الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَنَظَرُوا إِلَى رَاحِلَتِهِ فَوَجَدُوهَا عَقْرَى لا تَنْبَعِثُ، فَقَالُوا: فَقَدْ وَاللَّهِ قَرَاكَ، فَعَمَدَوا إِلَيْهَا فَنَحَرُوهَا، فَظَلُّوا يَوْمَهُمْ وَمَنْ عِنْدِهِمْ مُعَرِّسِينَ عَلَيْهَا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ سَارُوا عِنْدَ آخرِ النَّهَارِ، وَأَرْدَفُوهُ خَلْفَ أَحَدِهِمْ، وَهُمْ سَائِرُونُ فِي بَلِادِ طَيِّئٍ، فَسَارُوا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَنَظَرُوا إِلَى رَاكِبٍ قَدْ أَقْبَلَ كَأَنَّهُ يُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَإِذَا هُوَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ بَعِيرًا، قَارِنٌ جَمَلا أَسْوَدَ، وَقَدْ قَرَنَهُ بِحَبْلٍ يَقُودُهُ، حَتَّى إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: إِنَّكُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ نَزَلَوا بِقَبْرِ حَاتِمٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَبُو الْخَيْبَرِيِّ؟ قَالُوا: هَذَا.
قَالَ: إِنَ حَاتِمًا أَتَانِي فِي مَنَامِي، فَذَكَرَ لِي تَنَقُّصَكَ لَهُ، وَشَتْمِكَ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرَنِي: أَنَّهُ قَرَى رَاحِلَتَكَ أَصْحَابَكَ، وَأَنْشَدَنِي فِي النَّوْمِ أَبْيَاتًا وَرَدَّدَهَا عَلَيَّ مِرَارًا حَتَّى حَفِظْتُهَا، وَقَدْ أَخْلَفَكَ مَكَانَ رَاحِلَتِكَ هَذَا الْجَمَلَ الأَسْوَدَ، فَاقْتَعْدِهُ.
فَقَالُوا: أَنْشِدْنَا مَا قَالَ مِنَ الشِّعْرِ، وَمَا حَفْظَتَ عَنْهُ، فَأَنْشَدَهُمْ:
أَبَا خَيْبَرِيِّ وَأَنْتَ امْرُؤٌ
…
ظَلُومُ الْعَشِيرَةِ شَتَّامُهَا
فَمَاذَا أَرَدْتَ إِلَى رِمَّةٍ
…
بَدِاوِيَّةٍ صَخِبٍ هَامُهَا
وَتَبْغِي أَذَاهَا وَتْغَتَابُهَا
…
وَحَوْلَكَ غَوْثٌ وَأَنْعَامُهَا
وَإِنَّا لَنُطْعِمُ أَضْيَافَنَا
…
مِنَ الْكُومِ بِالسَّيْفِ نَعْتَامُهَا
الْكَوْمُ: الْإِبِلُ الْعِظَامُ الأَسْنِمَةِ.
وَأَخَذَ أَبُو الْخَيْبَرِيِّ مِنْ عَدِيٍّ الْجَمَلَ وَاقْتَعَدَهُ
276 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: " اجْتَمَعَ عْنَدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ جمَاعَةٌ، فَتَذَاكَرُوا الْجُودَ والسَّخَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:
أَجْوَدُ النَّاسِ حَيًّا وَمَيَّتًا حَاتِمٌ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ قُرَيْشٍ لَيُعْطِي فِي مَجْلِسٍ
واحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ حَاتِمٌ يَمْلِكَ مِثْلَهُ وَلا قَوْمُهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِجُودِ حَاتِمٍ، أَمَّا حيًّا فَقَدْ بَلَغَكَ وَأمَّا مَيَّتًا، فَإِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ مَرُّوا بِقَبْرِ حَاتِمٍ مُسَافِرَيْنِ وَرَئِيسُهُمْ رَجُلٌ يُكْنَى أَبَا الْخَيْبَرِيِّ، فَنَزَلُوا بِقَبْرِهِ مُعَرِّسِينَ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنُبْخِلَنَّهُ، وَلَنُخْبِرَنَّ الْعَرَبَ أَنَّا نَزَلْنَا بِحَاتِمٍ فَسَأَلْنَا الْقِرَى فَلَمْ يَقْرِنَا، وَأَرَادُوا عَيْبَهُ وَتَهْجِينَهُ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ: أَيَا حَاتِمُ أَلا تَقْرِي أَضْيَافَكَ، فَإِذَا هُمْ بِصَوْتِ مُنَادٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ:
أَبَا خَيْبَرِيٍّ وَأَنْتَ امْرُؤٌ
…
ظَلُومُ الْعَشِيرَةِ لَوَّامُهَا
فَمَاذَا أَرَدْتَ إِلَى رِمَّةٍ
…
بَدِاوِيَّةٍ صَخِبٍ هَامُهَا
وَتَبْغِي أَذَاهَا وَتْغَتَابُهَا
…
وَحَوْلَكَ غَوْثٌ وَأَنْعَامُهَا
وَإِنَّا لَنُطْعِمُ أَضْيَافَنَا
…
مِنَ الْكُومِ بِالسَّيْفِ يَعْتَامُهَا
فَهَبَّوا مِنَ اللَّيْلِ يَنْظُرُونَ، فَوَجَدُوا نَاقَةَ أَحَدِهِمْ تَكُوسُ عَقِيرًا، فَعَجِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ حَدِيثِهِ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ "
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللِّهِ الزُّبَيْرُ الْعَرَبُ تَتَحَدَّثُ بِأَشْيَاءَ هِيَ عِنْدَهَا صَحَيِحَةٌ، وَقَدْ نَطَقَتْ بِذَلِكَ أَشَعَارُهَا، وَتَمَثَّلَتْ بِهِ وَلا تَكَادُ النَّفْسُ تُصَدِّقُ بِهَا، وَأَحْسَبُ أَمْرَ حَاتِمٍ حِيلَةً مِنْ وَرَثَتِهِ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ مِنَ الْجِنِّ، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبِهُ، وَقَدْ كَانَ حَاتِمٌ شَاعِرًا وَجَوَادًا، وَكَانَ شِعْرُهُ يُشْبِهُ جُودَهُ، وَكَانَ حَيْثُ مَا نَزَلَ لَمْ يَخْفَ مَنْزِلُهُ، لِبَذْلِهِ الطَّعَامَ، وَكَانَ شُجَاعًا مُظَفَّرًا كَرِيمًا، وَآلَى أَنْ لا يَقْتُلَ وَاحَدَ أُمِّهِ، وَلا يَأْسِرَهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
أَمَاوِيَّ إِنِّي رُبَّ وَاحِدِ أُمِّهِ
…
أَجَرْتُ فَلا قَتْلٌ عَلَيْهِ وَلا أَسْرُ
وَكَانَتْ قُدُورُهُ الَّتِي يَطْبُخُ فِيهَا الْجُزُرَ مِنْ نُحَاسٍ عِظَامًا لا تَزُولُ عَنِ الأَثَافِيِّ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ، فَاسْمُ إِحْدَاهُنَّ ثَفَالٌ، وَالأُخْرَى مُشْبِعَةٌ، وِالأُخْرَى رَبَلَةٌ، وَالأُخْرَى هَوَادٍ.
وَكَانَ إِذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ الأَصَمُّ، وَهُوَ رَجَبٌ، الَّذِي كَانَتْ مُضَرُ تُعَظِّمُهُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، كَانَ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، وَيُطْعِمُهَا النَّاسَ وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِيهِ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ النَّوَارُ، رَأَتْ فِي مَنَامِهَا، وَهِي حَامِلٌ بِهِ، فَقِيلَ لَهَا: غُلامٌ سَمْحٌ يُقَالُ لَهُ: حَاتِمٌ الأَقَلُّ، أَيْ يَكُونُ وَاحِدًا فِي جُودِهِ، أَحَبُّ إِلَيْكِ، أَمْ غِلْمَةٌ عَشْرَةٌ كَالنَّاسِ، لُيُوثٌ سَاعَةَ الْبَأْسِ لَيْسُوا بِأَوْغَالٍ وَلا أَنْكَاسٍ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الأَوْغَالُ: الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَوْا، فَيَشْرَبُونَ.
وَالأَنْكَاسُ: الْجُبْنُ الضِّعَافُ.
قَالَتْ: بَلْ حَاتِمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَوَلَدَتْ حَاتِمًا، فَلَمَّا شَبَّ وَتَرَعْرَعَ أَقْبَلَ يَخْرُجُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ أَكَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَأْكُلُهُ مَعَهُ أَلْقَاهُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَأَنَّهُ يُبَدِّدُ طَعَامَهُ، قَالَ لَهُ: الْحَقْ بِالْإِبِلِ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا لِيَقُومَ فِي رَعْيِهَا، وَوَهَبَ لَهُ أَبُوهُ جَارِيَةً وَفَرَسًا وَفَلُوُّهًا، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدَ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَى الْإِبِلَ، وَصَارَ فِيهَا، طَفِقَ يَلْتَمِسُ النَّاسَ لِيَقْرِيَهُمْ، فَلا يَجِدُهُمْ، وَيَأْتِي الطَّرِيقَ فَيَقِفُ عَلَيْهَا، فَلا يَجِدُ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَبَيْنَا هُوَ فِي تَلَمُّسِهِ النَّاسَّ إِذْ بَصُرَ بَرَكْبٍ مُقْبِلِينَ، فَأَتَاهُمْ، فَلَمَّا بَصُرُوا بِهِ قَالُوا: يَا فَتَى هَلْ مِنْ قِرًى؟ قَالَ: أَتَسْأَلُونَنِي الْقِرَى وَقَدْ تَرَوْنَ الْإِبِلَ؟ ! نَعَمْ وَكَرَامَةً انْزِلُوا، وَكَانُوا ثَلاثَةَ نَفَرٍ يُرِيدُونَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ بِالْحِيرَةِ، وَهُمْ: عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَصِ، وَبِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ الأَسَدِيَّانِ، وَزِيَادُ بْنُ جَابِرِ الْقَيْسِيُّ، وَهُوَ النَّابِغَةُ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ، فَنَزَلُوا فَانْتَحَرَ لَهُمْ ثَلاثَةَ جُزُرٍ، لِكُلْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزُورًا، فَقَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَصِ: إِنَّمَا سَأَلْنَاكَ الْقِرَى اللَّبَنَ، وَالَّذِي كُنَّا نَكْتَفِي بِهِ بِكْرَةً إِذَا كُنْتَ لابُدُّ أَرَدْتَ بِقِرَانَا الطَّعَامَ.
قَالَ حَاتِمٌ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ وُجُوهًا لا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً، فَظَنَنْتُ الأَنْسَابَ مُفْتَرِقَةً، وَالْبَلَدَ غِيرَ جَامِعٍ لَكُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَذْكَرَ كُلُّ رَجُلٌ مِنْكُمُ إِذَا هُوَ أَتَى قَوْمَهُ مَا رَأَى، فَإِنْ مَرَّ بِي نَزَلَ.
فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنَ اللَّبَنِ وَشَبِعُوا وَارْتَوَوْا، قَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَصِ فِيهِ شِعْرًا يَمْتَدِحُهُ فِيهِ، فَيَذْكُرُ حُسْنَ فِعَالَهِ، وَحُسْنَ إِضَافَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ أَيْضًا يِمْتَدِحُهُ، وَقَالَ النَّابِغَةُ أَيْضًا يَمْتَدِحُهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ مَا قَالُوا قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ إِكَرْامَكُمْ وَالِإِحْسَانَ إِلَيْكُمْ فَلَكُمُ الْآنَ الْفَضْلُ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ لِأَضْرِبَنَّ عَرَاقِيبِهَا مِنْ آخِرِهَا أَوْ تَقُومُوا إِلَيْهَا فَتُقَسِّمُوهَا، بَيْنَكُمْ أَثْلاثًا عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ، فَقَامُوا إِلَيْهَا فَاقْتَسَمُوهَا، فَأَصابَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْعٌ وَثَلاثُونَ نَاقَةً، وَمَضَوْا فِي سَفَرِهِمْ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى النُّعْمَانِ بِالْحِيرَةِ، وَإِنَّ أَبَا حَاتِمٍ عَبْدَ اللَّهِ بَلَغَهُ مَا فَعَلَ حَاتِمٌ بِالْإِبِلِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ مَا فَعَلْتَ بِالْإِبِلِ؟ قَالَ: يَا أَبَتِ طَوَّقْتَ بِهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ، وَحَوَيْتَ بِهَا مَجْدَ الدَّهْرِ، لا يَزَالُ رَجُلٌ يَحْمِلُ فِينَا بَيْتَ شِعْرٍ بِمَكَانِ إِبِلِكَ.
قَالَ: أَبِإِبِلِي أَرَدْتَ الْمَجْدَ؟ قَالَ حَاتِمٌ: نَعَمْ.
فَقَالَ أَبُوهُ: وَاللَّهِ لا أَسْكُنُ مَعَكَ فِي بَلَدٍ أَبَدًا.
قَالَ حَاتِمٌ: إِذًا وَاللَّهِ لا أُبَالِي ذَلِكَ.
فَخَرَجَ أَبُوهُ وَتَرَكَ حَاتِمًا وَمَعَهُ جَارِيَتُهُ وَفَرَسُهُ وَفَلُوُّهَا، وَأَقْبَلَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ قَيْسٍ يُرِيدُونَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، فَلَقُوا حَاتِمًا، فَقَالُوا: إِنَّا تَرَكْنَا قَوْمَنَا يُثْنُونَ عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرْسَلُوا مَعَنَا إِلَيْكَ بِرِسَالَةٍ.
قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَأَنْشَدَهُ الأَسَدِيُّونَ شِعْرًا لَعَبِيدِ بْنِ الأَبْرَصِ وَلِبِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ الأَسَدِيَّيْنِ، يَمْتَدِحَانِهُ فِيهِ، وَأَنَشْدَ الْقَيْسِيُّونَ شِعْرَ النَّابِغَةِ يَمْتَدِحُهُ فِيهِ، فَلَمَّا أَنْشَدُوهُ، قَالَ: حَاجَتُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ لَنَا لَحَاجَةً.
قَالَ حَاتِمٌ: وَمَا هِيَ؟ قَالُوا: صَاحِبٌ لَنَا قَدْ أَرْجَلَ، وَإِنَّا لَنَرَاكَ مُعْسِرًا مِنَ الْمَالِ يَعْنُونُ مِنَ الإِبِلِ فَقَالَ حَاتِمٌ: خُذُوا فَرَسِي هَذَا فَاحْمِلُوا عَلَيْهَا صَاحِبَكُمْ، فَأَخَذُوهَا، فَعَمَدَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى فَلُوُّهِا فَرَبَطَتْهَا بِثْوبِهَا، كَيْ لا يَتْبَعَ أُمَّهُ، فَأَفْلَتْ وَتَبِعَ أُمَّهُ، فَاتَّبَعَتْهُ الْجَارِيَةَ لِتَرُدَّهُ، فَقَالَ حَاتِمٌ: مَا لَحِقَكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَكُمْ فَذَهَبُوا بِالْفَرَسِ وَفِلُوِّهَا وَبِالْجَارِيَةِ، وَمَضَوْا فِي مَسِيرِهِمْ ذَلِكَ فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ أَبِي حَاتِمٍ، فَعَرَفَ الْفَرَسَ وَفَلُوَّهَا وَالْجَارِيَةَ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَصَبْتُمْ هَذَا الَّذِي مَعَكُمْ؟ وَمَنْ أَعْطَاكُمْ؟ قَالُوا: مَرَرْنَا بِفَتًى كَرِيمٍ جَوَادٍ وَسِيمٍ، فَسَأَلْنَاهُ فَأَعْطَانَا، وَأَعْطَانَا مَا لَمْ نَسْأَلْهُ.
قَالَ: وَأَيْنَ تَرَكْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا سَالِمًا.
وَقَالَ حَاتِمٌ فِي مَسِيرِ أَبِيهِ وَتَحَوُّلِهِ عَنْهُ، وَمَا صَنَعَ بِالإِبِلِ:
وَإِنِّي لَعَفُّ الْفَقْرِ مُلْتَمِسُ الْغِنَى
…
وتَارِكُ شَكْلٍ لا يُوَافِقُهُ شَكْلِي