الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ، قُمْ يَا ابْنَ السَّمَّاكِ، فَقَدْ شَقَقْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَنَهَضْتُ وَأَنَا أَسْمَعُ شَهِيقَهُ وَبُكَاءَهُ، حَتَّى خَرَجْتُ وَاتَّبَعَنِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّمَّاكِ، أَنْتَ مُتَكَلِّمُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَوْ قُلْتُ: إِنَّكَ مُتَكَلِّمُ أَهْلِ الدُّنْيَا لَصَدَقْتُ، دَخَلْتَ عَلَى مَلِكٍ حَدَثِ السِّنِّ لَمْ يَحْزَنْ قَطُّ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَمُوتُ لَهُ الْوَلَدُ النَّفِيسُ فَيُرَى مُبْتَهِجًا، وَلا يُظْهِرُ حُزْنًا، فَدَخَلْتَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَذَكَّرْتَهُ الْحِسَابَ وَالْمَوْتَ وَالْبَعْثَ وَالْمِيزَانَ، فَكَلَّمْتَ قَلْبَهُ، فَإِنْ رَجَعْتَ إِلَيْهِ فَارْفُقْ بِهِ.
قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ كَانَ فِيهِ قَبْلَكَ، وَهُوَ كَائِنٌ فِيهِ قَوْمٌ بَعْدَكَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْمُ بِالْمَدَائِحِ وَالْمَعَائِبِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ إِذْ صِرْتَ بِالْمَنْصِبِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلا يَكْرُمُ مُدَّخَرُهُ، وَيَحْسُنُ مُنْتَشِرُهُ، فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفْتُ
229 -
حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، قَالَ: لَقَدْ غَدَوْتُ فِي غَدَاةٍ شَاتِيَةٍ جَائِعًا خَصِيرًا، وايْمُ اللَّهِ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، طَعَامٌ لَأُطْعِمْتُ مِنْهُ، وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَطْعُونًا فَجِئْتُ وَسَطَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُهُ عَلَيَّ بِخُوصٍ لِيُدَّفِينِي أَلْتَمِسُ كَسْبًا لَعَلِي أَجِدُ شَيْئًا آكُلُهُ، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ، وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ، يَنْزِعُ مِنْهُ بِيَدِهِ يَسْقِيهِ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثَلْمَةٍ فِي الْحَائِطِ.
قَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ مَا لَكَ؟ هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمِ افْتَحِ الْبَابَ.
فَفَتَحَهُ لِي، فَدَخَلْتُ، فَأَعْطَانِي دَلْوًا، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً، حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ كَفِّي طَرَحْتُ إِلَيْهِ دَلْوَهُ، وَقُلْتُ: حَسْبِي ثُمَّ أَكَلْتُهُنَّ، وَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَشَرِبْتُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي نَزَعْتُ بِكَفْيِ حَتَّى رُوِيتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَوَجَدْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا مَعَ النَّاسِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي بُرْدَةٍ لَهُ خَلِقٍ مَرْقُوعَةٍ بِفَرْوٍ.
قَالَ: فَجَاءَ وَهُوَ مُسْتَحٍ يَتَقَصَّى النَّاسَ، حَتَّى جَلَسَ فِي أَدْنَاهُمْ، وَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَذَكَرَ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْجَهْدِ فِي الْإِسْلامِ.
قَالَ: فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ قَالَ:
«تُوشِكُونَ أَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَأَنْ يُغْدَا عَلَى أَحَدِكُمْ بِجَفْنَةِ، وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِأُخْرَى
، وَيَسْتُرَ بَيْتَهُ كَمَا يَسْتُرَ الْكَعْبَةَ، أَفَأَنَّكُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ، أَمْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ» ؟ قَالَ: قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ، كُفِينَا الْمَئُونَةُ، فَتَفَرَّغْنَا لِلْعِبَادَةِ.