الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كُلٌّ قَدْ أَحْسَنَ، عُمَرُ حَيْنَ حَرَمَ نَفْسَهُ، وَأَقَارِبَهُ، وَعُثْمَانُ حِينَ وَصَلَ أَقَارِبَهُ
397 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام يَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: «حَمَّالُ الْخَطَايَا! لا وَاللَّهِ لا أَعُودُ
إِلَيْهِ أَبَدًا» .
فَآيَسَهُ مِنْهُ
398 -
عَنْ أَبِي غَسَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ
يَخْطُبُ، فَأَكَبَّ النَّاسُ حْوَلَهُ، فَقَالَ:«اجْلِسُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ» ! فَصَاحَ بِهِ طَلْحَةُ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ
لَكِنَّهُمْ عِبَادُهُ وَقَدْ قَرَءُوا كِتَابَهُ»
399 -
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: شَهِدْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنْشُدُ كِتَابَ اللَّهِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: «اجْلِسْ،
أَمَا لِكِتَابِ اللَّهِ نَاشِدٌ غَيْرُكَ» ! فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ:«اجْلِسْ» ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ
، فَبَعَثَ إِلَى الشُّرَطِ لِيُجْلِسُوهُ، فَقَامَ النَّاسُ فَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالَ: ثُمَّ تَرَاقَوْا بِالْبَطْحَاءِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: مَا أَكَادُ أَرَى أَدِيمَ السَّمَاءِ مِنَ الْبَطْحَاءِ.
فَنَزَلَ عُثْمَانُ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رحمه الله، قَالَ: " صَلَّيْتُ الْعَصْرَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي أَيَّامِ خِلافَتِهِ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ وَحَدَهُ، فَأَتَيْتُهُ إِجْلالا وَتَوْقِيرًا لِمَكَانِهِ، فَقَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ عَلِيًّا؟ قُلْتُ: خَلَّفْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الآنَ فَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ: أَمَّا مَنْزِلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ، فَابْغِهِ لَنَا فِي الْمَسْجِدِ.
فَتَوَجَّهْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَإِذَا عَلِيٌّ عليه السلام يَخْرُجُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ عُثْمَانَ وَتَجَرُّمَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ مِنْ دَوَائِهِ لَقَطْعَ كَلامِهِ، وَتَرْكَ لِقَائِهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كَيْفَ لَكَ بِهَذَا! فَإِنْ تَرَكْتَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْكَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ؟ قَالَ: أَعْتَلُّ، وَأَعْتَلُّ، فمَنْ يَقْسِرُنِي؟ قَالَ: لا أَحَدَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا لَهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، ظَهَرَ مِنْهُ التَّفَلُّتُ وَالطَّلَبُ لِلانْصِرَافِ مَا اسْتَبَانَ لِعُثْمَانَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ عُثْمَانُ، وَقَالَ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، أَمَا تَرَى ابْنَ خَالِنَا يَكْرَهُ لِقَاءَنَا، فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ وَحَقُّكَ أَلْزَمُ، وَهُوَ بِالْفَضِلِ أَعْلَمُ؟ فَلَمَّا تَقَارَبَا رَمَاهُ عُثْمَانُ بِالسَّلامِ، فَرَّدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنْ تَدْخُلْ فَإِيَّاكَ أَرَدْنَا، وَإِنْ تَمْضِ فَإِيَّاكَ طَلَبْنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيَّ ذَلِكَ أَحْبَبْتَ؟ قَالَ: تَدْخُلَ، فَدَخَلا وَأَخَذَ عُثْمَانُ بِيَدِهِ، فَأَهْوَى بِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَقَصَّرَ عَنْهَا، وَجَلَسَ قُبَالَتَهَا، فَجَلَسَ عُثْمَانُ إِلَى جَانِبِهِ، فَنَكَصْتُ عَنْهُمَا، فَدَعَوَانِي جَمِيعًا، فَأَتَيْتُهُمَا، فَحَمِدَ عُثْمَانُ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَيْ خَالِي وَابْنَيْ عَمِّي، فَإِذَا جَمَعْتُكُمَا فِي النِّدَاءِ فَأَسْتَجْمِعُكُمَا فِي الشِّكَايَةِ عَنْ رِضَايَ عَلَى أَحَدِكُمَا، وَوَجْدِي عَلَى الآخَرِ.
