المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مروان على هذا المنبر أمر للناس بنصف عطائهم.وقال: إن المال قصر، وقد أمرت لكم بالنصف - الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

[الزبير بن بكار]

فهرس الكتاب

- ‌«أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَشْرَكَهُ اللَّهُ فِي سُلْطَانِهِ فَجَارَ فِي حُكْمِهِ» .قَالَ الْفَضْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ:

- ‌«مَنْ تَعَرَّضَ لِلْتُهْمَةِ فَلا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ، وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إِلَيْهِ، وَمَنَ أَفْشَاهُ كَانَ

- ‌ هَذَا وَالِدِي حَقًّا…وَمَا كُنْتُ بِهِ عَقًّابَذَلْتُ الْمَالَ فِي رِفْقٍ…وَمَا كُنْتُ بِهِ نَزْقًافَلَمَّا خَفَّ مِنْ مَالِي

- ‌«أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ»

- ‌ مَا تَصْنَعُ بِعَهْدِي يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَتَّخِذَهُ إِمَامًا وَلا أَعْصِيهِ.قَالَ: ارْدُدْ عَلَيَّ عَهْدِي.قَالَ: تَعْزِلُنِي

- ‌ خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فِي غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ جُرْجِيرَ مَلِكِ الْغَرْبِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ

- ‌ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، فَقَالَتْ عَائِشَةُ:فَإِنْ تَكُ نَاعِيًا فَلَقَدْ نَعَاهُ…نَعِيٌّ لَيْسَ فِي فِيهِ

- ‌ حَضَرَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيشٍ مَجْلِسَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أَمَيَّةَ

- ‌ أَلَسْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ ، قَالَ: لا، وَلَكِنَّنِي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ.قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِهِ؟ قَالَ: لَمْ

- ‌ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ جَوَارِيهِ، فَقَالَ لَهُنَّ: تُغَنِّيِنَّ لِمَعْبَدٍ؟ فَفَعَلْنَ.فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذَا الْحِدَاءُ.فَقَالَ لَهُنَّ:

- ‌ لا تَنْتَفِيَنَّ مِنْ وَلَدٍ نَكَحْتَ أُمَّهُ، وَاعْلَمْ أَنْ كُلَّ أَمَانَةٍ مُؤَدَّاةٌ، وَأَنَّ الرَّغَائِبَ فِي رَكْعَتِي

- ‌«مَنْ كَثُرَ مَالُهُ اشْتَدَّ حِسَابُهُ، وَمَنْ كَثُرَ تَبَعُهُ كَثُرَ شَيْاطِينُهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا ازْدَادَ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا

- ‌ لَمَّا ادَّعَى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا، وَآثَرَ عَمْرَو بْنِ الْعَاصِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَرَّبَهُمَا دُونَهُمْ جَزِعَ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ ذَلِكَ

- ‌ دَفْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، قَامَ عَلِيٌّ عَلَى الْقَبْرِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:لُكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ

- ‌«رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا وَمَا مَلَكَ، لَوْ كَانَ مِنْ جَبَلٍ لَكَانَ فِنْدًا، أَوْ مِنْ حَجَرٍ لَكَانَ صَلْدًا، عَلَى مِثْلِ مَالِكٍ فَلْتَبْكِ

- ‌ أُتِيُ عُمَرُ بِبُرُودٍ، فَقَالَ لِلَّذِي أَتَاهُ بِهَا: أَخْرِجْ لِي خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِالْحَسَنِ، فَلَمَّا أَتَاهُ دَفَعَ

- ‌ وَلِينَاكُمْ قَرِيبًا، وَعَدْلُنَا عَلَيْكُمْ خَيْرٌ مِنْ خُطَبِنَا فِيكُمْ، وَإِنْ أَعِشْ يَأْتِكُمُ الْكَلامُ عَلَى جِهَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ

- ‌ رَدَدْتُ أَمْرَ الْمُسِلِمِينَ إِلَيْكَ فَدَبِّرْهُمْ بِرَأْيِكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ مَعَادُكَ، فَقَدْ أَخْرَجْتُ مِنْ رَقَبَتِي ذَلِكَ

- ‌ مَا نُطْعِمُكَ يَا ابْنَ حَسَّانٍ؟ قَالَ: سَمَكًا.قَالَ: فَمَا نَسْقِيكَ؟ قَالَ: سَوِيقًا.فَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ

- ‌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ كَانَ يُشَبِّبُ بِابْنَةِ مُعَاوِيَةَ، وَيَذْكُرُهَا فِي شِعْرِهِ، فَقَالَ النَّاسُ لِمُعَاوِيَةَ: لَوْ جَعَلْتَهُ

- ‌ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ: أَطَعَامُ يَدٍ أَمْ طَعَامُ يَدَيْنِ؟ قَالَ: فَإِذَا قَالَ لَهُ: طَعَامُ يَدَيْنِ.لَمْ يَأْكُلْ، وَهُوَ الشِّوَاءُ

- ‌ فَلَمَّا أَهْذَرَا فِي التَّهَاجِي وَأَفْحَشَا، كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ يَوْمَئِذٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ

- ‌ أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَارِيَةَ ابْنَةَ شَمْعُونَ

- ‌ لَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَلَّمَ أَهْلُ مَكَّةَ عُثْمَانَ بْنَ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ حَتَّى

- ‌ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ، وَكَانَ رَجُلا مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ، قَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، عَلَى مَا

- ‌«أُوصِي مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَنِي بِوِلايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، مَنْ تَوَلاهُ فَقَدْ تَوَلانِي، وَمَنْ تَوَلانِي فَقَدْ تَوَلَّى

- ‌ خَذَلَنِي النَّاسُ، حَتَّى وَلَدِي وَأَهْلِي، فَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلا الْيَسِيرُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الدَّفْعِ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ

- ‌ ابْنِنَا عِنْدَكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، وَأَحْسِنْ إِلَيْنَا فِي فِدَائِهِ، فَإِنَّا سَنَرْفَعُ لَكَ فِي الْفِدَاءِ.قَالَ: «مَنْ هُوَ»

- ‌ زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلاتَهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِهِ

- ‌ لَمَّا هَاجَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى كَلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ "، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَمَّا عَاصِمُ بْنُ عَمْرِو

- ‌«اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الْوَفَاةُ

- ‌ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الَّتِي أَخْرَجَتْهَا عَادَةُ الْمِرَاءِ وَالضَّلالَةِ، وَصَدَفَ بِهَا عَنِ الْحَقِّ الْهَوى وَالزَّيْغُ، إِنِّي نَذِيرٌ

- ‌ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ لَهُ: يَا خِبْثَةُ، شَيْخًا جَوَّالا فِي الْفِتَنِ، مَعَ أَبِي تُرَابٍ مَرَّةً، وَمَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌ النَّاسَ قَدْ رَفَعَوا أَعْيُنَهُمْ وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمِ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فِيهِ لُوْثَةٌ

- ‌«لا قَوَدَ إِلا بِالسَّيْفِ» ، وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.ثُمَّ قَالَ لِشَرِيكٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ ثُمَّ ثَنَّى فَلَمْ

- ‌«إِنْ لَمْ تَجَدْ مِنْ صُحْبَةِ الرِّجَالِ بُدًّا، فَعَلَيْكَ بِمَنْ إِنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وَإِنْ خَفَضْتَ لَهُ صَانَكَ، وَإِنْ وَعَدَكَ لَمْ

