الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ الْعَوَارِيَ الْيَوْمَ وَالْهِبَاتِ غَدًا، وَرِثْنَا مَنْ قَبْلَنَا وَلَنَا وَارِثُونَ، وَلا بُدَّ مِنْ رَحِيلٍ عَنْ مَحَلٍّ نَازِلٍ، أَلا وَقَدْ تَقَارَبَ سَلْبٌ فَأَحْسِنْ أَوْ أَهْبِطْ أَجْوَى، وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مَنْزِلٍ لا يُسْتَتَبُّ بِهِ سُرُورٌ بِيُسْرٍ إِلا تَبِعَهُ حَصِيرُ عُسْرٍ، وَلا تَطُولُ فِيهِ حَيَاةٌ مَرْجُوَّةٌ إِلا اخْتَرَمَهَا مَوْتٌ مُخَوِّفٌ، وَلا يُوثَقُ فِيهِ بِخَلَفٍ بَاقٍ إِلا وَيَسْتَتْبِعُهُ سَابِقٌ مَاضٍ، فَأَنْتُمْ أَعْوَانٌ لِلْحُتُوفِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لَهَا بِكُلِّ سَبَبٍ مِنْكُمْ صَرِيعٌ مُجْتَزَرٌ، وَمُعَازِبٌ مُنْتَظَرٌ، فَهَذِهِ أَنْفُسُكُمْ تَسُوقُكُمْ إِلَى الْفَنَاءِ، فَلِمَ تَطْلُبُونَ الْبَقَاءَ! اطْلُبُوا الْخَيْرَ وَوَلِيَّهُ، وَاحْذَرُوا الشَّرَّ وَمُوَلِّيَهُ، اعْلَمُوا أَنَّ خَيْرًا مِنَ الْخَيْرِ مُعْطِيهِ، وَأَنَّ شَرًّا مِنَ الشَّرِّ فَاعِلُهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا قَلْبُ إِنَّكَ مِنْ أَسْمَاءَ مَغْرُورُ
…
فَاذْكُرْ وَهَلْ يَنْفَعُكَ الْيَوْمَ تَذْكِيرُ
قَدْ بُحْتَ بِالْحُبِّ مَا تُخْفِيهِ مِنْ أَحَدٍ
…
حَتَّى جَرَتْ بِكَ إِطْلاقًا مَحَاضِيرُ
تَبْغِي أُمُورًا فَمَا تَدْرِي أَعَاجِلَهَا
…
أَدْنَى لِرُشْدِكَ أَمْ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ
فَاسْتَقْدِرِ اللَّهَ خَيْرًا وَارْضَيَنَّ بِهِ
…
فَبَيْنَمَا الْعُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ
وَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الأَحْيَاءِ مُغْتَبِطٌ
…
إِذْ صَارَ فِي الرَّمْسِ تَعْفُوهُ الأَعَاصِيرُ
يَبْكِي الْغَرِيبُ عَلَيْهِ لَيْسَ يَعْرِفُهُ
…
وَذُو قَرَابَتِهِ فِي الْحَيِّ مَسْرُورُ
حَتَّى كَأنْ لَمْ يَكُنْ إِلا تَذَكُّرُهُ
…
وَالدَّهْرُ أَيْنَمَا حَالٍ دَهَارِيرُ
427 -
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ أَجْرَأَ وَلا أَسْرَعَ شِعْرًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، يَوْمَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«قُلْ شِعْرًا تَقْتَضِيهِ السَّاعَةُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ» .
ثُمَّ أَبَدَّهُ بَصَرُهُ، فَانْبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، يَقُولُ:
إِنِّي
تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ أَعْرِفُهُ
…
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا إِنْ خَانَنِي بَصَرُ
أَنْتَ النَّبِيُّ وَمَنْ يُحْرَمَ شَفَاعَتَهُ
…
يَوْمَ الْحِسَابِ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حَسَنٍ
…
كَالْمُرْسَلِينِ وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَنْتَ فَثَبَّتَكَ اللَّهُ» .
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: فَثَبَّتَهُ اللَّهُ أَحْسَنَ ثَبَاتٍ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَدَخَلَهَا
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ حَجَّ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: إِنَّهُ سَيَأْتِي بِالْمَدِينَةِ الْحَزِينُ الشَّاعِرُ، وَهُوَ ذَرِبُ اللِّسَانِ، فَإِيَّاكَ أَنَّ تَحْتَجِبَ عَنْهُ وَارْضِهِ.
فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَرَأَى جَمَالَهُ، وَفِي يَدَهِ قَضِيبُ خَيْزُرَانٍ وَقَفَ سَاكِتًا، فَأَمْهَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرَاحَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: السَّلامُ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوَّلا، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلامُ، وَجْهُ الأَمِيرِ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَدَحْتُكَ بِشِعْرٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْكَ وَرَأَيْتُ جَمَالَكَ وَبَهَاءَكَ رَهِبْتُكَ، فَأُنْسِيتُ مَا قُلْتُ، وَقَدْ قُلْتُ فِي مَقَامِي هَذَا بَيْتَيْنِ.
قَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَ: