الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 -
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِيِ بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ:
حَضَرَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيشٍ مَجْلِسَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أَمَيَّةَ
بْنِ خَلَفٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هَاشِمٍ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: احْمَدُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ، إِذْ جَعَلَ وَالِيَ أُمُورِكُمْ مَنْ يُغْضِي عَلَى الْقَذَى، وَيَتَصَامُّ عَلَى الْعَوْرَاءِ، وَيَجُرُّ ذَيْلَهُ عَلَى الْخَدَائِعِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَشَّيْنَا إِلَيْهِ الضَّرَّاءَ وَدَبَّيْنَا لَهُ الْخَمْرَ، وَقَلَبْنَا لَهُ ظَهَرَ الْمِجَنِّ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَقُومَ بَأَمْرِنَا أَمْرٌ، وَلا يُطْعِمُكَ مَالُ مُضَرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ حَتَّى مَتَى لا تُنْصَفُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ عَمْرًا وَذَوِيهِ أَفْسَدُوكَ عَلَيْنَا، وَأَفْسَدُونَا عَلَيْكَ، مَا كَانَ عَلَيْكَ لَوْ أَغْضَيْتَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ عَمْرًا نَاصِحٌ لِي.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَطْعِمْنَا مَثْلَ مَا أَطْعَمْتَهُ، ثُمَّ خُذْنَا بِمِثْلِ نَصِيحَتِهِ، إِنَّا يَا مُعَاوِيَةُ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ عَوامَّ قُرَيشٍ فِي خَوَاصِّهَا، كَأَنَّكَ تَرَى كِرَامِهَا حَازُوكَ دُونَ لِئَامِهَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّكَ تُفْرِغُ مِنْ وِعَاءِ فَمٍ فِي إِنَاءٍ ضَخْمٍ، وَلَكَأَنَّكَ بِالْحَرْبِ قَدْ حُلَّ عِقَالُهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ لا يُنْظُرُ لَكَ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَا أَحْوَجَ أَهْلَكَ إِلَيْكَ، يَقُولُ: لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ قُتِلْتُ.
ثُمَّ أَنْشَدَ مُعَاوِيَةُ:
أَغَرَّ رِجَالا مِنْ قُرَيشٍ تَتَابَعُوا
…
عَلَى سَفَهٍ مِنِّي الْحَيَا وَالتَّكَرُّمُ
"
77 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَبَا الطُّفَيْلِ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ:
أَلَسْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ ، قَالَ: لا، وَلَكِنَّنِي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ.
قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِهِ؟ قَالَ: لَمْ
يِنْصُرْهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا لَقَدْ كَانَ حَقُّهُ وَاجِبًا، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْصُرُوهُ.
قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصْرِهِ، وَمَعَكَ أَهْلُ الشَّامِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا طَلَبِي بِدَمِهِ نُصْرَةٌ لَهُ؟ فَضَحِكَ الطُّفَيْلُ، وَقَالَ: أَنْتَ وَعُثْمَانُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لا أَلْفَيَنَّكَ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْدُبُنِي
…
وَفِي حَيَاتِيَ مَا زَوَّدْتَنِي زَادِي
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، مَا أَبْقَى الدَّهْرُ مِنْ ثَكْلِكَ عَليًّا؟ قَالَ: ثَكْلُ الْعَجُوزِ الْمِقْلاتِ، وَالشَّيْخِ الرَّقُودِ.
قَالَ: كَيْفَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى، وَإِلَى اللَّهِ أَشْكُو التَّقْصِيرَ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: " مَا أَعْيَانِي جَوابُ أَحَدٍ مَا أَعْيَانِي جَوابُ عُثْمَانَ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا أَنْ قُلْنَا رَبُّنَا اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنَّا مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ ، وَمِنَّا مَنْ مَاتَ بِالْحَرَمِ
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ أبي الْعَبَّاسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى الأَنْصَارِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصَرَةِ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ لا يَعْرِفُونَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ الْفَضْلَ، كَمَا يَعْرِفُ أَهْلُ مَكَّةَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْفَضْلَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَعَاذَ اللَّهِ نَحْنُ وَاللَّهِ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا، وَأَبْعَدُ فِي الأَرْضِ آثَارًا، لَنَا خُرَاسَانُ، وَسِجِسْتَانُ، وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ، افْتَتَحْنَاهَا بِالْبِيضِ الْقَوَاضِبِ، حَتَّى أُوثِقَتْ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ، بِأُصُولِ الْقَنَا بِأَرْضِ الْفُلْفُلِ، وَلَنَا كَرْمَانُ وَمُكرَانُ وَفَارِسُ وَالأَهْوازُ، وَالْعِرَاقُ عِرَاقُنَا، وَالأَرْضُ أَرْضُنَا، وَإِنَّمَا أَهْلُ الْكُوفَةِ أَضْيَافٌ عَلَيْنَا.
فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: دَعْنَا مِنْ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، فَلَعَمْرِي أَنْتُمْ أَرْفَعُ مِنَّا بِلادًا، وَلَكِنْ بِاللَّهِ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّا أَكْثَرُ مِنْكُمْ فُقَهَاءَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا وَاللَّهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَكْثَرَ مِنَّا فُقَهَاءَ، وَلَكِنَّكُمْ أَكْثَرُ مَنَّا أَنْبِيَاءَ، مِنْكُمْ بَيَانُ التِّبْيَانِ، وَالْمُغِيرَةُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ.
وَمَا لَنَا نَبِيٌّ إِلا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، فَضَحِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَاشْتَدَّ ضَحِكُهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، هُمْ أَكْثَرُ مِنْكُمْ أَنْبِيَاءَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ أَرْضًا قَطُّ أَكْثَرَ نَبِيًّا مَصْلُوبًا مِنْهَا، فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَغْمِزُ أَبَا بِكْرٍ وَيَضْحَكُ، يَغْمِزُهْ بِالْقَضِيبِ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّمَا كَانَ أَصْلُ الْمُغِيرَةَ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلا إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
فَتَنَازَعَا طَوِيلا، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ الْبَصْرَةَ أَرْضٌ طَيِّبَةٌ لا تَدَعُ فِيهَا خَبَثًا إِلا أَخْرَجَتَهُ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: دُونَكُمُ الْهُذَلِيُّ فَقَدْ سَلَّطْتُكُمْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذًا لا يَنْتَصِفُونَ مِنِّي.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لَأنَّ الْحَقَّ فِي يَدِي، وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: أَلا تَعْجَبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ يُفَاخِرُ أَهْلَ الْكُوفَةِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَيَعْدِلُهُمْ بِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ مَا أَعْدِلُهُمْ بِهِمْ، وَلَكِنِّي أُفَضِّلُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ شَرِيفُ قَوْمٍ إِلا وَشَرِيفُ قَوْمٍ بِالْبَصْرَةِ أَشْرفُ مِنْهُ.
مَا كَانَ فِي تَمِيمِ الْكُوفَةِ مِثْلُ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ مِنْ تَمِيمِ الْبَصْرَةِ.
وَلا كَانَ فِي أُزْدِ الْكُوفَةِ مِثْلُ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ أُزْدِ الْبَصْرَةِ، وَلا كَانَ فِي قَيْسِ الْكُوفَةِ مِثْلُ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مِنْ قَيْسِ الْبَصْرَةِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا خَشِينَا مِنْ أَمِيرٍ ظَلامَةً
…
أَمَرْنَا أَبَا غَسَّانَ يَوْمًا فَعَسْكَرَا
وَقَالَ جَرِيرٌ:
يَا عَيْنُ وَيْحَكِ هَيِّجِي أَحْزَانًا
…
وَاسْتَعْجِلِي بِدِمُوعِكِ الأَزْمَانَا
قَالَتْ رَبِيعَةُ يَوْمَ كُفَّنَ مَالِكٌ
…
لا فَجْعَ أَكْبرُ مِنْ أَبِي غَسَّانَا
كَانُوا إِذَا شَعِبُوا شَعِبْتَ عَلَيْهِمُ
…
بَلْ كُنْتَ أَطْوَلَ فِي الْحُرُوبِ عِنَانَا
وَمَا كَانَ فِي عَبْدِ قَيْسٍ الْكُوفَةِ مثلُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ مِنْ عَبْدِ قَيْسِ الْبَصْرَةِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:
يَا حَكَمَ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ
…
أَنْتَ الْجَوَادُ ابْنُ الْجَوَادِ الْمَحْمُودْ
سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكَلامِ رَجُلٍ، كَأَنَّكَ لا تَعْرِفُ شَرَفَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرِ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِثْلَ مَلِكِ هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ؟ فَقَدْ مَلَكَهُمَا يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، وَمَلَكَهُمَا رَجُلٌ مَوْلًى لِبَنِي سَعْدٍ، يُقَالُ لَهُ: صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا قَطَعَ نَهْرَ بَلْخٍ رَجُلٌ أَوَّلُ مِنْ خَالِكَ رَبِيعِ بْنِ زِيَادِ مِنْ بَنِي الْحَارِثَ بْنِ كَعْبِ، ومَا سَارَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ رَجُلٌ أَوَّلُ مِنْهُ.
فَقَالَ الْقَاضِي: حَدَّثَنَا أَشْيَاخٌ لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ كَانُوا يَوْمَ الْجَمَلِ ثَلاثِينَ أَلْفًا، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ تَسْعَةُ آلافٍ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ أَيْنَ كُنَّا ثَلاثِينَ أَلْفًا، فَوَاللَّهِ لَرَبِيعَةُ الْبَصْرَةِ كَانَتْ مَعَ عَلَيٍّ تُقَاتِلُ عَنْهُ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ وَعَلِيٌّ الَّذِي يَقُولُ:
يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى رَبِيعَةْ
…
رَبِيعَةَ السَّامِعَةَ الْمُطِيعَةْ
وَلَكِنْ سَلْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمْ كَانَتْ عِدَّتُهُمْ يَوْمَ دَخَلْنَا مَسْجِدَهُمْ بالْكُوفَةِ، فَذَبَحْنَا مِنْهُمْ ثَلاثِينَ أَلْفًا ذَبْحَ الْحِمْلانِ؟ فَأَرَادَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ أَنْ يَكْسِرَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: مَعَ مَنْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُنَّا مَعَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ.
قَالَ: فَمَنْ كُنْتُمْ تُقَاتِلُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُقَاتِلُ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيَّ وَرَفَعَ صَوْتَهُ.
فَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَى مَا كُنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، عَلَى بَاطِلٍ أَمْ عَلَى حَقٍّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُنَّا عَلَى بَاطِلٍ، وَكُنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، فَضَعُفْتُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَغَلَبَ بَاطِلُنَا حَقَّكُمْ.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: مَنْ قَاتَلْتُمْ يَوْمَ الْجَمَلِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَاتَلْنَا عَليًّا، وَحَرَّضْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَوَى اللَّهُ أَيْدِيَنَا وَسِلاحَنَا، نَظَرًا مِنَ اللَّهِ لَنَا، وَخَيْرَةً حَتَّى خَرَجَ سُلَيْمًا، ثُمَّ قُتِلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ بِالْكُوفَةِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَثَلُ الْعَرَبِ كَمَثَلِ السِّمْسِمِ، إِنْ تَعْصِرْهُ وَحْدَهُ يَخْرُجْ مِنْهُ الْحِلُّ، وَإِنْ تَخْلِطْ مَعَهُ غَيْرَهُ تُخْرِجْ مِنْهُ أَلْوانَ الأَدْهَانِ، تَفَرَّقَتِ الْعَرَبُ مِنْ تِهَامَةِ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ: فِرْقَةٍ بِالْيَمَنِ، فَأَخَذَتْ بِآبِينِ النَّجَاشِيِّ وَشَكْلِهِمْ، وَفِرْقَةٍ وَقَعَتْ بِالْشَامِ فَأَخَذَتْ بِآبِينِ الْقِبْطِ وَشَكْلِهِمْ، وَفِرْقَةٍ وَقَعَتْ بِالْكُوفَةِ، فَأَخَذَتْ بِآبِينِ الْفُرْسِ، فَأَيُّهَا أَخْيَرُ النَّجِاشِيُّ أَمِ الْقَبْطُ أم النبط أَمِ الْفُرْسُ؟ قَالَ: بَلِ الْفُرْسُ
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ: مَرْحَبًا بِكَ أَبُو صَفْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَادِيكَ، وَهَطَلَتْ عَلَيْكَ مُكْفَه ِرَّاتُ السَّحَابِ.