إِنِّي أَسْتَعْذِرُكُمَا مِنْ أَنْفُسِكُمَا، وَأَسْأَلُكُمَا فَيْئَتَكُمَا، وَأسْتَوْهِبُكُمَا رَجْعتَكُمَا، فَوَاللَّهِ لَوْ غَالَبَنِي النَّاسُ مَا انْتَصَرْتُ إِلا بِكُمَا، وَلَوْ تَهَضَّمُونِي مَا تَعَزَّزْتُ إِلا بِعِزِّكُمَا.
وَلَقْدَ طَالَ هَذَا الأَمْرُ بَيْنَنَا حَتَّى تَخَوَّفْتُ أَنْ يَجُوزَ قَدْرَهُ، وَيَعْظُمَ الْخَطَرُ فِيهِ، وَلَقَدْ هَاجَنِي الْعَدُوُّ عَلَيْكُمَا، وَأَغْرَانِي بِكُمَا، فَمَنَعَنِي اللَّهُ وَالرَّحِمُ مِمَّا أَرَادَ، وَقَدْ خَلَوْنَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَى جَانِبِ قَبْرِهِ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُظْهِرَا لِي رَأْيَكُمَا فِيَّ، وَمَا تَنْطَوِيَانِ لِي عَلَيْهِ، وَتَصْدُقَا فَإِنَّ الصِّدْقَ أَنْجَى وَأَسْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَطْرَقَ عَلِيٌّ عليه السلام، وَأَطْرَقْتُ مَعَهُ طَوِيلا، أَمَّا أَنَا فَأَجلَلْتُهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا هُوَ فَأَرَادَ أَنْ يُجِيبَ عَنِّي وَعَنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَتَتَكَلَّمُ أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا عَنْكَ؟ قَالَ: بَلْ تَكَلَّمْ عَنِّي وَعَنْكَ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ، وَصَلَّيْتُ عَلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، يَا ابْنَ عَمِّنَا وَعَمَّتِنَا، فَقَدْ سَمِعْنَا كَلامَكَ لَنَا، وَخَلْطَكَ فِي الشِّكَايَةِ بَيْنَنَا عَلَى رِضَاكَ، زَعَمْتَ، عَنْ أَحَدِنَا، وَوَجْدِكَ عَلَى الآخَرِ، وَسَنَفْعَلُ فِي ذَلِكَ، فَنَذُمُّكَ وَنَحْمَدُكَ، اقْتِدَاءً مِنْكَ بِفِعْلِكَ فِينَا، فَإِنَّا نَذُمُّ مِثْلَ تُهْمَتِكَ إِيَّانَا عَلَى مَا اتَّهَمْتَنَا عَلَيْهِ بِلا ثِقَةٍ إِلا ظَنًّا، وَنَحْمَدُ مِنْكَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَتِكَ عَشِيرَتَكَ، ثُمَّ نَسْتَعْذِرُكَ مِنْ نَفْسِكَ اسْتِعْذَارَكَ إِيَّانَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَنَسْتَوْهِبُكَ فَيْئَتَكَ اسْتِيهَابَكَ إِيَّانَا فَيْئَتَنَا، وَنَسْأَلُكَ رَجْعَتَكَ مَسْأَلَتَكَ إِيَّانَا رَجْعَتَنَا، فَإِنَّا مَعًا أَيَّمَا حَمِدْتَ وَذَمَمْتَ مِنَّا، كَمِثْلِكَ فِي أَمْرِ نَفْسِكَ، لَيْسَ بَيْنَنَا فَرْقٌ وَلا اخْتِلافٌ، بَلْ كِلانَا شَرِيكٌ صَاحِبِهِ فِي رَأْيِهِ وَقَوْلِهِ.
فَوَاللَّهِ مَا تَعْلَمُنَا غَيْرَ مُعْذَرِينَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، وَلا تَعْرِفُنَا غَيْرَ قَانِتِينَ عَلَيْكَ، وَلا تَجِدُنَا غَيْرَ رَاجِعِينَ إِلَيْكَ، فَنَحْنُ نَسْأَلُكَ مِنْ نَفْسِكَ مِثْلَ مَا سَأَلْتَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا.
وَأَمَّا قَوْلُكُ: لَوْ غَالَبَتْنِي النَّاسُ مَا انْتَصَرْتُ إِلا بِكُمَا أَوْ تَهَضَّمُونِي مَا تَعَزَّزْتُ إِلا بِعِزِّكُمَا، فَأَيْنَ بِنَا وَبِكَ عَنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ وَأَنْتَ كَمَا قَالَ أَخُو كِنَانَةَ:
بَدَا بُحْتُرٌ مَا رَامَ نَالَ وَإِنْ يُرَمْ
…
نَخُضْ دُونَهُ غَمْرًا مِنَ الْغَرِّ رَائِمُهْ
لَنَا وَلَهُمْ مِنَّا وَمِنْهُمْ عَلَى الْعِدَى
…
مَرَاتِبُ عِزٍّ مُصْعِدَاتٍ سِلالِمُهْ
وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي هَيْجِ الْعَدُوِّ إِيَّاكَ عَلَيْنَا، وَإِغْرَائِهِ لَكَ بِنَا، فَوَاللَّهِ مَا أَتَاكَ الْعَدُوُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلا وَقَدْ أَتَانَا بِأَعْظَمِ مِنْهُ، مِمَّا أَرَادَ مَنْعَكَ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ وَالرَّحِمِ، وَمَا أَبْقَيْتَ أَنْتَ وَنَحْنُ إِلا أَدْيَانَنَا وَأَعْرَاضَنَا وَمُرُوءَاتِنَا، وَلَقَدْ لَعَمْرِي طَالَ بِنَا وَبِكَ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى تَخَوَّفْنَا مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَرَاقَبْنَا مِنْهُ مَا رَاقَبْتَ.
وَأَمَّا مُسَاءَلَتِكَ إِيَّانَا فِيكَ، وَمَا نَنْطَوِي عَلَيْهِ لَكَ، فَإِنَّا نُخْبِرُكَ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى مَا تُحِبُّ، لا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنَّا مِنْ صَاحِبِهِ إِلا ذَلِكَ، وَلا يَقْبَلُ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَكِلانَا ضَامِنٌ عَلَى صَاحِبِهِ ذَلِكَ وَكَفَيِلٌ بِهِ.
وَقَدْ بَرَّأْتَ أَحَدَنَا وَزَكَّيْتَهُ، وَأَنْطَقْتَ الآخَرَ وَأَسْكَتَّهُ، وَلَيْسَ السَّقِيمُ مِنَّا مِمَّا كَرِهْتَ بِأَنْطَقَ مِنَ الْبَرِيءِ فِيمَا ذَكَرْتَ، وَلا الْبَرِيءُ مِنَّا مِمَّا سَخِطْتَ بِأَظْهَرَ مِنَ السَّقِيمِ فِيمَا وَصَفْتَ.
