المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ماوية بنت عفزر كانت ملكة، وكانت تتزوج من أرادت، وأنها بعثت غلمانا لها، وأمرتهم أن يأتوها - الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

[الزبير بن بكار]

فهرس الكتاب

- ‌«أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَشْرَكَهُ اللَّهُ فِي سُلْطَانِهِ فَجَارَ فِي حُكْمِهِ» .قَالَ الْفَضْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ:

- ‌«مَنْ تَعَرَّضَ لِلْتُهْمَةِ فَلا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ، وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إِلَيْهِ، وَمَنَ أَفْشَاهُ كَانَ

- ‌ هَذَا وَالِدِي حَقًّا…وَمَا كُنْتُ بِهِ عَقًّابَذَلْتُ الْمَالَ فِي رِفْقٍ…وَمَا كُنْتُ بِهِ نَزْقًافَلَمَّا خَفَّ مِنْ مَالِي

- ‌«أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ»

- ‌ مَا تَصْنَعُ بِعَهْدِي يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَتَّخِذَهُ إِمَامًا وَلا أَعْصِيهِ.قَالَ: ارْدُدْ عَلَيَّ عَهْدِي.قَالَ: تَعْزِلُنِي

- ‌ خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فِي غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ جُرْجِيرَ مَلِكِ الْغَرْبِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ

- ‌ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، فَقَالَتْ عَائِشَةُ:فَإِنْ تَكُ نَاعِيًا فَلَقَدْ نَعَاهُ…نَعِيٌّ لَيْسَ فِي فِيهِ

- ‌ حَضَرَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيشٍ مَجْلِسَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أَمَيَّةَ

- ‌ أَلَسْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ ، قَالَ: لا، وَلَكِنَّنِي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ.قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِهِ؟ قَالَ: لَمْ

- ‌ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ جَوَارِيهِ، فَقَالَ لَهُنَّ: تُغَنِّيِنَّ لِمَعْبَدٍ؟ فَفَعَلْنَ.فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذَا الْحِدَاءُ.فَقَالَ لَهُنَّ:

- ‌ لا تَنْتَفِيَنَّ مِنْ وَلَدٍ نَكَحْتَ أُمَّهُ، وَاعْلَمْ أَنْ كُلَّ أَمَانَةٍ مُؤَدَّاةٌ، وَأَنَّ الرَّغَائِبَ فِي رَكْعَتِي

- ‌«مَنْ كَثُرَ مَالُهُ اشْتَدَّ حِسَابُهُ، وَمَنْ كَثُرَ تَبَعُهُ كَثُرَ شَيْاطِينُهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا ازْدَادَ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا

- ‌ لَمَّا ادَّعَى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا، وَآثَرَ عَمْرَو بْنِ الْعَاصِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَرَّبَهُمَا دُونَهُمْ جَزِعَ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ ذَلِكَ

- ‌ دَفْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، قَامَ عَلِيٌّ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:لُكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ

- ‌«رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا وَمَا مَلَكَ، لَوْ كَانَ مِنْ جَبَلٍ لَكَانَ فِنْدًا، أَوْ مِنْ حَجَرٍ لَكَانَ صَلْدًا، عَلَى مِثْلِ مَالِكٍ فَلْتَبْكِ

- ‌ أُتِيُ عُمَرُ بِبُرُودٍ، فَقَالَ لِلَّذِي أَتَاهُ بِهَا: أَخْرِجْ لِي خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِالْحَسَنِ، فَلَمَّا أَتَاهُ دَفَعَ

- ‌ وَلِينَاكُمْ قَرِيبًا، وَعَدْلُنَا عَلَيْكُمْ خَيْرٌ مِنْ خُطَبِنَا فِيكُمْ، وَإِنْ أَعِشْ يَأْتِكُمُ الْكَلامُ عَلَى جِهَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ

- ‌ رَدَدْتُ أَمْرَ الْمُسِلِمِينَ إِلَيْكَ فَدَبِّرْهُمْ بِرَأْيِكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ مَعَادُكَ، فَقَدْ أَخْرَجْتُ مِنْ رَقَبَتِي ذَلِكَ

- ‌ مَا نُطْعِمُكَ يَا ابْنَ حَسَّانٍ؟ قَالَ: سَمَكًا.قَالَ: فَمَا نَسْقِيكَ؟ قَالَ: سَوِيقًا.فَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ

- ‌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ كَانَ يُشَبِّبُ بِابْنَةِ مُعَاوِيَةَ، وَيَذْكُرُهَا فِي شِعْرِهِ، فَقَالَ النَّاسُ لِمُعَاوِيَةَ: لَوْ جَعَلْتَهُ

- ‌ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ: أَطَعَامُ يَدٍ أَمْ طَعَامُ يَدَيْنِ؟ قَالَ: فَإِذَا قَالَ لَهُ: طَعَامُ يَدَيْنِ.لَمْ يَأْكُلْ، وَهُوَ الشِّوَاءُ

- ‌ فَلَمَّا أَهْذَرَا فِي التَّهَاجِي وَأَفْحَشَا، كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ يَوْمَئِذٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ

- ‌ أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَارِيَةَ ابْنَةَ شَمْعُونَ

- ‌ لَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَلَّمَ أَهْلُ مَكَّةَ عُثْمَانَ بْنَ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ حَتَّى

- ‌ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ، وَكَانَ رَجُلا مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ، قَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، عَلَى مَا

- ‌«أُوصِي مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَنِي بِوِلايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، مَنْ تَوَلاهُ فَقَدْ تَوَلانِي، وَمَنْ تَوَلانِي فَقَدْ تَوَلَّى

- ‌ خَذَلَنِي النَّاسُ، حَتَّى وَلَدِي وَأَهْلِي، فَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلا الْيَسِيرُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الدَّفْعِ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ

- ‌ ابْنِنَا عِنْدَكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، وَأَحْسِنْ إِلَيْنَا فِي فِدَائِهِ، فَإِنَّا سَنَرْفَعُ لَكَ فِي الْفِدَاءِ.قَالَ: «مَنْ هُوَ»

- ‌ زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلاتَهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِهِ

- ‌ لَمَّا هَاجَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى كَلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ "، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَمَّا عَاصِمُ بْنُ عَمْرِو

- ‌«اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الْوَفَاةُ

- ‌ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الَّتِي أَخْرَجَتْهَا عَادَةُ الْمِرَاءِ وَالضَّلالَةِ، وَصَدَفَ بِهَا عَنِ الْحَقِّ الْهَوى وَالزَّيْغُ، إِنِّي نَذِيرٌ

- ‌ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ لَهُ: يَا خِبْثَةُ، شَيْخًا جَوَّالا فِي الْفِتَنِ، مَعَ أَبِي تُرَابٍ مَرَّةً، وَمَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌ النَّاسَ قَدْ رَفَعَوا أَعْيُنَهُمْ وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمِ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فِيهِ لُوْثَةٌ

- ‌«لا قَوَدَ إِلا بِالسَّيْفِ» ، وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.ثُمَّ قَالَ لِشَرِيكٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ ثُمَّ ثَنَّى فَلَمْ

- ‌«إِنْ لَمْ تَجَدْ مِنْ صُحْبَةِ الرِّجَالِ بُدًّا، فَعَلَيْكَ بِمَنْ إِنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وَإِنْ خَفَضْتَ لَهُ صَانَكَ، وَإِنْ وَعَدَكَ لَمْ

- ‌ أَخْبِرْنَا عَنَّا وَعَنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ

- ‌ أَلا تَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ قِبلِ ظَهْرِكَ؟ فَيَقُولُ: إِذَا أَمْكَنْتُ عَدُوِّي مِنْ ظَهْرِي فَلا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ أَبْقَى

- ‌ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ، أَلا وِإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أُصِيبَ رحمه الله، وَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كَانَ

- ‌«فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْولَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ

- ‌ الْخَطِّ، فَقَالَ: «عِلْمٌ أُوتِيَهُ نَبِيٌّ، فَمَنْ وَافَقَ عِلْمُهُ عِلْمَ ذَلِكَ النَّبِيِّ فَقَدْ عَلِمَ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ فَقَدْ

- ‌ اشْتَرَكَ ثَلاثَةٌ فِي ظَهْرِ امْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ، فَجَاءَتْ بِغُلامٍ، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهِ، فَدَعَا عُمَرُ بْنُ

- ‌ ثَلاثَةَ نَفَرٍ تَقَدَّمُوا إِلَيْهِ، وَقَدِ اشْتَرَكُوا فِي ظَهْرِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، وَقَدْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ

- ‌«طَعْامَانِ وَشَرَابَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، لا حَاجَةَ لِي بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لا أُحُرِّمُهُ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي اللَّهُ

- ‌«تُوشِكُونَ أَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَأَنْ يُغْدَا عَلَى أَحَدِكُمْ بِجَفْنَةِ، وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِأُخْرَى

- ‌«مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ» ؟ فَسَكَتُّ، حَتَّى أَعَادَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «فَلَعَلَّكَ تُرِيدُ

- ‌«يَأْتِي الأَنْصَارَ فِي دُورِهِمْ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، فَيُذَكِّرُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ، وَيَأْتُونَهُ

- ‌ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَعِيدُ

- ‌«إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثَلاثًا، فَإِنْ زَنَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ مِنْ

- ‌ مَرْوَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ أَمَرَ لِلْنَاسِ بِنِصْفِ عَطَائِهِمْ.وَقَالَ: إِنَّ الْمَالَ قَصَّرَ، وَقَدْ أَمَرْتُ لَكُمْ بِالنِّصْفِ

- ‌ أَجْوَدُ النَّاسِ حَيًّا وَمَيَّتًا حَاتِمٌ.قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ قُرَيْشٍ لَيُعْطِي فِي مَجْلِسٍ

- ‌ مَاوِيَّةَ بِنْتَ عَفْزَرَ كَانَتْ مَلِكَةً، وَكَانَتْ تَتَزَوَّجُ مَنْ أَرَادَتْ، وَأَنَّهَا بَعَثَتْ غِلْمَانًا لَهَا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَأْتُوهَا

- ‌ أَنَا لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» .قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَدِيثُ أَبِي زَرْعٍ وَأُمِّ زَرْعٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

- ‌ دَخَلَ عَمْرُو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِنْدَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادِ، وَشَرِيكُ بْنُ الأَعْوَرِ

- ‌ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ، ثُمَّ قَالَ:

- ‌«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»

- ‌«كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ»حَدَّثَنِي أَخِي هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ

- ‌ مِنْكُمْ لَمَنْ سَبَقَنِي فَرَأَى قَبْلِي، وَرَأَيْتُ بَعْدَهُ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ خَصَاصَةً إِلا أَلْصَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

- ‌ هَزَزْتُ ذَوَائِبَ الرِّجَالِ إِلَيْكَ، إِذْ لَمْ أَجَدْ مُعَوَّلا إِلا عَلَيْكَ، وَمَا زِلْتُ أَسْتَدِلُّ الْمَعْرُوفَ عَلَيْكَ، وَأَجْعَلُ

- ‌«لا يَبْعُدَنَّ ابْنُ هِنْدٍ إِنْ كَانَتْ فِيهِ لَمَخَارِجُ لا تَجِدُهَا فِي أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَنُفَرِّقُهُ فَيَتَفَارَقُ

- ‌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وِالأَمْرُ، وَمُلْكُ الدُّنْيَا وَالَآخِرَةِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يُشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ

- ‌«الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، مَا أَنَكْرَنْا إِمْرَةَ الأَنْصَارِ، وَلَكَانُوا لَهَا أَهْلا، وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ لا شَكَّ فِيهِ وَلا خيَارَ

- ‌ النِّعْمَةَ إِذَا حَدَثَتْ حَدَثَ لَهَا حُسَّادٌ حَسْبُهَا وَأَعْدَاءٌ قَدْرُهَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحْدِثْ لَنَا نِعَمًا لِيُحْدِثَ لَهَا حُسَّادٌ

- ‌ أُتِي عُمَرُ بَجَوْهَرِ كِسْرَى، وُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَصَارَ كَالْجَمْرِ، فَقَالَ لِخَازَنِ بَيْتِ الْمَالِ:

- ‌ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام يَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: «حَمَّالُ الْخَطَايَا! لا وَاللَّهِ لا أَعُودُ

- ‌ يَخْطُبُ، فَأَكَبَّ النَّاسُ حْوَلَهُ، فَقَالَ: «اجْلِسُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ» ! فَصَاحَ بِهِ طَلْحَةُ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ

- ‌ أَمَا لِكِتَابِ اللَّهِ نَاشِدٌ غَيْرُكَ» ! فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: «اجْلِسْ» ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ

- ‌ زِنْبَاعَ بْنَ رَوْحِ بْنِ سَلامَةَ الْجُذَامِيَّ يَعْشُرُ مَنْ يَمُرُّ بِهِ لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، قَالَ: فَعَمَدْنَا إِلَى مَا مَعَنَا

- ‌«كَيْفَ عِلْمُكَ بِمُضَرَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعَلَمُ النَّاسِ بِهِمْ.تَمِيمٌ هَامَتُهَا وَكَاهِلُهَا الشَّدِيدُ الَّذِي

- ‌«أَجِيزُوا بَطْنَ عَرَفَةَ، فَإِنَّمَا هُمْ إِذْ أَسْلَمُوا إِخْوَانُكُمْ» .قَالَ: " فَعَلَّمَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ أَذِنَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ برَاقَةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا يَعْرُجُ، فَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا، يَقُولُ فِيهَا:مَا إِنْ

- ‌ يُعْطِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَقَالَ لَهُ: فُرَاتُ، مَنِ الَّذِي يَقُولُ: "الْفَقْرُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ

- ‌ أَشْعَرَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، وَكَانَ أَشْعَرَ أَهْلِ الإِسْلامِ ابْنُهُ كَعْبٌ، وَمَعْنُ بْنُ أَوْسٍ "عَنِ

- ‌«قُلْ شِعْرًا تَقْتَضِيهِ السَّاعَةُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ» .ثُمَّ أَبَدَّهُ بَصَرُهُ، فَانْبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، يَقُولُ:إِنِّي

- ‌ لا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ أُوْقِيَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتُ ذِي الْغُصَّةِ، يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ الْحُصَيْنِ

- ‌ أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ

الفصل: ‌ ماوية بنت عفزر كانت ملكة، وكانت تتزوج من أرادت، وأنها بعثت غلمانا لها، وأمرتهم أن يأتوها

وَشَكْلِيَ شَكْلٌ لا يَقُومُ بِمِثْلِهِ

مِنَ النَّاسِ إِلا كُلُّ ذِي ثِقَةٍ مِثْلِي

وَلِي نَيْقَةٌ فِي الْمَجْدِ وَالْبَذْلِ لَمْ يَكُنْ

تَأَنَّقَهَا فِيمَنْ مَضَى أَحَدٌ قَبْلِي

وَأَجْعَلُ مَالِي دُونَ عِرْضِيَ جُنَّةً

لِنَفْسِي وَأَسْتَغْنِي بِمَا كَانَ مِنْ فَضْلِي

وَمَا ضَرَّنِي إِنْ سَارَ سَعْدٌ بِأَهْلِهِ

وَأَفْرَدَنِي فِي الدَّارِ لَيْسَ مَعِي أَهْلِي

سَيَكْفِي ابْتِنَائِي الْمَجْدَ سَعْدُ بْنَ حَشْرَجٍ

وَأَحْمِلُ عَنْكُمْ كُلَّ مَا ضَاعَ مِنْ ثِقْلِ

وَلِي مَعَ بَذْلِ الْمَالِ وَالْجُودِ صَوْلَةٌ

إِذَا الْحَرْبُ أَبْدَتْ عَنْ نَوَاجِذِهَا الْعُصْلِ

278 -

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: " اجْتَمَعَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَوْمٌ فَتَذَاكَرُوا مُلُوكَ الْعَرَبِ حَتَّى ذَكَرُوا الزَّبَّاءَ بْنَتَ عَفْزَرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ حَدِيثَ حَاتَمِ طَيِّئٍ وَمَاوِيَّةَ بِنْتِ عَفْزَرَ، وَكَانَتْ تُلَقَّبُ بِالزَّبَّاءِ، وَكَانَ اسْمُهَا مَاوِيَّةَ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَفَلا أُحَدِّثُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى.

قَالَ: فَإِنَّ‌

‌ مَاوِيَّةَ بِنْتَ عَفْزَرَ كَانَتْ مَلِكَةً، وَكَانَتْ تَتَزَوَّجُ مَنْ أَرَادَتْ، وَأَنَّهَا بَعَثَتْ غِلْمَانًا لَهَا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَأْتُوهَا

بِأَوْسَمِ مَنْ يَجِدُونَهُ بِالْحِيرَةِ، فَجَاءُوهَا بِحَاتِمٍ، فَقَالَتْ لَهُ: اسْتَقْدِمْ إِلَى الْفِرَاشِ، فَقَالَ: حَتَّى أُنْبِئَكِ بِحَالِي.

فَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَنْتَظِرُ صَاحِبَيْنِ لِي.

فَقَالَتْ: دُوْنَكَ فَاسْتَدْخِلِ الْمِجْمَرَ.

فَقَالَ حَاتِمُ: اسْتِي لَمْ تُعَوَّدِ الْمِجْمَرَ، فَأَرْسَلَهَا مَثَلا وَارْتَابَتْ بِهِ، وَسَقَتْهُ خَمْرًا، فَجَعَلَ يُهْرِيقُهُ تَحْتَ الْبَابِ وَلا تَرَاهُ، تَحْتَ اللَّيْلِ.

ثُمَّ قَالَ: مَا أَنَا بِقَارٍ وَلا ذَائِقٍ خَمْرًا حَتَّى أَنْظُرَ مَا فَعَلَ صَاحِبَايَ.

فَقَالَتْ: إِنَّا سَنُرْسِلُ إِلَيْهُمَا بِقِرًى.

فَقَالَ: لَيْسَ بِنَافِعِي شَيْئًا حَتَّى آتِيَهُمَا، فَأَتَاهُمَا، فَقَالَ: أَفَتَكُونَانِ عَبْدَيْنِ لِابْنَةِ عَفْزَرَ يَرْعَيَانِ عَلَيْهَا أَحَبُّ إِلَيْكُمَا أَمْ تَقْتُلُكُمَا؟ فَقَالا: كُلُّ هَذَا نَقُصُّهُ، أَيْ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ، وَلَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ.

فَقَالَ حَاتِمٌ: فَشَأْنُكُمَا وَالرَّحِيلُ وَالنَّجَاءُ فِي الْبِلادِ عَنْهَا هَرَبًا، فَأَنْشَأَ حَاتِمٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُهَا فِي شِعْرِهِ وَمَا حَبَسَ نَفْسَهُ عَنِ الرِّيبَةِ، وَأَنَّهُ عَفِيفٌ لَيْسَ مِمَّنْ يَأْتِي الرِّيَبَ.

وَابْنَةُ عَفْزَرَ كَانَتْ بِالْحِيرَةِ، وَكَانَ النُّعْمَانُ مَنْ يِأْتِيهِ يُرِيدُ كَرَامَتَهُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ:

حنَّتْ إِلَى الأَجْبَالِ أَجْبَالُ طَيٍّ

وَجُنَّتْ جُنُونًا أَنْ رَأَتْ سَوْطَ أَحْمَرَا

أَحْمَرُ: قَالَ عَمِّي: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ يَسُوقُ لِحَاتِمٍ إِذَا وَفَدَ إِلَى الْمُلُوكِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: أَحْمَرُ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ السِّيَاطِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الطَّرِيقَ أَمَامَنَا

وَإِنَّا لَمُحْيُو أَرْضِنَا إِنْ تَيَسَّرَا

فَيَا أَخَوَيْنَا مِنْ جَدِيلَةَ إِنَّمَا

تُسَامَانِ ضَيْمًا مُسْتَبِينًا فَتَنْظُرَا

فَمَا نَكَرَاهُ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ مِلْقَطٍ

أَرَاهُ وَقَدْ أُعْطَى الْمَقَادَةُ أَوْجَرَا

وَإِنِّي لَمِزْجَاءُ الْمَطِيِّ عَلَى الْوَجَا

وَمَا أَنَا مِنْ خِلانِكِ ابْنَةَ عَفْزَرَا

ص: 163

وَمَا زِلْتُ أَسْعَى بَيْنَ نَابٍ وَدَارَةٍ

بِلَحْيَانَ حَتَّى خِفْتُ أَنْ أَتَنَصَّرَا

وَحَتَّى حَسِبْتُ اللَّيْلَ وَالصُّبْحَ إِذْ بَدَا

حِصَانَيْنِ مُشْتَالَيْنِ جَوْنًا وَأَشْقَرَا

وَإِنِّي لَوَهَّابٌ قَطُوعِي وَنَاقَتِي

إِذَا مَا انْتَشَيْتُ وَالْكُمَيْتَ الْمُصَدَّرَا

لَشِعْبٌ مِنَ الرَّيَّانِ أَمْلِكُ بَابَهُ

أُنَادِي بِهِ أَهْلَ الْكَبِيرِ وَجَعْفَرَا

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ خَطِيبٍ لَقِيتُهُ

إِذَا قُلْتُ مَعْرُوفًا لَهُ قَالَ مُنْكَرَا

تُنَادِي إِلَى جَارَاتِهَا: إِنَّ حَاتِمًا

أَرَاهُ لِعَمْرِي بَعْدَنَا قَدْ تَغَيَّرَا

تَغَيَّرْتُ إِنِّي غَيْرُ آتٍ دَنِيَّةً

وَلا قَائَلٍ يَوْمًا لِذِي الْعُرْفِ مُنْكَرَا

رَأَتْنِي كَأَشْلاءِ اللِّجَامِ وَلَنْ تَرَى

أَخَا الْحَرْبِ إِلا سَاهِمَ الْوَجْهِ أَغْبَرَا

أَخَا الْحَرْبِ إِنْ عَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا

وَإِنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ شَمَّرَا

مَتَى تَبْغِ وُدًّا مِنْ جَدِيلَةَ تَلْقَهُ

مَعَ الشَّنِّ مِنْهُ بَاقِيًا مُتَأَثِّرَا

فَإِلا يُعَاودْنَا جَهَارًا نُلاقِهِمْ

لأَعْدَائِنَا رِدْءًا دَلِيلا وَمُنْذِرَا

فَلا تَسْأَلِينِي وَاسْأَلِي أَيَّ فَارِسٍ

إِذَا الْخَيْلُ جَالَتْ فِي قَنًا قَدْ تَكَسَّرَا

وَلا تَسْأَلِينِي وَاسْأَلِي بِيَ صُحْبَتِي

إِذَا مَا الْمَطِيُّ بِالْفَلاةِ تَضَوَّرَا

وَلا تَسْأَلِينِي وَاسْأَلِي أَيَّ يَاسِرٍ

إِذَا وَرَقُ الطَّلْحِ الطِّوَالِ تَحَسَّرَا

فَلا هِيَ مَا تَرْعَى جَمِيعًا عِشَارَهَا

وَيُصْبِحُ ضَيْفِي سَاهِمَ الْوَجْهِ أَغْبَرَا

مَتَى تَرَنِي أَمْشِي بِسَيْفِيَ وَسْطَهَا

تَخَفْنِي وتُضْمِرْ بَيْنَهَا أَنْ تُجَزَّرَا

أَيْ لا تَخْتَرِطُ مِنَ الْفَرَقِ.

إِذَا حَالَ دُونِي مِنْ سُلامَانَ رَمْلَةٌ

وَجَدْتُ تَوَالِي الْوَصْلِ عِنْدِيَ أْبَتَرا

"

إِنَّ حَاتِمًا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَاهَا فَخَطَبَهَا، فَوَجَدَ عِنْدِهَا النَّابِغَةَ الذُّبْيَانِيَّ، وَرَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ النَبِيتِ، وَهُمْ مِنَ الأَوْسِ، فَقَالَتْ: انْقَلِبُوا إِلَى رِحَالِكُمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِيمَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءَ طَيِّئٍ، قَالُوا: كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: مَاوِيَّةُ نَذَرَتْ نَذْرًا، لا يَخْطِبُهَا كَرِيمٌ إِلا تَزَوَّجَتْهُ، وَلا يَخْطِبُهَا لَئِيمٌ إِلا جَدَعَتْهُ، فَتَنَاذَرَهَا النَّاسُ، فَقَدِمَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَبَلَيْنِ، جَبْلَيْ طَيِّئٍ، أَوْسُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ الْجَدِيلِيُّ، وَزَيْدُ الْخَيْلِ النَّبْهَانِيُّ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ، وَحَاتِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَخْزَمَ بْنِ أَبِي أَخْزَمَ، وَاسْمُهُ هزُومَةُ، وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلِ بْنِ ثُعَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ طَيِّئٍ، فَقَالَتْ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: أَتَيْنَاكَ خُطَّابًا.