قَالَ: كَيْفَ كُنْتَ؟ قَالَ: فِي نِعَمٍ مِنَ اللَّهِ سَوَابِغَ، لا نَعْرِفُ إِلا الْمَزِيدَ فِيهَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي ثِنْيَةِ السَّمَاوَةِ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْنَا رِيحًا حَرْجَفًا، تَبَوَّأَتْ لَهَا السِّبَاعُ أَسْرَابَهَا، وَانْفَرَجَتِ الطُّيرُ إِلَى أَوْكَارِهَا، وَاحْمَرَّتْ لَهَا آفَاقُ السَّمَاءِ، فَلَمْ أَهْتَدِ لَعَلَمٍ لامِعٍ، وَلا لِنَجْمٍ طَالِعٍ، فَبَقَيْتُ كَالْمُتَحَيِّرِ لا أَجِدُ وَزَرًا، فَإِنِّي لَكَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَوَارِسُ عَلَى خُيُولٍ كَأَنَّهَا قُضُبُ الشَّوْحَطِ، تَهْوِي هَوِيَّ الأَجَادِلِ، عَلَيْهَا كُلُّ غِطْرِيفٍ مَاجِدٍ مُتْرَفٍ كَالْحُسَامِ، وَخَلْفَهُمْ سَلُوقِيَّةٌ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعٌ، وَفِي أَعْجَازِهَا قِمَعٌ، فَمَرَرْنَا بِمَوزٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَأَنَهُ جُثَثُ الْيَرَابِيعِ، قَدِ احْلَوْلَكَ أَقْنَاؤُهُ فَيَا لَكَ مِنْ مَنْزِلٍ كَرُمَ مَآبُهَ، وَضَنَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَنَزَلْنَا، فَكُنَّا بَيْنَ آكِلٍ وَنَاشِلٍ وَمُشْتَوٍ وَطَاهٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: اجْتَمَعَ ثَلاثَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَيُّ نِصْفِ بَيْتِ شِعْرٍ أَحْكَمُ، وَأَوْجَزُ، قَالَ الأَوَّلُ: قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَصِحَّ وتَسْلَما وَقَالَ الثَّانِي: بَلْ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ: نُوكَّلُ بِالأَدْنَى وَإِنْ جَلَّ مَا يَمْضِي وَقَالَ الثَّالِثُ: بَلْ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيبٍ الْهُذَلِيُّ: وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْرَعُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ سَلْمَى بْنِ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ: كَانَ وَاللَّهِ لا يَضِلُّ حَتَّى يَضِلَّ النَّجْمُ وَلا يَعْطَشُ حَتَّى يَعْطَشَ الْبَعِيرُ، وَلا يَهَابُ حَتَّى يَهَابَ السَّيْلُ، وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَا يَكُونُ حِينَ لا تَظُنُّ نَفْسٌ بِنَفْسٍ خَيرًا
وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: مَرَّ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بَإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَبْلَةَ بْنِ مَخْرَمَةَ السَّكُونِيِّ الْخَطِيبِ، وَهُوَ يُعَلِّمُ فِتْيَانَهُمُ الْخَطَابَةَ، فَوَقَفَ بِشْرٌ، فَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَفَ لِيَسْتَفِيدَ أَوْ يَكُونَ رَجُلا مِنَ النَّظَّارَةِ، فَقَالَ بِشْرٌ: اضْرِبُوا عَمَّا قَالَ صَفْحًا، وَاطْوُوا عَنْهُ كَشْحًا.
ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِمْ صَحِيفةً مِنْ تَحْبِيرِهِ وَتَنْمِيقِهِ وَكَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ الْكَلامِ: خُذْ مِنْ نَفْسِكَ سَاعَةَ نَشَاطِكَ، وَفَرَاغَ بَالِكَ فِي إِجَابَتِهَا إِيَّاكَ، فَإِنَّ فَلِيلَ تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْرَمُ جَوْهَرًا، وَأَشْرَفُ حَسَبًا وَأَسْرَعُ فِي الأَسْمَاعِ، وَأَحْلَى فِي الصُّدُورِ، وَأَسْلَمُ مِنْ فَاحِشِ الْخَطَأِ، وَأَجْلَبُ لِكُلِّ عَيْنٍ وَغُرَّةٍ، مِنْ لَفْظٍ شَرِيفٍ، وَمَعْنًى بَدِيعٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَجْدَى عَلَيْكَ مِمَّا يُعْطِيكَ يَوْمُكَ الأَطْوَلُ بِالْكَدِّ وَالْمُجَاهَدَةِ، وَبِالتَّكَلُّفِ وَالْمُعَاوَدَةِ، وَمَهْمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يُخْطِئْكَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولا قَصْدًا، وَخَفِيفًا عَلَى اللِّسَانِ سَهْلا، وَكَمَا خَرَجَ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَنَجَمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، وِإِيَّاكَ وَالتَّوَعُّرَ، فَإِنَّ التَّوَعُّرَ يُسْلِمُكَ إِلَى التَّعْقِيدِ، وَالتَّعْقِيدُ هُوَ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ مَعَانِيَكَ، وَيَشِينُ أَلْفَاظَكَ، وَمَنْ أَرَاغَ مَعْنًى كَرِيمًا فَلْيَلْتَمِسْ لَهُ لَفْظًا كَرِيمًا.
فَإِنَّ حَقَّ الْمَعْنَى الشَّرِيفِ اللَّفْظُ الشَّرِيفُ.
وَمِنْ حَقِّهِمَا أَنْ تَصُونَهُمَا عَمَّا يُفْسِدُهُمَا وَيُهَجِّنُهُمَا، وَعَمَّا تَعُودُ مِنْ أَجْلِهِ أنْ تَكُونَ أَسْوَأَ حَالا مِنْكَ قَبْلَ أَنْ تَلْتَمِسَ إِظْهَارَهُمَا، وَتَرْتَهِنَ نَفْسَكَ فِي مُلابَسَتِهِمَا وَفَصَاحَتِهِمَا.
وَكُنْ فِي ثَلاثِ مَنَازِلَ، فَإِنَّ أَوَّلَ الثَّلاثِ: أَنْ يَكُونَ لَفْظُكَ رَشِيقًا عَذْبًا، وَفَخْمًا سَهْلا، وَيَكُونَ مَعْنَاكَ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا، وَقَرِيبًا مَعْرُوفًا، إِمَّا عِنْدَ الْخَاصَّةِ إِنْ كُنْتَ لِلْخَاصَّةِ قَصَدْتَ، وَإِمَّا عِنْدَ الْعَامَّةِ، إِنْ كُنْتَ لِلْعَامَّةِ قَصَدْتَ وَأَرَدْتَ.
وَالمَعْنَى لَيْسَ شَرَفًا بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَعَانِي الْخَاصَّةِ، كَذَلِكَ لَيْسَ يُتَصَنَّعُ بَأَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْانِي الْعَامَّةِ، وَإِنَّمَا مَدَارُ الشَّرِفِ مَعَ الصَّوَابِ، وَإِحْرَازُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْحَالِ، وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ مَقَامٍ مِنَ الْمَقَالِ.
وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الْعَامِّيُّ وَالْخَاصِّيُّ، فَإِنْ أَمْكَنَكَ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ بَيَانِ لِسَانِكَ، وَبَلاغَةِ قَلْبِكَ، وَلُطْفِ مَدْخَلِكَ، وَاقْتِدَارِكَ فِي نَفْسِكَ عَلَى أَنْ تُفَهِّمَ الْعَامَّةَ مَعَانِيَ الْخَاصَّةِ، وَتَكْسُوَهَا الأَلْفَاظَ الْمُتَوَسِّطَةَ، الَّتِي لا تَلْطُفُ عِنْدَ الدَّهْمَاءِ، وَلا تَجْفُو عَنِ الأَكْفَاءِ، فَأَنْتَ الْبَلِيغُ التَّامُّ.
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا قُرِئَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنَا أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنْ هَؤُلاءِ الْفِتْيَانِ