَلِ النَّجَاشِيِّ، وَأَفْلَتَ فَوَلِجَ فُسْطَاطًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَاتَّبَعُوهُ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَارِبِ بْنِ الأَسْوَدِ الثَّقَفِيِّ، عَلَى فرَسٍ فَأَرْدَفَهُ.
قَالَ: فَسَبَقَ بِهِ حَتَّى فَاتَ الْقَوْمَ.
فَقَالَ النَّجَاشِيُّ يَعُمَّ الأَنْصَارَ:
وَهَلْ أَنْتُمُ إِلا كَأَبْنَاءِ نَهْشَلٍ
…
وَآلِ فُقَيْمٍ قُتِّلُوا وَمُجَاشِعُ
بِذَنْبِ سُوَيْدٍ وَهْوَ مِنْ آلِ دَارِمٍ
…
لِزَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالأَمْرُ جَامِعُ
قَالَ: وَرَجِزَ بِهِ، فَقَالَ:
إِذَا دَعَوْتَ مَذْحِجًا وَحِمْيَرًا
…
وَالْعُصَبَ الْيَمَانِيَّاتِ الأُخَرَا
فَمَا أَعَزَّ نَاصِرِي وَأَكْثَرَا قَالَ: وَاخْتَرَطَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرٍ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ بِهِ عُرْقُوبَ بَعِيرِ ابْنِ حَسَّانٍ، فَقَالَ حِينَ كُسِرَ:
لَقَدْ شَمِتُوا حِينَ اسْتَخَفَّ حُلُومُهُمْ
…
كَأنَ فَتًى لَمْ يَنْكَسِرْ سَاقُهُ قَبْلِي
وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَرَوْنِي وَأنْ أَرَى
…
سَويًّا كَأَنِّي غُصْنُ بَانٍ عَلَى نَجْلِ
وَأُمْسِي تَحِلاتُ النَّجَاحِ مُجَازِيًا
…
يُؤَدِّي أَهْلُ الْوُدِّ وَالتَّبْلُ بِالتَّبْلِ
كَأَنِّي أَخُو الْحَلْفَاءِ أُصْبِحُ غَازِيًا
…
شَدِيدُ مَشَكِّ الرَّأْسِ جَهْمٌ أَبُو شِبْلِ
تَبِيتُ بَعُوضُ الْجِدِّ يَعْزِفْنَ حَوْلَهُ
…
كَعَزْفِ الْقِيَانِ الضَّارِبَاتِ عَلَى الطَّبْلِ
إِذَا أَنَا قَضَّيْتُ الأَمَانِيَّ خَالِيًّا
…
فَأَوَّلُهَا التَّقْوَى وَمَشْيٌ عَلَى رِجْلِ
كَسِيرَتِهَا الأُولَى وَذَلِكَ نَالَهَا
…
إِذَا عُدَّتِ الأَشْيَاءُ عِنْدِي فَمَنْ مِثْلِي
وَمَا أَنْسَ مِلَ الأَشْياءِ لا أَنْسَ مَصْرَعِي عَشِيَّةَ جَمْعٍ وْالْمُغِيرُونَ فِي شُغْلِ
صَرِيعًا وَأَيْدِي السَّانِحَاتِ يُرِدْنَنِي
…
كَمَا وَرَدَ الْيَعْسُوبَ رِجْلٌ مِنَ النَّحْلِ
فَأَدْرَكَنِي رَبِّي بِفَضْلٍ وَنِعْمَةٍ
…
وَمَا زَالَ عِنْدِي ذَا بَلاءٍ وَذَا فَضْلِ
تُوَحَّدُ بِالنُّعْمَى عَلَيَّ فَأَصْبَحَتْ
…
مَصَائِبُهَا كَالثَّوْبِ أُنْقِيَ بِالْغُسْلِ
حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ عِيسَى الْعُذْرِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِ قَوْمِهِ، قَالُوا: " لَمَّا أُخْرِجَ بِهُدْبَةَ بْنِ الْخَشْرَمِ، لِيُقْتَلَ، لَقِيَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ، فَقَالَ لَهُ مُتَعَنِّتًا لَهُ: يَا هُدْبَةُ أَنْشِدْنِي.