قَالَتْ: وَمَا الَّذِي قَدْ بَلَغَ مِنْ فِعَالِكُمْ أَنِ اجْتَرَأْتُمْ عَلَى خِطْبَتِي؟ فَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَارِثَةَ: إِنِّي أَخَذْتُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ شَارِبِي، فَقَالَتْ لِي سُعْدَى أَمِّي: إِنَّ لِأَخْذِكَ مِنْ شَعْرِ شَارِبِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَتَلَقَّطْتُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ شَعْرِ شَارِبِي فَأَعْتَقْتُ بِكُلِ شَعْرَةٍ سَبِيَّةٍ مِنَ الْعَرَبِ.

وَلِي أَرْبَعَةُ آبَاءٍ قَدْ رَبَعُوا الْغَوْثَ وَجَدِيلَةَ، وَلِي أَرْبَعَةُ بَنِينَ كُلُّهُمْ مِنِّي خَلَفٌ.

قَالَتْ: أَمْسِكْ.

ص: 164

ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى زَيْدِ الْخَيْلِ، فَقَالَتْ: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى خِطْبَتِي؟ قَالَ: أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ، وَبِاسْمِي تُغِيرُ طَيِّئٌ عَلَى الْعَرَبِ، وَلِي مِرْبَاعُ كُلِّ غَارَةٍ، أَخَذْتُ طَرِيقِي، وَلَمْ أُلاحِ جَاهِلا، وَلَمْ أَمْنَعْ سَائِلا.

قَالَتْ: أَمْسِكْ.

ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى حَاتِمٍ فَقَالَتْ: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى خِطْبَتِي؟ قَالَ: أَنَا حَاتِمُ طَيِّئٍ الثَّعْلَبِيُّ، وَفَدْتُ عَلَى الْحَيَّيْنِ: الْغَوْثِ وَجَدِيلَةَ، وَأَنْهَبْتُ مَالِي ثَلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وحَكَّمَتْنِي طَيِّئٌ فِي أَمْوَالِهَا.

فَقَالَتْ: قُوُلُوا شِعْرًا، وَاذْكُرُوا فِيهِ كَرِيمَ فِعَالِكُمْ مَا يُصَدِّقُ فِيهِ قَوْلَكُمْ، وَائْتُونِي بِهِ.

فَقَالَ: زَيْدُ الْخَيْلِ:

هَلا سَأَلْتِ بَنِي نَبْهَانَ مَا حَسَبِي

عِنْدَ الطِّعَانِ إِذَا مَا احْمَرَّتِ الْحَدَقُ

وَآبَتِ الْخَيْلُ مُبْتَلا سَوَالِفُهَا

بِالْمَاءِ يَسْفَحُ مِنْ لَبَّاتِهَا الْعَرَقُ

قَدْ أَطْعَنُ الْفَارِسَ الْحَامِي حَقِيقَتَهُ

نَجْلاءَ يَذْهَبُ فِيهَا الزَّيْتُ وَالْخَرَقُ

وَأَطْعَنُ الْكَبْشَ والْخَيْلانُ وَاقِفَةٌ

يَوْمَ الأَكُسِّ بِهِ مِنْ نَجْدَةٍ رَوَقُ

الْكُسُّ: الْقَصِيرُ الأَسْنَانِ، وَالرَّوَقُ: الطُّولُ فِي الأَسْنَانِ.

وَالْخَيْلُ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فَارِسَهَا

وَالْهَامُ مِنَّا وَمِنْ أَعْدَائِنَا فَلَقُ

إِذْ قَالَ أَوْسٌ أَمَا مِنْ طَيِّئٍ رَجُلٌ

يَحْمِي الذِّمَارَ وَبِيضُ الْقَوْمِ تَأْتَلِقُ

وَالْجَارُ يَعْلَمُ أَنِّي غَيْرُ خَاذِلِهِ

إِنْ نَابِ دَهْرٌ لِعَظْمِ الْجَارِ مُعْتَرَقُ

إِذْ لا أَرَى الْمَالُ رَبًّا بَلْ أَرَى غَبْنًا

بُخْلا بِهِ وَمَنَايَا الْقَوْمِ تُعْتَلَقُ

هَذَا رِضَائِي فَإِنْ تَرْضَيْ فَرَاضِيَةٌ

أَوْ تَسْخَطِي فَإِلَى مَنْ تُعْطَفُ الْعَنَقُ

فَقَالَ أَوْسُ: وَاللَّهِ يَا زَيْدُ لَقَدْ أَطْرَيْتَ نَفْسَكَ بِالثَّنَاءِ، وَخَصَّصْتَهَا بِالْكَرَمِ، وَلَسْتُ أَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِكَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ:

أَمَاوِيَّ لَمْ يَخْطِبْكِ مِنْ حَيِّ مَذْحِجٍ

كَأَوْسِ بْنِ لأْمٍ أَوْ كَزَيْدٍ وَحَاتِمِ

فَإِنْ تَنْكِحِي زَيْدًا فَفَارِسُ طَيِّئٍ

إِذِا الْحَرْبُ يَوْمًا أَقْعَدَتْ كُلَّ قَائِمِ

وَمَعْقَلَ نَبْهَانَ الَّذِي يُتَّقَى بِهِ

رَدَى الدَّهْرِ عِنْدَ الْحَادِثِ الْمُتَفَاهِمِ

وَإِنْ تَنْكِحِي مَاوِيَّةَ الْخَيْرِ حَاتِمًا

فَمَا مِثْلُهُ فِينَا وَلا فِي الأَعَاجِمِ

فَتًى لا يَزَالُ الدَّهْرَ أَعْظَمُ هَمِّهِ

فِكَاكُ أَسْيرٍ أَوْ مَعُونَةُ غَارِمِ

رَأَى أَنَّ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَالِ هَالِكٌ

فَأَعْطَى وَلَمْ يَحْفَلْ مَلامَةَ لائِمِ

وَإِنْ تَنْكِحِينِي تَنْكِحِي غَيْرَ فَاحِشٍ

وَلا حَافِرٍ جَرْفِ الْعَشِيرَةِ هَادِمِ

وَلا مُتَّقٍ يَوْمًا إِذَا الْحَرْبُ شَمَّرَتْ

بَأَنْفَسِهَا نَفْسِي فِعَالَ الأَشَائِمِ

وَإِنْ طَرَقَ الأَضْيَافُ لَيْلا وَعَرَّسُوا

وَجَدْتِ ابْنَ سُعْدَى بِالْقِرَى غَيْرَ عَاتِمِ

فَأَيَّ امْرِئٍ أَهْدَى لَكِ اللَّهُ فَاقْبَلِي

فَإِنِّي كَرِيمٌ مِنْ عُرُوقِ الأَكَارِمِ

وَقَالَ حَاتِمُ طَيِّئٍ فِي ذَلِكَ:

سَلِي الأَقْوَامَ يَا مَاوِيَّ عَنِّي

وَإِنْ تَسْأَلِيهِمْ فَاسْأَلِينِي

تُخَبِّرْكِ الْمَعَاشِرُ وَالْمَصَافِي

وَذُو الرَّحِمِ الَّذِي قَدْ يَجْتَدِينِي

بِأَنِّي لا يَهِرُّ الْكَلْبُ ضَيْفِي

وَلا تُقْضَى نَجِيُّ الْقَوْمِ دُونِي

أَيْ لا يَتَنَاجُونَ فِي الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَشْهَدَهُمْ.

وَلا أَعْتَلُّ مِنْ قَنَعٍ بَمَنْعٍ

إِذَا نَابَتْ نَوَائِبُ تَعْتَرِينِي

الْقَنْعُ: الطَّعَامُ الْكثِيرُ.

ص: 165

وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ إِزَاءَ طَيٍّ

وَتَأْبَى طَيٌّ أَنْ تَسْتَطِينِي

إِزَاؤُهَا: الْقَائِمُ بِأَمْرِهَا.

إِذَا عَوْرَاءُ مِنْ جَنْبٍ أَتَتْنِي

عَنِ الأُذُنَيْنِ قُلْتُ لَهَا انْفُذِينِي

الْجَنْبُ: الْبَعِيدُ، وَيُقَالُ: الْقَرِيُبَ.

عُنِيتُ بِهَا كَأَنَ قِيلَتْ لِغَيْرِي

وَلَمْ يَعْرَقْ لَهَا مَنِّي جَبِينِي

إِذَا أَنَا لَمْ أرَ ابْنَ الْعَمِّ فَوْقِي

فَإِنِّي لا أَرْى ابْنَ الْعَمِّ دُونِي

وَمِنْ كَرَمٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَوْمِي

وَأيُّ الدَّهْرِ ذُو لَمْ يَحْسِدُونِي

وَذُو الْوَجْهَيْنِ يَلْقَانِي طَلِيقًا

وَلَيْسَ إِذِا تَغَيَّبَ يَأتَلِينِي

بَصُرتُ بِعَيْنِهِ فَصَفْحُتُ عَنْهُ

مُحَافَظَةً عَلَى حَسَبِي وَدِينِي

وَلَيْسَتْ شِيمَتِي شَتْمُ ابْنُ عَمِّي

وَلا أَنَا مُخْلِفٌ مَنْ يَرْتَجِينِي

فَأَطْرَقَتْ مَاوَيَّةُ تُفَكِّرُ طَوِيلا فِي مَدْحِهِمْ أَنْفُسَهمْ، لا تُجِيبُهُمْ، ثُمَّ دَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَتْ: انْصَرِفُوَا حَتَّى أُفَكِّرَ فِي نَقَائِبِكُمْ وَتَطْرِيَتِكُمْ أْنَفُسَكُمْ، فَانْصَرَفُوا عَنْهَا.

ثُمَّ إِنَّ حَاتِمًا دَعَتْهُ نَفْسُهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَخَطَبَهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَوَجَدَ عِنْدَهَا النَّابِغَةَ وَرَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ النَّبِيتِ، وَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَتْ لَهُمْ: انْقَلِبُوا إِلَى رِحَالِكُمْ، وَلَيْقُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ شِعْرًا يَذْكُرُ حُسْنَ فِعَالِهِ وَكَرَمَهُ، وَخَلائِقَهُ، وَمَنْصِبَهُ، فَإِنِّي لا أَتَزَوَّجُ إِلا أَكْرَمَكُمْ حَسَبًا، وَأَعْلاكُمْ مَنْصِبًا، وَأَشْعَرَكُمْ شِعْرًا، فَانْصَرَفُوا، وَنَحَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزُورًا، وَبَلَغَ مَاوِيَّةَ ذَلِكَ، فَلَبِسَتْ ثِيَابًا لِأَمَةٍ لَهَا وَاتَّبَعَتْهُمْ، فَأَتَتِ النَّبِيتِيَّ مُتَنَكِّرَةً، وَاسْتَطْعَمَتْهُ مِنْ جَزُورِهِ فَأَطْعَمَهَا ثَيْلَ جَزُورِهِ، وَالثَّيْلُ: الْقَضِيبُ.

فَأَخَذَتْهُ.

ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى النَّابِغَةِ، نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ، فَاسْتَطْعَمَتْهُ، فَأَطْعَمَهَا ذَنَبَ جَزُورِهِ، فَأَخَذَتْهُ، ثُمَّ أَتَتْ حَاتِمًا، فَوَجَدَتْهُ قَدْ نَصَبَ قِدْرَهُ، فَاسْتَطْعَمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: اصْبِرِي أُعْطِيكِ مَا يُبْهِجُكِ.

فَانْتَظَرَتْ حَتَّى بَلَغَتْ قُدُورُهُ، فَأَطْعَمَهَا مِنْ عَجُزِ الْجَزُورِ، وَقِطْعةً مِنَ السَّنَامِ، وَمِثْلَهَا مِنَ الْمِخْدَشِ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَارِكِ.

ثُمَّ انْصَرَفَتْ، وَأَهْدَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَيْهَا ظَهْرَ جَمَلِهِ، وَأَهْدَى إِلَيْهَا حَاتِمٌ مِثْلَ مَا أَهْدَى إِلَى جَارَاتِهِ.