- ‌ أَخْبِرْنَا عَنَّا وَعَنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ

- ‌ أَلا تَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ قِبلِ ظَهْرِكَ؟ فَيَقُولُ: إِذَا أَمْكَنْتُ عَدُوِّي مِنْ ظَهْرِي فَلا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ أَبْقَى

- ‌ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ، أَلا وِإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أُصِيبَ رحمه الله، وَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كَانَ

- ‌«فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْولَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ

- ‌ الْخَطِّ، فَقَالَ: «عِلْمٌ أُوتِيَهُ نَبِيٌّ، فَمَنْ وَافَقَ عِلْمُهُ عِلْمَ ذَلِكَ النَّبِيِّ فَقَدْ عَلِمَ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ فَقَدْ

- ‌ اشْتَرَكَ ثَلاثَةٌ فِي ظَهْرِ امْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ، فَجَاءَتْ بِغُلامٍ، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهِ، فَدَعَا عُمَرُ بْنُ

- ‌ ثَلاثَةَ نَفَرٍ تَقَدَّمُوا إِلَيْهِ، وَقَدِ اشْتَرَكُوا فِي ظَهْرِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، وَقَدْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ

- ‌«طَعْامَانِ وَشَرَابَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، لا حَاجَةَ لِي بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لا أُحُرِّمُهُ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي اللَّهُ

- ‌«تُوشِكُونَ أَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَأَنْ يُغْدَا عَلَى أَحَدِكُمْ بِجَفْنَةِ، وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِأُخْرَى

- ‌«مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ» ؟ فَسَكَتُّ، حَتَّى أَعَادَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «فَلَعَلَّكَ تُرِيدُ

- ‌«يَأْتِي الأَنْصَارَ فِي دُورِهِمْ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، فَيُذَكِّرُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ، وَيَأْتُونَهُ

- ‌ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَعِيدُ

- ‌«إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثَلاثًا، فَإِنْ زَنَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ مِنْ

- ‌ مَرْوَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ أَمَرَ لِلْنَاسِ بِنِصْفِ عَطَائِهِمْ.وَقَالَ: إِنَّ الْمَالَ قَصَّرَ، وَقَدْ أَمَرْتُ لَكُمْ بِالنِّصْفِ

- ‌ أَجْوَدُ النَّاسِ حَيًّا وَمَيَّتًا حَاتِمٌ.قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ قُرَيْشٍ لَيُعْطِي فِي مَجْلِسٍ

- ‌ مَاوِيَّةَ بِنْتَ عَفْزَرَ كَانَتْ مَلِكَةً، وَكَانَتْ تَتَزَوَّجُ مَنْ أَرَادَتْ، وَأَنَّهَا بَعَثَتْ غِلْمَانًا لَهَا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَأْتُوهَا

- ‌ أَنَا لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» .قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَدِيثُ أَبِي زَرْعٍ وَأُمِّ زَرْعٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

- ‌ دَخَلَ عَمْرُو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِنْدَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادِ، وَشَرِيكُ بْنُ الأَعْوَرِ

- ‌ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ، ثُمَّ قَالَ:

- ‌«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»

- ‌«كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ»حَدَّثَنِي أَخِي هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ

- ‌ مِنْكُمْ لَمَنْ سَبَقَنِي فَرَأَى قَبْلِي، وَرَأَيْتُ بَعْدَهُ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ خَصَاصَةً إِلا أَلْصَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

- ‌ هَزَزْتُ ذَوَائِبَ الرِّجَالِ إِلَيْكَ، إِذْ لَمْ أَجَدْ مُعَوَّلا إِلا عَلَيْكَ، وَمَا زِلْتُ أَسْتَدِلُّ الْمَعْرُوفَ عَلَيْكَ، وَأَجْعَلُ

- ‌«لا يَبْعُدَنَّ ابْنُ هِنْدٍ إِنْ كَانَتْ فِيهِ لَمَخَارِجُ لا تَجِدُهَا فِي أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَنُفَرِّقُهُ فَيَتَفَارَقُ

- ‌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وِالأَمْرُ، وَمُلْكُ الدُّنْيَا وَالَآخِرَةِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يُشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ

- ‌«الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، مَا أَنَكْرَنْا إِمْرَةَ الأَنْصَارِ، وَلَكَانُوا لَهَا أَهْلا، وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ لا شَكَّ فِيهِ وَلا خيَارَ

- ‌ النِّعْمَةَ إِذَا حَدَثَتْ حَدَثَ لَهَا حُسَّادٌ حَسْبُهَا وَأَعْدَاءٌ قَدْرُهَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحْدِثْ لَنَا نِعَمًا لِيُحْدِثَ لَهَا حُسَّادٌ

- ‌ أُتِي عُمَرُ بَجَوْهَرِ كِسْرَى، وُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَصَارَ كَالْجَمْرِ، فَقَالَ لِخَازَنِ بَيْتِ الْمَالِ:

- ‌ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام يَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: «حَمَّالُ الْخَطَايَا! لا وَاللَّهِ لا أَعُودُ

- ‌ يَخْطُبُ، فَأَكَبَّ النَّاسُ حْوَلَهُ، فَقَالَ: «اجْلِسُوا يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ» ! فَصَاحَ بِهِ طَلْحَةُ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ

- ‌ أَمَا لِكِتَابِ اللَّهِ نَاشِدٌ غَيْرُكَ» ! فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: «اجْلِسْ» ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ

- ‌ زِنْبَاعَ بْنَ رَوْحِ بْنِ سَلامَةَ الْجُذَامِيَّ يَعْشُرُ مَنْ يَمُرُّ بِهِ لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، قَالَ: فَعَمَدْنَا إِلَى مَا مَعَنَا

- ‌«كَيْفَ عِلْمُكَ بِمُضَرَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعَلَمُ النَّاسِ بِهِمْ.تَمِيمٌ هَامَتُهَا وَكَاهِلُهَا الشَّدِيدُ الَّذِي

- ‌«أَجِيزُوا بَطْنَ عَرَفَةَ، فَإِنَّمَا هُمْ إِذْ أَسْلَمُوا إِخْوَانُكُمْ» .قَالَ: " فَعَلَّمَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ أَذِنَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ برَاقَةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا يَعْرُجُ، فَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا، يَقُولُ فِيهَا:مَا إِنْ

- ‌ يُعْطِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَقَالَ لَهُ: فُرَاتُ، مَنِ الَّذِي يَقُولُ: "الْفَقْرُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ

- ‌ أَشْعَرَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، وَكَانَ أَشْعَرَ أَهْلِ الإِسْلامِ ابْنُهُ كَعْبٌ، وَمَعْنُ بْنُ أَوْسٍ "عَنِ

- ‌«قُلْ شِعْرًا تَقْتَضِيهِ السَّاعَةُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ» .ثُمَّ أَبَدَّهُ بَصَرُهُ، فَانْبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، يَقُولُ:إِنِّي

- ‌ لا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ أُوْقِيَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتُ ذِي الْغُصَّةِ، يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ الْحُصَيْنِ

- ‌ أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ

الفصل: ‌ مروان على هذا المنبر أمر للناس بنصف عطائهم.وقال: إن المال قصر، وقد أمرت لكم بالنصف

فَتَعَرَّضُوا إِلَيَّ وَتَرَكُوهُ، فَقَالَ: أَلا تَعْجَبُ مِنْ هَؤُلاءِ، أُحَدِّثُهُمْ عَنْ هِنْدٍ، وَأَبِي هِنْدٍ، وَزَوْجِ هِنْدٍ، وهذا يحدثهم عَنْ عِجْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَيْسَانَ، فَيَقُومُونَ إِلَيْهِ وَيَتْرُكُونَنِي أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ فِي مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ:

بَأَيِّ الْخَلَّتَيْنِ عَلَيْكَ أُثْنِي

فَإِنِّي عِنْدَ مُنْصَرفِي سَئُولُ

أَبَا الْحُسْنَى فَلَيْسَ لَهَا ضِيَاءٌ

عَلَيَّ فَمَنْ يُصَدِّقُ مَا أَقُولُ؟

دَخَلَ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَقِيَهُ مَنْ سَمِعَ كَلامَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، اكْتُبْنِي ذَلِكَ الْكَلامَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ، قَالَ: مَا أَحْفَظُهُ، وَلا أَعْرِفُهُ، إِنَّمَا كَانَ كَلامًا عَنَّ فَفَنَّ.