فَإِمَّا جَمْعَتَنَا فِي الرِّضَا، وَإِمَّا جَمَعْتَنَا فِي السَّخَطِ لِنُجَازِيَكَ بِمِثْلِ مَا تَفْعَلُ بِنَا فِي ذَلِكَ مُكَايَلَةَ الصَّاعَ بِالصَّاعِ، فَقَدْ أَعْلَمْنَاكَ رَأْيَنَا، وَأَظْهَرْنَا لَكَ ذَاتَ أَنْفُسِنَا، وَصَدَقْنَاكَ، وَالصِّدْقُ كَمَا ذَكَرْتَ أَنْجَى وَأَسْلَمُ، فَأَجِبْ إِلَى مَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ، وَأَجْلِلْ عَنِ النَّقْضِ وَالْغَدْرِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَوْضِعَ قَبْرِهِ، وَاصْدُقْ تَنْجُ وَتَسْلَمْ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَلَكَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام نَظْرَةَ هَيْبَةٍ، وَقَالَ: دَعْهُ حَتَّى يَبْلُغَ رِضَاهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَوْ ظَهَرَتْ لَهُ قُلُوبُنَا، وَبَدَتْ لَهُ سَرَائِرُنَا حَتَّى رَآهَا بِعَيْنِهِ، كَمَا يَسْمَعُ الْخَبَرَ عَنْهُ بِأُذُنِهِ، مَا زَالَ مُتَجَرِّمًا مُنْتَقِمًا، وَاللَّهِ مَا أَنَا مُلْقًى عَلَى وَضَمَةٍ، وَإِنِّي لَمَانِعٌ مَا وَرَاءَ ظَهْرِي، وَإِنَّ هَذَا الْكَلامَ لَمُخَالَفَةٌ مِنْهُ وَسُوءُ عِشْرَةٍ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: مَهْلا أَبَا حَسَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَنِي بِغَيْرِ ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ وَأَنْتَ عِنْدَهُ:«إِنْ مِنْ أَصْحَابِي لَقَوْمًا سَالِمِينَ لَهُمْ، وَإِنَّ عُثْمَانَ لِمِنْهُمْ، إِنَّهُ لَأَحْسَنُهُمْ بِهِمْ ظَنًّا، وَأَنْصَحُهُمْ لَهُمْ حُبًّا» ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: فَصَدِّقْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِكَ، وَخَالِفْ مَا أَنْتَ الآنَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قِيلَ لَكَ مَا سَمِعْتَ وَهُوَ كَافٍ إِنْ قَبِلْتَ.
قَالَ عُثْمَانُ: تَثِقُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَثِقُ وَلا أَظُنُّكَ فَاعِلا.
قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ وَثِقْتُ، وَأَنْتَ مِمَّنْ لا يَخْفِرُ صَاحِبَهُ، وَلا يُكَذَّبُ لِقِيلِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخَذْتُ بِأَيْدِهِمَا حَتَّى تَصَافَحَا وَتَصَالَحَا وَتَمَازَحَا، وَنَهَضْتُ عَنْهُمَا، فَتَشَاوَرَا وَتَآمَرَا وَتَذَاكَرَا، ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَاللَّهِ مَا مَرَّتْ ثَالِثَةٌ حَتَّى لَقِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَذْكُرُ مِنْ صَاحِبِهِ مَا لا تَبْرُكُ عَلَيْهِ الإِبِلُ.
فَعَلِمْتُ أَنْ لا سَبِيلَ إِلَى صُلْحِهِمَا بَعْدَهَا.
مَرِضَ عَلِيٌّ عليه السلام، فَعَادَهُ عُثْمَانُ وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَسْأَلُ عَلِيًّا عَنْ حَالِهِ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ لا يُجِيبُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: «لَقَدْ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ مِنِّي بَمْنِزِلَةِ الْوَلَدِ الْعَاقِّ لأَبِيهِ، إِنْ عَاشَ عَقَّهُ، وَإِنْ مَاتَ فَجَعَهُ.
فَلَوْ جَعَلْتَ لَنَا مِنْ أَمْرِكَ فَرَجًا، إِمَّا عَدُوًّا أَوْ صَدِيقًا، وَلَمْ تَجْعَلْنَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ.
أَمَا وَاللَّهِ لأَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ، وَإِنْ قُتِلْتُ لا تَجِدُ مِثْلِي» .
فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا وَاللَّهِ لا يُرَامُ مَا وَرَاءَنَا حَتَّى تَتَوَاصَلَ سُيُوفُنَا وَتُقْطَعَ أَرْحَامُنَا.
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ، وَقَالَ:" اسْكُتْ لا سَكَتَّ، وَمَا يُدْخِلُكَ فِيمَا بَيْنَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " خَرَجْتُ أُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَقِيتُهُ رَاكِبًا حِمَارًا، وَقَدِ ارْتَسَنَهُ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مَخْصُوفَتَانِ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَقَمِيصٌ صَغِيرٌ، وَقَدِ انْكَشَفَتْ مِنْهُ رِجْلاهُ، إِلَى رُكْبَتَيْهِ، فَمَشَيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، وَجَعَلْتُ أَجْذِبُ الإِزَارَ وَأُسَوِّيهِ عَلَيْهِ، كُلَّمَا سَتَرْتُ جَانِبًا انْكَشَفَ جَانِبٌ، فَيَضْحَكُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لا يُطِيعُكَ، حَتَّى جِئْنَا الْعَالِيَةَ فَصَلَّيْنَا، ثُمَّ قَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْنَا طَعَامًا مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَإِذَا عُمَرُ صَائِمٌ، فَجَعَلَ يَنْبِذُ إِلَيَّ طَيِّبَ اللَّحْمِ، وَيَقُولُ: كُلْ لِي وَلَكَ، ثُمَّ دَخَلْنَا حَائِطًا، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ، وَقَالَ: اكْفِنِيهِ، وَأَلْقَى قَمِيصَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَلَسَ يَغْسِلُهُ، وَأَنَا أَغْسِلُ رِدَاءَهُ، ثُمَّ جَفَّفْنَاهُمَا وَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ، فَرَكِبَ وَمَشَيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، وَلا ثَالِثَ لَنَا ".
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي فِي خِطْبَةٍ فَأَشِرْ عَلَيَّ.
قَالَ: وَمَنْ خَطَبْتَ؟ قُلْتُ: فُلانَةُ ابْنَةُ فُلانٍ.
قَالَ: النَّسَبُ كَمَا تُحِبُّ، وَكَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَكِنْ فِي أَخْلاقِ أَهْلِهَا دِقَّةً لا تَعْدِمُكَ أَنْ تَجِدَهَا فِي وَلَدِكَ.
قُلْتُ: فَلا حَاجَةَ لِي إِذًا فِيهَا.
قَالَ: فَلِمَ لا تَخْطُبُ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ يَعْنِي عَلِيًّا؟ قُلْتُ: أَلَمْ تَسْبِقْنِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَالأُخْرَى، قُلْتُ: هِيَ لابْنِ أَخِيهِ.
قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ صَاحِبَكُمْ إن وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ أَخْشَى عُجْبَهُ بِنَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ، فَلَيْتَنِي أَرَاكُمْ بَعْدِي.
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ صَاحِبَنَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، إِنَّهُ مَا غَيَّرَ وَلا بَدَّلَ، وَلا أَسْخَطَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيَّامَ صُحْبَتِهِ لَهُ.
قَالَ: فَقَطَعَ عَلَيَّ الْكَلامَ، فَقَالَ: وَلا فِي ابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى فَاطِمَةَ! .
قُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] وَصَاحِبُنَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى سُخْطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنِ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْفَقِيهُ فِي دِينِ اللَّهِ، الْعَالِمُ الْعَامِلُ بِأَمْرِ اللَّهِ.
فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَرِدُ بُحُورَكُمْ فَيَغُوصُ فِيهَا مَعَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ قَعْرَهَا فَقَدْ ظَنَّ عَجْزًا.
أَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِي وَلَكَ خُذْ فِي غَيْرِهَا.
ثُمَّ أَنْشَأَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمُورِ الْفُتْيَا، وَأُجِيبُهُ فَيَقُولُ: أَصَبْتَ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ.
أَنْتَ وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ " عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ يَوْمًا: " يَا مُغِيرَةُ، هَلْ أَبْصَرْتَ بِهَذِهِ، عَيْنِكِ الْعَوْرَاءِ مُنْذُ أُصِيبَتْ؟ قُلْتُ: لا.
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَيُعْوِرَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ الإِسْلامَ كَمَا أُعْوِرَتْ عَيْنُكَ هَذِهِ، ثُمَّ لَيُعْمِيَنَّهُ حَتَّى لا يَدْرِيَ أَيْنَ يَذْهَبُ وَلا أَيْنَ يَجِيءُ.
قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَوْ مِائَةٍ وَثَلاثِينَ وَفْدًا كَوَفْدِ الْمُلُوكِ، طَيِّبَةٌ رِيحُهُمْ، يُعِيدُونَ إِلَى الإِسْلامِ بَصَرَهُ وَشَتَاتَهُ.
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: حِجَازِيٌّ وَعِرَاقِيٌّ، وَقَلِيلا مَا كَانَ، وَقَلِيلا مَا دَامَ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ:«مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ وَأَدْتَ» ؟ قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ يُخَلَّفَ عَلَيْهِنَّ مِثْلُكَ.
أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام، لَمَّا بَعَثَ جَرِيرًا إِلَى مُعَاوِيَةَ، خَرَجَ وَهُوَ لا يَرَى أَحَدًا قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدْتُهُ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُمْ حَوْلَهُ يَبْكُونَ حَوْلَ قَمِيصِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى رُمْحٍ مَخْضُوبِ بِالدَّمِ، وَعَلَيْهِ أَصَابِعُ زَوْجَتِهِ نَائِلَةَ بِنْتِ الْفَرَافِصَةِ مَقْطُوعَةً، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ عَلِيٍّ عليه السلام، وَكَانَ مَعِي فِي الطَّرِيقِ رَجُلٌ يَسِيرُ بِسَيْرِي، وَيُقِيمُ بِمَقَامِي، فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَأَنْشَدَهُ:
إِنَّ بَنِي عَمِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلَبْ
…
هُمْ قَتَلُوا شَيْخَكُمْ غَيْرَ كَذِبْ
وأنت أولى الناب بالوثب فثب قَالَ: ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابًا مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ لأُمِّهِ، كَتَبَهُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ مِنَ الْكُوفَةِ سِرًّا أَوَّلُهُ: مُعَاوِيَ إِنَّ الْمُلْكَ قَدْ جُبَّ غَارِبُهُ قَالَ: فَقَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَقِمْ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ نَفَرُوا عِنْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ حَتَّى يَسْكُنُوا.
فَأَقَمْتُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ جَاءَ كِتَابٌ آخَرُ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ أَوَّلُهُ:
أَلا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ
…
فَإِنَّكَ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ مُلِيمُ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كَالسَّدَمِ الْمُعَنَّ
…
تَهَدَّرَ فِي دِمَشْقَ وَلا تَرِيمُ
وَإِنَّكَ وَالْكِتَابَ إِلَى عَلِيٍّ
…
كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلِمَ الأَدِيمُ
فَلَوْ كُنْتَ الْقَتِيلَ وَكَانَ حَيًّا
…
لَشَمَّرَ لا أَلْفٌ وَلا سَئُومُ
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَهُ هَذَا الْكِتَابُ وَصَلَ بَيْنَ طُومَارَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، ثُمَّ طَوَاهُمَا وَكَتَبَ عُنْوَانَهُمَا مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَدَفَعَهُمَا إِلَيَّ، لا أَعْلَمُ مَا فِيهِمَا، وَلا أَظُنُّهُمَا إِلا جَوَابًا، وَبَعَثَ مَعِي رَجَلا مِنْ بَنِي عَبْسٍ لا أَدْرِي مَا مَعَهُ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا إِلَى الْكُوفَةِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ، لا يَشُكُّونَ أَنَّهَا بَيْعَةُ أَهْلِ الشَّامِ.
فَلَمَّا فَتَحَ عَلِيٌّ عليه السلام الْكِتَابَ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا، وَقَامَ الْعَبْسِيُّ، فَقَالَ: مَنْ هَهُنَا مِنْ أَحْيَاءِ قَيْسٍ، وَأَخُصُّ مِنْ قَيْسٍ غَطَفَانَ، وَأَخُصُّ مِنْ غَطَفَانَ عَبْسًا؟ إِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ تَحْتَ قَمِيصِ عُثْمَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ شَيْخٍ خَاضِبِي لِحَاهُمْ بِدُمُوعِ أَعْيُنِهِمْ، مُتَعَاقِدِينَ مُتَحَالِفِينَ، لَيَقْتُلُنَّ قتلته فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَإِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَيَقْتَحِمَنَّهَا عَلَيْكُمُ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِصْيَانِ الْخَيْلِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بَعْدُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْفُحُولِ.
ثُمَّ دَفَعَ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام، كِتَابًا مِنْ مُعَاوِيَةَ فَفَتَحَهُ فَوَجَدَ فِيهِ:
أَتَانِيَ أَمْرٌ فِيهِ لِلنَّفْسِ غُمَّةٌ
…
وَفِيهِ اجْتِدَاعٌ لِلأُنُوفِ أَصِيلُ
مُصَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهَدَّةٌ
…
تَكَادُ لَهَا صُمُّ الْجِبَالُ تَزُولُ
رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَجْرَى خَيْلا، فَسَبَقَهُ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، فَأَنْشَدَ عَبْدُ الْمَلِكِ:
سَبَّقَ عَبَّادٌ وَصَلَّتْ لِحْيَتَهْ
…
وَكَانَ خَرَّازًا تَجُودُ قُرْبَتُهْ
فَشَكَا عَبَّادٌ قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاللَّهِ لأَنْصِفَنَّكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَكْرَهُ.
فَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مَنَاكِحَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ ضَاعَتْ.
فَأَخْبَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَالِدًا بِمَا كَتَبَ بِهِ الْحَجَّاجُ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَعْلَمُ امْرَأَةً مِنَّا ضَاعَتْ وَلا نَزَلَتْ إِلا عَاتِكَةَ بِنْتَ يَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهَا عِنْدَكَ، وَلَمْ يَعْنِ الْحَجَّاجُ غَيْرَكَ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: بَلْ عَنَى الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ عَبَّادًا، قَالَ خَالِدٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَنْصَفْتَنِي، أَدَّعِي رَجُلا ثُمَّ لا أُزَوِّجُهُ! إِنَّمَا كُنْتُ مَلُومًا لَوْ زَوَّجْتُ دَعِيَّكَ، فَأَمَّا دَعِيِّي فَلِمَ لا أُزَوِّجُهُ! .
أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ يَوْمًا وَهُوَ فِي قَائِلَتِهِ، فَأَيْقَظَهُ، وَقَالَ لَهُ: مَا يُؤَمِّنُكَ أَنَّ تُؤْتَى فِي مَنَامِكَ، وَقَدْ رُفِعَتْ إِلَيْكَ مَظَالِمُ لَمْ تَقْضِ حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ نَفْسِي مَطِيَّتِي إِنْ لَمْ أَرْفُقْ بِهَا لَمْ تُبَلِّغْنِي، إِنِّي لَوْ أَتْعَبْتُ نَفْسِي وَأَعْوَانِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلا قَلِيلا حَتَّى أَسْقُطَ وَيَسْقُطُوا، وَإِنِّي لأَحْتَسِبُ فِي نَوْمَتِي مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ الَّذِي أَحْتَسِبُ فِي يَقَظَتِي، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَزِّلَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً نَزَّلَهُ، وَلَكِنْ أَنْزَلَ الآيَةَ وَالآيَتَيْنِ حَتَّى اسْتُكْثِرَ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، مِمَّا أَنَا فِيهِ أَمْرٌ هُوَ أَهَمُّ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ، هُمْ أَهْلُ الْعِدَّةِ وَالْعَدَدِ، وَقِبَلَهُمْ مَا قِبَلَهُمْ، فَلَوْ جَمَعْتُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ خَشِيتُ انْتِشَارَهُمْ عَلَيَّ، وَلَكِنِّي أُنْصِفُ مِنَ الرَّجُلِ وَالاثْنَيْنِ، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءَهُمَا، فَيَكُونُ أَنْجَعُ لَهُ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ تَمَامَ هَذَا الأَمْرِ أَتَمَّهُ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَحَسْبُ عَبْدٍ أَنَّ يَعْلَمَ اللَّهَ مِنْهُ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنَّ يُنْصِفَ جَمِيعَ رَعِيَّتِهِ.