وَكَانَ حَاتِمٌ إِذَا هُوَ نَحَرَ وَأَطْبَخَ لا يَدَعُ جَارَاتهِ إِلا بِهَدِيَّةٍ، وَصَبَّحُوهَا جَمِيعًا، فَاسْتَنْشَدَتْهُمْ، فَأَنْشَدَهَا النَّبِيتِيُّ:

هَلا سَأَلْتِ بَنِي النَّبِيتِ مَا حَسَبِي

عِنْدَ الشِّتَاءِ إِذَا مَا هَبَّتِ الرِّيحُ

وَرَدَّ جَازُرُهُمْ حَرْفًا مُصَرَّمَةً

فِي الرَّأْسِ مِنْهَا وَفِي الأَطْلاءِ تَمْلِيحُ

وَقَالَ رَائِدُهُمْ سِيَّانِ مَالَهُمُ

مِثْلانِ مِثْلٌ لِمَنْ يَرْعَى وَتْسَرِيحُ

الصِّرَارُ: الَّذِي يُشَدُّ عَلَى ظَهْرِ النَّاقَةِ لِيَصُرَّ لَبَنَهَا فِي ضِرْعِهَا لِيَجْتَمِعَ مَحْفُوظًا.

إِذَا اللِّقَاحُ غَدَتْ مُلْقًى أَصُرَّتُهَا

وَلا كَرِيمٌ مِنَ الْوِلْدَانِ مَصْبُوحُ

فَقَالَتْ: لَقَدْ ذَكَرْتَ مَكْرُمَةً إِنْ صَدَّقَ قِيلَكَ فِعْلُكَ.

ثُمَّ اسْتَنْشَدَتِ النَّابِغَةَ، فَأَنْشَدَهَا يَقُولُ:

هَلا سَأَلْتِ بَنِي ذُبْيَانَ مَا حَسَبِي

إِذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأَشْمَطَ الْبَرَمَا

ص: 166

البَرَمُ: الَّذِي لا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمُ فِي أَيْسَارِ جَزُورِهِمْ، وَجَمْعُهُ أَبْرَامٌ

وَهَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أَرَلٍ

تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صُرَّادِهَا صِرَمَا

إِنِّي أُسَامِحُ أَيْسَارِي وَأَمْنَحُهُمْ

مَثْنَى الأَيَادِي وَأَكْسُو الْجَفْنَةَ الأَدَمَا

فَلَمَّا أَنْشَدَهَا، قَالَتْ: مَا يَنْفَكُّ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا حَيِيتَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَتْ لِحَاتِمٍ: يَا أَخَا طَيِّئٍ أَنْشَدَنِي، فَأَنْشَدَهَا:

أَمَاوِيَّ قَدْ طَالَ التَّجَنُّبُ وْالْهَجْرُ

وَقَدْ عَذَّرْتِنِي فِي طِلابِكُمُ الْعُذْرُ

أَمَاوِيَّ إِمَّا مَانَعٌ فَمُبَيَّنٌ

وَإِمَّا عَطَاءٌ لا يُنَهْنِهُهُ الزَّجْرُ

أَمَاوِيَّ إِنِّي لا أَقُولُ لِسَائِلٍ

إِذَا جَاءَ يَوْمًا: حَلَّ فِي مَالِنَا نَذْرُ

أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى

إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ

أَمَاوِيَّ إِنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بِقَفْرَةٍ

مِنَ الأَرْضِ لا مَاءٌ لَدَيَّ وَلا خَمْرُ

تَرَيْ أَنَّ مَا أَنْفَقْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِي

وَأَنَّ يَدِي مِمَّا بَخِلْتُ بِهِ صِفْرُ

أَمَاوِيَّ إِنِّي رُبَّ وَاحِدِ أُمِّهِ

أَجَرْتُ فَلا قَتْلٌ عَلَيْهِ وَلا أَسْرُ

وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ لَوْ أَنَّ حَاتِمًا

أَرَادَ ثَرَاءَ الْمَالِ كَانَ لَهُ وَفْرُ

وَإِنِّيَ لا آلُو بِمَالِي صَنِيعَةً

فَأَوَّلُهُ زَادٌ وَآخِرُهُ ذُخْرُ

يُفَكُّ بِهِ الْعَانِي وَيُؤْكَلُ طَيِّبَا

وَمَا إِنْ تَعَرَّتْهُ الْقِدَاحُ وَلا الْخَمْرُ

وَلا أَلْطِمُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ إِخْوَتِي

شُهُودًا وَقَدْ أَوْدَى بِإِخْوَتِهِ الدَّهْرُ

وَلا آخُذُ الْمَوْلَى لِسُوءِ بَلائِهِ

وَإِنْ كَانَ مَحْنُوَّ الضُّلُوعِ عَلَى عُمْرُ

غَنِينَا زَمَانًا بِالتَّصَعْلُكِ وَالْغِنَى

وَكُلًّا سَقَانَاهُ بِكَأْسَيْهِمَا الدَّهْرُ

فَمَا زَادَنَا بَغْيًا عَلَى ذِي قَرَابَةٍ

غِنَانَا وَلا أَزْرَى بِأَحْسَابِنَا الْفَقْرُ

إِذَا أَنَا دَلانِي الَّذِينَ أُحِبُّهُمُ

لَمْلَحُودَةٍ زُلْجٍ جَوَانِبُهَا غُبْرُ

وَأَثْنَوْا بِمَا قَدْ يَعْلَمُونَ وَغَيْرَهُ

وَمَا إِنْ نَدَى مَا تَرَيْنَ وَلا سُخْرُ

وَقَامُوا عَلَى أَرْجَائِهِ يَدْفِنُونِي

يَقُولُونَ: قَدْ أَوْدَى السَّمَاحَةُ وَالذِّكْرُ

وَرَاحُوا سِرَاعًا يَنْفُضُونَ أَكُفَّهُمْ

يَقُولُونَ: قَدْ أَدْمَى أَظْافِرَنَا الْحَفْرُ

إِذَا الْمَرْءُ أَثْرَى ثُمَّ لَمْ يَكُ مَالُهُ

غِنًى لأَدَانِيهِ فَحَالَفَهُ الْعُسْرُ

فَلَمَّا فَرَغَ حَاتِمٌ مِنْ إِنْشَادِهِ الشِّعْرَ، دَعَتْ لَهُمْ بِالْغَدَاءِ، وَقَدْ كَانَتْ أَمَرَتْ إِمَاءَهَا أَنْ يُقَدِّمْنَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ أَطْعَمَهَا حَيْثُ اسْتَطْعَمَتْهُمْ، فَقَدَّمَ الْإِمَاءُ إِلَيْهِمِ مَا أَمَرَتْهُنَّ، فَلَمَّا وَضَعْنَ الْإِمَاءُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذَلِكَ عَرَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ أَطْعَمَهَا، فَنَكَّسَ النَّبِيتِيُّ وَالنَّابِغَةُ رَأَسَيْهُمَا، فَلَمَّا رَأَى حَاتِمٌ ذَلِكَ رَمَى بِالَّذِي قَدَّمْنَ الْإِمَاءُ إِلَيْهِمَا، وَقَدَّمَ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَتْ: إِنَّ حَاتِمًا لَأَكْرَمُكُمْ وَأَشْعَرُكُمْ وَأَجْوَدُكُمْ، رَجُلٌ كَرِيمُ النِّسْبَةِ، تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ كَمَعْرِفَةِ الْخَاصَّةِ، لَهُ جُودٌ وَمَعْرُوفٌ وَبَذْلٌ، قَدْ قَبِلْتُ حَاتِمًا، وَرَضِيتُ بِهِ، فَقَامَا مُنْصَرِفَيْنَ مُسْتَحِيَيْنَ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى حَاتِمٍ، فَقَالَتْ: خَلِّ سَبِيلَ امْرَأَتِكَ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، وَأَبْتَ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، فَانْصَرَفَ عَنْهَا.

ص: 167

ثُمَّ دَعَتْهُ نَفْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى تَزَوُّجِهَا، وَحَلَّتْ بِقَلْبِهِ، وَمَاتَتِ امْرَأَتُهُ، فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا، فَمَكَثَ عِنْدَهَا زَمَانًا، وَابْنُ عَمٍّ لِحَاتِمٍ يُقَالُ لَهُ: مَالِكٌ، قَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ مَا تَصْنَعِينَ بِحَاتِمٍ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ مَلَكَ لَيُتْلِفَنَّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ لَيَتَكَلَّفَنَّ، وَلِئِنْ مَاتَ لَيِتْرُكَنَّ وَلَدَكِ كَلًّا عَلَيْكِ وَعِيَالا عَلَى قَوْمِكِ، وَأَنَا لَكِ نَاصِحٌ مُشْفِقٌ، وَلَكِ مُحِبٌّ وَامِقٌ، فَطَلِّقِي، فَأَنَا أَتَزَوَّجُ بِكِ، وَأَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ حَاتِمٍ، لِأَنِّي أَكْثَرُ مِنْهُ مَالا، وَأَحْسَنُ مِنْهُ حَالا، وَأَنَا أَمْسَكُ عَلَيْكِ وَعَلَى وَلَدِكَ مَا لَهُمْ، وَتَعِيشِينَ مَعِي عَيْشًا رَغْدًا، فَمَالِي لَكِ وَأَنَا قَعِيدٌ لَكِ.

فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَتْ حَاتِمًا، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنَّ حَاتِمًا لَكَمَا ذَكَرْتَ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَكُنَّ النِّسَاءُ هُنَّ اللَّوَاتِي يُطَلِّقْنَ الرِّجَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ طَلاقُهُنَّ، إِنْ كُنَّ فِي بُيُوتٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، حَوَّلَنَّ بَابَهُ، فَإِذَا كَانَ بَابُهُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ حَوَّلْنَهُ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ حَوَّلْنَهُ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ حَوَّلْنَهُ إِلَى قِبَلِ الشَّامِ، فَإِذَا جَاءَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَرَأَى ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهَا طَلَّقَتْهُ، فَيَدَعُ غِشْيَانَهَا، وَكَانَتْ مَاوِيَّةُ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ زَمَانِهَا، فَأَتَاهَا حَاتِمٌ فَوَجَدَهَا قَدْ حَوَّلَتْ خِبَاءَهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهَا، فَهَبَطَ حَاتِمٌ إِلَى بَطْنِ وادٍ مِنَ الأَوْدِيَةِ فَنَزَلَ بِهِ، وَاغْتَمَّ لِذَلكِ غَمًّا شَدِيدًا، وَلَمْ تَتَهَيَّأْ لَهُ حِيَلَةٌ فِيهَا.

وَدَخَلَ بِهَا مَالِكٌ، وَجَاءَ قَوْمٌ سَفَرٌ فَنَزَلُوا عَلَى بَابِ الْخِبَاءِ، كَمَا كَانُوا يَنْزِلُونَ كَعَادَاتِهِمْ بِحَاتِمٍ، فَمَا زَالَ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بَعْدَ قَوْمٍ حَتَّى تَوَافَوْا قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ رَجُلا، فَضَاقَتْ بِهْمُ مَاوِيَّةُ ذَرْعًا، فَقَالَتْ لَجَارِيَتِهَا: اذْهَبِي إِلَى ابْنِ عَمِّي مَالِكٍ، فَقُولِي لَهُ، إِنَّ أَضْيَافًا لِحَاتِمٍ قَدْ نَزَلُوا بِنَا، وَهُمْ فِي عِدَادِ خَمْسِينَ رَجُلا، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا بِنَابٍ نَقْرِهِمْ وَلَبَنٍ نَغْبِقْهُمْ.

وَالنَّابُ: الْمُسِنَّةُ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْغَبُوقُ: شُرْبُ اللَّبْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.

وَقَالَتْ لِجَارِيَتَها: انْظُرِي إِلَى جَبِينِهِ وَفَمِهِ، فَإِنْ بَادَرَكِ بِالْقَوْلِ: أَيْ نَعَمْ فَأَقْبَلِي مِنْهُ، وَإِنْ ضَرَبَ بِلِحْيَتِهِ عَلَى زَوْرِهِ، أَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِهِ، فَاقْبَلِي وَدَعِيهِ.

قَوْلُهُ لِحْيَتُهُ عَلَى زُورُهُ: الْمَعْنَى إِنْ نَكَّسَ رَأْسَهُ وَضَرَبَ بِذَقْنِهِ عَلَى صَدْرِهِ.

فَأَتَتِ الْجَارِيَةُ مَالِكًا فَوَجَدَتْهُ مُتَوَسِّدًا وَطَبًا مِنَ اللَّبَنِ، وَتَحْتَ بَطْنِهِ وَطَبٌ آخرَ، وَهُوَ نَائِمٌ فَأَنْبَهَتْهُ، وَبَلَّغَتْهُ الرِّسَالَةَ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى رَأْسِهِ، فَحَكَّ رَأْسَهَ بِيِدِهِ، وَنَكَّسَ رَأَسَهُ مُفَكِّرًا، فَقَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ: إِنَّمَا هِيَ اللَّيْلَةُ حَتَّى تُعْلِمَ النَّاسَ بِمَكانِ حَاتِمٍ، وَيَبْلُغَهُمْ حَالُهُ.

ص: 168

فَقَالَ: أَقْرِئِي عَلَى مَوْلاتِكِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهَا هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكِ أَنْ تُطَلِّقِي فِيهِ حَاتِمًا، وَمَا عِنْدِي نَابٌ مُسِنَّةٌ قَدْ تَرَكَتِ الْعَمَلَ، فَاسْتَحَقَّتِ النَّحْرَ، وَمَا كُنْتُ لِأَنْحَرَ صَغِيرةً بِشَحْمِ كُلاهَا مُقْبِلَةٌ لِلْخَيْرِ.

وَمَا عِنْدِي مِنَ اللَّبنِ مَا يَكْفِي أَضْيَافَ حَاتِمٍ.

فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْهَا بِمَا سَمِعَتْ مِنْهُ وَمَا رَأَتْ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: وَيْحَكِ اطْلُبِي حَاتِمًا بِالْوَادِي، فَإِنْ وَجَدْتِيهِ، فَقُولِي: إِنْ أَضْيَافَكَ قَدْ نَزَلُوا بِنَا اللَّيْلَةَ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ فِي مَنْزِلِكَ كَمَا كُنْتَ، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا بِنَابٍ نُقْرِهِمْ وَلَبَنٍ نَغْبِقْهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ اللَّيْلَةُ حَتَّى يَعْرِفُوا حَالَكَ.

فَأَتَتِ الْجَارِيَةُ الْوَادِيَ فَصَرَخَتْ بِهِ، فَسَمِعَ صَوْتَهَا، فَقَالَ مُجِيبًا لَهَا: لَبَّيْكِ، قَرِيبًا دَعَوْتِ، فَانْتَبَهَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ مَاوِيَّةَ تُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَتَقُولُ: إِنْ أَضْيَافَكَ قَدْ نَزَلُوا بِنَا، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا بِنَابٍ نَنْحَرُهَا لَهُمْ، وَبِلَبَنٍ نَسْقِيهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِنَابٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْإِبِلِ فَأَطْلَقَ اثْنَيْنِ مِنْ عَقْلِهِمَا، ثُمَّ صَرَخَ بِهِمَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْخِبَاءِ، ثُمَّ بَادَرَهُمَا فَضَرَبَ عَرْاقِيبَهُمَا، فَصَرَخَتْ مَاوَيَّةُ مِنْ دَاخِلِ الْخِبَاءِ، تَقُولُ: لِهَذَا طَلَّقْتُكَ، وَقَالَتْ: تُبَذِّرُ مَالَكَ وَتُتْلِفُ مَا فِي يَدِكَ وَوَلَدُكَ مِنْ بَعْدِكَ كَلا عَلَى قَوْمِكَ.

فَأَنْشَأَ حَاتِمْ يَقُولُ:

هَلِ الدَّهْرُ إِلا الْيَوْمُ أَوْ أَمْسِ أَوْ غَدٌ

كَذَاكَ الزَّمَانُ بَيْنَنَا يَتَرَدَّدُ

يَرُدُّ عَلَيْنَا لَيْلَةً ثُمَّ يَوْمَهَا

فَمَا نَحْنُ مَا نَبْقَى وَلا الدَّهْرُ يِنْفَدُ

لَنَا أَجَلٌ مَا نَتَنَاهَى أَمَامَهُ

فَنَحْنُ عَلَى آثَارِهِ نَتَوَرَّدُ

بَنُو ثُعَلٍ قَوْمِي فَمَا أَنَا مُدَّعٍ

سِوَاهُمْ إِلَى قَوْمٍ وَلا أَنَا مُسْنَدُ

بِدَرْئِهِمُ أَغْشَى دُرُوءَ مَعَاشِرٍ

وَيَحْنَفُ عِنَّا الأَبْلَخُ الْمُتَعَمِّدُ

فَمَهْلا فِدًى أُمِّي وَنَفْسِي وَخَالَتِي

وَلا يَأْمُرنِي بِالدَّنِيَّةِ أَسْوَدُ

أَأَلانَ إِذْ ذُكِّيتُ وَاشْتَدَّ جَانِبِي

أُسَامُ الَّتِي أَعْيَيْتُ إِذْ أَنَا أَمْرَدُ

فَهَلْ تُرِكَتْ قَبْلِي حَضُورَ مَكَانِها

وَهَلْ أَنَا إِنْ أَعْطَيْتُ خَسْفًا مُخَلَّدُ

وَمُعْتَسِفٍ بِالرُّمْحِ مِنْ دُونِ صَحْبِهِ

تَعَسَّفْتُهُ بِالرُّمْحِ وَالْقَوْمُ هُجَّدُ

فَخَرَّ عَلَى حَرِّ الْجَبِينِ وَدَادُهُ

إِلَى الْمَوْتِ مَطْرُورَ الْوَقِيعَةِ مِذْوَدُ

فَمَا رُمْتُهُ حَتَّى أَزَحْتُ عَوِيصَهُ

وَحَتَّى عَلاهُ حَالِكُ اللَّوْنِ أَسْوَدُ

إِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَالِ رَبَّا لِأَهْلِهِ

فَإِنِي بِحَمْدِ اللَّهِ مَالِي مُعَبَّدُ

يُفَكُّ بِهِ الْعَانِي وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا

وَيُعْطَى إِذَا ضَنَّ الْبَخِيلُ الْمُصَرِّدُ

إِذَا مَا الْبَخِيلُ الْخِبْءُ أَخْمَدَ نَارَهُ

أَقُولُ لِمَنِ يَصْلَى بِنَارِيَ: أَوْقِدُوا

تَوَسَّعْ قَلِيلا أَوْ يَكُنْ ثَمَّ حَسْبُنَا

وَمُوقِدُهَا الْبَادِي أَعَفُّ وَأَمْجَدُ

فَإِنَّ الجَّوادَ مَنْ تَلَفَّتَ حَوْلَهُ

وَإِنَّ الْبَخِيلَ نَاكِسُ الطَّرْفِ أَقْوَدُ

كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ رَاضٍ دَنِيَّةً

وَسَامٍ إِلَى فَرْعِ الْعُلا مُتَوَرَّدُ

وَدَاعٍ دَعَانِي دَعْوَةً فَأَجَبْتُهُ

وَهَلْ يَدَعُ الدَّاعِينَ إِلا الْيَلَنْدَدُ

ص: 169

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ، قَالَ: " كَانَتْ سَفَّانَةُ بِنْتُ حَاتِمٍ مِنْ أَجْوَدِ نِسَاءِ الْعَرَبِ، وَكَانَ أَبُوهَا يُعْطِيهَا الصِّرْمَةَ مِنْ إِبِلِهِ، فَتَهَبُهَا وَتُعْطِيهَا النَّاسَ، فَقَالَ حَاتِمٌ: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ السَّخِيَّيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي مَالٍ أَتْلَفَاهُ، فَإِمَّا أَنْ أُعْطِيَ وَتَبْخَلِينَ، وَإِمَّا أَنْ تُعْطِي وَأَبْخَلُ، فَإِنَّهُ لا يَبْقَى عَلَى هَذَا شَيْءٌ.

وَكَانَ أَبُو جُبَيْلٍ، وَهُوَ عَبْدُ قَيْسِ بْنُ خَفَّافِ الْبُرْجُمِيُّ، أَتَى حَاتِمًا فِي دِمَاءٍ حَمَلَهَا عَنْ قَوْمِهِ، أَسْلَمُوهُ فِيهَا، وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ مَنْ يَحْمِلُهَا عَنِّي، وَكَانَ شَاعِرًا شَرِيفًا، فَأَتَى حَاتِمًا فَقَالَ لَهُ: قَدْ كَانَ بَيْنَ قَوْمِي دِمَاءٌ، فَتَوَاكَلُوهَا، وَإِنِّي حَمَلْتُهَا فِي مَالِي وَإِبِلِي، فَقَدَّمْتُ مَالِي، وَكُنْتَ أَمَلِي، فَإِنْ تَحْمِلْهَا، فَرُبَّ حَقٍّ قَدْ قَضَيْتَهُ، وَهُمٍّ قَدْ كَفَيْتَهُ، وَإِنْ حَالَ دُونَ ذَلِكَ حَائِلٌ، لَمْ أَذُمَّ يَوْمَكَ، وَلَمْ آيَسْ مِنَ غَدِكَ، ثُمَّ أَنْشَدَ:

حَمَلْتُ دِمَاءً لِلْبَرَاجِمِ جَمَّةً

فَجِئْتُكَ لَمَّا أَسْلَمَتْنِي الْبَرَاجِمُ

وَقَالُوا سِفَاهًا: لِمَ حَمَلْتَ دِمَاءَنَا

فَقُلْتُ لَهُمْ: يَكْفِي الْحَمَالَةُ حَاتِمٌ

مَتَى آتِهِ فَيِهَا يَقُلْ لِيَ مَرْحَبًا

وَأَهْلا وَسَهْلا أَخَطَأَتْكَ الأَشَائِمُ

فَيَحْمِلُهَا عَنِّي وَإِنْ شِئْتُ زَادَنِي

زِيَادَةَ مَنْ حَلَّتْ إِلَيْهِ الْمَكَارِمُ

يَعِيشُ النَّدَى مَا عَاشَ حَاتِمُ طَيِّئٍ وَإِنْ مَاتَ قَامْتَ لِلسَّخَاءِ مَآتِمُ

يُنَادِينَ مَاتَ الْجُودُ مَعْكَ فَلا تَرَى

لَهُ مُجِيبًا مَا دَامَ لِلسَّيْفِ قَائِمُ

وَقَالَ رِجَالٌ أَنْهَبَ الْجُودُ مَالَهُ

إِذَا خَلَّفَ الْمَالَ الْحُقُوقُ اللَّوَازِمُ

فَيُعْطِي الَّتِي فِيهَا الْغَنِيَّ كَأَنَّهُ

لَتَصْغِيرِهِ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ جَارِمُ

بِذَلِكَ أَوْصَاهُ عَدِيٌّ وَحَشْرَجٌ

وَسَعْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَتِلْكَ الْقَمَاقِمُ

فَقَالَ لَهُ حَاتِمٌ: إِنِّي كُنْتُ لَأُحِبُّ أنْ يَأْتِيَنِي مِثْلُكَ مِنْ قَوْمِكَ، هَذَا مِرْبَاعِي مِنَ الْغَارَةِ عَلَى تَمِيمٍ، فَإِنْ وَفَتِ الْحَمَالَةَ، وَإِلا كَمَّلْتُهَا لَكَ، وَهِيَ مِائَتَا بَعِيرٍ سِوَى بَنِيِّهَا، وَفِصَالِهَا، مَعَ أَنِّي لَأُحِبُّ أَنْ لا تُؤْيِسَ قَوْمَكَ بِأَمْوَالِهِمْ، فَضَحِكَ أَبُو جُبَيْلٍ، ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ مَا أَخَذْتُمْ مِنَّا وَلَنَا مَا أَخَذْنَا مِنْكُمْ، وَأَيُّمَا بَعِيرٍ دَفَعْتَهُ إِلَيَّ وَلَيْسَ لَهُ ذَنَبٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، فَأَنْتَ مِنْهُ بَرِيٌّ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، وَزَادَهُ مِائَةً، وَانْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ حَاتِمٌ:

أَتَانِي الْبُرْجُمِيُّ أَبُو جُبَيْلٍ

لَهَمٍّ فِي حَمَالَتِهِ طَوِيلِ

فَقُلْتُ لَهُ خُذِ الْمِرْبَاعَ دَهْرًا

فَإِنِّي لَسْتُ أَرْضَى بِالْقَلِيلِ

عَلَى حَالٍ وَلا عَوَّدْتُ نَفْسِي

عَلَى عَلاتِهَا عِلَلَ الْبَخِيلِ

فَخُذْهَا إِنَّهَا مِائَتَا بَعِيرٍ

سِوَى النَّابِ الرَّدِيَّةِ وَالْفَصِيلِ

وَلا مَنٌّ عَلَيْكَ بِهَا فَإِنِّي

رَأَيْتُ الْمَنَّ يُزْرِي بِالْجَمِيلِ

فَقَامَ الْبُرْجُمِيُّ وَمَا عَلَيْهِ

مِنْ أَعْبَاءِ الْحَمَالَةِ مِنْ قَتِيلِ

يَجُرُّ الذَّيْلَ يَنْفُضُ مِذْرَوَيْهِ

خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ حَمْلٍ ثَقِيلِ

ص: 170

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: " كَانَتْ أُمُّ حَاتِمٍ ذَاتَ يَسَارٍ، وَأَسْخَى النَّاسِ، وَأَقْرَاهُمْ لِضَيْفٍ، كَانَتْ لا تُلِيقُ شَيْئًا تَمْلِكُهُ، وَاسْمُهَا غَنِيَّةُ بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ امْرئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَخْزَمَ، فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهَا إِتْلافَهَا حَجَرُوا عَلَيْهَا، وَمَنَعُوهَا مَالَهَا، حَتَّى إِذَا ظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ وَجَدَتْ ذَلِكَ أَعْطَوْهَا صِرْمَةً مِنْ إِبِلِهَا، فَجَاءَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، كَانَتْ تَأْتِيهَا كُلَّ سَنَةٍ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ لَهَا: دُونَكِ هَذِهِ الصِّرْمَةُ خُذِيهَا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَضَّنِي مِنَ الْجُوعِ شَيْءٌ لا أَمْنَعُ مَعَهُ سَائِلا أَبَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

لَعَمَرْيِ لَقَدْ مَا عَضَّنِي الْجُوعُ عَضَّةً

فَآلَيْتُ أَلا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا

فَمَاذَا عَسَيْتُمْ أَنْ تَقُولُوا لِأُخْتِكُمْ

سِوَى عَذْلِكُمْ أَوْ عَذْلِ مَنْ كَانَ مَانِعًا

فَقُولا لِهَذَا اللائِمِي الْيَوْمَ: أَعْفِنِي

وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الأَصَابِعَا

وَلا مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ إِلا طَبِيعَةً

فَكَيْفَ بِتَرْكِي يَا ابْنَ أُمِّ الطَّبَائِعَا

أَنْشَدَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِحَاتِمٍ:

وَعاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي

وَقَدْ غَابَ عَيِّوقُ الثُّرَيَّا فَعَرَّدَا

تَلُومُ عَلَى إِعْطَائِيَ الْمَالَ ضِلَّةً

إِذَا ضَنَّ بِالْمَالِ الْبَخِيلُ وَصَرَّدَا

تَقَوُلُ: أَلا أمْسِكْ عَلَيْكَ فَإِنَّنِي

أَرَى الْمَالَ عِنْدَ الْمُمْسِكِينَ مُعَبَّدَا

ذَرِينِي وَمَالِي إِنَّ مَالَكِ وَافِرٌ

وَكُلُّ امْرِئٍ جَارٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَا

وإِلا فَكُفِّي بَعْضَ لَوْمِكِ وَاجْعَلِي

إِلَى رَأَيِ مَنْ تَلْحِينَ رَأْيَكِ مُسْنَدَا

أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي إِذَا الضَّيْفُ نَابَنِي

وَعَزَّ الْقِرَى أَقْرِي السَّدِيفَ الْمُسَرْهَدَا

وَأَنِّي لِأَعْرَاضِ الْعَشِيرَةِ حَافِظٌ

وَحَقِّهِمْ حَتَّى أَكُونَ مُسَوَّدَا

يَقُولُونَ لِي: أَهْلَكْتَ مَالَكَ فَاقْتَصِدْ

وَمَا كُنْتُ لَوْلا مَا تَقُولُونَ مُفْسِدَا

كُلُوا الْيَوْمَ مِنْ رِزْقِ الْعِبَادِ وَأَبْشِرُوا

فَإِنَّ عَلَى الرَّحْمَنِ رِزْقَكُمُ غَدَا

سَأَذْخُرُ مِنْ مَالِي دِلاصًا وَسَابِحًا

وَأَسْمَرَ خَطِّيًّا وَعَضْبًا مُهَنَّدَا

فَذَلِكَ يَكْفِينِي مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ

مَصُونًا إِذَا مَا كَانَ عِنْدِي مُتَلِّدَا

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لَهُ:

مَهْلا نَوَارُ، أَقِلِّي اللَّوْمَ وَالْعَذَلا

وَلا تَقُولِي لِشَيْءٍ فَاتَ مَا فَعَلا؟

وَلا تَقُولِي لِمَالٍ كُنْتُ أُهْلِكُهُ

مَهْلا وَإِنْ كُنْتُ أُعْطِي الْجِنَّ وَالْخَبَلا

يَرَى الْبَخِيلُ سَبِيلَ الْمَالِ وَاحِدَةً

إِنَّ الْجوَادَ يَرَى فِي مَالِهِ سُبُلا

إِنَّ الْبَخِيلَ إِذَا مَا مَاتَ يِتْبَعُهُ

سُوءُ الثَّنَاءِ وَيَحْوِي الْوَارِثُ الْإِبِلا

اصْدُقْ حَدِيثَكَ إِنَّ الْمَرْءَ يَتْبَعُهُ

مَا كَانَ يَبْنِي إِذَا مَا نَعْشُهُ حُمِلا

لا تَعْذِلِينِي عَلَى مَالٍ وَصَلْتُ بِهِ

رَحْمًا وَخَيْرُ سَبِيلِ الْمَالِ مَا وَصَلا

يَسْعَى الْفَتَى وَحِمَامُ الْمَوْتِ مُدْرِكُهُ

وَكُلُّ يَوْمٍ يُدَنِّي لِلْفَتَى أَجَلا

إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنِّي سَوْفَ يُدْرِكُنِي

يَوْمِي وَأُصْبِحُ عَنْ دُنَيَايَ مُشْتَغِلا

فَلَيْتَ شِعْرِي وَلَيْتٌ غَيْرُ مُدْرَكَةٍ

بِأَيِّ حَالٍ تُرَى أَضْحَى بَنُو ثُعَلا

اغْزُوا بَنِي ثُعَلٍ فَالْغَزْوُ جَدُّكُمُ

عُدُّوا الرَّوَابِي وَلا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلا

ص: 171

وَيْهًا فِدًى لَكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ

حَامُوا عَلَى مَجْدِكُمْ وَاكْفُوا مَنِ اتَّكَلا

إِذْ غَابَ مَنْ غَابَ عَنْهُمْ مِنْ عَشِيرَتِنَا

وَأَبْدَتِ الْحَرْبُ نَابًا كَالِحًا عَصِلا

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ذُو مُحَافَظَةٍ

مَا لَمْ يَخُنِّي خَلِيلِي يَبْتَغِي بَدَلا

فَإِنْ تَبَدَّلَ أَلْفَانِي أَخَا ثِقَةٍ

عَفَّ الْخَلِيقَةِ لا نِكْسًا وَلا وَكِلا

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي عَمِّي أَيْضًا:

أَنَا الْمُفِيدُ حَاتِمُ بْنُ سَعْدٍ

أُعْطِي الْجَزِيلَ وَأَفِي بِالْعَهْدِ

وَشِيمَتِي الْبَذْلُ وَصِدْقُ الْوَعْدِ

وَأَشْتَرِي الْحَمْدَ بِفِعْلِ الْحَمْدِ

أَوْرَثَنِي الْمَجْدَ بُنَاةُ الْمَجْدِ

أَبِي وَجَدِّي حَشْرَجٌ ذُو الْوَفْدِ

هَلا سَأَلْتِ الْوَفْدَ عَنِّي وَحْدِي

كَيْفَ طِعَانِي بِالْقَنَا وَشَدِّي

وَكَيْفَ ضَرْبِي بِالْحُسَامِ الْفَرْدِ

وَكَيْفَ بَذْلِي الْمَالَ غَيْرَ كَدِّي

وَكَيْفَ تِضْيَافِي وَكَيْفَ قَصْدِي

وَكَيْفَ إِطْلاقِي وَكَيْفَ رِفْدِي

وَأَنْشَدَنِي لَهُ أَيْضًا:

لا تَسْتُرِي قِدْرِي إِذَا مَا طَبْخَتِهَا

عَلَيَّ إِذَا مَا تَطْبُخِيهِ حَرَامِ

وَلَكِنْ بِهَذَاكَ الْيَفاعِ فَأَوْقِدِي

بِجَزْلٍ إِذَا أَوْقَدْتِ لا بِضَرامِ

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّليُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَغَارَتْ طَيِّئٌ عَلَى إِبِلِ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْجَفْنِيِّ، وَقَتَلُوا ابْنًا لَهُ، وَكَانَ الْحَارِثُ إِذَا غَضِبَ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ وَلَيَسْبِيَنَّ الذَّرَارِيَّ، فَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ مَنَ الْغَوْثِ بْنِ طَيِّئٍ أَهْلَ بَيْتٍ جَمِيعًا، حَتَّى لا يُبْقِي مِنْهُمْ مُقَاتِلا، عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ.

فَخَرَجَ يُرِيدُ طَيِّئًا، فَأَصَابَ مِنْ بَنِي عَدَيِّ بْنِ أَخْزَمَ، قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلا، وَأَصَابَ رَئِيسَهُمْ، وَهَمَ بْنَ عَمْرٍو، وَأَصَابَ رَهْطَ حَاتِمٍ، وَحَاتِمٌ يَوْمَئِذٍ بِالْحِيرَةِ، عِنْدَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَأَصَابَتْهُمْ مُقَدِّمَاتُ خَيْلِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ حَاتِمٌ الْجَبَلَيْنِ، حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ الصَّبِيَّ مِنْ وَلَدَهِا، فَتَقُولُ: يَا حَاتِمُ أُسِرَ أَبُو هَذَا، وَجَعَلَتِ النِّسَاءُ تُكْثِرُ عَلَيْهِ.

فَلَمْ يَلْبِثْ إِلا لَيْلَةً حَتَّى سَارَ إِلَى النُّعْمَانِ، وَمَعَهُ مِلْحَانُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ لا يُسَافِرُ إِلا وَهُوَ مَعَهُ، فَقَالَ حَاتِمٌ:

إِلا أَنْنِي قَدْ هَاجَنِي اللَّيْلَةَ الذِّكْرُ

وَمَا ذَاكَ مِنْ حُبِّ النِّسَاءِ وَلا الأَشَرْ

وَلَكِنَّهُ مِمَّا أَصَابَ عَشِيرَتِي

وَقَوْمِي بِأَقْرَانٍ، حَوَالَيْهِمُ الصِّيَرْ

لَيَالِيَ نُمْسِي بَيْنَ جَوٍّ وَمِسْطَحٍ

نَشَاوَى لَنَا مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ جَزَرْ

فَيَا لَيْتَ خَيْرَ النَّاسِ حَيًّا وَمَيَّتًا

يَقُولُ لَنَا خَيْرًا وَيَمْضِي الَّذِي ائْتَمَرْ

فَإِنْ كَانَ شَرًّا فَالْعَزَاءُ فَإِنَّنَا

عَلَى وَقِعَاتِ الدَّهْرِ مِنْ قَبْلِهَا صُبَرْ

سَقَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ سَحًّا وَدِيمَةً

جَنُوبَ السَّراةِ مِنْ مَآبٍ إِلَى زُغَرْ

بِلادَ امْرِئٍ لا يَعْرِفُ الذَّمُّ بَيْتَهُ

لَهُ الْمَشْرَبُ الصَّافِي وَلا الْمَطْعَمُ الْكِدَرْ

تَذَكَّرْتُ مِنْ وَهْمِ بْنِ عَمْرٍو جَلادَةً

وَجُرْأَةَ مَغْدَاهُ إِذَا صَارِخٌ بِكَرْ

فَأَبْشِرْ وَقرَّ الْعَيْنَ مِنْكَ فَإِنَّنِي

أُحَيِّي كَرِيمًا لا ضَعِيفًا وَلا حَصِرْ

ص: 172

قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْجَفْنِيِّ، فَأَنْشَدَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، وَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ أَسْرَى قَوْمِهِ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ، وَكَانَ مَنْ وَهَبَ لَهُ مِنْهُمْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ بِحُسْنِ ضِيَافَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَبِتَعَهُّدِهِ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ وَالْخَمْرُ.

فَقَالَ لَهُ مِلْحَانُ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَقَوْمُكَ أَسْرَى فِي الأَغْلالِ؟ سَلْهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، وَيَهَبَهُمْ.

