الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
324 -
حَدَّثَنِي الْعُتْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ الْقَصْرِ، قَالَ: " دَخَلَ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي
هَزَزْتُ ذَوَائِبَ الرِّجَالِ إِلَيْكَ، إِذْ لَمْ أَجَدْ مُعَوَّلا إِلا عَلَيْكَ، وَمَا زِلْتُ أَسْتَدِلُّ الْمَعْرُوفَ عَلَيْكَ، وَأَجْعَلُ
النَّهَارَ إِلَيْكَ مَطِيَّتِي فَإِذَا أَلْوَى بي اللَّيْلُ، فَقُبِضَ الْبَصَرُ، وَعَفَا الأَثَرُ، أَقَامَ بَدَنِي وَسَافَرَ أَمَلِي، يَقُودُنِي نَحْوَكَ رَجَاءٌ، وَيَسُوقُنِي إِلَيْكَ بَلْوَى، فَالنَّفْسُ مُسْتَبْطِئَةٌ، وَالِاجْتِهَادُ عَاذِرٌ، وَإِذَا بَلَغْتُكَ فَقَطْ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: احْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِكَ رَحْلَهَا.
ثُمَّ قَالَ: يَا كَعْبُ، أَعْطِهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا وَلَّى شَوَّالٌ، وَلِيَوْمِ الْحَمْلِ ثَلاثِينَ أَلْفًا أُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: الْحَقَ بِصِهْرِكَ عُتْبَةَ.
وَكَانَ عُتْبَةُ مُتَزَوِّجًا بِابْنَةَ يَعْلَى.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُتْبَةَ، قَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنِّي سِرْتُ إِلَيْكَ شَهْرَيْنِ أَخُوضُ فِيهِمَا الْمَتَالِفَ، أَلْبَسُ أَرْدِيَةَ اللَّيْلِ مَرَّةً، وَأَسِيرُ فِي لُجَجِ السَّوَادِ أُخْرَى، مُوقِرًا مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، هَارِبًا مِنْ دَيْنٍ قَدْ آدَنِي بَعْدَ غِنَاءٍ، جَدَعْنَا بِهِ أُنُوفَ الْحَاسِدِينَ، فَلَمْ أَجِدْ إِلا إِلَيْكَ مَهْرَبًا وَإِلا عَلَيْكَ مُعَوَّلا.
فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلا، إِنَّ الدَّهْرَ أَعَارَكُمْ غِنًى، وَخَلَطَكُمْ بِنَا، ثُمَّ اسْتَرَدَّ مَا أَمْكَنَهُ أَخْذَهُ، وَقَدْ أَبْقَى لَكُمْ مِنَّا مَا لا ضَيْعَةَ عَلَيْكُمْ بَعْدَ مَا بَقِيَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْنَا، وَأَنَا رَافِعٌ يَدَيَ وَيَدَكَ بِيَدِ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمْ أَعْطَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: سِتِّينَ أَلْفًا، فَأَمَرَ لَهُ بِمِثْلِهَا "
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: دَخَلَتْ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ: وَيْحَكِ يَا لَيْلَى أَكَانَ تَوْبَةُ كَمَا نَعَتِّ؟ قَالَتْ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا قُلْتُ إِلا حَقًّا، وَلَقَدْ قَصَّرْتُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلا قَطُّ كَانَ أَرْبَطَ جَأْشًا عَلَى الْمَوْتِ مِنْهُ، وَلا أَقَلَّ انْحِيَاشًا حِينَ تَحْتَدِمُ بَرَاكَاءُ الْحَرْبِ، ويَحْمَى الْوَطِيسُ وَتَهِرُّ الْكُمَاةُ أَقْرَانَهَا، كَانَ وَاللَّهِ كَمَا قُلْتُ:
فتًى لَمْ يَزَلْ يَزْدَادُ خَيْرًا لَدُنْ نَشَا
…
إِلَى أَنْ عَلاهُ الشَّيْبُ فَوْقَ الْمَسَائِحِ
شُجَاعٌ إِذَا الْهَيْجَاءُ شَبَّتْ مُشَايِحٌ
…
إِذَا حَادَ عَنْ أَقْرَانِهِ كُلُّ شَائِحِ
تَرَاهُ إِذَا مَا الْمَوْتُ دَرَّ بِوَدْقِهِ
…
ضَرُوبًا طَلَى أَقْرَانِهِ بِالْصَفَائِحِ
فَعَادَ حَمِيدًا لا ذَمِيمًا فِعَالُهُ
…
وَصُولا لِقُرْبَاهُ يُرَى غَيْرَ كَالِحِ
فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ: يَا لَيْلَى كَيْفَ يَكُونُ تَوْبَةُ كَمَا تَقُولِينَ، وَكَانَ خَارِبًا؟ قَالَتْ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، مَا كَانَ خَارِبًا وَلا لِلْمَوْتِ هَائِبًا، وَلَكِنَّهُ فَتًى كَانَتْ فِيهِ جَاهِلِيَّةٌ، وَلَوْ طَالَ عُمْرُهُ وَأَنْسَأَهُ الْمَوْتُ لارْعَوَى قَلْبُهُ، وَلَقَضَى مِنْ لَهْوٍ نَحْبَهُ، وَلَكِنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَمِّهِ سَلَمَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
لِلَّهِ قَوْمٌ غَادَرُوا ابْنَ حِمْيَرَ
…
أَخَاهُمْ صَرِيعًا بِالسُّيُوفِ الْبَوَاتِرِ
لَقَدْ غَادَرُوا حَزْمًا وَحِلْمًا وَنَائِلا
…
وَصَبْرًا عَلَى الْيَوْمِ الْعَمَاسِ الْقُمَاطِرِ
إِذَا هَابَ وِرْدَ الْمَوْتِ كُلُّ صَفَنْدَدٍ
…
عَظَيِمُ الْحَوَايَا خَيْرُهُ غَيْرُ حَاضِرِ
مَضَى قُدُمًا حَتَّى يُعَامِسَ حَمْيَهُ
…
وَجَادَ بِسَيْبٍ فِي السِّنِينَ الْقَوَاسِرِ
يَرَى الْجُودُ مَالا يَحْتَوِيهِ وَصَبْرُهُ
…
عَلَى الْمَوْتِ حَقًّا فَاعْتَلَى كُلَّ فَاخِرِ
فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ: أَبَى اللَّهُ يَا لَيْلَى إِلا مَا أَرَادَ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ دَرْكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ هَلَكَ تَوْبَةُ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ وَسِبَاعِهِمْ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَهُ الشَّقَاءُ فَهَلَكَ، وَهُوَ ذَمِيمُ الْفِعَالِ، وَتَرَكَ لِقَوْمِهِ عَدَاوَةً أُخْرَى اللَّيَالِي، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكُمْ أَمْرٌ أَكْرَهُهُ مَنْ أَجْلِ تَوْبَةَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ، عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، فَإِيَّاكُمْ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَالتَّشَبُّهَ بِأَهْلِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَاءَ بِالْإِسْلامِ، وَهَدَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَإِنَّ تَوْبَةَ قُتِلَ، وَكَانَ لِلَّهِ عَدُوًّا خَارِبًا، لا يِأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، فَالْحَمْدُ لِلِّهِ الَّذِي كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ، ثُمَّ قَالَ:
مَضَى لا حَمِيدًا يَرْتَجِيهِ صَدِيقُهُ
…
وَلا خَائِفًا مِنْهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارِبُ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: وَهَذا الْبَيْتُ لِابْنِ الْبَرْصَاءِ الْمُرِّيِّ، قَالَهُ لِأَحْمَرَ بْنِ سَالِمٍ الْمُرِّيِّ الَّذِي يَقُولُ:
مُقِلٌّ رَأَى الْإِقَلالَ عَارًا فَلَمْ يَزَلْ
…
يَجُوبُ بِلادَ اللَّهِ حَتَّى تَمَوَّلا
إِذَا جَابَ أَرْضًا أَوْ ظَلامًا رَمَتْ بِهِ
…
مَهامِهُ أُخْرَى عِيسُهُ مُتَقَلْقِلا
وَلَمْ يُثْنِهِ عَمَّا أَرَادَ مَهَابَةً
…
وَلَكِنْ مَضَى قُدُمًا وَمَا كَانَ مُسْبَلا
فَلَمَّا أَفَادَ الْمَالَ جَادَ بِفَضْلِهِ
…
لِمَنْ جَاءَهُ يَرْجُو جَدَاةً مُؤَمِّلا
وَأَعْطَى جَزِيلا مَنْ أَرَادَ عَطَاءَهُ
…
وَذُو الْبُخْلِ مَذْمُومًا يَرَى الْبُخْلَ أَفْضَلا
كَئِيبًا فَمَا يُرْجَا بِخَيْرٍ وَلا يُرَى
…
بِجُودٍ لِمَنْ يَرْجُو جَدَاهُ تَفَضُّلا
فَشَتَّانَ ذُوُ الْبُخْلِ الذَّمِيمُ وَذُو النَّدَى
…
إِذَا ذُكِرَا أَوْ نَازَعَا الْمَجْدَ مَحْفَلا
يُقَالُ ذَمِيمٌ لَيْسَ يُرْجَا فُضُولُهُ
…
قَطُوبٌ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَوَسَّلِا
بَدَاكَ بَلا وَالْبُخْلُ مِنْهُ سَجِيَّةٌ
…
فَمَا يَسْتَطِيعُ الْجُودَ إِلا كَلا وَلا
وَذُو الْجُودِ يُعْطِي ضَاحِكًا مُتَبَرِّعًا
…
إِذَا جَاءَ أَمْسَى لِلتَّبَرُّعِ أَجْمَلا
يَرَى الْحَقَّ بَذَلَ الْمَالِ وَالْجُودَ بِالنَّدَى
…
إِذَا الْبَاخِلُ الْهَيَّابُ عَنْ ذَاكَ أَجْبَلا
فَلِلَّهِ مَفْقُودٌ جَوَادٌ بِمَالِهِ
…
لَقَدْ مَاتَ مَحْمُودَ الْفِعَالِ مُرَقَّلا
فَلا زَالَ يُسْقَى مُسْتَهِلًّا سَحَابُهُ
…
يَدَ الدَّهْرِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ قُرْمُلا
وَلا زَالَ مَذْكُورًا بِخَيْرٍ وَصَالِحٍ
…
حَمِيدًا ثَنَاهُ مَجْدُهُ لَمْ يُحَلْحَلا
وَلا زَالَ ذُو الْبُخْلِ الضَّنِينُ بِمَالِهِ
…
ذَمِيمًا إِذَا سَامَ الرِّجَالُ مُذَلَّلا
مَضَى وَبَقَى مَا كَانَ حَازَ لَوَارِثٍ
…
فَأَعْطَى ذَوِي الأَرْحَامِ يَوْمًا وَأَفْضَلا
فَقِيلَ جَزَى الرَّحْمَنُ خَيْرًا أَخَا النَّدَى
…
وَلا زَالَ مَلْعُونًا أَخَا الْبُخْلِ مُتْبِلا
قَالَ: فَدَخَلَ الأَحْمَرُ بْنُ سَالِمِ الْمُرِّيُّ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَحْمَرُ كَيْفَ قُلْتَ:
مُقِلٌّ رَأَى الْإِقَلالَ عَارًا فَلَمْ يَزَلْ
…
يَجُوبُ بِلادَ اللَّهِ حَتَّى تَمَوَّلا
فَأَنْشَدَهُ، فَأَصْغَى إِلَيْهِ مُطْرِقًا فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَى بِالْجَمِيلِ عَيْنًا، فَافْعَلَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، فَإِنِّي لَمَا أَوْلَيْتَنِي غَيْرُ كَافِرٍ.
فَأَمَرَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَأَلْحَقَهُ فِي الشَّرَفِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ يَقُولُ:
بِكَفِّ ابْنِ مَرْوَانٍ حَيِيتُ وَنَاشَنِي
…
إِلَهِيَ مِنْ دَهْرٍ كَثِيرِ الْعَجَائِبِ
فَأَدْرَكَنِي وَالرُّكْنُ مِنِّي مُضَعْضَعٌ
…
وَقَدْ أَشْرَفَ الأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
وَقَالُوا هُوَ الْمُرِّيُّ سَيِّدُ قَوْمِهِ
…
عُرُوقٌ نَمَتْهُ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَقُلْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ لا حَمْدِ غَيْرِهِ
…
وَحَمْدِ ابْنِ مَرْوَانٍ نَجَوْتُ وَصَاحِبِي
مِنَ اللَّيْثِ إِذْ نَحَّى إِلَيَّ بَنَانَهُ
…
وَكَانَ أَلِيمًا أَخْذُهُ لِلْمَحَارِبِ
فَأَفْلَتُّ مِنْهُ بَعْدَمَا قَدْ تَشَبَّثَ
…
بِشِلْوِيَ مِنْهُ مُوجَدَاتِ الْمَخَالِبِ
وَكَانَ ابْنُ مَرْوَانَ يَرْأَبُ الثَّأَى
…
وَيُشْعِبُ مَا أَعْيَا بِهِ كُلُّ شَاعِبِ
وَيُعْطِي الْمُنَى مَنْ جَاءَهُ مُتَنَصِّفًا
…
وَفَوْقَ الْمُنَى وَرَغْبَةَ الْمُتَرَاغِبِ
وَكَمْ لِابْنِ مَرْوَانٍ عَلَى النَّاسِ مِنْ يَدٍ إِذَا ذُكِرَتْ لَمْ تُخْزِهِ فِي الْمَحَاصِبِ
تَدَارَكَ دِينَ اللَّهِ إِذْ هُدَّدَ رُكْنُهُ
…
وَأَطْمَعَ فِيهِ كُلُّ نَكْسٍ وَجَانِبِ
بِحَزْمٍ وَجِدٍّ لا يُجَارَى وَجِدَّةٍ
…
وَصَبْرٍ عَلَى وَقْعِ السُّيُوفِ الْقَوَاضِبِ
وَحِلْمٍ عَنِ الْجُهَّالِ إِذَا شَنَفُوا لَهُ
…
وَسَارُوا بِجَمْعٍ مُطْلَخِمِّ الْكَتَائِبِ
فَنَازلَهُمْ بِالسِّيفِ صَلْتًا وَنَاصِرٌ
…
مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَائِبِ
فَوَلَّى جُمُوعُ الْمُلْحِدِينَ وَأَدْبَرُوا
…
كَمَا أَدْبَرَتْ مِلَ الأُسْدِ نُورُ الثَّعَالِبِ
وَقَوَّمَ دَيْنَ اللَّهِ مَرْوَانُ وَابْنُهُ
…
وَلَمْ يَرْجُمَا مَا جَمَّعُوا بِالتَّكَاذُبِ
هُمَا صَدَقَا الأَعْدَاءَ فِي مُرْجَحِنَّةٍ
…
تَوَلَّوا حَذَارَ الشَّرْمَحِيِّ الْضُبَاضِبِ
الشَّرْمَحِيُّ مِنَ الرِّجَالِ: التَّامُّ الْجَمِيلُ الْكَرِيمُ.
وَلَوْ وَقَفُوا صَارُوا حَدِيثًا لِخَلْفِهِمْ
…
كَمَا حَدَّثَ الأَقُوَامُ عَنْ أَهْلِ مَأْرِبِ
وَقَامَ لَنَا مِنْ بَعْدُ مَرْوَانُ وَابْنُهُ
…
بِحَزْمٍ وَرَأْيٍ غَيْرِ هَدٍّ مُوَارِبِ
فَدَوَّخَ مَنْ عَادَى الْإِلَهَ بِصَوْلَةٍ
…
يُبَصْبِصُ مِنْهَا كُلُّ خِرْقٍ مُحَارِبِ
فَلَمَّا أَنْشَدَ عَبْدَ الْمَلِكِ، قَالَ: أَحْسَنْتَ، وَيْحَكَ يَا ابْنَ سَالِمٍ هَلْ كُنْتَ هَيَّأْتَ شَيْئًا مِمَّا قُلْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لا.
قَالَ: وَيْحَكَ، فَقَدْ أَمْكَنَكَ الْقَوْلُ، فَلا تُكْثِرْ، وَقَلِيلٌ كَافٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ غَيْرِ شَافٍ.
ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِخُلْعَةٍ، وَأَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَحَمَلَهُ.
فَقَالَ: الْزَمْ بَابِي، وَإِيَّاكَ وَأَعْرَاضَ النَّاسِ، فَإِنِّي أَرَى لَكَ لِسَانًا لا يدَعُكَ حَتَّى يُوقِعَكَ فِي وَرْطَةٍ يَوْمًا، فَاحْذَرْ أَنْ يُورِدَكَ شِعْرُكَ مَوْرِدَ سُوءٍ يُصَيِّرُكَ تَحْتَ كَلْكَلِ هَزَبْرِ أَبِي شِبْلٍ يُضْغِمُكَ ضَغْمًا لا بَقِيَّةَ بِعْدَ ضَغْمِهِ فِيكَ.
فَلَمْ يَلْبَثِ الأَحْمَرُ بْنُ سَالِمِ أنْ قَدِمَ الْعِرَاقَ فَهَجَا الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ، قَالَ فِي هِجَائِهِ لَهُ:
ثَقِيفٌ بَقَايَا مِنْ ثَمُودٍ وَمَالَهُمْ
…
أَبٌ مَاجِدٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ يُنْسَبُ
إِذَا انْتَسَبُوا فِي قَيْسِ عَيْلانَ كُذِّبُوا
…
وَقَالُوا: ثَمُودٌ جَدُّكُمْ وَالْفَخَرْنَبُ
هُمُ وَلَدُوكُمْ غَيْرَ شَكٍّ فَيَمِّمُوا
…
بِلادَ ثَمْودٍ حَيْثُ كَانُوا وَأَعْذِبُوا
وَأَنْتَ دَعِيٌّ يَا ابْنَ يُوسُفَ فِيهِمُ
…
زَنِيمٌ إِذَا مَا حُصِّلُوا تَتَذَبْذَبُ
فَطَلَبَهُ الْحَجَّاجُ، وَأَجْعَلَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ إِلَى سَائِرِ عُمَّالِهِ أَنْ لا يُفْلِتْهُ، فَأَخَذَهُ صَاحِبُ هِيتَ، وَوَجَّهَ بِهِ مُقَيَّدًّا، فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَى الْحَجَّاجِ.
قَالَ: مَا جَزَاؤُكَ عِنْدِي إِلا أَنْ أُعَذِّبَكَ بِمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهَ، فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ.
وَقَالَ الْحَجَّاجُ مَتَمَثِّلا بِقَوْلِ ابْنِ مَخْلاةَ الْكَلْبِيِّ يَهْجُو هَمَّامَ بْنَ قَبِيصَةَ النَّمِيرِيَّ، وَكَانَ هَمَّامٌ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ ضَرْبَةً شَتَرَ عَيْنَهُ، فَلَمْ يَزَلْ أَشْتَرَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ:
بِمَا جَرَمَتْ كَفَّاكَ لاقَيْتَ مَا تَرَى
…
فَلا يُبْعِدُ الرَّحْمَنُ غَيْرَكَ هَالِكَا
غَمَصْتَ نَعِيمًا لَمْ تَكُنْ أَنْتَ أَهْلَهُ
…
فَصَادَفْتَ لَيْلا مَوْجُهُ الرُّكْنُ تَامِكَا
فَقَضْقَضَ رَكُنًا طَالَ مَا كَانَ آيِبًا
…
وَأَصْبَحَ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ سَوَامِكَا
فَبُعْدًا لِمْنَ يُبْكِيكَ مَا هَبَّتَ الصَّبَا
…
وَسُحْقًا فَقَدْ لاقَيْتَ لَيْثًا مُعَارِكَا
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: وَكَانَ الأَحْمَرُ بْنُ سَالِمٍ وَالْعَلاءُ بْنُ عَتْوَارَةَ اللَّيْثِيُّ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَحِقَ الأَحَمْرُ بِبِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، فَطَلَبَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَبِيِّ فَظَفَرَ بِهِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ فِيهِ، فَأَمَّنَهُ، وَأَمَّا ابْنُ عَتْوَارَةَ فَقَتَلَهُ، بَعْدَ ذَلِكَ شَبِيبٌ الْحَرُورِيُّ مِعَ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ ابْنُ عَتْوَارَةَ شُجَاعًا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:
مَا أُبَالِي إِذَا لَبِسْتُ سِلاحِي
…
وَرَكِبْتُ الْجَوَادَ مَا قُلْتُمَا لِي
مَا سَئِمْتُ الْقِتَالَ مُذْ كُنْتُ غَرًّا
…
يَافِعًا لَذَّتِي مَعَ الْجُهَّالِ
أَحْسَبُ الْمَوْتُ شَرْبَةً مِنْ عُقَارٍ
…
شُعْشِعَتْ لِي بِمَاءٍ عَذْبٍ زُلالِ
فَانْقَضَتْ شِرَّتِي وَلاحَ بَيَاضٌ
…
وَاضِحٌ عَمَّ مِفْرَقِي وَقَذَالِي
وَتَجَنَّيْتُ بَعْدَ حُسْنِ قَوَامٍ
…
بَعْدَما كُنْتُ رَائِعًا لِلرِّجَالِ
رُبَّ قَرْنٍ رَأَيْتُهُ مُسْلَحِبًّا
…
فَوْقَ عِرْنِينِهِ سِفَاهُ الشِّمَالِ
مُجْلَعِبًّا حَشَوْتُهُ أَزْرَقِيًّا
…
صَادِقًا وَقْعُهُ غَدَاةَ النِّزَالِ
أَنْشَدَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِلَيْلَى الأَخْيَلِيَّةِ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه:
قُتِلَ ابْنُ عَفَّانَ الْإِمَامُ
…
فَضَاعَ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَا
وَتَشَتَّتَ سُبُلُ الرَّشَادِ
…
بِصَادِرِينَ وَوَارِدِينَا
فَانْهَضْ مُعَاوِيَ نَهْضَةً
…
تُشْفِي بِهَا الدَّاءَ الدَّفِينَا
أَنْتَ الَّذِي مِنْ بَعْدِهِ
…
تُدْعَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَا
أَنْشَدَنِي عَمِّي لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه:
قَتَلْتُمْ وَلِيَّ اللَّهِ فِي جَوْفِ دَارِهِ
…
وَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ جَائِرٍ غَيْرِ مُهْتَدِي
فَلا ظَفَرَتْ أَيْمَانُ قَوْمٍ تَظَاهَرَتْ
…
عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ الرَّشِيدِ الْمُسَدَّدِ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه:
فَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ
…
وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بَغَافِلِ
وَقَالَ لِأَهْلِ الدَّارِ أَلا تُقَاتِلُوا
…
عَفَا اللَّهُ عَنْ كُلِّ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلِ
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِمُ العَدَاوَةَ
…
وْالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ
وَكَيْفَ رَأَيْتَ الْخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْدَهُ
…
عَنِ النَّاسِ إِدْبَارَ النَّعَامِ الْجَوَافلِ
سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: " قِيلَ لِبْعَضِ السَّلَفِ: أَتَرْجُو الأَجْرَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَرَأَيْتَ لَوْ فَعَلْتَ شَيْئًا وَهُوَ حَرَامٌ، أَكُنْتَ تَخَافُ الْإِثْمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَارْجُ الَأَجْرَ فِيمَا أُحِلَّ لَكَ، كَمَا تَخَافُ الْإِثِمْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْكَ ".
حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْوَاقِدِيَّ، يَقُولُ: " كَانَ أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مِنْ عُقَلاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ، يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي أَبْلغُ بِمْنَ أَنْكَحْتُهُ أَوْ نَكَحْتُ إِلَيْهِ السُّلْطَانَ فَاعْلَمُوا أَنِّي مَجْنُونٌ فَاكْوُونِي، وَإِذَا رَأَيْتُمُونِي أَمْنَعُ جَارِي أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي حَائِطِي فَاعْلَمُوا أَنِّي مَجْنُونٌ فَاكْوُونِي، وَمَنْ وَجَدَ لِأَبِي شُرَيْحٍ سَمْنًا أَوْ لَبَنًا أَوْ جِدَايَةً فَهُوَ لَهُ حِلٌّ فَلْيَأْكُلْهُ وَلْيَشْرَبْهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ لَهُ مَالٌ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ مَا ذَكَرَ فَكَانَ النَّاسُ يَرْعَوْنَ فِيهِ
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَيَّاشٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ، قَالَ: " لَقِيتُ النَّسَّابَةَ الْبَكْرِيَّ بِمِنًى، فَسَأَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّ الشُّعَرَاءِ أَغْزَلُ؟ قَالَ: أَصْدَقُهُمْ وَجْدًا، الَّذِي إِذَا سَمِعْتُ شِعْرَهُ أَوَيْتَ لِقَائِلِهِ، أَمَا يَقِفُ فِي سَمْعِكَ قَوْلُ حُجَازِيِّكُمْ عَمْرِو بْنِ عَجْلانَ، وَاسْتَخَفَّهُ مَرَّةً الْوَجْدُ فَهَرَبَ، فَوَقَعَ فِي أَرْضِ بَنِي فَزَارَةَ، فَقَالَ:
بَكَى فَبَكَتْ لَهُ أَجْبَالُ صُبْحٍ
…
وَأَسْعَدَتِ الْجِبَالُ بِهَا مَرُوتُ
حِجَازِيُّ الْهَوَى عَلِقٌ بِنَجْدٍ
…
ضَمِينٌ مَا يَعِيشُ وَلا يَمُوتُ
فَتَرْدَعُهُ الدَّبُورُ لَهَا أَحِيجٌ
…
وَيُسْلِمُهُ إِلَى الْوَجْدِ الْمَبِيتُ
كَأَنَ فُؤَادَهُ كَفَّا طَرِيدٍ
…
كَأَنَّهُمَا بِشَاطِي الْبَحْرِ حُوتُ
لِهِنْدٍ مِنْكَ عَيْنٌ ذَاتَ سَجْلٍ
…
وَقَلْبٌ سَوْفَ يَأْلَمُ أَوْ يَفُوتُ
إِذَا اكْتَنَفَا بِضِرِّهِمَا سَقِيمًا
…
يُعَادِي الدَّاءُ لَيْسَ لَهُ مُقِيتُ
وَأَنْشَدَنِي لِلْمُقَنَّعِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي شِمْرَ الْكِنْدِيُّ:
وَلا أَحْمِلُ الْحِقْدَ الَقَدِيمَ عَلَيْهِمُ
…
وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا
وَلَيْسُوا إِلَى نَصْرِي سِرَاعًا وَإِنْ هُمُ
…
دَعَوْنِي إِلَى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمُ شَدًّا
إِذَا أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لَحُومَهُمْ
…
وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا
يُعَيِّرُنِي بِالدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا
…
دُيُونِيَ فِي أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدَا
وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَحسَنِهُمْ وَجْهًا، وَأَتَمِّهِمْ قَامَةً، فَكَانَ إِذَا كَشَفَ وَجْهَهُ لُطِمَ، فَكَانَ مُقَنَّعًا دَهْرَهُ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الْمُقَنَّعُ.
ثَلاثٌ مِنَ الْجَنَّةِ: الْمُصِيبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَرَضُ.
وَقَالَ: لَيْسَ الْحَلِيمُ مَنْ ظُلِمَ فَحَلِمَ، وَصَبَرَ حَتَّى إِذَا قَدَرَ انْتَقَمَ، وَلَكِنْ مِنْ ظُلِمَ فَحَلِمَ حَتَّى إِذَا قَدِرَ عَفا.