261 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُسَاحِقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: "‌

‌ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَعِيدُ

بْنُ الْعَاصِ، فَأَوْسَعَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، فَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَقْبَلَ مَرْوَانُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:

لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ رَئِيسِ قَبِيلَةٍ

تَضَعُ الْكَبِيرَ وَلا تُرَبِّي الأَصْغَرَا

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا "

262 -

حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:

‌«إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثَلاثًا، فَإِنْ زَنَتِ الرَّابِعَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ مِنْ

شَعْرٍ»

263 -

حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَامِرَ بْنَ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةِ، عَنْ أَبْيهِ، قَالَ: " قَالَ لِي أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: هَلْ لَكَ أَنْ أَبِيعَكَ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، وَأُنْسِئَكَ النَّصْفَ؟ قَالَ: فَقَالَ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ صَدَقَاتِ مُضَرَ الْحَمْرَاءَ كُلَّهَا لِي، لَشَهِدْتُ أَبَاكَ يَعْنِي‌

‌ مَرْوَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ أَمَرَ لِلْنَاسِ بِنِصْفِ عَطَائِهِمْ.

وَقَالَ: إِنَّ الْمَالَ قَصَّرَ، وَقَدْ أَمَرْتُ لَكُمْ بِالنِّصْفِ

الأَخِيرِ مِنْ صَدَقَاتِ مَالِ الْيَمَنِ.

قَالَ: فَوَثَبَ النَّاسُ فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ، ذَاكَ مَالُ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا مَالُنَا مَالُ الْخَرَاجِ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَأَمَرَ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ بِمَالِ الْخَرَاجِ «

كَانَ عِنْدِي سَيْفُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، اشْتَرَيْتُهُ، فَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ يَطْلُبُهُ مِنِّي بِثَمَنٍ، فَأَهْدَيْتُهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ السَّيْفُ الَّذِي يُسَمَّى الْعُرْجُونَ، وَكَانَ سَبَبَهُ أَنَّ» سَيْفَ ابْنِ جَحْشٍ انْقَطَعَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عُرْجُونَ نَخْلَةٍ، فَصَارَ فِي يَدِهِ سَيْفًا "، يُقَالُ: إِنَّ قَائِمَتَهُ مِنْهُ، فَبِيعَ مِنْ بُغَا التُّرْكِيِّ بِمَائَتِي دِينَارٍ.

ص: 150

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَإِذَا هُوَ كَالْمُغْتَاظِ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَامِلِكُمْ آنِفًا، يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَقُلْتُ:

مُسَّا تُرَابَ الأَرْضِ مِنَهَا خُلِقْتُمَا

وَفِيهَا الْمَعَادُ وَالْمَصِيرُ إِلَى الْحَشْرِ

وَلا تَعْجَبَا أَنْ تُؤْتَيَا فَتُكَلَّمَا

فَمَا حُشِيَ الأَقْوَامُ شَرًّا مِنَ الْكِبْرِ

فَلَوْ شِئْتُ أَدْلَى فِيكُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ

عَلانِيَةً أَوْ قَالَ عِنْدِيَ فِي السِّرِّ

فَإِنْ أَنْا لَمْ آمُرْ وَلَمْ أَنْهِ عَنْكُمَا

ضَحِكْتُ لَهُ حَتَّى تَلَجَّ وَيَسْتَشْرِي

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمِثْلُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فِي سِنِّكَ وَفَضْلِكَ يَقُولُ الشِّعْرُ؟ قَالَ: إِنَّ الْمَصْدُورَ إِذَا نَفَثَ بَرَأَ

حَدَّثَنِي مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْمَاهِرِ، يَقُولُ: " قَدِمَ الْمَنْصُورُ لِلْحَجِّ، فَكَانَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ إِلَى الطَّوَافِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مُسْتَتِرًا مِنَ النَّاسِ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيُصَلِّي وَيَدْعُو، لا يُعْرفُ مَوْضِعَهُ، فَإِذَا أَضَاءَ الْفَجْرُ عَادَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ، وَجَاءَ الْمُؤَذِّنُونَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حِينَ أَسْحَرَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَسَمِعَ رَجُلا فِي الْمُلْتَزَمِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ظُهُورَ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، وَمَا يَحُولُ بَيْنَ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ مِنَ الطَّمَعِ.

قَالَ: فَاقْتَصَدَ الْمَنْصُورُ فِي مَشْيِهِ حَتَّى مَلَأَ مَسَامِعَهُ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الطَّوَافِ، فَجَلَسَ نَاحِيَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، وَأَقْبَلَ مَعَ الرَّسُولِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَا هَذَا الَّذِي سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ مِنْ ظُهُورِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، وَمَا يَحُولُ بَيْنَ الْحَقِّ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مِنَ الطَّمَعِ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ حَشَوْتَ مَسَامِعِي مَا أَرْمَضَنِي وَأَقْلَقَنِي.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ أَمَّنْتَنِي عَلَى نَفْسِي أَنْبَأْتُكَ بِالأُمُورِ مِنْ أُصُولِهَا، وِإِلا احْتَجَزْتُ مِنْكَ، وَاقْتَصَرْتُ عَلَى نَفْسِي، فَفِيهَا شَاغِلٌ عَنْ سِوَى ذَلِكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ: فَأَنْتَ آمِنٌ عَلَى نَفْسِكَ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الَّذِي دَخَلَهُ الطَّمَعُ حَتَّى حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِ، فَأَظْهَرَ طَمَعَهُ فِي الأَرْضِ وْالْفَسَادَ وَالْبَغْيَ لَأَنْتَ.