فَدَخَلَ عَلَى النُّعْمَانِ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ قَصِيدَةً أُخْرَى، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا:

إِنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ أَضْحَتْ مِنْ صَنَائِعَكُمْ

وَعَبْدَ شَمْسٍ أَبَيْتَ اللَّعْنَ فَاصْطَنِعِ

إِنَّ عَدِيًّا إِذَا مَلَّكْتَ جَانِبَهَا

مَنْ أَمْرِ غَوْثٍ عَلَى مَرْأًى وَمُسْتَمَعِ

وَقَالَ أَيْضًا:

أَتْبِعْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَمْرَ إِخْوَتِهِمْ

أَهْلِي فِدَاؤُكَ إِنْ ضَرُّوا وَإِنْ نَفَعُوا

لا تَجَعَلَّنَا أَبَيْتَ اللَّعْنَ ضَاحِيَةً

كَمَعْشَرٍ صُلِمُوا الْآذَانَ أَوْ جُدِعُوا

أَوْ كَالْجَنَاحِ إِذَا شُلَّتْ قَوَادِمُهُ

صَارَ الْجَنَاحُ لِفَضْلِ الرِّيشِ يَتَّبِعُ

فَأَطْلَقَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ الْحَارِثِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُمْ بَنُو عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَخْزَمَ بْنِ أَبِي أَخْزَمَ، وَبَقَيَ قَيْسُ بْنُ جَحْدَرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَضِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلٍ الأَجَئِيُّ، وَأَمُّهُ مِنَ بَنِي عَدِيٍّ، وَهُوَ جَدُّ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ نَفَرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ جَحْدَرٍ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: أَبَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنْشَدَهُ حَاتِمٌ:

فَكَكْتَ عَدِيًّا كُلَّهَا مِنْ إِسَارِهَا

فَأَفْضِلْ وَشَفِّعْنِي بِقَيْسِ بْنِ جَحْدَرِ

أَبُوهُ أَبُونَا فَارْعٌ وَالأُمُّ أُمُّنَا

فَأَنْعِمْ فَدَتْكَ النَّفْسُ نَفْسِي وَمَعْشَرِي

فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: هُوَ لَكَ، وَوَهَبَهُ لَهُ مَعَ جَمْيِعِ مَنْ أَسَرَ مِنْ قَوْمِهِ.

فَقَالَ حَاتِمٌ يَمْدَحُ النُّعْمَانَ بْنَ الْحَارِثِ، وَيَذْكُرُ مَا مَنَّ عَلَيْهِ مِنْ فِكَاكَ قَوْمِهِ، وَهِبَتِهِ إِيَّاهُمْ لَهُ:

أَبْلِغِ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو بِأَنِّي

حَافِظُ الْوُدِّ مُرصِدٌ لِلثَّوَابِ

وَمُجِيبٌ دُعَاءَهُ إِنْ دَعَانِي

عَجِلا وَاحِدًا وَذَا أَصْحَابِ

إِنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ فَاعْلَمْ

سَيْرُ تَسْعٍ لِلْعَاجِلِ الْمُنْتَابِ

فَثَلاثٌ مِنَ الشَّرَاةِ إِلَى الَحْالَةِ

لِلْخَيْلِ جَاهِدًا وَالرِّكَابِ

وَثَلاثٌ يَرِدْنَ تَيْمَاءَ رَهْوًا

وَثَلاثٌ يُغِرْنَ بِالْإِعْجَابِ

فَإِذَا مَا مَرَرْتَ فِي مُسْبَطَرٍّ

فَأَجْمَحَ الْخَيْلُ مِثْلَ جَمْحِ الْكِعَابِ

بَيْنَمَا ذَاكَ أَصْبَحَتْ وَهْيَ عَضُدَى

مِنْ سَبِيٍّ مَجْمُوعَةٍ وَنِهَابِ

لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أَرَى قُبَّةً

ذَاتَ قِلاعٍ لِلْحَارِثِ الْحَرَّابِ

فِي يَفَاعٍ وَذَاكَ مِنْهَا مَحَلٌّ

فَوْقَ مَلْكٍ يُدِينُ بِالأَحْسَابِ

أَيُّهَا الْمُوعِدِيُّ فَإِنَّ لَبُونِي

بَيْنَ حَقْلٍ وَبَيْنَ هَضَبٍ ذُبَابِ

حَيْثُ لا أَرْهَبُ الْعَدُوَّ وَحَوْلِي

مِنْ هِضَابٍ مَحْفُوفَةٍ بِهِضَابِ

أَنْشَدَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لِحَاتِمٍ الطَّائِيِّ:

أَلا أَرِقَتْ عَيْنِي فَبِتُّ أُدِيرُهَا

حِذَارَ غَدٍ وَأَحَجُّ أَلا يَضِيرُهَا

إِذَا النَّجْمُ أَمْسَى مَغْرِبَ الشَّمْسِ مَائِلا

وَلَمْ يَكُ بِالْآفَاقِ بَرْقٌ يُنِيرُهَا

ص: 173

إِذَا مَا السَّمَاءُ لَمْ تَكُنْ غَيْرَ جُلْبَةٍ

كَجِدَّةِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ يُنِيرُهَا

إِذَا الرِّيحُ جَاءَتْ مِنْ أَمَامِ أَطَائِفٍ

وَأَخْلَفَ نَوْءُ الشِّعْرِ بَيْنَ دَبُورِهَا

فَإِنَّا نُهِينُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ ضِنَّةٍ

وَمَا يَشْتَكِينَا فِي السِّنِينَ ضَرِيرَهَا

إِذَا مَا الْبَخِيلُ الْخِبُّ هَرَّتْ كِلابُهُ

وَشَقَّ عَلَى الضَّيْفِ الْغَرِيبِ عَقُورُهَا

فَإِنِّي جَبَانُ الْكَلْبِ بَيْتِي مُوطَّأٌ

أَجُودُ إِذَا مَا النَّفْسُ شحَّ ضَمِيرُهَا

وَإِنَّ كِلابِي قَدْ أَقَرَّتْ وَعُوِّدَتْ

قَلِيلٌ عَلَى مَنْ يَعْتَرِينِي هَرِيرُهَا

وَمَا تَشْتَكِي قِدْرِي إِذَا النَّاسُ أَمْحَلَتْ

أُؤَثِّفُهَا طَوْرًا وَطَوْرًا أُمِيرُهَا

وَأُبْرِزُ قِدْرِي بِالْفِنَاءِ قَلِيلُهَا

يُرَى غَيْرَ مَضْنُونٍ بِهِ وَكَثِيرُهَا

وَلَيْسَ عَلَى نَارِي حِجَابٌ يَكُفُّهَا

لِمُسْتَوْبِصٍ لَيْلا وَلَكِنْ أَشِيرُهَا

فَلا وَأَبِيكَ مَا يَظَلُّ ابْنُ جَارَتِي

يَطُوفُ حَوَالِي قِدْرَنَا مَا يَطُورُهَا

وَإِبْلِيَ رَهْنٌ أَنْ يَكُونَ كَرِيمُهَا عَقِيرًا

أَمَامَ الْبَيْتِ حِينَ أُثِيرُهَا

وَمَا تَشْتَكِينِي جَارِتِي غَيْرَ أَنَّنِي

إِذَا غَابَ عَنْهَا بَعْلُهَا لا أَزُورُهَا

سَيَبْلُغُهَا خَيْرِي وَيَرْجِعَ بَعْلُهَا

إِلَيْهَا وَلَمْ تُقْصَرْ عَلَيَّ سُتُورُهَا

وَخَيْلٍ تُنَادِي لِلطِّعَانِ شَهِدْتُهَا

وَلَوْ لَمْ أَكُنْ فَيْهَا لَسَاءَ عَذْيرُهَا

وَعَرْجَلَةٍ شُعْثِ الرُّءُوسِ كَأَنَّهُمْ

بَنُو الْجِنَّ لَمْ تُطْبَخْ بِقِدْرٍ جَزُورُهَا

شَهِدْتَ وَدَعْوَانَا أُمَيْمَةَ أَنَّنَا

بَنُو الْحَرْبِ نَصْلاهَا إِذَا اشْتَدَّ نُورُهَا

عَلَى مُهْرَةٍ كَبْدَاءَ قَوْدَاءَ ضَامِر

ٍأَمِينٍ شَظَاهَا، مُطْمَئِنٍ نُسُورهَا

وَغَمْرَةُ مَوْتٍ لَيْسَ فِيهَا هَوَادَةٌ

تَكُونُ صُدُورَ السَّمْهَرِيِّ جُسُورُهَا

صَبَرْنَا لَهَا فِي نَهْكِهَا وَمُصَابِهَا

بِأَسْيَافِنَا حَتَّى يَبُوخَ سَعِيرُهَا

وَخُوصٍ دَقَاقٍ قَدْ حَدَوْتُ بِفِتْيَةٍ

عَلَيْهِنَّ إِحْدَاهُنَّ قَدْ حُلَّ كُورُهَا

وَقَدْ عَلِمَتْ غَوْثٌ بِأَنَّا خِيَارُهَا

إِذَا أَعْلَمَتْ بَعْدَ النَجِيِّ أُمُورُهَا

وَأَنِّي امْرُؤٌ مِنْ عُصْبَةٍ ثُعَلِيَّةٍ

كَرِيمٌ غِنَاهَا مُسْتَعَفٌّ فَقِيرُهَا

وَأَقْسَمْتُ لا أُعْطِي الْمُلُوكَ ظَلامَةً

وَحَوْلِي عَدِيٌّ كَهْلُهَا وَغَرِيرُهَا

وَأَنْشَدَنِي عَمِّي لِحَاتِمٍ:

أَهَاجَكَ نَصْبٌ أَمْ بِعَيْنِكَ عَائِرٌ

إِلَى الصُّبْحِ لَمْ تَرْقُدْ فَيَوْمُكَ سَاهِرُ

وَمَا هَاجَنِي ذِكْرُ النِّسَاءِ وَإِنَّنِي

طَرُوبٌ وَلَكِنْ غَيْرُ ذَلِكَ ذَاكِرُ

فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنَّا سَلامَانَ مَالِكًا

وَسَنْبَسَ هَلْ حَاذَرْتُمُ مَا أُحَاذِرُ

أُحَاذِرُ يَوْمًا أَنْ تَسِيرَ قَبَائِلٌ

تُوَرِّثُ شَنْوَءًا بَيْنَهُمْ وتُظَاهِرُ

وَأَبْلِغْ أَبَا النُّعْمَانِ عَنِّي رِسَالةً

وَذُو الْحِلْمِ قَدْ يُرْعَى إِلَى مَنْ يُؤَامِرُ

فَلَيْتَ أَبَا النُّعْمَانِ بُيِّنَ قَبْرُهُ

وَكَيْفَ تُجْيبُ لِلدُّعَاءِ الْمَقَابِرُ

فَلَوْ كَانَ حَيًّا قَدْ أَبَاتَ عَدُوُّهُمْ

عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مِمَّا يُحَاذِرُ

بِأَنَّ بَنِيهِ قَدْ تَنَاءَوْا بِدَارِهِمْ

فَحَوْرَانُ أَدْنَى دَارِهِمْ فَأبَايِرُ

أَلا هَلْ أَتَى قَوْمِي بِأَنَّ مُحَارِبًا

تُدَبَّرُ مِنْهَا الصُّهْوُ بَادٍ وَحَاضِرُ

وَحُلَّتْ بِلا جَارٍ مَبَاءَةَ نَبْتَلٍ

وَحُلَّتْ جُدَيَّاتٌ وَحُلَّتْ مَصَاخِرُ

وَأَرْسَلَتِ الأَشْوَاكُ جَنْبِي بِوَاعَةٍ

عِزِينٍ وَتَرْعَى بِالرَّدَاةِ الْعَشَائِرُ

ص: 174

وَهُمْ سَلَبُوا زَيْدًا غَدَاةَ قُرَاقِر

رَوَاحِلَهُ وَالْمَوْتُ بِالنَّاسِ حَاضِرُ

فَلَمْ يُغْنِ زَيْدًا يَوْمَ ذَلِكَ نَفْرُهُ

وَأَفْلَتَهُمْ يَعْدُو بِهِ ثَمَّ ضَامِرُ

بِزَخَّةَ مِنْ جَرْمٍ يُمَنُّونَ جِيفَةً

وَلَمْ يُنْجِهِمْ مِنْ آلِ بُوْلانَ وَاقِرُ

فَأَيْنَ بَنُو الْعِلاتِ إِنِّي عَهِدْتُهُمْ

إِذَا مَا انْتَدَوْا فَيْهِمْ نَدًى وَبَوَادِرُ

وَأَيْنَ بَنُو هِنْدٍ أَلا حَيَّ مِنْهُمُ

فَيَسْعَوْا عَلَى مَا كَانَ قَدَّمَ عَامِرُ

وَأَلْهَى بَنِي الْعَلاتِ عَنَّا وَحَارِثًا

عَبَائِرُ تُحْدِي خَلْفَهُنُّ الأَبَاعِرُ

وَحَنُّوا إِلَى فَتٍّ بِجَنْبِي بَسِيطَةٍ

كَمَا حَنَّ للأَكْلاءِ نِيبٌ صَوَادِرُ

أَبَعْدَ بَنِي رُومَانَ شَدُّوا حِبَالَهُمْ

بِحَبْلِ بَنِي جَدْعَاءَ لَمْ يَتَزَاجَرُوا

يَقُولُ لَهُمْ أَوْسٌ تَعَالَوْا جُنَيْبَةً

أَلا إِنَّمَا أَوْسٌ وَجَدِّكَ فَاجِرُ

أَيَفْعَلُهَا فِي النَّاسِ قَوْمٌ عُمَارَةٌ

لَهُمْ نَسَبٌ وَلا نِسَاءٌ حَرَائِرُ

تَبَيَّنْ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَهْدِي مِنَ الْعَمَى

إِذَا مَا الْتَقَيْنَا أَيَّنَا أَنْتَ ضَائِرُ

فَإِنْ لا تُجِيبُونَا تصِرُّ خِيَامُنَا

إِلَى مَذْحِجٍ إِنَّ الأُمُورَ دَوَائِرُ

وَيَنْأَى حَبْيبٌ عَنْ مَزَارِ حَبِيبِهِ

وَتَرْمَحُ حَمِيرٌ دُونَنَا وَأَبَاقِرُ

وَيَنْأَى قَبِيلٌ لا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ

لَهُمْ نَسَبٌ فِي أَصْلِ غَوْثٍ مَآثِرُ

وَإِنْ تَذْهُبُوا إِلَى دِيَافٍ وَأَرْضِهَا

لنِيَّتِكُمْ فَإِنَّ أَصْلِي يُحَابِرُ

فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي جَدِيلَةَ مَالِكًا

وَمَا إِنْ أُحِبُّ أَنْ تُؤَدَّى الْهَوَاجِرُ

فَتَاللَّهِ هَلْ كُنَّا اخْتَلَفْنَا وَأَنْتُمُ

عَلَى النَّصْرِ مَا دَامَ اللَّيَالِي الْغَوَابِرُ

وَهَلْ تَعْلَمُونَ إِذْ نَزَلْنَا وَأَنْتُمُ

وَلَيْسَ لَنَا إِلا الْإِلَهُ مُنَاصِرُ

عَطَاؤُكُمْ زَوْلٌ وَيُرْزَأُ مَالُكُمْ

فَإِنِّي بِكُمْ وَلا مَحَالَةَ سَاخِرُ

فَلَمَّا أَخَذْتُمْ مَا أَرَدْتُمْ لِقَوْمِكُمْ

وَأَدْرَكْتُمُ ثَأْرًا وَأُدْرِكَ وَاتِرُ

قَلَبْتُمْ لَنَا ظَهْرَ الْمِجَنِّ عَدَاوَةً

فَأَيْدِيكُمُ بِالنَّصْرِ عَنَّا شَوَاجِرُ

وَأَنْشَدَنِي عَمِّي أَيْضًا لَهُ:

صَحَا الْقَلْبُ عَنْ هِنْدٍ وَعَنْ أُمِّ عَامِرٍ

وَكُنْتُ أَرَاهُ عَنْهُمَا غَيْرَ صَابِرِ

وَدَبَّتْ وُشَاةٌ بَيْنَنَا وَتَقَاذَفَتْ

نَوَى غُرْبَةٍ مِنْ بَعْدِ طُولِ التَّجَاوُرِ

وَفِتْيَانِ صِدْقٍ ضَمَّهُمْ دَلَجُ السُّرَى

عَلَى ذُقُنٍ مِثْلَ السِّهَامِ ضَوَامِرِ

فَلَمَّا أَتَوْنِي قُلْتُ: خَيْرُ مُعَرِّسٍ

وَلَمْ أَطَّرِحْ حَاجَاتِهِمْ بِمَعَاذِرِ

وَقُمْتُ لِمُوشِيِّ الْمُتُونِ كَأَنَّهُ

شِهَابُ غَضًا فِي كَفِّ سَاعٍ مُبَادِرِ

فَيَشْقَى بِهِ عُرْقُوبُ كَوْمَاءَ جَبْلَةٍ

عَقِيلَةِ كَوْمٍ كَالْهِضَابِ بَهَازِرِ

فَظَلَّ عُفَاتِي مُكْرَمِينَ وَطَابِخِي

فَرِيقَانِ مِنْهُمْ: بَيْنَ شَاوٍ وَقَادِرِ

شَآمِيَّةً لَمْ تُتَّخَذْ لِدَحَامِسِ

الطَّبِيخِ وَلا ذَمُّ الْخَلِيطِ الْمُجَاوِرِ

يُقَمِّصُ دَهْدَاقَ الْبَضِيعِ كَأَنَّهُ

رُءُوسُ الْقَطَا الْكَدِرِ الدِّقَاقِ الْحَنَاجِرِ

كَأَنَ هَبِيرَ اللَّحْمِ فِي فَوَرَاتِهَا

إِذَا اسْتَحْمَشَتْ أَيْدِي نِسَاءٍ حَوَاسِرِ

كَأَنَ أَنِيضَ اللَّحْمِ حِينَ تَغَطْمَطَتْ

رِيَاحُ عَبِيرٍ بَيْنَ أَيْدِي الْعَوَاطِرِ

إِذَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ هَدَايَا وَطُعْمَةً

وَلَمْ تُخْتَزَنْ دُونَ الْعُيُونِ النَّوَاظِرِ

أَلا لَيْتَ أَنَّ الْمَوْتَ كَانَ حِمَامُهُ

لَيَالِيَ حَلَّ الْحَيُّ أَكَنِافَ حَامِرِ

لَيَاليَ يَدْعُونِي الصِّبَا فَأُجِيبُهُ

حَثِيثًا وَلا أَرْعَى إِلَى قَوْلِ زَاجِرِ

ص: 175

وَدَوَيَّةٍ قَفْرٍ تَعَاوَى سِبَاعُهَا

عُوَاءَ الْيَتَامَى مِنْ حَذَارِ التَّرَاتِرِ

قَطَعْتُ بِمِرْدَاةٍ كَأَنَّ نُسُوعَهَا

تُشَدُّ عَلَى قَرْمٍ عَلَنْدِي مُخَاطِرِ

وَأَنْشَدَنِي عَمِّي لِحَاتِمِ يَرْثِي مِلْحَانَ بْنَ حَارِثَةَ بْنَ سَعْدِ بْنِ حَشْرَجٍ:

لبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ صَيْفٌ مُدَفَّعٌ

وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ أَرْمَلا

إِذَا ارْتَحَلا لَمْ يَجِدَا بَيْتَ لَيْلَةٍ

وَلَمْ يَلْبِسَا إِلا بِجَادًا وَخَيْعَلا

وَأَوْصَيْتَنِي أَنْ أَرْفَعَ الظَّنَّ صَاعِدًا

وِصَاتَكَ وَاسْتُودِعْتُ تُرْبَا وَجَنْدَلا

فَلا انْفَكَّ رِمْسٌ بَيْنَ أَضْرَعَ فَاللِّوَى

يَصَبُّ عَلَيْهِ اللَّهُ وَدْقًا مُجلَّلا

غَزَا حَاتِمٌ، فَأَصَابَ رَاحِلَةً لِبَعْضِ الْمُلُوكِ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: الْمِزَاجُ، فَقَالَ:

فَلَوْ شِهِدَتْنَا بِالْمِزَاجِ لَأَيْقَنَتْ

عَلَى ضُرِّنَا أَنَّا كِرَامُ الضَّرائِبِ

عَشِيَّةَ قَالَ ابْنُ الذَّمِيمَةِ عَارِضٌ

إِخَالُ رَئِيسَ الْقَوْمِ لَيْسَ بِآيِبِ

وَمَا أَنَا بِالسَّاعِي بِفَضْلِ زِمَامِهَا

لِأُشْرِعَهَا فِي الْحَوْضِ قَبْلَ الرَّكَائِبِ

وَمَا أَنَا بِالطَّاوِي حَقِيبَةَ رَحْلِهَا

لِأَبْعَثَهَا خِفًّا وَأَتْرُكَ صَاحِبِي

إِذَا كُنْتَ ربًّا لِلْقَلُوصِ فَلا تَدَعْ

رَفِيقَكَ يَمْشِي خَلْفَهَا غَيْرَ رَاكِبِ

أَنِخْهَا فَأَرْدِفْهُ فَإِنْ حَمَلَتْكُمَا

فَدَاكَ وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ فَعَاقِبِ

وَمَرْقَبَةٍ دُونَ السَّمَاءِ عَلَوْتُهَا

أُقَلِّبُ طَرْفِي فِي فَضَاءٍ سَبَاسِبِ

وَمَا أَنَّا بِالْمَاشِي إِلَى بَيْتِ جَارَتِي

طَرُوقًا أُحَيِّيهَا كَآخَرَ جَانِبِ

وَلَسْتُ إِذَا مَا أَحْدَثَ الدَّهْرُ نَكْبَةً

بِأَخْضَعَ وَلاجٍ بُيُوتَ الأَقَارِبِ

إِذَا أَوْطَنَ الْقَوْمُ الْبُيُوتَ وَجَدْتَهُمْ

عُمَاةً عَنِ الأَخْبَارِ خُرْقَ الْمَكَاسِبَ

أَنْشَدَنِي عَمِّي لَهُ:

وَأَشْعَثَ مِعْزَالٍ يُسَوِّقُ هَجْمَةً

بِوَادٍ تَغَشَّتْهُ السَّحَابَةُ مِنْ عَسَلِ

أُتِيحَ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ

حَمَامٌ وَمَا يَأْمُرْ بِهِ اللَّهُ يَفْعَلِ

وَكَانَ يَخَالُ الأَرْضَ قَفْرًا بَرِيَّةً

وَمَنْ لا يَخَفْ زِوَّ الْمَنِيَّةِ يَجْهَلِ

فَمَا رَاعَهُ إِلا عُلُوُّ جَبِينِهِ

بِعَضْبٍ جَلَتْ عَنْهُ مَدَاوِسُ صَيْقَلِ

فَخَرَّ وَأَلْقَى ثَوْبَهُ وَتَرَكْتُهُ

لَدَى شَجَرَاتٍ كَالْعَكِيِّ الْمُجَدَّلِ

أَنْشَدَنِي عَمِّي لَهُ:

إِذَا مَا بِتُّ أَخْتَلُ عِرْسَ جَارِي

لِيُخْفِيَنِي الظَّلامُ فَلا خَفِيتُ

أَأَفْضَحُ جَارَتِي وَأَخُونُ جَارِي

فَلا وَأَبِيكَ أَفْعَلُ مَا حَيِيتُ

وَأَنْشَدَنِي عَمِّي لَهُ:

وَخِرْقٍ كَنَصْلِ السَّيْفِ قَدْ رَامَ مَصْدَفِي

تَعَسَّفْتُهُ بِالرُّمْحِ وَالْقَوْمُ شُهَّدِي

فَخَرَّ عَلَى حُرِّ الْجَبِينِ بِضَرْبَةٍ

تَقُطُّ صِفَاقًا مِنْ حَشًا غَيْرَ مُبْلَدِ

فَمَا رُمْتُهُ حَتَّى تَرَكْتُ عَوِيصَهُ

بَقِيَّةَ عِرْقٍ يَحْفِزُ التُّرْبَ مِذْوَدِ

وَحَتَّى تَرْكَتُ الْعَائِدَاتِ يَعُدْنَهُ

يَقُلْنَ فَلا تَبْعِدْ وَقُلْتُ لَهُ ابْعِدِ

فَطَافُوا بِهِ طَوْفَيْنِ ثُمَّ نَمَوْا بِهِ

إِلَى ذَاتِ إِلْجَافٍ بِزَخَّاءَ قُرْدُدِ

ومَرْقَبَةٍ دُونَ السَّمَاءِ طَمِرَّةٍ

سَبَقْتُ طُلُوعَ الشَّمْسِ عَنْهَا بِمَرْصَدِ

وِسَادِي بِهَا جَفْنُ السِّلاحِ وَتَارَةً

عَلَى عُدَوَاءِ الْجَنْبِ غَيْرُ مُوسَّدِ

ص: 176