قَالَ: عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ هُدْبَةُ:
وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الأَمْرُ سَرَّنِي
…
وَلا جَازِعٍ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ
وَلَسْتُ بِبَاغِي الشَّرِّ وَالشَّرُّ تَارِكِي
…
وَلَكِنْ مَتَى أُحْمَلْ عَلَى الشَّرِّ أَرْكَبِ
وَحَرَّبَنِي مَوْلايَ حَتَّى غَشِيتُهُ
…
مَتَى مَا يُحرِّبْكَ ابْنُ عَمِّكِ تَحْرَبِ
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَلِمْتَ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَتَكَ بَعْدَكَ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ نَهَيْتُهَا عَنْكَ، حَيْثُ أَقُولُ:
لا تَنْكِحِي إِنْ فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَنَا
…
أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا
ضَرُوبًا بِلَحْيَيْهِ عَلَى عِظْمِ زُورِهِ
…
إِذَا الْقَوْمُ هَشُّوا لِلْفِعَالِ تَقَنَّعَا
أُصَيْهِبَ لا يُرْضِيكِ فِي الْحَيِّ جَالِسًا
…
إِذَا مَا مَشَى أَوْ قَالَ قَوْلا بَلَتَّعَا
يُقَالُ: رَجُلٌ بَلْتَعَانُ إِذَا كَانَ يُكْثِرُ كَلامَهُ بِالْمُحَالِ لَمَّا وَصَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أُخْتَ النَّجَاشِيِّ، انْكَسَرَ النَّجَاشِيُّ لِصَفَتِهِ، قَالَ: وَبَطَحَ ابْنَ حَسَّانٍ عَنِ الرَّحْلِ فَسَقَطَ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ إِلَى حَسَّانٍ، فَقَالَ: قَدِمَ مُسَابِقُ الْحُجَّاجِ، قَالَ: فَأُخْبِرُ مَاذَا؟ قَالَ: الْتَقَى ابْنُكَ وَالنَّجَاشِيُّ، قَالَ: فَأَيُّهُمَا غَلَبَ؟ قَالَ: غَلَبَهُ النَّجَاشِيُّ، فَأَهْوَى حَسَّانٌ إِلَى ذَكَرِهِ، فَقَبضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا خَرَجَ إِذًا مِنْ هَذَا، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ.
فَقَالَ حَسَّانٌ يَهْجُو الْقَائِلَ الْهُذْلِيَّ:
فَمَنْ يَكْ بَيْنَ هُذَيْلِ الْخَنَا
…
وَبَيْنَ ثُمَالَةَ لا يَفْزَعُ
صِغَارُ الْجَمَاجِمِ ثُطُّ اللِّحَى
…
كَأَنَّهُمُ الْقَمْلُ بِالْبَلْقَعِ
إِذَا وَرَدَ النَّاسُ حَوْضَ الرَّسُولِ
…
ذِيدَتْ هُذَيلٌ عَنِ الْمَشْرَعِ
قَالَ: فَجَاءَتْهُ هُذَيْلٌ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَأْتُونِي مَا زِلْتُ أَرْجُزُ بِهِمْ حَتَّى الْحَوْلِ.
وَلَحَّ الْهِجَاءُ بَيْنَ النَّجَاشِيِّ وَحَسَّانٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرٍ مِنْهَا:
بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّ عِمَادُهُ
…
عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لازِمٍ
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِبَيْتٍ آخَرَ:
لَوْ كَانَ عُذْرٌ مُهْلِكًا أَهْلَ قَرْيَةٍ
…
مِنَ النَّاسِ أَفْنَى بَاقِيَ الْخَزْرَجِ الْغَدْرُ
فَدَخَلَ بِهَمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ضِرَارٍ الْجُشَمِيُّ عَلَى حَسَّانٍ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَمَا سَمِعْتَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَهْدَى إِلَيْكُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: اعْرِضْهُمَا عَلَيَّ، فَفَعَلَ، فَأَنْشَأَ حَسَّانٌ، يَقُولُ:
يَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ
…
عَبْدَ الْمَدَانِ وَجُلَّ آلِ قَنَانِ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ أَصْلِيَ أَصْلُكُمْ
…
حَتَّى أَمَرْتُمْ عَبْدَكُمْ فَهَجَانِي
وَقَالَ أَيْضًا:
أَبَنِي الْحِمَاسِ أَلا مُرُوَّةُ فِيكُمُ
…
إِنَّ الْمُرُوءَةَ فِي الْحِمَاسِ قَلِيلُ
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ
…
غَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوُيلُ
وَقَالَ أَيْضًا:
حَارَبْنَ كَعْبٍ أَلا الأَحْلامُ تَزْجُرُكُمْ
…
عَنِّي وَأَنْتُمُ مِنَ الْجُوفِ الْجَمَاخِيرِ
لا عَيْبَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ عِظَمٍ
…
جِسْمُ الْبِغَالِ وَأَحْلامُ الْعَصَافِيرِ
دَعُوا التَّخَاجِيَ وَامْشُوا مِشْيَةً سُجُحًا
…
إِنَّ الرِّجَالَ أُولُو عَصَبٍ وَتَذْكِيرِ
كَأَنَّهُمْ قَصَبٌ جَوفٌ أَسَافِلُهُ
…
مُثَقَّبٌ فِيهِ أَرْوَاحُ الأَعَاصِيرِ
وَقَالَ النَّجَاشِيُّ:
فَلَمْ أَهْجُكُمْ إِلا لأَنِّي حَسِبْتُكُمْ
…
كَرَهْطِ ابْنِ بَدْرٍ أَوْ كَرَهْطِ ابْنِ مَعْبَدِ
فَلَمَّا سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْكُمْ وَجَدْتُكُمْ
…
بِرَاذِينَ شُقْرًا أُرْبِطَتْ حَوْلَ مِذْوَدِ
فَأَنْتُمْ بَنِي النَّجَّارِ أَكْفَاءُ مِثْلُنَا
…
فَأَبْعِدْ بِكُمْ عَمَّا هُنَالِكَ أَبْعَدُ
فَإِنْ شِئْتُمُ نَافَرْتُمُ عَنْ أَبِيكُمُ
…
إِلَى مَنْ أَرَدْتُمْ مِنْ تِهَامٍ وَمُنْجَدِ
وَمَا كُنْتُ أَدْرِي مَا حُسَامٌ وَمَا ابْنُهُ
…
وَلا أُمُّ ذَلِكَ الْيَثْرِبِيِّ الْمُوَلَّدِ
فَلَمَّا أَتَانِي مَا يَقُولُ وَدُونَهُ
…
مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْبَرِيدِ الْمُبَرَّدِ
سَمَوْتُ لَهُ بِالْمَجْدِ حَتَّى رَدَدْتُهُ
…
إِلَى نَسَبٍ نَاءٍ عَنِ الْمَجْدِ مُقْعَدِ
حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: " فَغَلَبَهُمُ النَّجَاشِيُّ، قَالَ: وَحَسَّانٌ يَوْمَئِذٍ شَيخٌ كَبِيرٌ أَعْمَى، فَقَالَ يُعَيَّرُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَيَهْجُوهُمْ:
أَمَّا الْحِمَاسُ فَإِنِّي غَيْرُ شَاتِمِهِمْ
…
لا هُمْ كِرامٌ وَلا عِرْضِي لَهُمْ خَطَرُ
أَولادُ حَامٍ فَلا تَلْقَى لَهُمْ شَبَهًا
…
إِلا التُّيُوسَ عَلَى أَقْفَائِهَا الشَّعَرُ
وَقَالَ:
أَلا أَبْلِغْ بَنِي الدَّيَّانِ عَنِّي
…
مُغَلْغَلَةً وَرَهْطَ بِنِي قَيَانِ
وَأَبْلِغْ كُلَّ مُنْتَخَبٍ هَوَاءٍ
…
رَحِيبِ الْجَوْفِ مِنْ عَبْدِ الْمَدَانِ
مَيَامِسُ غَزَّةٍ وَرِمَاحُ غَابٍ
…
خِفَافٌ لا تَقُومُ بِهَا الْيَدَانِ
تَفَاقَدْتُمْ عَلامَ هَجْوتُمُونِي
…
وَلَمْ أَظْلِمْ وَلَمْ أُخْلَسْ لِسَانِي
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: الْمَيْمَسُ الَّذِي يُسْخَرُ مِنْهُ، وَغَزَّةُ بِالشَّامِ مِنْ عَمَلِ فِلَسْطِينَ، وَبِهَا مَاتَ هِاشَمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لا تَقُومُ بِهَا الْيَدَانِ.
