الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:
خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فِي غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ جُرْجِيرَ مَلِكِ الْغَرْبِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ
الرُّومِ نَصْرَانِيٌّ، وَكَانَ يُذْكَرُ بِعَقْلٍ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ مَنْ يُكَلِّمُهُ، فَبَعَثَنِي وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا أَسَنُّ الْقَوْمِ، فَلَمَّا جِئْنَا وُضِعَتْ لَنَا وَسَائِدُ وَإِذَا الصُّلْبُ حَوْلَهَا، فَجَاءَ الْقَوْمُ وَلَيْسَ هُنَاكَ جُرْجِيرُ، فَجَلَسُوا دُونَ الصُّلْبِ، وَأَبَوْا أَنْ يَجْلِسُوا وَهِيَ حَوْلَهُمْ، فَجِئْتُ وَجَلَسْتُ عَلَى تِلْكَ الْوَسَائِدِ وَالصُّلْبُ حَوْلِي، وَجُرْجِيرُ يَنْظُرُ إِلَيْنَا مِنْ مَنْظَرٍ لا نَرَاهُ، فَمَكَثْنَا سَاعَةً، ثُمَّ أُذِنَ لَنَا جَمَاعَةً، فَعَجِلَوا يُزَاحِمُونَنِي عَلَى الْمَدَخِلِ فَتَأَخَرْتُ عَنْهُمْ، حَتَّى كُنْتُ وَرَاءَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَدَخَلْنَا، وَلِي جَمَالٌ لَيْسَ لَهُمْ، نَظَرَ إِلَيَّ فَرَمَانِيٍّ بِطَرْفِهِ فَلَمْ يَبْرَحْ يَتَطرَّحُ بِنَظَرِهِ إِلَيَّ حِينَ جَلَسْتُ دُونَهُمْ، وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَيْهِ، فَرَأَوْا نَظَرَهُ، فَرَابَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ، فَانْتَحَى ابْنُ الزُّبَيْرِ فَبَدَأَ بِالْكَلامِ، وَالتَّرْجُمَانُ وَجُرْجِيرُ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَيَّ وَيَرْمُقُنِي، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ تَكَلَّمَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: أَأَتَكَلَّمُ؟ فَقُلْتُ: تَكَلَّمْ مَا بَدَا لَكَ.
فَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَقْبِلَ عَلَيَّ التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا عَرَبَيُّ؟ قُلْتُ: مَا أَقُولُ إِلا مَا قَالُوا، فَلْيُجِبْ صَاحِبُكَ مَا بَدَا لَهُ، وَقَدْ دَعُوهُ.
فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي أَرَاهُ أَسَنَّكُمْ وَأَجْمَلَكُمْ، وَأَرَاكُمْ تُقَدِّمُونَهُ، أَمَوْلاكُمْ هُوَ؟ قَالُوا: لا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ مِنَّا مِنْ أَنْفُسِنَا.
قَالَ: فَضَعِيفٌ هُوَ فَلا تَثِقُونَ بِعَقْلِهِ؟ فَلِمَ أَرْسَلْهُ مَلِكُكُمْ؟ قَالُوا: لا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ عَاقِلٌ.
قَالَ: فَمَا أَنْتُمْ بِحُلَمَاءٍ، هُوَ أَحَدُكُمْ، وَلَهُ عَقْلٌ مِثْلُ عُقُولِكُمْ، وَهُوَ أَجْمَلُكُمْ وَأَسَنُّكُمْ، وَمَلِكُكُمُ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ أَضْعَفُ مِنْكُمْ.
وَهُوَ يَعْرِفُ هَذَا مِنْكُمْ.
فَسَكَتُوا، فَقُلْتُ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لِصِاحِبِكَ أَجِبْنَا بِمَا تُرِيدُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بَأَمْرِنَا، وَبِمَا نَصْنَعُ بَيْنَنَا.
قَالَ: يَقُولُ الْمَلِكُ: حِلْمُكَ هَذَا يَزِيدُنِي بَصِيرَةً فِي حُمْقِ أَصْحَابِكَ.
فَرَطَنَ الْمَلِكُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ: الْمَلِكُ يَقُولُ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ جَوَابِكُمْ إِلا أَنَّا لا نَضَعُ جَوَابَنَا إِلا فِي مَوْضِعِهِ، أَخْبِرُونِي: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ بِالْمَلِكِ الأَكْبَرِ؟ قَالُوا: هَذَا، لِمَرْوَانَ.
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالُوا: هَذَا، لابْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَبُ بِنَبِيِّكُمْ وَأَسَنُّكُمْ وَأَجْمَلُكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا.
قَالَ: يَقُولُ الْمَلِكُ: هُوَ أَقْرَبُكُمْ بِنَبِيِّكُمْ وَأَسَنُّكُمْ وَأَجْمَلُكُمْ، وَجَلَسْتُمْ فَوْقَهُ، وَتَقَدَّمْتُمْ قَبْلَهُ! لا تَلْبِثُونَ إِلا قَلِيلا حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَمْرَكُمْ، لا أُرَاجِعُكُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إِلَيَّ وَيَتَكَلَّمَ وَتَتَكَلَّمُونَ بَعْدَهُ.
فَقَالَ لِي الْقَوْمُ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، وَتَكَلَّمْ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَرْجِعُ إِلَيْنَا وَيَقُولُ لَنَا.
فَقُلْتُ لِلتَّرْجُمَانِ: أَجِبْ صَاحِبَكَ إِنِّي لا أَقُومُ مِنْ مَجْلِسِي، وَلا أُعِيهِ كَلامِي، وَلا أَبْتَدِي أَصْحَابِي.
قَالَ: فَلا أُكَلِّمُكُمْ كَلِمَةً.
قَدْ قُلْتُ: لا أَفْعَلُ.
فَهَلْ أَنْتَ يَا رَجُلُ مُعْتَزِلِيَّ حَتَّى أَلْقَاكُمْ، فَإِنِّي لا أُحِبُ أُصِيبُكَ.
قَالَ: قُلْتُ: مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَعْتَزِلَكَ.
قَالَ: أَتَتَقَبَّلُ كَرَامَتِي مِنْ بَيْنِهِمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، إِلا أَنْ تُكْرِمَهُمْ مِثْلِي.
قَالَ: هَلْ أَحَدٌ أَقْرَبُ بِنَبِيِّكَ مِنْكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَبِي.
قَالَ: وَحَيٌّ هُوَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا هُوَ مِنْ نَبِيِّكُمْ؟ قَالَ: عَمُّهُ.
فَفَسَّرَ لَهُ التَّرْجُمَانُ كَيْفَ الْعَمُّ ومَنِ ابْنُهُ.
قَالَ: فَمَا شَأْنُ الْمَلِكِ غَيْرِهِ؟ قُلْتُ: كَانَ هَذَا الْمَلِكُ وَاللَّذَانِ قَبْلَهُ خَرَجُوا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حِينَ خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ أَبِي، وَنَحْنُ نَرَى لِذَلِكَ فَضْلا، وَتَقدَّمَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ.
قَالَ: بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ، وَلا يَصْلُحُ أَمْرَكُمْ أَبَدًا، حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيَّ أَهْلُ بَيْتِ النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، قُومُوا وَلا أُرَاجِعُكُمْ بِكَلَمَةٍ مِمَّا تُرِيدُونَ إِلا أَنْ تُخْبِرَنِي مَا شَأنُكَ، جَلَسْتَ بَيْنَ الصُّلْبِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ وَأَنْتَ عَدُوٌ لَهَا، وَاجْتَنَبَهَا أَصْحَابُكَ؟ قُلْتُ: لَمْ يُسِيئُوا بِمَا صَنَعُوا، وَلَمْ أُسِئْ أَيْضًا، أَمَّا هُمْ فَتَأَذَّوْا بِهَا، وَأَمَّا أَنَا فَعَلِمْتُ مَجْلِسِي لا يَضُرُّ دِينِي، وَلَسْتُ مِنَهَا، وَلَيْسَتْ مِنِّي.
قَالَ: مَا يَنْبَغِي إِلا أَنْ تَكُونَ حَبْرَ الْعَرَبِ.
فَسُمِّيَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْحَبْرَ "
حَدَّثَنِي مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسَيِّبَ بْنَ زُهَيْرٍ، يَقُولُ: " خَرَجْنَا مَعَ الْمَنْصُورِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى بَعْضِ الْمَنَازِلِ قَالَ: يَا مُسَيِّبُ إِنِّي وَاللَّهِ أَعْلَمُ أَنِّي آتِي إِلَى مَصْرَعِي.
قُلْتُ: فَلَوْ أَقَمْتَ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: أَعْلَمُ بِاللَّهِ، وَأَثِقُ بِرَحْمَتِهِ، وَبِمَا يَرْجُو مِنْهَا مِنْ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ جُرْمِهِ وَأَمْنِهِ مَا يَتَخَوَّفُ مِنْ قَدْرِهِ، وَلَكِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كُتِبَ لَهُ، وَأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَفِي قَبْضَتِهِ، فَإِنْ كَانَ كَتَبَ عَلَيَّ مَوْتًا، فَإِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَرُضْوَانِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنِّي مَيِّتٌ وَمَبْعُوثٌ، وَصَائِرٌ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَرَاجٍ رَحْمَتَهُ، وَأَثِقُ بِعَفْوِهِ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَبِمَاذَا عَرَفْتَ أَنَّكَ تَأْتِي مَصْرَعَكَ؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنَّ رَجُلا أَتَانِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ وَبَاءٍ بِهِا، وَقَدْ أَصَابَنِي، وَقَدْ تَخَوَّفْتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ لا تَمُوتُ فِي مَرَضِكَ هَذَا، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُرِيَكَ التُّرْبَةَ الَّتِي تُدْفَنُ فِيهَا.
فَقُلْتُ: أَرِنِيهَا.
فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ، وَفِيهَا نَبْذٌ مِنْ حَصًى، فَإِذَا هِيَ كَأَنَّهَا تُرْبَةُ الْحَرَمِ، فَلَسْتُ أَشُكُّ أَنِّي ذَاهِبٌ فِي سَفَرِي هَذَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَأَسْتَخْلِفُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ بِحُسْنِ خِلافَتِهِ.
فَمَضَى فَتُوُفِّيَ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ فِي بِئْرِ مَيْمُونٍ وَدُفِنَ بِالأَبْطَحِ أَسْفَلَ مِنْ عَقَبَةِ الْمَدَنِيِّينَ
حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَلِيسٌ لَأَبِي الْعَبَّاسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، " أَنَّهُ جَلَسَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُضَرَ، فِيهِمْ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ الْمِنْقَرِيُّ، وَأُنَاسٌ مِنَ الْيَمَنِ، فِيهِمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْرَمَةَ الْكِنْدِيُّ، فَمَالَ بِهِمُ الْحَدِيثُ إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ مَخْرَمَةَ الْكِنْدِيُّ: إِنَّ أَخْوَالَكَ هُمُ النَّاسُ، وَهُمُ الْعَرَبُ الأُولَى، وَهُمُ الَّذِينَ دَانَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا، وِكَانَتْ لَهَمُ الْيَدُ الْعُلْيَا، تَوَارَثُوا الرِّيَاسَةَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَآخِرًا عَنْ أَوَّلٍ، يَلْبَسُ آخِرُهُمْ سَرَابِيلَ أَوَّلِهِمْ، يُعْرَفُونَ بِبَيْتِ الْمَجْدِ، وَمَآثِرِ الْحَمْدِ.
مِنْهُمُ: النُّعْمَانَانِ، وَالْمُنْذِرَانِ، وَالْقَابُوسَانِ، وَمِنْهُمْ عِيَاضٌ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَيَحُوزُ فِي كِلِّ نَائِبَةٍ نَهْبًا.
وَمِنْهُمْ مُلُوكُ التِّيجَانِ، وَكُمَاةُ الْفِرْسَانِ.
لَيْسَ مِنْ بَطَلٍ عَظِيمٍ خَطْبُهُ، وَلا طَرَفٍ كَرِيمٍ أَثَرُهُ، وَلا مِنْ فَرَسٍ رَائِعٍ، أَوْ سَيفٍ قَاطِعٍ، أَوْ دُرَّةٍ مَكْنُونَةٍ، أَوْ دِرْعٍ حَصِينَةٍ إِلا وَهُمْ أَرْبَابُهَا وَأَصْحَابُهَا.