ص: 151

قَالَ: وَيْحَكَ، وَكَيْفَ يَدْخُلُنِي الطَّمَعُ وَالصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ فِي قَبْضَتِي، وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ فِي يَدِي! ! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَلْ دَخَلَ أحدًا مِنَ الطَّمَعِ مَا دَخَلَكَ! ؟ إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى، اسْتَرْعَاكَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَغْفَلْتَ أُمُورَهُمْ، وَاهْتَمَمْتَ بِجَمْعِ أَمْوَالِهِمْ، وَجَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا مِنْ جَصٍّ وَآجُرٍّ، وَأَبْوَابًا مِنْ حَدِيدٍ، بَعْضُهَا عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، وَحَجَبَةً عَلَيْهَا فِي أَيْدِيهِمُ السِّلاحُ، ثُمَّ سَجَنْتَ نَفْسَكَ فِيهَا، وَاحْتَجَبْتَ بِهَا عَنْهُمْ، وَبَعَثْتَ عُمَّالَكَ فِي جِبَايَةِ الأَمْوَالِ وَجَمْعِهَا وَحَشْرِهَا إِلَيْكَ، وَقَوَّيْتَهُمُ بِالرِّجَالِ وَالْكُرَاعِ، وَأَمَرْتَ بِأَلا يَدْخُلَ عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ إِلا فُلانًا وَفُلانًا، لِنَفَرٍ يَسِيرٍ، وَنَهَيْتَهُمْ أَنْ يُوصِلُوا إِلَيْكَ مَظْلُومًا أَوْ مَلْهُوفًا أَوْ جَائِعًا أَوْ عَارِيًا أَوْ فَقِيرًا، لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي قِبَلَكَ حَقٌّ، فَجَبَى عُمَّالُكَ الأَمْوَالَ وَجَمَعُوهَا وَحَشَرُوهَا إِلَيْكَ، فَأَوْدَعْتَهَا الْخَزَائِنَ بِمَدِينَتِكَ، وَلَمْ تُعْطِهَا أَهْلَهَا، فَلَمَّا رَآكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الَّذِينَ اسْتَخْلَفْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَخَصَصَّتَهُمْ بِبِرِّكَ، وَآثَرْتَهُمْ عَلَى رَعِيَّتِكَ، تَجِمُّ الأَمْوَالَ وَتَجْمَعُهَا، وَتَسْتَأْثِرُ بِهَا، فَلا تُقَسِّمُهَا عَلَى أَهْلِهَا، وَتَمْنَعُهُمْ حُقُوقَهُمْ مِنْهَا، قَالُوا: هَذَا قَدْ خَانَ اللَّهَ فَمَالَنَا لا نَخُونُهُ، وَقَدْ سَجَنَ نَفْسَهُ، وَأَمْكَنَنَا مِنْهُ الْفُرْصَةَ ، وَاطَّلَعْنَا مِنْهُ عَلَى الْعَوْرَةِ! فَتَوَازَرُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ لا يَصِلَ إِلَيْكَ مِنْ عِلْمِ خَبَرِ النَّاسِ إِلا مَا أَحَبُّوا، وَأنْ لا تَطَّلِعَ مِنْ أُمُورِهِمْ إِلا عَلَى مَا أَرَادُوا، وَأَنْ لا يَخْرُجَ لَكَ عَامِلٌ فَيُخَالِفَ أُمُورَهُمْ، وَيَطْرَحَ رَأْيَهُمْ، إِلا قَصَبُوهُ عِنْدَكَ، وَاغْتَابُوهُ، حَتَّى تَسْقُطَ مَنْزِلَتُهُ، وَيَتَّضِحَ أَمْرُهُ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ وَأَمْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَانْتَشَرَ لَهُمْ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ رَعِيَّتِكَ أَنَّهُمْ يَضُرُّونَ وَيَنْفَعُونِ عِنْدَكَ مَنْ شَاءُوا، وَأَنَّكَ تَقْبَلُ قَوْلَهُمْ، وَتَعْمَلُ بِرَأْيِهِمْ، فَأَعْظَمَهُمْ مَنْ وَرَاءِ بَابِكَ، وَخَافُوهُمْ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَانَعَهُمْ مِنَ النَّاسِ وَدَارَاهُمْ عُمَّالُكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بِالْهَدَايَا، لِيَقَوَوْا بِهَا عَلَى ظُلْمِ رَعِيَّتِكَ، فَامْتَلَأَتِ الأَرْضُ مِنْ طَمَعِكَ الْحَاجِزِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْحَقِّ، بَغْيًا وَفَسَادًا، وَصَارَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الَّذِينَ سَجَنْتَ نَفْسَكَ لَهُمْ بِطَمَعِكَ شُرَكَاءَكَ فِي سُلْطَانِكَ، يَكْسِبُونَ لَكَ الْآثَامَ، وَيُطَوِّقُونَكَ الْخَطَايَا، وَيُحَمِّلُونَكَ الأَوْزَارَ، وَأَنْتَ غَافِلٌ أَوْ متُغَافِلٌ، كَأَنَّكَ لا تَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا ظَلَمَ أَحَدٌ مِنْ عُمَّالِكَ أَحَدًا مِنْ رَعِيَّتِكَ، أَوْ قَوِيٌّ مِنْ جُنْدِكَ غَصَبَ ضَعِيفًا مِنْ ذَوِي الْعَهْدِ، فَجَاءَكَ مُتَظَلِّمًا، أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْكَ قَضِيَّةً عِنْدَ ظُهُورِكَ، وَجَدَكَ قَدْ نَهَيْتَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَقَّفْتَ لِلنَّاسِ رَجُلا يَنْظُرُ فِي مَظَالِمِهِمْ، فَإِنْ أَتَى ذَلِكَ الرَّجُلُ بِمَظْلَمَةٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ، وَبلَغَ ذَلِكَ

ص: 152

بِطَانَتَكَ، أَتُوا الرَّجُلُ فَسَأَلُوهُ أَنْ لا يَرْفَعَ مَظْلَمَتَهُ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَظَلَّمُ مِنْهُ لَهُ بِهِ حُرْمَةٌ.

وَمَا حُرْمَتُهُ قِدَمَ خِيَانَتِهِ، فَأَجَابَهُمْ صَاحِبُ الْمَظَالِمِ إِلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ الْمَظْلُومُ أَيَّامًا يَلُوذُ بِهِ، وَيَشْكُو إِلَيْهِ، فَيَعْتَلُّ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُهُ ويُمَنِّيهِ، فَإِذَا ظَهَرْتَ صَرَخَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُسْتَغِيثًا، فَضُرِبَ وَجُعِلَ نَكَالا لِغَيْرِهِ، وَأَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَتَحْتَجُّ عَلَيْهِ بَأَنَّكُ قَدْ وَقَّفْتَ لَهُ رَجُلا يَنْظُرُ فِي ظَلامَتِهِ، فَمَا بَقَاءُ الْإِسْلامِ وَأَهْلِهُ عَلَى هَذَا؟ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ عَلَى مَا كَانَ فِيهِمْ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ بِطَانَتَهَا، لا تَنْهَى مَظْلُومًا عَنْ رَفْعِ مَظْلَمَةٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَأْتِي الْمَظْلُومُ فِي عَصْرِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ حَتَّى إِذَا وَصَلَ إِلَى بَابِ سُلْطَانِهِمْ نَادَى: يَا أَهْلَ الْإِسْلامِ.

فَيَقُولُونَ: مَا لَكَ؟ مَا لَكَ؟ لَيْسَ فِي ذَلِكَ طَلَبُ ثَوَابٍ إِلا الْتِمَاسَ مَكَارِمِ الدُّنْيَا.

فَيَقُولُ أَخِي إِلَيَّ فِي الْإِسْلامِ كَذَا وَكَذَا، فَيَبْتَدِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْمَنْطِقَ عِنْدَ سُلْطَانِهِمْ، فَيَقُولُونَ: بِالْبَابِ رَجُلٌ يَشْكُوا كَذَا وَكَذَا، فَيُنْظَرُ فِي ظَلامَتِهِ وَيُنْصَفُ.

وَقَدْ كُنْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُسَافِرُ إِلَى أَرْضِ الصِّينِ، فَقَدِمْتُهَا فِي بَعْضِ أَسْفَارِي، وَقَدْ أُصِيبَ مَلِكُهُمْ بِسَمْعِهِ، فَبَكَى يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ وُزَرَائِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا أَبْكَاكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ لا بَكَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَبْكِي لِلْبَلِيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِي، وَلَكِنِّي أَبْكِي لِمَظْلُومٍ يَصْرُخُ وَلا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِذَا ذَهَبَ سَمْعِي فَإِنَّ بَصَرِي لَمْ يَذْهَبْ، نَادُوا فِي النَّاسِ: أَلا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَحْمَرَ إِلا مَظْلُومٌ، ثُمَّ كَانَ يَرْكَبُ الْفِيلَ طَرَفَيِ النَّهَارِ فَيَنْظُرُ هَلْ يَرَى مَظُلُومًا.

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، قَدْ غَلَبَتْ رَأْفَتُهُ بِالْمُشْرِكِينَ شُحَّ نَفْسِهِ، وَأَنْتَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ، ثُمَّ أَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلا يَغْلِبَنَّكَ شُحُّ نَفْسِكَ، فَتَدَعَ الرَّأْفَةَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَجْمَعُ الأَمْوَالَ إِلا لَواحِدٍ مِنْ ثَلاثٍ.

ص: 153

إِنْ قُلْتَ: أَجْمَعُهُ لَوَلَدِي، فَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ عِبَرًا فِي الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَا لَهُ مَالٌ، وَمَا مِنْ مَالٍ إِلا عَلَيْهِ يَدٌ حَاوِيَةٌ، وَدُونَهُ يَدٌ شَحِيحَهٌ عَلَيْهِ، فَلا يَزَالُ اللَّهُ يَلَطُفُ بِذَلِكَ الطِّفْلِ حَتَّى تَعْظُمَ رَغْبَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَلَسْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي تُعْطِي، بَلِ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا يَشَاءُ، وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّمَا أَجْمَعُ الأَمْوَالَ لِتَشْيِيدَ مُلْكِي، فَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ عِبَرًا فِي بَنِي أُمَيَّةَ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا جَمَعُوا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا اسْتَعَدُّوا مِنَ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ وَالْكُرَاعِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهمْ مَا أَرَادَ، وَمَا ضَرَّكَ وَوَلَدُ أَبِيكَ مِنَ الضَّعْفِ وَقِلَّةِ الْجِدِّ، وْالْخُمُولِ حِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِكُمْ مَا أَرَادَ؟ وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّمَا أَجْمَعُ الأَمْوَالَ لِطَلِبِ غَايَةٍ هِيَ أَجْسَمُ مِنَ الْغَايَةِ الَّتِي أَنَا فِيهَا، فَوَاللَّهِ مَا مِنْ غَايَاتِ الدُّنْيَا غَايَةٌ هِيَ أَجْسَمُ مِنَ الْغَايَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا، وَلا بَعْدَهَا غَايَةٌ هِيَ أَجْسَمُ مِنْهَا، لا تَنْجُو إِلا بِمَا تَعْمَلُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ تُعَاقِبُ مَنْ عَصَاكَ مِنْ رَعِيَّتِكَ بِأَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ؟ قَالَ: لا.

قَالَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالْمَلِكِ الْجَبَّارِ الَّذِي خَوَّلَكَ مُلْكَ الدُّنْيَا، وَهُوَ لا يُعَاقِبُ مَنْ عَصَاهُ بِالْقَتْلَ، وَلَكِنْ يُعَاقِبُهُمْ بِالْخُلُودِ فِي الْعَذَابِ الأَلِيمِ؟ ! وَقَدْ رَأَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا قَدْ عَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُكَ، وَأَضْمَرَتْهُ جُوَارِحُكَ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ بَصَرُكَ، وَاجْتَرَحَتْهُ يَدَاكَ، وَمَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلاكَ، وَمَا حَمَلْتَ عَلَى ظَهْرِكَ، فَمَاذَا تَقُولُ إِذَا انْتَزَعَ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ مُلْكَ الدُّنْيَا مِنْ يَدِكَ، وَدَعَاكَ إِلَى الْحِسَابِ فِيمَا خَوَّلَكَ؟ هَلْ يُغْنِي عَنْكَ مَا شَحَحْتَ عَلَيْهِ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا؟ فَبَكَى الْمَنْصُورُ، وَقَالَ: لَيْتَنِي لَمْ أُخْلَقَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ أَحْتَالُ لِنَفْسِي؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ أَضْرَرْتَ بِآخِرَتِكَ، فَنِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ، فَاضْرُرْ بِدُنْيَاكَ تَنَلْ مِنْ آخِرَتِكَ.

قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ فِيمَا خُوِّلْتُ وَلَمْ أرَ مِنَ النَّاسِ إِلا خَائِنًا؟ .

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِلنَّاسِ أَعْلامًا يَفْزَعُونَ إِلَيْهِمْ، فَاجْعَلْهُمْ بِطَانَتَكَ يُرْشِدُوكَ، وَشَاوِرْهُمْ فِي أُمُورِكِ يُسَدِّدُوكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ: قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْهِمْ، فَهَرَبُوا مِنِّي.

قَالَ: هَرَبُوا مَخَافَةَ أَنْ تَحْمِلَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِ عُمَّالِكَ، وَلَكنِ افْتَحِ الأَبْوَابَ، وَسَهِّلِ الْحُجَّابَ، وَانْتَصِرْ لِلْمَظْلُومِ، وَاقْمَعِ الظَّالِمَ، وَخُذِ الْفَيْءَ وَالصَّدَقَاتَ، مِمَّا حَلَّ وَطَابَ، وَاقْسِمْهُ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، وَأَنَا الضَّامِنُ عَلَى الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْكَ أَنَ يَأْتُوكَ وَيُشَايِعُوكِ عَلَى صَلاحِ أَمُورِهِمْ وَأُمُورِكَ، وَصَلاحِ رَعِيَّتِكَ.

فَقَالَ الْمَنْصُورُ: اللَّهُمَّ وَفِّقْنِي لأَنْ أَعْمَلَ بِمَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ.

ص: 154

وَجَاءَ الْمُؤَذِّنُونُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَطَلَبَ الرَّجُلَ فَلَمْ يُوجَدْ، فَقَالَ بَعْضَ النَّاسِ: نَظُنُّهُ رَجُلا مِنَ الأَبْدَالِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَظُنَّهُ الْخَضِرَ عليه السلام

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: قَالَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ لَأَبِي جَعْفَرٍ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَسَّمَ أَقْسَامَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، لَمْ يَرْضَ لَكَ مِنَهِا إِلا بِأعْلاهَا وَأَسْنَاهَا، فَلَمْ يَجْعَلْ فَوْقَكَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا، فَلا تَرْضَ لِنَفْسِكَ إِذْ فَعَلَ بِكَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَكَ فِي الْآخِرَةِ أَحَدٌ، واتَّقِ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ، إِلَيْكُمْ جَاءَتْ، وَمِنْكُمْ قُبِلَتْ، وَإِلَيْكُمْ تُرَدُّ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لْابْنِهِ: " يَا بُنَيَّ، إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ نِعْمَةً، فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَإِذَا أَحْزَنَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ.