فَشَبَّهَهُمْ بِالْقَصَبِ فِي ضَعْفِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ النَّجِاشِيُّ أَنْ حَسَّانًا قَدْ هَجَاهُ، رَجَزَ بِهِ، فَقَالَ:
يَأَيُّهَا الرَّاكِبُ ذُو الْمَتَاعِ
…
ذُو الرَّحْلِ وَالْبُرْدَيْنِ وَالْإِقْطَاعِ
أَآذِنُ بَنِي النَّجَّارِ بِالْوِقَاعِ
…
مِنْ شَاعِرٍ لَيْسَ بِمُسْتَطَاعِ
لَيْسَ مِنِ الْهِرَمِيِّ وَلا الْجَزَّاعِ
…
لا يَقْتُلُ الأَقْوَامَ بِالْخِدَاعِ
إِلا صَمِيمَ النَّقْرِ وَالْمِصَاعِ
…
يَسْبِقُ شَأْوَ النُّجُبِ السِّرَاعِ
جَاءَ عَلَى نَجِيبَةٍ وَسَاعٍ
…
فِي مَوْكِبٍ عَرَمْرَمٍ قَضَّاعِ
مِثْلِ أَتَيِّ السَّيْلِ ذِي الدِّفَاعِ
…
إِنِّي امْرُؤٌ أَوْفَى عَلَى يَفَاعِ
فِي حَلَبَاتِ الْمَجْدِ وَالْجُمَاعِ وَهِيَ طَوِيلَةٌ.
وَقَالَ لِحَسَّانٍ وَابْنِهِ:
إِنَّ اللَّعِينَ وَابْنَهُ غُرَابًا
…
حَسَّانَ لَمَّا وَدَّعَ الشَّبَابَا
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ شَدِيدَ السَّوَادِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَابْنَهُ غُرَابًا.
وَنَقدَتْ أَنْيَابُهُ وَشَابَا
…
اسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ وَالْكِتَابَا
مَا بَالَهُ إِذَا افْتَرَى وَحَابَا
…
وَأَخْطَأَ الْحَقَّ وَمَا أَصَابَا
فَعَجَّلَ اللَّهُ لَهُ عَذَابًا
…
وأَخَّرَ النَّارَ لَهُ مَآبَا
يَا شَاعِرَيْ يَثْرِبَ لا تَرْتَابَا
…
وَلا مُعَافَاةً وَلا عِتَابَا
إِذْ تَهْجُوَانِ شَاعِرًا غِضَابًا
…
لِلشُّعَرَاءِ وَاتِرًا غَلابَا
لا مُفْحَمَ الْقَوْلِ وَلا هَيَّابَا
…
كَاللَّيْثِ يَحْمِي جِزْعَهُ الذِّئَابَا
وَأَنْتَ قَيْنٌ تَنْحَتُ الأَقْتَابَا
…
لِشَرِّ أَمْرٍ إِنْ دُعِي أَجَابَا
حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " اسْتَثْنَى النَّجَاشِيُّ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانٍ حِينَ أَجْمَعَ مُهَاجَاتَهُ أَلا يُعِينَهُ أَبُوهُ حَسَّانٌ.
فَسَأَلَ حَسَّانٌ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَمَا قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ فِي لَيْلَتِهِ، فَأَنْشَدَهُ، فَلَمْ يَرْضَ حَسَّانٌ، فَقَالَ:
دَعُوا التَّخَاجِي وَامْشُوا مَشيَّةً سُجُحًا
…
إِنَّ الرِّجَالَ أُولُو عَصَبٍ وَتَذْكِيرِ
فَلَمَّا أَنْشَدَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلنَّجَاشِيِّ، عَفَطَ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: بَاسْتِكَ.
أَنْتَ تُحْسَنُ تَرْخِيمَ الْكَلامِ.
هَذَا كَلامُ الشَّيْخِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي مَجْلِسٍ، فَتَذَاكَرُوا هِجَاءَ النَّجَاشِيِّ إِيَّاهُمْ، وَقَالُوا: مَنْ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ مُعَاذٍ: حَسَّانٌ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ طَعَامَهُ لَيَغْلِبُهُ مِنْ ضَعْفِ حَنَكِهِ.
فَيَعَرِضِهُ لِلنَّجَاشِيِّ وَلَمْ يَبْلُغْهُ شَاعِرٌ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزِعُ قَمِيصِي حَتَّى آتِيَهُ، فَتَوجَّهَ نَحْوَهُ، وَهُمْ مُعْظِمُونَ لِذَلِكَ، حَتَّى دَقَّ عَلَيْهِ البَّابَ.
فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ مُعَاذٍ.
قَالَ: افْتَحِي فُرَيْعَةُ لِسَيِّدِ شَبَابِ الأَنْصَارِ.
فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَقَّ قَمِيصَهُ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ.
فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: قَدْ قَاوَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ: كُنْ وَرَاءَ الْبَابِ وَاحْفَظْ مَا أُلْقِي عَلَيْكَ.
فَقَامَ فَضَرَبَهُ البَّابُ فَشَجَّهُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عَنِّي رَسُولَكَ.
فَعَرَفْتُ وَاللَّهِ الْغَلَبَةَ إِذْ قَالَهَا، ثُمَّ قَالَ:
أَبَنِي الْحِمَاسِ أَلَيْسَ فِيكُمْ سَيِّدٌ
…
إِنَّ الْمُرُوءَةَ فِي الْحِمَاسِ قَلِيلُ
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ
…
عَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوِيلُ
إِنَّ الْهِجَاءَ إِلَيْكُمُ لَتَعِلَّةٌ
…
فَتَحَشْحَشُوا إِنَّ الذَّلِيلَ ذَلِيلُ
يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ وَوَيْلَ أَبِيكُمُ
…
وَيْلٌ تَرَدَّدَ فِيكُمُ وَعَوِيلُ
لا تَجْزَعُوا أَنْ تُنْسَبُوا لِأَبِيكُمُ
…
فَاللُّؤمُ يَبْقَى وَالْجِبَالُ تَزُولُ
فَبَنُو زِيادٍ لَمْ تَلِدْكَ نُحُولُهُمْ
…
وَبَنُو صَلاءَةَ فَحْلُهُمْ مَشْغُولُ
وَسَرَى بِكُمْ تَيْسٌ أَجَمُّ مُجِذَّرٌ
…
مَا لِلذَّمَامَةِ عَنْكُمُ تَحْويِلُ
فَاللُّؤمُ حَلَّ عَلَى الْحِمَاسِ فَمَا لَهُمْ
…
كَهْلٌ يَسُودُ وَلا فَتًى بُهْلُولُ
وَقَالَ أَيْضًا يَهْجُوهُمْ:
أَمَّا الْحِمَاسُ فَإِنِّي غَيْرُ شَاتِمهِمْ
…
لا هُمْ كِرَامٌ وَلا عِرْضِي لَهُمْ خَطَرُ
لا يَرْبُلُونَ وَلا يُلْفَى لَهُمْ شَبَهٌ
…
إِلا التُّيُوسُ عَلَى أَكْتَافِهَا الشَّعَرُ
إِنْ سَابَقُوا سُبِقُوا أَوْ نَافَرُوا نُفِروا
…
أَوْ كَاثَرُوا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمْ كُثِرُوا
شِبْهُ الزَّغَالِيلِ لا دِينٌ وَلا حَسَبٌ
…
لَوْ قَامَرُوا الزِّنْجَ عَنْ أَحْسَابِهِمْ قُمِرُوا
وَقَالَ أَيْضًا يَهْجُوهُمْ:
يَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ
…
عَبْدَ الْمَدَانِ وَجُلَّ آلِ قَنَانِ
فَلْتُعْرَفَنَّ قَلائِدِي بِرِقَابِكُمْ
…
كَالْوَشْمِ لا يَبْلَى عَلَى الْحَدَثَانِ
فَلَأجْدَعَنَّ بَنِي رُهَيْمَةَ كُلَّهَا
…
وَبَنِي الْحُصَيْنِ بِخِزْيَةٍ وَهَوَانِ
أَمَّا الْحِمَاسُ فَلا أَقُولُ لِثُلَّةٍ
…
تَرْعَى الْبِقَاعَ خَبِيثَةَ الأَوْطَانِ
قَالَ: وَلَمَّا قَالَ حَسَّانُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
هَيَّجْتُمُ حَسَّانَ عِنْدَ ذَكَائِهِ
…
غَيٌّ لِمَا وَلَدَ الْحِمَاسُ طَوِيلُ
قَالَ: اكْتُبُوهَا فِي رِقَاعٍ، وَأَلْقُوهَا فِي أَيْدِي الصِّبْيَانِ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ يَمُرَّ بِنَا إِلا بِضْعٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً حَتَّى طَرَقَتْ بَنُو عَبْدِ الْمَدَانِ بِالنَّجَاشِيِّ مَوْثَقًا مَعْهُمْ، فَأَرْغَوْا بِبَابِهِ، فَقَالَ لِابْنَتِهِ: يَا بُنيَّةُ، مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ؟ قَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي.