الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَوْلا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَادَى فِي أَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ فِي أَضْيَقِ مِنَ الْقَرْنِ فَأَظَلَّتْكَ رِمَاحُهُمْ، وَعَلاكَ كِفَاحُهُمْ لَكُنْتَ مَأْسُورًا فِيهِمْ، قَدْ أُخِذَ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ نِسَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ نَفَضْنَ الْعِطْرَ عَنِ غَدَائِرِهِنَّ وَبِعْنَهُ فِي أَعَطِيَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَأَمَّا مَا أَشَرْتَ بِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَطْعِ لَذَّاتِهِ، وَبُلُوغِ أَوْطَارِهِ مِنْ نِسَائِهِ، فَإِنْ يَكُنْ إِنَّمَا يَنْفَرِجْنَ عَنْ مِثْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَغَيْرُ مُجِيبِكَ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّ إِنَّمَا يَنْفَرِجْنَ عَنْ مِثْلِ مَا انْفَرَجَتْ بِهِ أُمُّكَ الْبَظْرَاءُ، مِنْ ضَعْفِ الْغَرِيزَةِ، وَقُبْحِ الْمَنْظَرِ، فِي الْخَلْقِ وْالْخُلُقِ يَا لُكَعُ، فَمَا أَحَقَّهُ أنْ يَقْتَدِيَ بِقَوْلِكَ، قَاتَلَ اللَّهُ الَّذِي يَقُولُ، وَسِنَانُ غَزَالَةَ الْحَرُورِيَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ:
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحَرْبِ نَعَامَةٌ
…
رَبْدَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ
هَلا بَرَزْتَ إِلَى غَزَالَةَ فِي الْوَغَى؟
…
أَمْ كَانَ قَلْبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ
صَدَعَتْ غَزَالَةُ قَلْبَهُ بِفَوَارِسٍ
…
تَرَكَتْ نَوَاظِرَهُ كَأَمْسِ الدَّابِرِ
ثُمَّ أَمَرَتْ جَارِيَةً لَهَا فَأَخْرَجَتْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْوَلِيدِ، قَالَ: مَا كُنْتَ فِيهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا سَكَتَتْ حَتَّى كَانَ بَطْنُ الأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ظَهْرِهَا.
إِنَهَا ابْنَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ:" هَنَّأَ رَجُلٌ رَجُلا فِي مَجْلِسِ الْحَسَنِ بِمَوْلُودٍ، فَقَالَ: هَنَّاكَهُ اللَّهُ، وَهَنَّاهُوكَ حَتَّى تَكُونَ كَهُ وَيَكُونَ كَكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: " وَاللَّهِ مَا يُبَالِي رَجُلٌ، أَطَمْطَمَ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَمْ تَكَلَّمَ بِمِثْلِ كَلامِكَ
313 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّليُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَمْرُو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِنْدَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادِ، وَشَرِيكُ بْنُ الأَعْوَرِ
الَحَارِثَيَّانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَأَبْرَامٌ بَنُو مَخْزُومٍ؟ قَالَ:«وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا ثَوْرٍ» ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَالِكَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَأَتَانِي بِثَوْرٍ وَقَوْسٍ وَكَعْبٍ، فَأَطْعَمَنِيهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَسَعَةً» .
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَكَ أَوْ لِي، قَالَ:«بَلِ لِي وَلَكَ» .
قَالَ: كَلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي آكُلُ الْجَدْعَةَ حَتَّى أُنِقَّهَا عَظْمًا عَظْمًا، وَأَشْرَبُ التِّبْنَ مِنَ اللَّبَنِ، رَثِيئَةً وَصَرِيفًا.
قَالَ: فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ قَوْلِهِ.
فَقَالَ الرَّبِيعُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَكَذَاكَ، وَإِنَّ الْخَيْلَ لَتَتَّقِي ذُرَاهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَانْتَعَلَتِ الْخَيْلُ الدِّمَاءَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ إِلَّنَا، وَقَطَعَ أَوَاصِرَنَا، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جَاوَرْتُ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَشَوْا إِلَيَّ بِالضَّرَّاءِ، وَدَبُّوا إِلَيَّ الْخَمْرَ، فَلَمَّا بَدَتْ لِي ضَبَابُ صُدُورِهِمْ، وَحَسَكُ قُلُوبِهِمْ، أَوْجَرْتُهُمْ أَمَرَّ مِنْ نَقِيعِ الْحَنْظَلِ، فَقَالَ شَرَيكُ بْنُ الأَعْوَرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا أَعْجَزَنَا لَمَّا أَخَذَتْهُ أَنْيَابُنَا، وَكَلَّمَتْهُ أَظَافِرُنَا.
فَقَالَ عَمْرٌو: إِلَيْكَ يَابْنَ الأَعْوَرِ، فَإِنِّي لا أَجْلِسُ عَلَى الدُّبُرِ، وَلا أُغْمَزُ غَمْزَ التِّينِ، وَلا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ.
قَالَ: فَلَمَّا خَشِيَ عُمَرُ أنْ يَتَفَاقَمَ الأَمْرُ بَيْنَهُمْ، وَيَخْرُجُوا إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.
قَالَ: " إِيهًا عَنْكُمُ الْآنَ.
فَأَقْبَلَ عَلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: يَا أَبَا ثَوْرٍ، لَقَدْ حَدَّثْتَ عَنْ نَفْسِكَ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ، وَلَقَدْ لَقِيتَ النَّاسَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلامِ، فَأَخْبِرْنِي: هَلْ صَدَفْتَ عَنْ فَارِسٍ قَطُّ "؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ الْكَذِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ، فَكَيْفَ إِذْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلامِ؟ وَلَقَدْ قُلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ لِخَيْلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ: هَلْ لَكُمْ فِي الْغَارَةِ؟ قَالُوا: عَلَى مَنْ؟ قُلْتُ: عَلَى بَنِي الْبَكَّاءِ.
قَالُوا: مَغَارٌ بَعِيدٌ، عَلَى شِدَّةِ كَلَبٍ وَقِلَّةِ سَلَبٍ.
قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ؟ قَالُوا: عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ كِنَانَةَ، فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رِجَالَهُمْ خُلُوفٌ.
فَخَرَجْتُ فِي خَيْلٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ، فَدُفِعْتُ إِلَى قَوْمٍ سُرَاةٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهُمْ سُرَاةٌ» ؟ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى قُبَابٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَقُدُورٍ مُثْفَأَةٍ، وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: «هَذَا لَعَمْرِي عَلامَةُ الْيُسْرِ» .
وَقَالَ عَمْرٌو: فَانْتَهَيْتُ إِلَى أَعْظَمِهَا قُبَّةً.
فَأَكْشِفُهَا عَنْ جَارِيَةٍ مِثْلِ الْمَهَاةِ، فَلَمَّا رَأَتْنِي ضَرَبَتْ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهَا، وَبَكَتْ.
فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: مَا أَبْكِي لِنَفْسِي وَلا عَلَى الْمَالِ.
فَقُلْتُ: عَلامَ تَبْكِينَ؟ قَالَتْ: عَلَى جَوارٍ أَتْرَابٍ لِي، قَدْ أَلِفْتُهُنَّ، وَهُنَّ فِي هَذَا الْوَادِي.
قَالَ: فَهَبَطْتُ الْوَادِيَ عَلَى فَرَسِي، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَاعِدٍ يَخْصِفُ نَعْلا لَهُ، وَإِلَى جَانِبِهِ سَيْفٌ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَلِمْتُ أَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ خَدَعَتْنِي، وَمَاكَرَتْنِي.
فَلَمَّا رَآنِي الرَّجُلُ قَامَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ، ثُمَّ عَلا رَابِيَةً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قُبَابِ قَوْمِهِ مُطَّرِحَةً، حَمَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمْتُ إِذْ مَنَحْتَنِي فَاهَا
…
وَلَحِقَتْنِي بُكْرَةً رَدَاهَا
أَنِّي سَأَحْمِي الْيَوْمَ مِنْ حِمَاهَا
…
يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي دَهَاهَا
قَالَ: فَقُلْتُ مُجِيبًا لَهُ:
عَمْرٌو عَلَى طُولِ السَّرَى دَهَاهَا
…
بِالْخَيْلِ يُزْجِيهَا عَلَى وِجَاهَا
حَتَّى إِذَا حَلَّ بِهَا احْتَوَاهَا ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَقُولُ:
أَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَحْمُودُ الشِّيَمْ
…
مُؤْتَمَنُ الْغَيْبِ وَفِيٌّ بِالذِّمَمْ