وَإِذَا أَبْطَأَ عَلَيْكَ رِزْقٌ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّهُ قَالَ لَبَنِيهِ: " يَا بَنِيَّ لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لاثْنَتَيْنِ: لا تَعَلَّمُوهُ لِلْتَمَارِي، وَلا لِلتَّبَاهِي، وَلا تَدَعُوهُ رَغْبَةً عَنْهُ، وَلا اسْتِحْيَاءً مِنَ تَعَلُّمِهِ

حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: " لا يَكُونُ الْمَعْرُوفُ مَعْرُوفًا إِلا بِاسْتِصْغَارِهِ وَتَعْجِيلِهِ وَكِتْمَانِهِ

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: " كَانَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ، يَقُولُ: لا أَشْتُمُ أَحَدًا، وَلا أَمْنَعُ سَائِلا أَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ، فَإِنَّمَا يَشْتُمُنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ: كَرِيمٌ كَانَ شَتْمُهُ إِيَّايَ زَلَّةً مِنْهُ، فَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَفَرَ لَهُ، أَوْ لَئِيمٌ قَادَهُ إِلَيَّ لُؤْمُهُ، فَلا أَرَى عِرْضِي لِعِرْضِهِ خَطَرًا، وَإِنَّمَا يَسْأَلُنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ: كَرِيمٌ أَصَابَتْهُ خَلَّةٌ، فَأَنَا أَحَقُّ مَنْ أَعَانَهُ، أَوْ لَئِيمٌ أَفْتَدِي مِنْهُ عِرْضِي

حَدَّثَنِي مُبَارَكُ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: " كَتَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْمَنْصُورِ يُعَزِّيهِ، أمَا بَعْدُ: فَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ، مَنْ كَانَ إِمَامًا بَعَدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِمَامٌ إِلا اللَّهُ

ص: 155

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الأَثْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَقَايَا عَادٍ مِمَّنْ نَجَا مَعَ هُودٍ صلى الله عليه وآله وسلم، يُقَالُ لَهُ: حِمَارُ بْنُ مُوَيْلِعِ، وَكَانَ أَشَدَّ أَهْلَ زَمَانِهِ وَأَمْنَعِهِ، وَكَانَ قَدْ حَمَى جَوْفًا مِنْ أَرْضِ عَادٍ، يُنْبِتُ حُرَّ الشَّجِرِ، وَكَانَ يَزْرَعُ فِي نَوَاحِيهِ، وَكَانَ أَخْصَبَ وَادٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَبِهِ مَاءٌ مَعِينٌ، وَكَانَ يُكْرِمُ الضَّيْفَ، وَيَرْعَى مَنِ اسْتَرْعَاهُ، فِي ذَلِكَ الْجَوْفِ، وَكَانَ طُولُهُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَعَرْضُهُ فَرْسَخَيْنِ لِلْرَاكبِ الْمُجِدِّ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ مِنَ أَسْفَلِهُ إِلَى أَعْلاهُ، وَمِنْ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ، فَهُوَ فِيمَا شَاءَ مِنْ رَعْيٍ وَشَجَرٍ، وَكَانَ مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَهُ بَنُونَ عَشْرَةٌ، وَمَعَهُ نُفَيْرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَخَرَجَ بَنُوهُ فِي سَفَرٍ لَهُمْ، فَأَصَابَتْهُمْ صَاعِقَةٌ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ، فَأَسِفَ وَغَضِبَ وَقَالَ: لا أعَبْدُ اللَّهِ أَبَدًا، فَرَجَعَ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَكَفَرَ كُفْرًا عَظِيمًا، وَمَنَعَ الضِّيَافَةَ مِمَّنْ مَرَّ بِهْ مِنَ النَّاسِ، وَدَعَا مَنْ أَرْعَاهُ مِنَ النَّاسِ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَمَنْ أَجَابَهُ تَرَكَهُ وَأَقَرَّهُ، وَمَنْ أَبَى عَلَيْهِ قَتَلَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ قَبَائِلِ مَهْرَةَ، وَهِي كُورَةٌ مِنْ كُوَرِ الْيَمَنِ، فَأَقْبَلَتْ نَارٌ مِنْ أَسْفَلِ الْجَوْفِ بِرِيحٍ عَاصِفٍ، فَأَحْرَقَتِ الَجَوْفَ بِمَا فِيهِ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، قَالَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَوَادٍ كَجَوْفِ الْعِيرِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ

بِهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كَالْخَلِيعِ الْمُعَيَّلِ

وَقَالَ عَوَاءُ بْنُ ضَمْضَمِ الْمَهْرِيُّ:

وَقَفْتُ عَلَى رَسْمٍ لَأَسَمْاءَ دَارِسٍ

أُسَائِلُهُ وَلَيْسَ فِي الدَّارِ مَأْنَسُ

تَحَمَّلَ مِنْهَا سَاكِنُوهَا فَأَصْبَحَتْ

كَجَوْفِ الْحِمَارِ لَيْسَ فِيهَا مَعْرَسُ

وَقَدْ كَانَ جَوْفُ الْعِيرِ لِلْعَيْنِ مَنْظَرًا

أَنِيقًا وَفِيَهِ لِلْمُجَاوِرِ مَنْفَسُ

وَقَالَ كَفَّارَةُ بْنُ مَيْسَاكٍ الْكِنْدِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:

مَرَرْتُ بِجَوْفِ الْعِيرِ وَهْيَ حَثِيثَةٌ

وَقَدْ خُلِّقَتْ بِالَأَمْسِ مَحْلَ الْقَرَاضِمِ

تُخَافُ مِنَ الْمَصْلَى عَدُوًّا مُكَاشِحًا

وَدُونَ بَنِي الْمَصْلَى هُذَيْلُ بْنُ ظَالِمِ

وَمَالِي بِجَوْفِ الْعِيرِ مِنْ مُتْلَدِّدِ

مَسِيرَةَ يَوْمٍ لِلْمَطِيِّ الرَّوَاسِمِ

الْقَرَاضِمُ: مِنْ مَهْرَةَ، حَيٌّ يُقَالُ لُهُمْ بَنُو قَرْضَمٍ، وَمَصْلَى بَطْنٌ، وَمُتْلَدِّدٌ مُتَلَفِّتٌ، وَيُقَالُ لِنَاحِيَتِي الْعُنُقِ: اللَّدِيدَانِ.

وَقَالَ عِيَاضُ بْنُ عَدِيٍّ، وَكَانَ رَجُلا مِنْ حَاءٍ وَحَكَمٍ، وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالَ: حَاءٌ وَحَكَمٌ حَيَّانِ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُمْ خَلْفُ الْحَكَمِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، وَكَانُوا عَلَى أَرْضٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا: الْبَوْبَاةُ، وَكَانُوا يَبْغُونَ فِيهَا فَاحْتَرَقَتْ فَقَالَ عِيَاضٌ:

أَلَمْ تَرَ لِلْبَوْبَاةَ كَيْفَ تَنَكَّرَتْ

مَعَالِمُهَا مِنْ حَيِّ حَاءٍ وَمِنْ حَكَمْ

وَصَبَّحَهَا يَوْمٌ عَصِيبٌ فَأَصْبَحَتْ

كَجَوْفِ الْحِمَارِ جَدْبَةً مَا بِهَا عَلَمْ

خَرَابًا يَبَابًا لَيْسَ فِيهِ مُعَرِّسٌ

لِمُقْتَبِسٍ نَارًا إِذَا نَازِلٌ أَزَمْ

ص: 156

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: " خَرَجَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمَعَهُ سَيِّدُ الْحِيرَةِ فِي عِيرٍ لَهُ، يُرِيدُ الْعِرَاقَ فِي تِجَارَةٍ لَهُ، وَكَانَ سُوقُ الْحِيرَةِ سُوقًا تَجْتَمِعُ إِلَيْهَا الْعَرَبُ كُلَّ سَنَةٍ، وَكَانَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَدْ جَعَلَ لِبَنِي لأْمٍ مِنْ طَيِّئٍ رُبْعَ الطَّرِيقِ طُعْمَةً لَهُمْ، وَذَلِكَ لأَنَّ ابْنَةَ سَعْدِ بْنِ حَارِثٍ مِنْ لأْمٍ كَانَتْ عِنْدَ النُّعْمَانِ، فَكَانُوا أَصْهَارَهُ فَمَرَّ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بَحَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ الْجِوَارَ فِي أَرْضِ طَيِّئٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْحِيرَةِ، فَأَجَارَهُ، وَأَمَرَ حَاتِمٌ بَجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ طُبْخَتْ أَعَضَاءً فَأَكَلُوا، وَمَعَ حَاتِمٍ مِلْحَانُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، فَلَمَّا فَرَغُوَا مِنَ الطَّعَامِ طَيَّبَهُمُ الْحَكَمُ مِنْ طِيبِهِ ذَلِكَ، فَمَرَّ حَاتِمٌ بِسَعْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ، وَلَيْسَ مَعْ حَاتِمٍ مِنْ بَنِي أَبِيهِ غَيْرُ مَلْحَانَ، وَحَاتِمٌ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، وَمَعهُ فَرَسُهُ يُقَادُ، فَأَتَاهُ بَنُو لَأْمٍ، فَوَضَعَ حَاتِمٌ سُفْرَتَهُ، فَقَالَ: أَطْعِمُوا حَيَّاكُمُ اللَّهُ.

فَقَالُوا: مَنْ هَؤُلاءِ مَعَكَ يَا حَاتِمُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ جِيرَانِي، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: فَأَنْتَ تُجِيرُ عَلَيْنَا فِي بِلادِنَا؟ ! فَقَالَ: أَنَا ابْنُ عَمِّكُمْ، وَأَحَقُّ مَنْ لَمْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَهُ.

فَقَالُوا: لَسْتَ هُنَاكَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوهُ كَمَا فُضِحَ عَامِرُ بْنُ جُوَيْنٍ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَ كِنْدِيُّ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمِ حَاتِمًا، فَأَهْوَى إِلَيْهِ حَاتِمٌ بِالسَّيْفِ.

فَأَطَارَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ، فَوَقَعَ الشَّرُ حَتَّى تَحَاجَزُوا، فَقَالَ حَاتِمٌ:

وَدِدْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَنْفَهُ

هَوَاءٌ فَمَا مَتَّ الْمُخَاطِ مِنَ الْعَظْمِ

وَلَكِنَّمَا لاقَاهُ سَيْفُ ابْنِ عَمِّهِ

فَأَبْقَى وَمَرَّ السَّيْفُ مِنْهُ عَلَى الْخَطْمِ

فَقَالُوا لِحَاتِمٍ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ سُوقُ الْحِيرَةِ، فَنُمَاجِدُكَ بِهَا، وَنَضَعُ الرَّهْنَ، فَفَعَلُوا، وَوَضَعُوا تِسْعَةَ أَفْرَاسٍ رَهْنًا، عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَعْبَشِ بْنِ عَلِيمٍ مِنْ جَنَابٍ، وَوَضَعَ حَاتِمٌ فَرَسَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْحِيرَةِ، وَسَمِعَ بِذَلِكَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ، فَخَافَ أنْ يُعَيِّنَهُمُ النُّعْمَانُ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَيُقَوِّيهِمْ بِمَالِهِ وَسُلْطَانِهِ، لِلصِّهْرِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَجَمَعَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ رَهْطَهُ مِنْ بَنِي حَيَّةَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي حَيَّةَ، إِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ قَدْ أَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوَا ابْنَ عَمِّكُمْ حَاتِمًا، وَيَصْنَعُوا بِهِ كَمَا صَنَعُوا بِعَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ، وَحَاتِمٌ وَحْدَهُ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَعِينُوا ابْنَ عَمِّكُمْ فِي مِجَادِهِ.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنِ بَنِي حَيَّةَ فَقَالَ: عِنِّدي مِائَةُ نَاقَةٍ سَوْدَاءَ، وَمِائَةُ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، وَمِائَةُ نَاقَةٍ أَدْمَاءَ.

وَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: عِنْدِي عَشَرَةُ حُصُنٍ عَلَى كُلِّ حِصَانٍ مِنْهَا فَارِسٌ مُدَجَّجٌ، لا يُرَى مِنْهُ إِلا عَيْنَاهُ.

ص: 157

وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ حَنْظَلَةِ الْخَيْرِ: قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ كَلا كَثِيرًا، وَلَكَنْ عَلَيَّ كُلُّ خَمْرٍ وَطَعَامٍ وَلَحْمٍ يُبَاعُ فِي سُوقِ الْحِيرَةِ.

ثُمَّ قَالَ إِيَاسٌ: عَلَيَّ مِثْلُ جَمِيعِ مَا أَعْطَيْتُمْ، وَمَا فِي سُوقِ الْحِيرَةِ.

قَالَ: وَلا يَعْلَمْ حَاتِمٌ بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعُوا، وَذَهَبَ حَاتِمُ إِلَى مَالِكِ بْنِ جَبَّارٍ، ابْنِ عَمٍّ لَهُ بِالْحِيرَةِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَقَالَ: أَعِنِّي فِي مُخَايَلَتِي وَأَنْشَدَهُ:

يَا مَالِ! إِحْدَى خُطُوبِ الدَّهْرِ قَدْ طَرَقَتْ

يَا مَالِ! مَا أَنْتُمُ عِنَهَا بِزْحَزَاحِ

يَا مَالِ! جَاءَتْ حِيَاضُ الْمَوْتِ وَارِدَةً

مِنْ بَيْنِ غَمْرٍ فَخُضْنَاهُ وَضَحْضَاحِ

فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا كُنْتُ لِأَحْرِمَ نَفْسِي وَلا عِيَالِي، وَأُعْطِيكَ.

فَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَأَتَى حَاتِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ عَمٍّ لَهُ يقالُ لَهُ: وَهْمُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ مُصَارِمًا لَهُ يَوْمَئِذٍ، لا يُكَلِّمُهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَيْ وَهْمُ، وَاللَّهِ أَبُو سَفَّانَةَ، حَاتِمٌ قَدْ طَلَعَ.

فَقَالَ: مَا لَنَا وَلِحَاتِمٍ، أَثْبِتِي النَّظَرَ.

فَقَالَتْ: هُوَ وَاللَّهِ هُوَ، لا شَكَّ فِيهِ.

فَقَالَ: وَيْحَكِ هُوَ لا يُكَلَّمُنِي، فَمَا جَاءَ بِهِ إِلَيَّ؟ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا حَاتِمُ؟ فَقَالَ: أَخْطَرْتُ عَنْ حَسَبِي وَحَسَبِكَ.

فَقَالَ: الرَّحْبُ وَالسَّعَةُ.

هَذَا مَالِي وَعِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعُ مِائَةِ بَعِيرٍ، فَخُذْهَا مِائَةً مِائَةً حَتَّى تَذْهَبَ الإِبِلُ، أَوْ تُصِيبَ الَّذِي تُرِيدُ.

فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: إِي وَهْمُ، أَتُخْرِجْنَا مِنْ مَالِنَا فَنَبْقَى عَالَةً؟ فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ مَا عِنْدَكِ لِيَرُدَّنِي عَمَّا قِبَلِي، فَقَالَ حَاتِمٌ:

أَلا أَبْلِغَا وَهْمَ بْنَ عَمْرٍو رِسَالَةً

فَإِنَّكَ أَنْتَ الْمَرْءُ بِالْخَيْرِ أَجْدَرُ

رَأَيْتُكَ أَدْنَى مِنْ أُنَاسٍ قَرَابَةً

وَغَيْرُكَ مِنْهُمْ كُنْتُ أَحْبُو وَأَنْصُرُ

إِذَا مَا أَتَى يَوْمٌ يُفَرِّقُ بَيْنَنَا

بِمَوْتٍ فَكُنْ يَا وَهْمُ ذُو تَتَأَخَّرُ

ثُمَّ قَالَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ: احْمِلُونِي إِلَى الْمَلِكِ، وَكَانَ بِهِ نَقْرَسٌ، فَحُمِلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا أَبَيْتَ اللَّعنَ.

فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: حَيَّاكَ إِلَهَكَ.

فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ: أَتُمِدُّ أَخْتَانَكَ بِالْمَالِ، وَالْخَيْلِ، وَجَعَلْتَ بَنِي ثُعَلٍ فِي قَعْرِ الْكِنَانَةِ؟ أَظَنَّ أَخْتَانُكَ أَنْ يَصْنَعُوا بِحَاتِمٍ مَا صَنَعُوا بِعَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ، وَلَمْ يَشْعُرُوا أَنَّ بَنِي حَيَّةَ بِالْبَلَدِ.

فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ نَاجَزْنَاكَ حَتَّى تَسْفَحَ الأَوْدِيَةُ دَمًا فَلْيَحْضِرُوا مِجَادَهُمْ عِنْدَ مَجْمَعِ الْعَرَبِ، فَعَرَفَ النُّعْمَانُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَكَلامِهِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: يَا حَلِيمَنَا لا تَغْضَبْ.

فَأَرْسَلَ النُّعْمَانُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا ابْنَ عَمِّكُمْ حَاتِمًا فَأَرْضُوهُ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أُعْطِيكُمْ مَالِي تُبَدِّدُونَهُ، وَمَا أُطِيقُ بَنِي حَيَّةَ.

فَخَرَجَ بَنُو لأْمٍ إِلَى حَاتِمٍ، فَقَالُوا: أَعْرِضْ عَنْ هَذَا الْمِجَادِ وَنَدَعُ لَكَ أَرْشَ أَنْفِ ابْنِ عَمِّكَ.

ص: 158

قَالَ: لا وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ حَتَّى تَتْرُكُوا أَفْرَاسَكُمْ، وَيُغْلَبَ مِجَادُكُمْ، فَتَرَكُوا أَفْرَاسَهُمْ، وَأَرْشَ أَنْفِ صَاحِبِهِمْ، وَقَالُوا: أَبْعَدَهَا اللَّهُ فَإِنَّمَا هِيَ مَقَارِيفُ، فَعَمِدَ حَاتِمٌ إِلَيْهَا، فَعَقَرَهَا، وَأَطْعَمَهَا النَّاسَ، وَسَقَاهُمُ الْخَمْرَ، فَقَالَ حَاتِمُ يُخَاطِبُ أَوْسَ بْنِ حَارِثَةَ:

هَا إِنَّمَا مُطِرَتْ سَمَاؤُكُمُ دَمًا

وَرَفَعْتَ رَأْسَكَ مَثْلَ رَأْسِ الأَصْيَدِ

لِيَكُونَ جِيرَانِي أُكَالا بَيْنَكُمْ

بُخْلا لِكِنْدِيٍّ وَسَبِيٍّ مَرْثَدِ

وَابْنُ النُّجُودِ إِذَا غَدا مُتَبَاطِنًا

دَخَنَ الْقُدُورِ وَذِي الْعِجَانِ الأَرْبَدِ

وَلِثَابِتٍ عَينَي حِرٍ مُتَمَاوِتٍ

وَالْمعْطُ أَوْسٌ إِذْ عَرَا الْمقلدِ

بَلِّغْ بَنِي لأْمٍ بَأَنَّ جِيَادَهُمْ

عَقْرَى وَأَنَّ مِجَادَهُمْ لَمْ يَرْشُدِ

أَبْلِغْ بَنِي ثُعَلٍ بَأَنِّيَ لَمْ أَكُنْ

أَبَدًا لأَفْعَلَهَا طِوَالَ الْمُسْنَدِ

لَأَجِيئَهُمْ فَلًّا وَأَتْرُكَ صُحْبَتِي

نَهْبًا وَلَمْ تَعْدُ بِقَائِمَةِ يَدِي

كِنْدِيُّ بْنُ حَارِثَةَ بْنُ لَأْمٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ.

ابْنُ النُّجُودِ: الأَفْوَهُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ، وَالنُّجُودُ بِنْتُ ثُوْرٍ مِنْ بَنِي رِيفِ بْنِ مَالِكِ، وَالْعَجَّانُ: سَعْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ "

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحْرِزِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ جَدُّهُ وَهُوَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعْتُ مُحْرِزَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْخَيْبَرِيِّ، مَرَّ مُسَافِرًا وَنَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ بِقَبْرِ حَاتِمٍ، بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: تَبْعَةُ، حَوْلَهُ أَنْصَابٌ نَوَائِحُ مِنْ حِجَارَةٍ كَأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ، فَنَزَلُوا بِهِ، فَبَاتَ أَبُو الْخَيْبَرِيِّ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا يُنَادِيهِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَبَا جَعْرٍ أَقْرِ أَضْيَافَكَ، أَبَا جَعْرٍ أَقْرِ أَضْيَافَكِ.

اسْتَهْزَاءً بِهِ وَسُخْرِيَةً.

قَالَ: فَيُنَادَى فِي سَوَادِ اللَّيْلِ: مَهْلا مَا تُكَلِّمُ مِنْ رِمَّةٍ بَالِيَةٍ! وَالرِّمَّةُ: الْعَظْمُ الْبَالِي، وَجَمْعُهَا: رِمَمٌ.

فَيُجِيبُ الْمُنَادِي ردًّا عَلَيْهِ فَيَقُولُ: إِنَّ طَيْئًا تَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ أَحَدٌ إِلا قَرَاهُ، فَأُجِيبَ: ارْقُدْ فَإِنَّهُ سَوْفَ يَقْرِيكَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَامَ أَبُو الْخَيْبَرِيِّ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ هَبَّ فَزِعًا وَهُوَ يَصْرُخُ بِأُعْلَى صَوْتِهِ: رَاحِلَتَاهُ، رَاحِلَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَيْلَكَ، مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: خَرَجَ وَاللَّهِ حَاتُمٌ مِنْ قَبْرِهِ بِالسَّيِفِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى عَقَرَ نَاقَتِي.

قَالُوا: كَذَبْتَ وَاللَّهِ لا يَخْرُجُ مَيِّتٌ مِنْ بَطْنِ قَبْرٍ مَرْسُوْسٍ عَلَيْهِ.

قَالَ: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلَ.

ص: 159