الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ خَيْرِ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ وَقَدَمْ فَحَمَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا ابْنُ ذِي الأَقْيَالِ أَقْيَالِ الْبُهَمْ
…
مَنْ يَلْقَنِي يُودِ كَمَا أَوْدَتْ إِرَمْ
أَتْرُكُهُ لَحْمًا عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ، فَأَضْرِبُهُ أَحْذَرَ مِنَ الْعَقْعَقِ، وَيَضْرِبُنِي أَثْقَفَ مِنَ الْهِرِّ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِي قَرَبُوسِ سِرْجِي فَقَطَعَ الْقَرَبُوسَ، وَعَضَّ بِكَاثِبَةِ الْفَرَسِ، فَوَثَبْتُ عَلَى رِجْلِيَّ قَائِمًا، وَقُلْتُ: يَا هَذَا، مَا كَانَ لِيَلْقَانِي مِنَ الْعَرَبِ إِلا ثَلاثَةٌ: الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ لِلْسِنِّ وَالتَّجْرِبَةِ، وَعَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ لِلشَّرَفِ وَالنَّجْدَةِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ مكدِّمٍ لِلْحَيَاءِ وَالْبَأْسِ، فَمَنَ أَنْتَ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ قَالَ: بَلْ مَنْ أَنْتَ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: أَنَا عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ: وَأَنَا رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمِ.
قُلْتُ: فَاخْتَرْ مَنِّي إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ نَضْطَرِبَ بَسَيْفَيْنَا حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، وَإِمَّا أَنْ نَصْطَرِعَ، فَأَيُّنَا صَرَعَ صَاحِبَهُ قَتَلَهُ، وَإِمَّا الْمُسَالَمَةُ.
قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكَ.
فَاخْتَرْ.
قُلْتُ: إِنَّ بِقَوْمِكَ إِلَيْكَ حَاجَةً، وَبِقَوْمِي إِلَيَّ حَاجَةً، وَالْمُسَالَمَةُ خَيْرٌ لِي وَلَكَ.
ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، وَقُلْتُ لَهُمْ: خَلُّوا مَا بِأَيْدِيكُمْ، فَلَوا رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَخَلَّيْتُمْ وَزِدْتُمْ.
سَلُونِي عَنْ فَرَسِي مَا فَعَلَ.
قَالَ: فَتَرَكْنَا مَا بِأَيْدِينَا وَانْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ "
314 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ جَدُّهُ زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ بَعْدَمَا مَاتَ وَعْظًا ، قَالَ: قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْصِتُوا.
ثُمَّ قَالَ:
اللَّهُ أَكْبَرُ، أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ، ثُمَّ قَالَ:
جِيفَتَانِ قَدْ أَصَلَّتَا، وَهُمَا يَرْجُوَانِ رَحْمَةَ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، الضَّعِيفُ جِسْمهُ، الْقَوِيُّ فِي نَفْسِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَقْوَى الرِّجَالِ، الْقَوِيُّ الأَمِينُ، الَّذِي لا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: أَمِيرُكُمُ الْيَوْمَ، لَهُ عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقْبِلُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَمِيرُكُمْ، لَهُ عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، أَنْتُمْ عَلَى مِنْهَاجِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، اسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، اللَّيِّنُ يُعَافِي النَّاسَ، ويُنْفِقُ الَمْالَ، فَمَنْ تَوَلَّى فَلا يَعْهَدَنَّ.
ثُمَّ قَالَ: بِئْرُ أَرِيسٍ وَمَا بِئْرُ أَرِيسٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَتَبَ بِهَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ إِلَى عُثْمَانَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ خَبَرُهُ عَنْ فَتْحٍ فَتَحَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ سَوَاءً، وَلَكِنَّمَا يُفَضَّلُ بَيْنَ النَّاسِ أَعْمَالُهُمْ.
وَقَالَ: جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ، يُرَى مَعْ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ جِثِيًّا.
وَقَالَ: هَذِهِ الْجَنَّةُ وَهَذِهِ النَّارُ.
ثُمَّ قَرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَاتٍ: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 15 - 17] وَقَالَ: جَاءَتِ الْفِتْنَةُ ثُمَّ ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ، ثُمَّ كَبَّرَ: فَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَخَلادُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: خَلَتِ اثْنَتَانِ، وَبَقِيَتْ أَرْبَعٌ، انْفَضَّ النَّاسُ فَلا نِظَامَ لَهُمْ وَأَكَلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، وَقَالَ النَّاسُ: هَذَا أَمْرُ اللَّهِ، وَقَامَتِ السَّاعَةُ "
قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَأَخْبَرَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ سَعْدِ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ حِينَ تُوُفِّيَ، وَحِينَ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلامِ، فَأَخْبَرَتْنِي بِبَعْضِ مَا أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مَعْمَرٍ، وَلَمْ تَعِ ذَلِكَ كُلَّهُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ أَبُو الزِّنَادِ يُحَدِّثُ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى، إِلا أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ كَانَ يَقُولُ: صَدَقَ صَدَقَ.
وَكَانَ يَقُولُ: كُنَّا أُخْوَةً ثَلاثَةً، جِيفَتَانِ قَدْ أَصَلَّتَا، وَالثَّالَثَةُ يَنْتَظِرُ رَحْمَةَ رَبِّهِ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فَمَنْ خَالَفَهُ فَلا يَعْهَدَنَّ بِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، هَلْ رَأَيْتَ لِي خَارِجَةَ وَسَعْدًا، ثُمَّ كَبَّرَ، فَكَأَنَّهُ رَآهُمْ، فَقَالَ: هَذَا فُلانٌ وَفُلانٌ، لِلنَّفَرِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: جَاءَتِ الْفِتْنَةُ كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ.
وأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، لا أَعْلَمُهُ إِلا رَدَّدَهَا ثَلاثًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي صِفَةِ عُمَرَ، أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ أَنْ يِأَكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهَمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ ثَمَانٌ قَالَ: قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: " تُوُفِّيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بَعْدَ وَفَاةِ زَيْدٍ رَجُلٌ آخَرُ، فَكَبَّرَ فِيمَا بَلَغَنَا، بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَاسْتَمَعُوا لَهُ.
فَقَالَ: صَدَقَ زَيْدُ بْنِ خَارِجَةَ.
لَمْ يَبْلغْنَا أَنَّهُ زَادَ عَلَى ذَلِكَ.
وَتُوُفِّيَ رَجُلٌ ثَالِثٌ، فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنِي: لَقِيتُ رَبِّي، وَلَقِيَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبًّا غَيْرَ غَضْبَانَ، وَالأَمْرُ أَيْسَرُ مِمَّا تَظُنُّونَ، فَلا تَغْتَرُّوا
حَدَّثَنِي مَيْمُونٌ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: " أَرَدْتُ الْحَجَّ، فَقَالَتْ لِيَ امْرَأَةٌ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهَا: أَقِمْ فَطُفْ بِبَيْتِي سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَارْكُضْ بَعِيرَكَ بِهِ كَمَا يُرْكِضُونَ إِبِلَهُمْ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ كَمَا يَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَارْمِ جَارَتَنَا الَّتِي تَسْعَى بِنَا كَمَا يَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَقَبِّلْنِي كَمَا يُقَبِّلُونَ الرُّكْنَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَقُلْتُ فِي ذَلِكَ:
قَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ حَجَّ الْبَيْتِ أَطْلُبُهُ
…
وَالْقَلْبُ عَنْ حَجِّ ذَاكَ الْبَيْتِ مُشْتَجِرُ
أَرَى خِلافًا ذَهَابَ الْبَيْتِ أَطْلُبُهُ
…
وَهَهُنَا بَيْتُ جَمْلٍ مَا لَهُ سِتَرُ
لِلَّهِ سَبعَةُ أَطْوَافٍ أَطُوفُ بِهِ
…
كَمَا يَطُوفُونَ شِدًّا لَسْتُ أَقْتَصِرُ
وَرَمْيُ جَارَتِهَا جَهْدِي كَرِمْيِهِمُ
…
رُؤْسَ الْجِمَارِ الَّتِي تُرْمَى وتُبْتَدَرُ
فَسَوْفَ أَحْلِقُ رَأْسِي مِثْلَ حَلْقِهِمُ
…
حَتَّى يَكِرُّوا وَرْأَسِي مَا لَهُ شَعَرُ
وَسَوْفَ أَرْكُضُ نِضْوِي مِثْلَ رَكْضِهِمُ
…
حَتَّى يَكِرُّوا وَهُوَ مُسْتَنْقَصٌ دَبَرُ
كَانَتْ مَنَاسِكُهُمْ تَقْبِيلَهُمْ حَجَرًا
…
وَمَنْ يُقَبِّلْكِ لا يَعْرِضْ لَهُ حَجَرُ
لَوْ كَانَ أَدْرَكَهَا عُثْمَانُ أَوْ عُمَرُ
…
مَا حَجَّ غَيْرَكَ عُثْمَانٌ وَلا عُمَرُ
قَالَ: فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ الْبَكْرِيُّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ رَحِمَكَ اللَّهُ عَلَى أنْ أَخْرَجْتَ أَبَا بَكْرٍ مِمَّا أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّيْخَيْنِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنِّي لَمْ أُخْرِجْهُ مِمَّا يَتَنَافَسُ النَّاسُ فِيهِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَبِي بِالْيَمَامَةِ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى السَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَنْشَدَنَا ابْنُ هَرْمَةَ:
هَجَوْتُ الأَدْعِيَاءَ فَنَاصَبَتْنِي
…
مَعَاشِرُ خِلْتُهَا عَرَبًا صِحَاحَا
فَقُلْتُ لَهُمْ وَقَدْ نَبَحُوا جَمِيعًا
…
عَلَيَّ فَلَمْ أَجِبْ لَهُمُ نُبَاحَا
أَأَنْتُمْ مِنْهُمُ فَأَصُدَّ عَنْكُمْ
…
وَأَنْسِبَكُمْ لِنِسْبَتِهِمْ صُرَاحَا
وَإِلا فَاحْمَدُوا رَأْيِي فَإِنِّي
…
أُزَحْزِحُ عَنْكُمُ الِابْنَ الْقُبَاحَا
وَحَسْبُكُ تُهْمَةً لِصَحِيحِ قَوْمٍ
…
يَمَدُّ عَلَى أَخِي سَقَمٍ جَنَاحَا
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزَّهْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَسْمَاهُ نَسِيتُهُ كَانَ مَعَ السَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَوَدِدْتُ أَنَّ ابْنَ هَرْمَةَ أَتَانِي، فَأَقُولَ لَهُ: لَوْ كَتَبْتَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ يُكَلِّفَنِي مَا لا أَطِيقُ، فَكَتَبْتُ أَنَا إِلَى ابْنِ هَرْمَةَ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ إِلا أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ غُلِبَ صَبْرُهُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ دَخَلْتُ عَلَى السَّرِيِّ، فَأَخْبَرْتُهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ هَرْمَةَ، وَكَانَ ذَمِيمًا، فَقَعَدَ وَقَعَدَ رَاوِيَتُهُ ابْنُ زَبَنَّجٍ، وكَانَ جَمِيلا وَسِيمًا.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَرْمَةَ: إِنِّي قَدْ مَدَحْتُكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
فَأَنْشَدَ.
فَقَالَ: هَذَا ابْنُ زَبَنَّجٍ يُنْشِدُ.
فَأَنْشَدَ ابْنُ زَبَنَّجٍ، فَقَالَ لَهُ: مَرْحَبًا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ عَبْدًا مَمْلُوكًا.
قَالَ: بَلْ حُرٌّ كَرِيمٌ.
قَالَ: مَا تَرَكْتُ لِي مَالا إِلا رَهَنْتُهُ، وَلا صَدِيقًا إِلا كَلَّفْتُهُ.
قَالَ: حَتَّى كَانَ لِي رَيَّانُ وَغَالِبٌ، وَهُمَا مَالانِ عَظِيمَانِ، جَعَلَ السُّلْطَانُ غَلَّتَهُمَا لِصَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَمَا يَخْرُجُ يُطْعِمُهُ النَّاسَ.
قَالَ: وَكَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: سَبْعُ مِائَةِ دِينَارٍ.
قَالَ: هُوَ عَلَيَّ.
قَالَ: فَمَكَثَ ابْنُ هَرْمَةَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ لِي: لَقَدْ غَرِضْتُ.
فَقُلْتُ: قُلْ شِعْرًا تَذْكُرْ فِيهِ غَرَضَكَ، وَأَنْشِدْهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ:
إِنَّ الْحَمَامَةَ فِي نَخْلِ ابْنِ هَدَّاجِ
…
هَاجَتْ فُؤَادَ سَقِيمِ الْقَلْبِ مُهْتَاجِ
أَمَا مُخَبِّرُ أَنَّ الْغَيْثَ قَدْ نَتَجَتْ
…
مِنْهُ عِشَارٌ تَمَامًا غَيْرَ إِخْدَاجِ
شَقَّتْ سَوَائِفُهَا بِالْفَرْشِ مِنْ ملَلٍ
…
إِلَى الأَعَارِفِ مِنْ حَزْنٍ وَأَوْلاجِ
وَقَالَ فِيهَا:
هَاجَ الْعَيِيُّ إِلَى شَوْقٍ فَهَيَّجَنِي
…
فَعِجْتُ مِنْ قَلْبِ مَاضٍ غَيْرِ مُنْعَاجِ