إِنْ حَلَّ ضَيفٌ أَكْرَمُوا، وَإِنْ سُئِلُوا أَنْعَمُوا، فَمَنْ ذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُمْ إِنْ عُدَّتِ الْمَآثِرُ، أَوْ فَخَرَ مُفَاخِرٌ، أَوْ نَفَرَ مُنَافِرٌ.
فَهَمَّ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ، وَسَائِرُ النَّاسِ الْمُتَعَرِّبَةُ.
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَدَخَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ مَا غَمَّهُ: مَا أَظُنُ خَالِدًا يَرْضَى بِمَا تَقُولُ.
فَقَالَ ابْنُ مَخْرَمَةَ: وَهَلْ يَقْدِرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرُدَّ قَوْلِي، أَوْ يَفْخَرَ مِثْلَ مَفَاخِرِي.
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مَا تَقُولُ يَا خَالِدُ؟ قَالَ: إِنْ أَذِنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمِنْتُ الْمَوْجِدَةَ تَكَلَّمْتُ.
فَقَالَ: تَكَلَّمْ وَلا تَهَبْ أَحَدًا.
فَقَالَ خَالِدٌ: خَابَ الْمُتَكَلِّمُ، وَأَخْطَأَ الْمُتَقَحِّمُ، وَلَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَنَطَقَ بِغَيْرِ صَوَابٍ.
إِذْ فَخَرَ عَلَى مُضَرَ، وَمِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَالْخُلَفَاءُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ، أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِلا دَابِغُ جِلْدٍ، أَوْ سَائِسُ قِرْدٍ، أَوْ حَائِكُ بُرْدٍ.
غَلَبَهُمُ الْهُدْهُدُ، وَغَرَّقَهُمُ الْجُرَذُ، وَمَلَكَتْهُمْ أُمُّ وَلَدٍ، قَوْمٌ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا لَهُمْ أَلْسِنَةٌ فَصِيحَةٌ، وَلا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلا حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى كِتَابٍ، وَلا يُعْرَفُ بِهَا الصَّوَابُ.
وَإِنَّهُمْ مِنَّا لَبَيْنَ إِحْدَى الْخَلَّتَيْنِ، إِنْ جَازُوا قَصْدَنَا أَكَلُوا، وَإِنْ حَادُّوا عَنْ حُكْمِنَا قُتِلُوا.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْكِنْدِيِّ، فَقَالَ: أَتَفْخَرُ بِالْفَرَسِ الرَّائِعِ، وَالسَّيْفِ الْقَاطِعِ، وَالدِّرْعِ الْحَصِينَةِ، وَالدُّرَّةِ الْمَكْنُونَةِ؟ أَلا وَإِنِّي أَفْخَرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، خَيْرِ الأَنَامِ، جَهِدَكَ مَنْ ذَكَرْتَ مِمَّنِ افْتَخَرْتُ بِهِ، فَالْمِنَّةُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ أَتْبَاعَهُ وَأَشْيَاعَهُ، فَمِنَّا نَبِيُّ اللَّهِ الْمُصْطَفَى وَخَلِيفَةُ اللَّهِ الْمُرْتَضَى، وَلَنَا السُّؤْدَدُ وَالْعُلَى، وَفِينَا الْحِلْمُ وَالْحِجَا، وَلنَا الشَّرَفُ الْقَدِيمُ، وَالْحَسَبُ الصَّمِيمُ، وَالْجَنَابُ الأَخْضَرُ، وَالْعَدَدُ الأَكْثَرُ ، وَالْعِزُّ الأَكْبَرُ، وَلَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، وَالسَّقْفُ الْمَرْفُوعُ، وَالْبَحْرُ الْمَسْجُورُ، وَلَنَا زَمْزَمٌ وَبَطْحَاؤُهَا وَصَحْرَاؤُهَا، وَغِيَاضُهَا وَأَعْلامُهَا، وَمَنَابِرُهَا وَسِقَايَتُهَا، وَحِجَابَتُهَا وَسَدَانَةُ بَيْتِهَا، فَهَلْ يَعْدِلُنَا عَادِلٌ، أَوْ يَبْلُغُ مِدْحَتَنَا قَائِلٌ.
وَمِنَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَالِمُ النَّاسِ، الطَّيِّبَةُ أَخْبَارُهِ، الْمَتْبُوعَةُ آثَارُهُ، مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ، وَمِنَّا سَيْفُ اللَّهِ، وَمِنَّا فِرْسَانُ اللَّهِ وَمِنَّا الْوَصِيُّ، وَذُو النُّورِ، وَالصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الْفَارُوقُ، وَمِنَّا الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ.
بِنَا عُرِفَ الدِّينُ، وَمِنَّا أَتَاكُمُ الْيَقِينُ.
مَنْ زَاحَمَنَا زَحَمْنَاهُ، وَمَنْ فَاخَرَنَا فَاخَرْنَاهُ، وَمَنْ بَدَّلَ سُنَّتَنَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْكِنْدِيِّ، فَقَالَ: كَيْفَ عِلْمُكَ بِلُغَاتِ قَوْمِكَ؟ قَالَ: إِنِّي بِهَا عَالِمٌ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الشَّنَاتِرِ.
قَالَ: الأَصَابِعُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الصِّنَّارَتَيْنِ.
قَالَ: الأُذُنَانِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْجَحْمَتَيْنِ.
قَالَ: الْعَيْنَانِ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْميزمِ.
قَالَ: السِّنُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الزُّبِّ.
قَالَ: اللِّحْيَةُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْفَقْحَةِ.
قَالَ: الرَّاحَةُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْكُتَعِ.
قَالَ: الذِّئْبُ.
قَالَ: أَفَتُؤْمِنُ بِكِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّكُمُ الْعَرَبُ الأُولَى، وَأَنَّا الْمُتَعَرِّبَةُ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُولُ: فِي كِتَابِهِ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح: 7] ، وَلَمْ يَقُلْ: جَعَلُوا شَنَاتِرَهُمْ فِي صَنَانِيرِهِمْ، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]، وَلَمْ يَقُلْ: الْجَحْمَةُ بِالْجَحْمَةِ، وَقالَ: عز وجل: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، وَلَمْ يَقُلِ: الْميزمُ بِالْميزمِ، وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ:{يَابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه: 94]، وَلَمْ يَقُلْ: لا تَأْخُذْنِي بِزُبِّي وَلا بِفَقْحَتِي، وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ:{فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 17] وَلَمْ يَقُلْ: فَأَكَلَهُ الْكُتَعُ.
لَكِنِّي سَائِلُكَ يَا أَخَا الْيَمَنِ عَنْ أَرْبعِ خِصَالٍ، إِنْ أَقْرَرْتَ بِهَا قُهِرْتَ، وَإِنْ أَنْكَرْتَهَا قُتِلْتَ.
قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَمِنَّا أَمْ مِنْكُمْ؟ قَالَ: بَلْ مِنْكُمْ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ خَلِيفَةِ اللَّهِ الْمُرْتَضَى، أَمِنَّا أَمْ مِنْكُمْ؟ قَالَ: بَلْ مِنْكُمْ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ عَلَيْنَا أَمْ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: بَلْ عَلَيْكُمْ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُسْتَقْبِلِ، أَلَنَا أَمْ لَكُمْ؟ قَالَ: بَلْ لَكُمْ.
قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَعْدُلُ هَذِهِ الْخِصَالُ.
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَاللَّهِ يَا خَالِدُ، مَا فَرَغْتَ مِنْ كَلامِكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُعْرَجُ بِسَرِيرِي إِلَى السَّمَاءِ، مَالَكَ يَا يَمَانِيُّ وَرِجَالَ مُضَرَ، تُفَاخِرُ هَاشِمًا؟ ثُمَّ أَمَرَ لِخَالِدٍ بِمِائَةِ أَلْفِ دَرْهَمٍ، وَأَقْطَعَهُ سَبْعِينَ جَرِيبًا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ بِالْبَصْرَةِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِي النَّضَّاحِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ بُدَيْلٍ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: وَفَدَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَقَامَ بِبَابِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ دَعَا بِهِ هِشَامٌ لَيْلا فَسَاءَلَهُ عَمَّا قَدِمَ لَهُ، وَعَنْ خُرَاسَانَ، فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ عَقْلِهِ وَبَصَرِهِ بِأَمْرِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ رَجُلا عَاقِلا عَالِمًا بِخُرَاسَانَ، فَسَمِّ لِي رِجَالَهَا، وَمَنْ تَرَى أَنَّ مِنْهُمْ يَصْلُحُ لَهَا.
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَهَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيُّ، وَهُوَ شَيْخُ خُرَاسَانَ، وَسَيِّدُهَا فِي سِنِّهِ وَفَضْلِهِ وَعَقْلِهِ مِنْ رَجُلٍ، فِيهِ خَصْلَةٌ.
قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: بُخْلٌ لا يُنَادِي وَلِيدَهُ.
فَقَالَ هِشَامٌ: لا يَسْتَقِيمُ لِخُرَاسَانَ رَجُلٌ يُوصَفُ بِالْبُخْلِ.
سَمِّ لِي غَيْرَهُ.
قَالَ: يَحْيَى بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الذُّهْلِيُّ، فَتَى خُرَاسَانَ سَخًى وَبَأْسًا مِنْ رَجُلٍ، فِيهِ خَصْلَةٌ.
قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ.
قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِهَا.
سَمِّ غَيْرَهُ.
قَالَ: قَطْنُ بْنُ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيُّ، رَجُلُ خُرَاسَانَ عَفَافًا وَعَقْلا وَحِلْمًا وَسَخَاءً وَكَمَالا.
قَالَ: فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَوْتُورٌ، وَتَرَهُ قَوْمُهُ.
قَالَ: سَمِّ غَيْرَهُ.
قَالَ: فَثَمَّ أَخُوهُ سَلَمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَلَيْسَ بِدُونِ مَنْ سَمَّيْتُ لَكَ سَخَاءً وَحِلْمًا وَسُؤْدُدًا، مَا رَأَيْنَا شَيْخًا فِي نُسْكِ شَابٍ غَيْرِهَ.
قَالَ: فَسَمِّ لَنَا غَيْرَهُ.
قَالَ: نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ، رَجُلُ خُرَاسَانَ بَأْسًا وَحَزْمًا وَتَجْرِبَةً وَشِدَّةَ رَأْيٍ، مِنْ رَجُلٍ لا عَشِيرَةَ لَهُ بِهَا.
قَالَ: وَمِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ.
قَالَ: فَأَنَا عَشِيرَتُهُ، وَلَنْ يُذَلَّ مَنْ كُنْتُ عَشِيرَتَهُ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَاحِبُهَا، وَمَنْ كُنْتَ عَشِيرَتَهُ فُهُوَ عَزِيزٌ.
قَالَ: فَأَمَرَ هِشَامٌ بِالْعَهْدِ أَنْ يُكْتَبَ لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ عَلَى خُرَاسَانَ، وَيُدْفَعُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُ: دَعْنِي وَسِرْ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَخَرَجْتُ وَالْعَهْدُ مَعِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى سَرْخَسَ وَبَهَا حَفُصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبَّادٍ الذُّهْلِيُّ.
قَالَ: فَأَكْرَمَنِي وَاحْتَبَسَنِي عِنْدَهً أَيَّامًا وَأَعْطَانِي جَارِيَتَيْنِ نَفِيسَتَيْنِ، وَلَمْ يدَعْ مِنَ الْكَرَامَةِ إِلا حَيَّانِي بِهَا.
فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، قُلْتُ: يَا هَذَا قَدْ وَاللَّهِ صَنَعْتَ بِي صُنْعًا مَا أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِ لَكَ، إِلا أَنَّ مَعِي شَيئًا مَا عَلِمَ بِهِ خَلْقٌ وَهُوَ عَهْدُ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ عَلَى خُرَاسَانَ.
فَوَجِّهْ إِلَيْهِ مَنْ يُعْلِمُهُ فَتَكُونُ الْبِشَارَةُ لَكَ، وَيُكَافِئُكَ عَنِّي.
قَالَ: فَجَزَاهُ خَيرًا وَدَعَا ابْنَيْ عَمٍّ لَهُ، وَكَتَبَ مَعْهُمَا إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ.
قَالَ: فَمَضِيَا إِلَيْهِ فَأَعْلَمَاهُ، وَهُو فِي مَعَسْكَرِ جَعْفَرِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيِّ، خَلِيفَةِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْتُمَا أَمْرَكُمَا.
قَالَ: وَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِالْعَهْدِ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ السَّلامِ بْنِ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيِّ يَدْعُوهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ لِكَثْرَةِ تَبْعِ عَبْدِ السَّلامِ، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ، قَالَ عَبْدُ السَّلامِ: وَلِيَ وَاللَّهِ خُرَاسَانَ، وَمَا كَانَ لِيدَعُوَنِي إِلا وَقَدْ وَلِيَ.
قَالَ: فَرَكِبَ وَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ.
قَالَ: عَلَمْتُ أَنَّكَ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ إِلا وَقَدْ وُلِّيتَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَارْكَبْ بِنَا، فَرَكِبَ مَعَهُ فِي جَمَاعَةٍ، فَمَضَى نَصْرٌ، فَدَخَلَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى فَرْشِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ نَصْرٍ فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهَا.
فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ يُهَنِّونَهُ، فَدَعَا بِصَلَتَانَ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُرِّدَ فَضُرِبَ خَمْسِمِائَةِ سَوْطٍ.
ثُمَّ دَعَا بِمَلِكِ مَرْوِ الرُّوذِ، فَأُمِرَ بِهِ فُجُرِّدَ فَضُرِبَ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: أَظُنُّكُمْ أَنْكَرْتُمْ مَا فَعَلْتُ بِهَذَيْنِ؟ أُخْبِرُكُمْ عَنِّي وَعَنْهُمَا، أَمَّا صَلَتَانُ فَإِنَّ أَسَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَعَصَّبَ عَلَيْنَا وَأَسَاءَ إِلَيْنَا، وَعَهِدَ إِلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنْ مَشْيَخَةِ مُضَرَ، فَضَرَبَهُمْ بِالسِّيَاطِ، وَحَلَقَ رُءُوسَهُمْ وَلِحَاهُمْ، أَنَا أَحَدُهُمْ، ثُمَّ وَجَّهَ بِنَا مَعَ صَلَتَانَ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِالْعِرَاقِ، فَمَا وَصَلْنَا إِلَيْهَا حَتَّى عَفَتْ رُءُوسُنَا وَلِحَانَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ صَلَتَانُ، دَعَا بِحَجَّامٍ، فَقَالَ: احْلِقْ مَا نَبَتَ مِنْ رُءُوسِهِمْ وَلِحَاهُمْ، فَنَاشَدْنَاهُ اللَّهَ، فَأَبَى وَقَالَ: لا تَدْخُلُونَ عَلَى الأَمِيرِ هَكَذَا، فَجَعَلْتُ اللَّهَ عَلَيَّ إِنْ أَنَا ظَفَرْتُ بِهِ أَنْ أَضْرِبَهُ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ، وَأَمَا هَذَا الْآخَرُ، فَإِنِي غَزَوْتُ مَعَ وَالِي خُرَاسَانَ، فَبَعَثَ الْعَسْكَرَ فِي بَعْضِ الْعَشِيَّاتِ، فَأَتَيْتُهُ لَيْلا، وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ، وَمَعِي خَمْسُونَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِي، فَتَجَنَّبْتُ الْعَسْكَرَ وَالزِّحَامَ، فَنَزَلْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْهُ قُرْبَ أَرْضٍ وَزَرْعٍ لَهَذَا الدَّهْقَانِ، فَفَلَتَ بَعْضُ دَوَابِّنَا فَأَفْسَدُوا فِي زَرْعِهِ، فَعَمِدَ إِلَى دَوَابِّنَا كُلِّهَا، فَقَطَعَ أَذْنَابَهَا مِنَ الأُصُولِ، فَأَصْبَحْنَا شُهْرَةً لِأَهْلِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ، فَآلَيْتُ إِنْ مَكَّنَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ أَنْ أَضْرِبَهُ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